طبيعة السرد السينميائي واحدة منها.. النصوص قيم جمالية إبداعية اليوم تصدر العديد من المجاميع القصصية عن دور نشر مختلفة وهي تتفاوت في القيمة الابداعية بين هذه المجموعة وتلك وحتى على مستوى نصوص المجموعة الواحدة للقاص فهناك نص قصصي يستحق أكثر من التفاتة جادة، وجدير بأن يكتب عنه النقاد كي يبرزوا القيمة الجمالية والابداعية التي يمتلكها هذا النص وكل حسب ثقافته النقدية والمنهج الذي يرتأيه (سيميائي بنيوي تفكيكي)أو غيرها شريطة أن لا تكون هذه الكتابة عبارة عن انطباعات معيارية غادرها النقد الحديث. وواحدة من هذه المجاميع القصصية هي (مخاتلة) للقاص مهدي علي ازبين التي ينظوي المبنى الحكائي فيها على خصوصية لعل طبيعة السرد السينميائي واحدة منها اضافة الى ذلك يبدو ان فكرة النص أو حتى اكتماله في مخيلة القاص حاصلة قبل ان يكتبه لذلك لا نرى في نصوصه ذلك الاستطراد أو الترهل. محمد نوار إحدى قصص هذه المجموعة هي (صفعة على وجه الزمن) تحكي هذه القصة عن عسكري ايام الحرب، اذ كان يجتمع مع رفاقه ويتبادلون اطراف الحديث هروباً من واقع يعيشونه، حتى ان بعضهم يصطنع حكايات يحاول ان يخفف عبء الاحساس بالسأم والانكسار، وكثيراً ما يبتعد فيها عن الواقع من أجل اثارة الاخرين وشد اسماعهم اليه، وواحدة من هذه الحكايا التي يرويها احد افراد تلك المجموعة تتحدث عن امرأة سكنت للتو في مدينتهم ويقال انها من بائعات الهوى، ما يلبث صاحبنا بطل القصة ان يسأله عن العنوان ليذهب بعد ذلك الى تلك المرأة، وليكتشف غير ما وصف له رفيقه، بل ما رآه كان على العكس من ذلك كله. نحن في هذا النص الذي يروي هو السارد المشارك والذي يطلق عليه جيرار جنيت بالسارد داخل الحكي. لنا في هذه القصة وقفتان الاولى لم يأخذ المكان حيز الاهتمام لدى القاص ولم يعطه دوره المؤثر في بناء النص، وهذه الاشكالية نراها في اكثر من قصة، وعلى الرغم من ان هناك قصصاً كان للمكان دوره البارز في بنية النص وإضافة البعد الجمالي عليه، ولعل قصة (مخاتلة) واحدة منها. اما الوقفة الثانية فهي المباشرة في الحديث للمتلقي، حيث نشاهد القاص وان كان على لسان السارد (بطل القصة) يقول (انا قصدت الاساءة وهي تكرمني بحلو كلامها)، لم يكن هناك داع الى هذا الاستطراد، لاننا رأينا ماذا كان يريد وكيف تعاملت المرأة معه، فإن هكذا اقوال مباشرة تضعف القصة لان قوة تأثير الخطاب في الايحاء وليست في المباشرة. اما قصة (مخاتلة) فموضوعها رجل يأتي الى مدينته بحالة غير طبيعية، بعد ان كانت القوات الامنية قد اخذته وغيبته الى جهة مجهولة عقدين من الزمن وادعت انه مات. في البدء نود ان نشير الى ان دلالة عتبة العنوان (مخاتلة) يعني الظهور والاختفاء، وهذا هو المفتاح لفهم دلالة النص الذي افتتح كبقية النصوص الاخرى بالفعل المضارع ما يعني ان زمن القص هو الحاضر والراوي أو السارد هنا العليم، نلحظ ان الفعل المضارع تكرر مئة وثماني وسبعين مرة تقريباً، والفعل الماضي تكرر نحو ست عشرة مرة، في حين لم يأت فعل الامر في هذا النص، كما نلاحظ تكرار جملة (يدفع باب السياج, يدفع الباب عنوة, يدفع الباب الخارجي)، إن تكرار الفعل (يدفع) يعطي دلالة حركية تتمثل برغبة الخروج من الوضع السابق (السجن) الى الوضع الراهن (الحرية)، ولكن اية (مخاتلة) تلك التي قصدها ربما أراد لها ان تعطينا اشارة الى ما قبل وما بعد الاختفاء. نعود للاستهلال أو الى بداية ظهور الشخصية الرئيسة في النص ولنقتطف مقطعا منه (شبح هزيل يرتدي أسمالاً ملتصقة بجلده.. أضلاعه نافرة، ذراعاه لوحا خشب مربوطان