جبل النار له البلاد، متّبع لخطى الأجداد، فحمل القلم سلاحا و عتاد، يرافقه الحرف في الحداد و الأعياد، كلماته نقّاد، تحاكي أفراح و أتراح العباد. عشق دمشق الصغرى من أعماقه ينادي، يا وطني عزّتك هي مرادي، لن ترضخ مهما قسوا الأعادي، على نيل حريّتك سأبني عنادي و لن يهزمني سوط جلاّدي، سيكون المرقم طريقي الهادي لأبجدية ستحدّد مسار اجتهادي، هو الشاعر الفلسطيني "مازن دويكات" مرحبا بك سيدي أهلا وسهلا بك س ما هي ملامح الحرف الذي يستسلم له إحساس الشاعر "مازن دويكات"؟ ج اللغة هي اللغة بكل حروفها و هي ملك الجميع و لكن للمبدع خصوصية و حميمية ما في التعامل معها، و هذا التعامل يتأتى بناء على أرث هذا المبدع المعرفي. يقول الجاحظ : المفردات على قارعة الطريق و هي متاحة للجميع ... و هنا في اعتقادي يكمن دور المبدع في الانتقاء و الاختيار، و هذا كما قلت يعتمد على روحيته و مفهومة للإبداع، و عليّه هنا أن يجتهد في بناء علاقة تبادلية بين المفردة و الفكرة بحيث يكون النتاج مغايراً للسائد حتى يتمكن من إيجاد خصوصية ما من خلالها يكتسب صفة المبدع .. و من دون هذا يتساوى الجميع في نتاج مكرر و مجّتر لا فائدة و لا طائل منه، و هذه النتيجة هي المعيار التي تجعل المتلقي يقترب أو يبتعد عن المبدع .. و أنا أحاول قدر الإمكان أن أجد لي حرفاً يدلّ عليّ , قد أصيب و قد أخطئ و لكن المهم أنّي أحاول .. و دون فهمنا لماهية الإبداع و دوره الحضاري و الإنساني لن نتمكن من خلق هذه الحالة الإبداعية. س ماذا يتمّز المبدع؟ ج المبدع هو في البدء إنسان كغيره من بني البشر و تمّيزه يكمن في حساسيته العميقة تجاه الأشياء .. محيطه / جواره/ وجغرافية بعيدة يسمع عنها و يتابعها بقرون استشعاره الذهنية و بوصلته الفكرية .. هو الرائي برؤيا بصرية و رؤية تخيلية و هو الراصد للمشهد بكل جوانبه و جهاته الست و من خلال هذه الحصيلة المتميزة يستطيع أن ينجز عوالمه المتفرّدة. س يقول المخترع الاسكتلندي "ألكسندر غراهام بيل" "لا تسلك طريقا واضحا فقد سبقك إليه آخرون"، ما هي المميّزات التي خصّت الطريق الذي انتهجه حرف الشاعر "مازن دويكات"؟ ج عادة الطريق غير المعبّدة تؤدي لعوالم جديدة، بكر طازجة بروائح مدهشة .. في كل البدايات لا يستطيع الكائن أن يتعلم دون من سبقوه و على الطائر حين تشتدّ أجنحته أن يحلّق بكامل طاقاته و عليه أن يجد مداراته الجديدة.. كذلك المبدع هو في البدء بحاجة لعلامات على الطريق و من بعد تصبح مهمته أن يكون هو علامة على هذا الطريق وبخصوص تجربتي ما زلت أحاول لعلي أصل يوماً و أترك أثراَ من خطى على هذه الطريق. س هل نفهم من كلامك هذا أنك تساند معتقد الشاعر الأمريكي "إمرسون" عندما قال "لا تذهب حيث يأخذك الطريق بل اذهب إلى حيث لا يوجد طريق و أترك أثر"؟ ج الذاهب إلى بيته يعرف طريقه لأنه يعرف عنوانه عن ظهر قلب، و لكن من يريد أن يبني بيتاً جديداً عليه أن يجد الطريق أولاً لهذا البيت .. و البيت الذي في الذهن و المخيلة بلا طريق عادة لأنه مغاير للمعمار السائد و لو كان نمطيّاً لن تحتمله المخيلة .. و الإبداع هو في الأصل مخيلة و من بعد يرتفع فوق الأرض بطريقه الجديدة. س أين يلتقي الإبداع مع التفكير؟ ج الإبداع هو نتاج التفكير و على التفكير أن ينقاد إلى بؤرة الضوء المشتعلة في ذهن المبدع، لذلك المبدع المفكر أكثر تأثيراً في ترويض اللغة الممغنطة عكس المفكر المبدع الذي ينطلق للفكرة من خلال لغة جافة إخباريّة معلوماتية و في المجمل هي علاقة تعتمد على قدرة من سيستحوذ على من. و الخلاصة بمفهومي المتواضع، لا إبداع دون فكر و لكن ثمة فكر دون إبداع. س هل مفهومك هذا يعتبر مناصرة لرأي المفكر الإيراني "علي شريعتي" حيث قال "الفقر ليس ليلة تقضيها من دون طعام، الفقر يوم يمرّ عليك من دون تفكير"؟ ج إذا كان وقت المجاعة مرهون بليلة واحدة فهذا مقدور عليه، و لكن إذا كانت المجاعة سلوك يومي للنظم السياسة من أين سيأتي التفكير .. المعدة الخاوية لن تفكر إلا في الرغيف و حين يكون هذا الرغيف في متناول كل مواطن سأسمح لنفسي أن أصدّق مقوله على شريعتي. لا بدّ للشعار أن يتواءم مع الراهن المعاش و يجب عليه أن يكون المخرج لإشكالية الوطن و المواطن و لا أن يكون مجرد يافطة تتجدد في كل حفل سياسي لتحقيق مآرب ضيقة .. مع قناعتي أن مشكلة الفقر هي تحتاج لكل أدوات التفكير .. كل المخلوقات تفكر و الإنسان هو أرقاها فكرا. س "الشعر جنون مضيء"، هل اعترافك هذا يعتبر دعم لقول الفيلسوف و الكاتب المسرحي الروماني "سينيكا الأصغر" "ليس من عبقرية عظيمة دون مس من الجنون"؟ ج علينا في البدء أن نتفق على تعريف الجنون المقصود هنا كي لا نساوي بين ما هو في ذروة العقل و التعقّل و العقلنة و بين ما هو في نقيض هذا ... هذا هو الجنون المضيء الذي يحمل فانوس المعرفة و الدهشة و الرؤى المتوارية و التي لا تظهر إلا بنبش هذا المعول الثري بخصوبته و البهي بعذوبته .. هو معول الإبداع بكل قنواته المتفرعة في هذه الأرض التي قال عنها درويش أنها تستحق الحياة و هذا الاستحقاق لن يكون إلا بكل ما هو مغاير و جميل و مدهش. س يقول الكاتب الفرنسي "أندرية جيد" " أجمل الأشياء هي التي يقترحها الجنون و يكتبها المنطق"، بين الجنون و المنطق أين مجلس حرف الشاعر "مازن دويكات"؟ ج عندما كان " ديوجين الحكيم " يحمل مصباحه في عزّ الظهيرة .. قيل مجنون يحمل المصباح و الشمس ساطعة و كان جواب " دوجين" صادماً للعقلاء الذين فيما بعد أصبحوا يلهثون خلف هذا الجنون المضيء .. قال لهم : بهذا المصباح أبحث عن الحقيقة الضائعة. الإبداع و من ضمنه الشعر هو في الواقع بحث دائم عن الحقيقة، علما ليس مهمة الشعر أن يجد الحقيقة قدر ما يتلخص دوره في الحض على البحث.. و كلٌّ لابد أن يجدها و بنسب معيّنة حسب أدواته و معارفه في البحث، و هنا نرجع لمسألة المبدع المفكر و المفكر المبدع .. الجنون هو الإبداع و المنطق هو الفكر و حين يتحكم المبدع بالمنطق يصبح إيصال الفكرة أكثر عذوبة و خصوبة. س يدعو عالم الأحياء البريطاني "هنري هكسالي" إلى تعلّم ما هو حقيقي كي يفعل ما هو صحيح، إلى أي مدى تعتقد في الترابط بين الحقيقي و الصحيح؟ ج إذا خضع الإبداع للقواعد العلمية و أقوال المصلحين الواعظين لن يبق منه أي شيء.." الصحيح هو الحقيقة"، و قبل قليل قلنا أن الإبداع في بحث دائم عنها بأدوات مغايرة لأدوات العلماء و المصلحين و إلا سيترك الأمر لهم في جانبه العلمي المادي فقط في غياب الجانب الروحي الثري الذي عادة يتكفل بإنجازه الإبداع بكل قنواته من فنون و شعر... في اعتقادي قول " هكسالي" يخص العلماء وأصحاب النظريات ولا علاقة للفنون به. س يقول الرسام الهولندي "فينست ويليم فان غوخ" " الشعر يحيط بنا في كل مكان لكن للأسف وضعه على الورق ليس بسهولة النظر إليه"، ما هو رأي الشاعر "مازن دويكات" في هذه النظرية؟ ج في الاعتقاد في داخل كلٍّ منّا شاعر بتخيلات داخلية و أفكار تبدو كاملة و مكتملة و لكن المحكّ الجميل و الأجمل الذي من خلاله يكتسب الكائن صفة لقب شاعر يكمن في قدرته الفذة على إخراج ما في داخله على الورق، و حتى عمليّة الإخراج هذه متدرجة في خط بياني تصاعدي بين شاعر و آخر .. يقصد" فان غوخ" في قوله هذا مدى تعامل القارئ/ المتلقي مع هذا المنجز الشعري الذي احتل بياض الورق .. و كما هو موجود شعراء متدرجون بخط بيان شعريّتهم و شاعريتهم هناك قرّاء متدرجون بوعيهم لحظة تلقي هذا الشعر .. بمعني الشعر موجود على الورق لذوائق متعددة بين بدايّتها و وسطيتها و ذروتها و هذا يعتمد على ثقافتنا و نصوصنا المعرفية لحظة التعامل مع هذا المنجز الورقي، و للعلم هذا ينطبق على كل الفنون بالإضافة للشعر كونه أقدمها و أشملها. س "حرائق البلبل على عتبات الوردة"، ثنائية جمعت الحرف بالحرف ليتآلف المعنى مع المعنى، إلى أي مدى تعتقد أنها مفتاح لإحساس القارئ؟ ج هذه التجربة من المنجزات التي أعتزّ بها خاصة كان العمل مشتركاَ مع الزميلة الكاتبة "عفاف خلف". روعة العمل أنه جاء صدفة و دون تخطيط مسبق و هنا تكمن البراءة النصيّة و الباكورة إن جاز لي التعبير .. أعتقد أن هذا العمل طرح مسائل فكرية و اجتماعية و سياسية و ثقافية متعددة من خلال حوار ثنائي بين كاتب و كاتبة يعيشان في الداخل الفلسطيني المحتل بكل تعقيداته. حين كتبنا، عفاف و أنا، لم نكن نفكرّ في النشر و لا في القارئ، بالطبع ليس تعال ٍ منّا لا سمح الله على المتلقي و لكن لأن الغاية كانت مجرد حوار إبداعي بعيداً عن التأطير و التنظير و هذا ما أكسب العمل روحيّة الوصول ببراءة، أعتقد كانت السبب الأهم لنجاح هذه التجربة. س من المتعارف عليه أن اللغة تلعب دورا هاما في صياغة فهم الناس للأحداث، بماذا اختصّ الحوار اللغوي بينك و بين الأديبة "عفاف خلف" ليوصل الفكرة التي أنبنى عليها؟ ج كما هو معروف، اللغة وعاء الفكر و هي وسيلة التخاطب و التعارف بين البشر، هذا في سياقها العادي، لكن حين يكون الأمر مختصاً في الفكر و الإبداع تكتسب اللغة خاصية جمالية متوازنة بين الشكل و المضمون .. و لا يكفي هنا أن تكون الغاية توصيل الفكرة فقط بعيدا عن المنحى الجمالي الشكلاني و إلا تتلاشى المسافة بين ما هو أفكار مجردة و جماليات تلعب دوراً فاعلاً في التوصيل و التواصل بين المخاطِب و المخاطَب..