خديجة العلام، شاعرة مغربية، تتصف شخصيتها بالقوة وبالذكاء، والرقي، والثقافة والوعي، دراستها كانت مزدوجة، أي عربي وفرنسي، وقليل من اللغة الانجليزية، وهي أم لأربعة أطفال، بنتين وولد وزوجها الرابع، حاصلة على الإجازة في اللغة العربية، من جامعة محمد الخامس، درست لمدة سنة، في التعليم العالي، ولم تحصل على الماجستير، لظروف خاصة، حيث انخرطت في سلك التدريس، الذي جعلها تنتقل بين عدة مدن مغربية، كطائر مهاجر، حسب المواسم، كفاعلة جمعوية، تنقَّلتْ بين عدة جمعيات، منها جمعية فضاء الصحافة، وجمعية سلا للشعر والزجل، وجمعية شموع، وحاليا نائبة الكاتبة العامة، لجمعية بيت المبدع الدولية، وبالتالي، هي نون النسوة، ملتحفة بتاء التأنيث المكسورة، تنسج من خيوط الليل، رداء تُدفَّئ به أبناءها وقت ارتحالها. تعليمها مرَّ عبر مدن، سكنتها خلال طفولتها، من فاس إلى صفرو، ثم سلا، حيث حصلتْ على شهادة الباكالوريا سنة 1982م، ثم التحقتْ بجامعة محمد الخامس- كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بمدينة الرباط، وحصلتْ على الإجازة في اللغة العربية وآدابها سنة 1986م. درستْ سنة في السلك الثالث، شعبة النقد القديم، انخرطتْ في سلك التدريس، جابتْ عدة مدن، ثم عادت إلى مدينة سلا، حيث يستقر أهلها، لها نشاطات عدة، في عدة جمعيات مثل جمعية فضاء الصحافة سلا، وجمعية سلا للشعر والزجل سلا، صدر لها ديوان شعر بعنوان:(شق الوهم والخيال سنة 2012م)، وديوان (قيد الطبع): (تمهَّل أيها المساء)...نشرتْ في عدة جرائد ومجلات ورقية والكترونية عديدة، شاركتْ في عدة مهرجانات، وملتقيات شعرية وطنية . في قصيدة لها، تتمنى أن تكون رسامة، وترسم فيها مواصفات وطنها، الذي تحلم به أن يكون، فهي تريده وطناً يحضنها ويغذيها، ويحافظ على أحلامها، تقول فيها: ليتني رسامة، ارسم وطناً يَحضُنني، يُغذيني، لا يدفن أحلامي، لا يُهجرني حين اغضب، لا يُغرقُ سفينتي، حين تهرأ، وفي قصيدة لها، بمناسبة عيد رمضان المبارك، عيد الفطر السعيد، تُعبَّر عن فرحتها بالعيد، ولبسها لفستان العيد الجديد، وكأنها طفلة تحلم بالفرحة والسعادة، وتتراقصْ طرباً وفرحةً، لفستان العيد الجديد، كل هذا بأسلوب عفوي وبسيط وواقعي، فتقول فيها: كضحكة طفل صغير، أراقصُ جسدي، احضن ثوب العيد، أوزع ابتسامة، تُشْعِلُني شمعة، على موج يُغري بأملي، بتجَّددي، أحضن روحي، تؤرجحني في صمت الماء، وأنفاس القدر...أيا زائري، خففْ وطأك، لم يعد لك مكانا،ً قلبي صار يعشق الأحزان. وفي ومضة شعرية مُعبرة، تخاطب فيها حبيبها وتقول له: أنت تُتقن غواية الجسد، وأنا أرتق لحظة الهروب، وبينهما غِمدٌ في القلب. في ومضة شعرية جميلة ورقيقة، تعبِّر فيها عن مدى إخلاصها لحبيبها، لكنه...تقول فيه: حين مددتُ له يدي، لأنتشلَ روحه من فَيضي، وجدتهُ يعانق الريح، ويَنسجُ من حباتها عِقداً ليوم العيد. في قصيدة أخرى تعبِّر فيها عن غيرتها حتى من نفسها، عندما تتجاذبها الكلمات الحلوة، فتعيد ترتيب أحلامها، وتصبح كالزهرة، بيت القصائد لها عطرها، وعبقها الخاص، الذي يميزها فتقول: أغار مني حين تجذبني الكلمات، تصفَّفْ إحساسي، تلَّون لَحظاتي، تغرسني بين القصائد زهرة، يفوح عطري نشوة، أعانق نفسي طفلة تحبو، او دُمية تغني بكل اللغات، او حمامة أجول العالم، أوزِّع الفرح، لأجدني استيقظ من نومي، على صوت المنبه، (ما أجمل حلمي). في قصيدة أخرى تتساءل عن ماهية الصُراخ، الذي يتبع الريح، عندما يطرق أبواباً، فيفتح فجوة فتقول: لم هذا الصراخ؟؟ كلما طَرقَ باب الريح، تُفتح فَجوةً، يغرفها طفل، يلوِّنها شيطان، بلذة ...بشراسة...