بوهن الى جانبيه.. هيكل عظمي متوج بشعر بلون التراب ولحية غزاها الشيب تداعب التراقي.. تقاطيع وجهه لا تنم عن تعبير.. عيناه جامدتان لا ترمشان متحجرتان داخل زجاجتين. هل هما طبقتان من دمع شفيف متجمد على ضفاف زمن غابر؟. مقوس الظهر حينما يروم تغيير زاوية النظر.. يستدير بكامل جسده)، نحن هنا أمام ملفوظات سردية استعاض بها عن الملفوظات الوصفية اتى بها القاص هنا متضمنة الزمنية، فهو استعاض عن مجرى الاحداث بالوصف الزماني، ولان جنس القصة القصيرة اولا يعتمد على الوصف، وثانياً لا يحتمل هكذا تفاصيل، فالقاص استطاع ان يحكي لنا ما جرى لبطل القصة (ابو عدنان) اثناء غيابه من تعذيب مادي ومعنوي، ظهر هذا على ذات البطل من خلال وصف القاص لحركته، ثم كانت آلية الحوار أو طريقة وروده داخل النص بحيث جاء جزء من بنية السرد، اذ لو رفعنا الحوار أو جزءاً منه بان الخلل في البنية السردية، إلا إن هذا الحوار أتى بلغة السارد (الراوي العليم) وبعض الكلمات أو الجمل لا تنسجم وشخصية المرأة العجوز. (المربع الاول) قصة تتحدث عن شاب يختطف من مجموعة، ولنقف عند العنوان ودلالاته (المربع الاول) اصطلاح غالباً ما يستخدمه السياسيون إثر فشل حواراتهم، عندئذ يقال عادوا الى المربع الاول، والقصة تبدأ بالفعل المضارع كحال بقية القصص الاخرى، الزمن الحاضر والسارد هنا المشارك (تتناهشني اكف خشنة لتحرجني من ظلام صندوق السيارة المثخن بظلام العصابة المطبقة على عيني)، القصة تستهل بحادثة الخطف، ولكن ما ان تنتهي حتى نرى استرجاعاً في السرد، اذ يعود بنا السارد الى ما قبل الخطف (حاولت اختصار طريق عودتي من حفلة خجولة، وانا اتململ على نفسي في اجواء غادرها النور اوسِّع خطواتي متوجساً تتجاوب اعضائي المنهكة من تعدد ساعات العمل المسجور في تنور صيف لاهب). للدائرة قوس مستقيم هو آخر نصوص المجموعة، العنوان لافت للنظر اذ لا يمكن ان يكون للدائرة قوس مستقيم وهذا العنوان فيه اشارة لمضمون القصة التي تتحدث عن الارهاب، أراد القاص من خلال العنوان ان يوحي كما انه لا يمكن ان يكون للدائرة قوس مستقيم، لا يمكن للارهاب ان يستمر هذا هو دلالة العنوان، ويتمتع هذا النص بتقنيات فنية يبدأ بالفعل (يسير) مثل النص السابق (مخاتلة)، ونلحظ ان القاص مثل العديد من كتاب القصة يستهل السرد بمشهد (بانورامي) للمكان، ثم يقرب القاص بؤرة الكاميرا شيئا فشيئاً من الشخصية، ولكن ما يختلف القاص فيه هنا عن الاخرين وفي العديد من نصوصه ان يجعل الحركة جزءاً من المشهد (البانورامي)، نراه يعود بنا مرة ثانية الى موضوع الانفجار (تتذكر آخر لحظات وعيه حين لف ذراعيه حولها متعلقاً يضمها في داخله يدخلها فيه يدرأ عنها خطراً أشر يتقوقع عليها يصبح كما المحارة درعاً لحماية درتها يتوضح كل شيء تستعيد وعيها تجد نفسها مكبلة بجوانبه تكاد تختنق انهما كنصب وسط جموع هائجة ما ان تهمس بفزع حتى تضطر الساخنة يتصاعد لهاثه ويندلق لسانه تتراخى ذراعاه تخور قواه يتهاوى الى الارض زائغ البصر). تصرخ وهي تراه يذوب بين يديها منسلاً من بين اصابعها. تتسابق الاجساد نحوها يتفحصونه لا أثر لإصابة أو جرح ترافقه الى اقرب مشفى على ظهر سيارة للشرطة)، وهذا الاسترجاع الاول، أما الثاني وهو استرجاع خارجي يبدأ الحوار وحتى نهاية القصة وقد اخذ ثلث القصة: ماذا تفعلين في بيتنا حبيبي أنا بقي لي أن اشير الى أن قصص المجموعة التسع عشرة جميعها تبدأ بالفعل المضارع اضافة الى ذلك ان جميع النصوص القصصية لم تحمل اسماء ابطالها بإستثناء قصة المربع الاول وقصة دعوة وقصة مخاتلة.