بين المرسل و المستقبل. في تجربتنا عفاف و أنا أصبح العبء أكثر ثقلاً لأن هنا يوجد ثنائية مخاطِبة و هذا يوجد صرامة في التناغم الحواري الخطابي و أعتقد أننا و الزميلة عفاف استطعنا أن نحقق هذا الأمر في لغة الخطاب القائم أصلا على الإبداع... س يقول الشاعر "مازن دويكات" " العتمة لا تلد النور" لتدعمه الأديبة "عفاف خلف" بقولها " العتمة لا تلد إلا العتمة. العتمة صمت الشمس حين يرهقها الكلام، غولٌ يسكننا نخشى عليه وهج الضوء، فنصطلي و إياه نيران الهواجس، وليمة خوفٍ نرعاه و يرعانا بالصمت"، و لكنها تسأل " من أين لنا رنين أجراسٍ تدك الجبال بكلمات قولوا الحق أو اقطعوا ألسنتكم؟" فبماذا تجيبها؟ ج العتمة و النور من ثنائيات التضاد الكونية التي تلعب دوراً فاعلاً في خلق حالة تثورية .. من الطبيعة الفعل و من الكائن البشري التلقي و الاستيعاب بغية خلق واقع جديد يتلاءم مع سيرورة و صيرورة حياته ..في الواقع لولا العتمة لَمَ تواجد النور على صيغة الشعر" آخر الليل النهار" حتى أدوات الطبيعة تحمل جينات الأنانية و التسلط و التسيّد..العتمة ككيان ضمن هذه الرؤية لا يسرّها أن يولد نقيضها و طاردها و هو النور بحريقه و بريقه، لذلك أعتقد أن العتمة محفّز و ليس "فاعلاً" في ولادة هذا النور، النور يولد من خلال ذاته بمواد أوليه من كيانه الجنيني، لذلك التسلط و القمع لا يصنعان ثورة و عوالم تغيير الشر لا يولد خيرا ..كل نقيض يولد من ذاته و يصنع له حالة تشبهه و أعتقد هذا الأمر هو الثورة أو ما يشبهها لذلك مولد النور في هذا الليل الدامس هو الحق و كلمته الواضحة و الصادحة و الفاضحة في آن. س إذن هل هذه إجابة أيضا على استفهامها الثاني " هل باستطاعتنا أن نجد طينة أخرى في هذه الأرض نعجن منها أشكالاً مغايرة لعالمنا الجميل؟"؟ ج و هو كذلك.. الطينة هي نفس الطينة .. و لكن حين يسود الشر بأرض ما، يحاول أن يبيد كل ما هو جميل على هذه الأرض .. و الجمال الناجي من الإبادة قد يتخفى كما الثائر المطارد.. ما على السطح هو في متناول الشر و ما في الداخل هو ذخيرة جاهزة لمقاومة هذا الشر.. و لا يوجد شعوب تستورد ثوراتها من الخارج .. الأرض و البحر و السماء منظومة لا تستورد موادها الأولية من كوكب أخر. الشرّ قد لا يسمج لك أن ترى جمالاً على السطح و في نفس الوقت لا يقوى بكل معداته أن يبيد كل ما في داخلها ..في الداخل الحريق و البريق بدوام جاهزيّته المقاومة.. طينة الأرض لا تحمل أي بديل لها ..هي جسد الأرض و جمالياتها المنجزة تعتمد على حرفيّة الخزّاف و فهمه الواعي في إخراج كل ما هو جميل. س هل هذا يعني أنك تخالف الأديب الروسي "ليو تولستوي" عندما قال "وهم غريب أن تفترض أن الجمال هو الخير"؟ ج لا يمكن لنا أن ننظر للجمال ببعد واحد، هناك بعدان للجمال .. جمال الطبيعة و ما حولنا من أمكنة، و جمال ما يخص الكائن البشري.. بمعنى جمال المكان و جمال الإنسان، جمال مخلوق بقدرة الله و جمال مصنوع بفعل الذائقة البشرية، و الجمال المخلوق منزّه عن الشر كصفة جمالية، و قد يحدث الشر ممن يحمل هذا الجمال و ليس من الجمال ذاته، و هنا نتحدث عن سلوك و ممارسات هذا الكائن، أمّا جمال الطبيعة فهو محايد و صامت ليس له أي فاعليّة سوى أنّه خير و كفى، لذلك لا أعتقد أن الجمال بعموميته يخرج من دائرة الخير.. الله جميل و يحب الجمال. س "ماذا تبقى لنا في زمن الموت، رصاصةُ قناصٍ تستبق الوقت، أعمدةُ مشانق أنشوطةُ حبل، و شهيدٌ في العتمةِ يتربصه كاتمُ صوت"، لماذا هذه النظرة الحزينة؟ ج الحزن لا يأتي إلى أحد و يتنحى عن أحد، هو معادل الفرح الضد، نقيضه غير المقيم للأبد، الحزن سجّل سيرته على هذه الأرض قد يكون من قبل يعقوب الكنعاني على يوسفه الجميل..يا لذلك القميص القادم من أرض مصر و الذي أعاد ليعقوب بصره .. ذات يوم سيعود القميص الفلسطيني و يسجل الحزن فصل إحدى نهاياته على هذه الأرض. لا أحد يحب احتراف الحزن بنفس الكيّفية التي يتمسّك بها بفرحه متعدد الحضور و الغياب، هذه السيرة بثنايّتها لا تغادر المكان و لا الزمان خاصة في أرض تكتسب كل هذه الأهمية كفلسطين التاريخية و في أخر الأمر نحن ملزمون بالفرح و في الأمل و هذا هو عصب الصمود و المقاومة. س يقول الفيلسوف و عالم المنطق البريطاني "بيرتراند راسل" "أقصى الآمال تولد من أقصى الشقاء"، أي برهان يمكن أن تحمله تجارب الفلسطيني "مازن دويكات" و يمكنها أن تعزّز هذا الموقف؟ ج لا يمكن للجنين أن يكتمل و يخرج للحياة إلا بعد أن يمكث تسعة أشهر في عتمة الرحم " المضيئة"، لا شك ما هو مفروض علينا يحفّزنا على التغيير، القبح إلى ما هو جميل، و من الجميل إلى ما هو أجمل، المهم أن ندرك واقعنا حتى يكون في الإمكان التحوّل و التحرّر و من ثم الانطلاق إلى ما هو أجمل.. أحياناً الترميم يكون أفضل من البناء الجديد, نحن لا نريد إلا ما كان لنا، نجرّده من معدّات شقاءه سواء ما هو مفروض عليه من الخارج أو ما هو بفعل انحرافات الداخل. لا أحد يتمنى الشقاء بغية التحول للهناء. يبدو أن معادلة الضوء و العتمة تتحكم في المشهد. س هل يعني هذا أنك تنسجم كليا مع معتقد الأديبة "عفاف خلف" حيث تقول " ما الذي يميزنا عن الحيوانات، عن أي كائن آخر، سوى خربشات الأحلام التي تؤشر لغدٍ سيكون أفضل، ماذا يساوي إنسان ناقص الحلم، ناقص الأمل!!، لم يتبرعم العالم ويثمر عناقيدا إلا لحالم، رأي منجم الحياة ورعاها بمعول الأمل."؟ ج هذه بديهية لا تحتاج إلى جدل إنها فطّرة نمارسها حتى قبل تشكيل الوعي فينا.. الحلم الذهني يعادل مخطط البناء الذي يعدّه المهندس لذلك ليس من فراغ أطلق صرخته الجارحة الواضحة المسرحي المتميز " سعد الله ونّوس" نحن محكومون للأمل" و بصرخة موازية ل "محمود درويش" .. ونربّي الأمل. تلك خميرة خبزنا و من دونها سوف تكرهنا و تتبرأ منا حقول السنابل. س لماذا إذن ظلّت ستائر كل الشبابيك مسدلة مسدلة؟ ج يبدو أن هذا السؤال هو الأصعب .. هنا ضاقت العبارة و لا بد أن تتسع الفكرة، كل ما قيل من إجابات لن يغطّى ما هو يفترض أن يقال هنا، هذه الستائر باذخة الشفافية و من خلالها قد يُرى ما لا يّرى..هنا امتداد شاسع واسع قد يرهق البصر و البصيرة، الكثير من هم في الداخل من سلالة " زرقاء اليمامة"، هذه الستائر لا تحجب الرؤية البصرية و لا الرؤية الذهنية .. هي مجرد نسيج جمالي كحل العيون خاصة و أن النوافذ " عينان في رأس الجدار". س متى يكون السواد أقرب جليس و البياض للجلسة تدنيس؟ ج لا أدري بالمطلق و لكن ما أعرفه أن السواد امتلاء و البياض فراغ، شيء ما يشبه بياض الورقة و سواد الحبر .. بياض قماش اللوحة و عناق تمازج الألوان..السواد رغم دلالاته غير المطمئنة إلا أنّه المانح و البياض من يستوعب كل هذا المنح. س "في أي تراب يتفتّح رائع الزهر"؟ ج يبدو أن التراب يشبه اللغة كونها وعاء للفكرة كذلك التراب وعاء للزهرة ..كل الأتربة في إمكانها أن تكون صالحة بوجود بذرة فتيّة و يد مدرّبة على عقد قران البذرة و هذا التراب، هذه الأرض لم تكتسب ملوحتها من البحر الميت اكتسبتها من دموع الأمهات المنتظرات عودة الشهداء هذا الأسبوع حسب ما قال الروائي الجزائري " الطاهر وطّار" و برغم كل هذا ما زالت هذه الأرض و ستظل أجمل و أروع بيئة لسلالة الأزهار. س تقول الشاعرة الفلسطينية "فدوى طوقان" " كفاني أظل بحضن بلادي، ترابا و عشبا و زهرة"، يقول الشاعر الفلسطيني "مازن دويكات" "و رأيت لافتةً على باب الوطنْ و قرأتُ: ممنوع الدخول و سرْ فالوقوف غلط، و مشيتُ مهزوز البدن، فرأيتُ مقبرةً و لا فتةً تقولْ: قفْ للدخول فقط"، هل نقرأ إحساس متناقضا بين القولين؟ ج لا تناقض أبدا كل ما في الأمر أنني هنا اعتمدت السخرية في النص، هي صرخة توازي بسخريتها "أحمد شوقي" في قوله " أحرام على بلابله الدوح / حلال للطير من كل جنس". حين تلتقي الجدّية مع السخرية يبدو أن الأمر فيه تناقض علماً أن السخرية مجالها الحيوي عادة هو اللعب على المعكوس إما بكليّته أو بجزئيته. س إذن هل أنت تسلّم بقول الشاعر الفلسطيني الشهيد "عبد الرحيم محمود" " سأحمل روحي على راحتي و ألقي بها في مهاوي الردى، فإما حياة تسر الصديق و إما ممات يغيظ العدا، و نفس الشريف لها غايتان ورود المنايا و نيل المنى"؟ ج للعلم الشاعر عبد الرحيم محمود استشهد في معركة الشجرة والشجرة هي بلدة ومسقط رأس الشهيد "ناجي العلي". إما حياة تسرّ الصديق و إما ممات يغيض العدا.. و أي خيار ثالث يجرؤ أن يحشر نفسه بين هذين الخيارين.. لا أعتقد أن مثل هذا الخيار له أي وجود في الذهنيّة الفلسطينية كشعب مقاوم. كل مواطن فلسطيني هو مشروع شهيد على هذه الأرض التي تستحق الحياة .. نحن لسنا دعاة موت على العكس من ذلك كل أغانينا مكرّسة للحياة و نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا. الله يحمي الوطن شكرا لك الشاعر "مازن دويكات" على حسن تواصلك دام حرفك في رقي و إلى اللقاء إن شاء الله و لك الشكر والاحترام كله