يمسك بخصر البراءة، يهتك عرض البياض، يفترس جسده، يسكب سُمَّهُ على الحياة، تنطفئ شمعة الحلم، في عيون الطفولة. في قصيدة أخرى تعَّبر فيها عن حُلمها، وهي يقظة، بعد عمر طويل، وكيف أن القبر يادي على موتاه ويتساءل القبر، هل هذا ملَّ حياته، أم أن السنين أثكلته، وأنهتْ حياته فتقول فيها: كنت هنا ذات مساء حين اختارني القدر لأصفف جداول العطر، على نغمة الروح، حيث تلاقت النظرات، وفاحتْ الابتسامات، حلماً على سرير اليقظة، رسمتهُ على جبين العمر، سراباً منه اشرب، ما بال جسمي يفر مني، يشتعل حرارة، يتكسَّر عِلَلاً، يبحث عن مأوى، قبره ينادي موته، هل عاف لحظته؟ أمْ أثكلته سنون عمري؟ في قصيدة أخرى تتغزل في حبيبها وتقول له، المساء يأتيك، وفوقكْ غيمة ماطرة، فتنعش روحك ومشاعرك، لنقرأ ونتابع ماذا تقول لحبيبها فيها بعد: ما أروعك، حين يأتيك المساء، وتحلق فوقك غيمة مَطرة، فتنعش روحك، وتستيقظ مشاعرك، ويغَّرد بلبل يصدح من فوقك، وتحسدك النجوم، عندما تنام في أحضانها، لنتابع ما تقوله شاعرتنا: ما أجملكَ حين تهيم بك المساءات تحلق فوق غيمة مَطِرة، تنتعش ذاتك، تنبَّثُ مشاعرُكَ، يغردُ بلبلك الصداح، تحسدك النجوم حين تنام في حضن السماء، تتراءى لك الدنيا من أعلى كالغريب، ليس هناك سوى أقداح تترقرق، وأنا وحدي ألامس ظلك، اصفف ضفائري، اروي الشتائل، فأنام جنب الغدير. وفي قصيدة أخرى تتحدث فيها أثناء، الليل عن وطنها وهي تحلم، أحلامها الشجية، فتصف أحلامها في وطنها وأحزانها وهي تنتظر صورة أخرى لواقع سلبي وحزين، تحلم بذكرياتها منذ الصبا، وكيف تحس بواقعها في واطنها وترحالها من مكان إلى آخر، لنقرأ ما تقوله شاعرتنا بأسلوبها السلس والممتع والموسيقي: بين ليل يعصر فيَّ الأحلام، وصبح يولد من رحم الأمنيات، تحملني أقلامي إليك يا وطني، على أرصفة الحزن أنتظر...أتأمل وجهي في عينيك، فتأخذني إلى منعطف التيه، أرص زوايا التاريخ على سكة الحديد، وبقايا رمل لفظه شاطئ الماضي، خط فيه وجه قمر، ليعبر الجسر، يتخطى التراكم الوئيد، سأعبر معه وبين ذراعي دميتي، وألوان الصبا، وبعض ذكريات تؤنسني، فالسفر طويل يجوب البحار والمراكب، ملؤها الدمع، الشتاء مقفر وبارد...عسير المخاض، الحكايات تحمل النبوءة على الأكتاف، النوافذ مكسرة، وهذا الكبرياء يجول في الشوارع، يتربص بظلي، الذي ينسلخ مني يعانق وحده الهيام، لن أتكلم فقط أرسم علامات استفهام، فكم من بياض يكفي ليأتي الصبح متسربلاً بلغة العشق؟ وكم من الزمن يكفي ليتلاشى الانتظار؟ فتعود مواسم الفرسان، تحمل معها سنابل وغصن تفاح، وكُراسة الربيع مرسوم عليها فراشة وحمامة بيضاء، يا وطني هذا نبضي يخفق بلون علمك الأحمر، دمي يجري بين الجداول والأنهار، والأخضر بستان ملؤه جذوري، يفوح برائحة العنبر والدفلى، يا وطني غَرستني شمعة بين ضلوعك، فكفاني احتراقاً، لم يعد من العمر إلا وريقاتِ باهتةُ، دعني أتأمل وجهي في مرآتك، علَّني أخفي ندوبه بمساحيق من ترابك، فتنكشفُ الحقيقة مع هجر الحمام، قبل موعده، حينها تنفلتْ مني رائحة الطفولة، تبعثرني، تنشدني أغنية الصبا، فأغفو بين ذراعيك، لأرتاح من عذاب اليأس. في ومضة شعرية تقول فيها عن نفسها، بعد ان آلمها طول الانتظار، ان الفجر هناك بانتظارها ووجهها على المرأة يتراقص مع ظل غصن، والوجد والشوق والحنين يشتعل بجوانحها، والليل بارد قارص، لنقرأ ما تقوله الشاعرة خديجة العلام ونستمتع به: الفجر يقف هناك يتأمل، ووجهي على المرآة يراقص ظل الغصن، يهمس بالسر، تشتعل حرارة الوجد في برودة ليل، أضناه الانتظار. في ومضة شعرية حالمة تقول فيها أن حلمها يعاودها كلما عصف بها الحنين والشوق فتصاب برعشة، ويجمعها قبلة، لنقرا ونتابع شاعرتنا: يراودني حلمي، كلما اهتز غصن الحنين، يسافر بي الوله، إلى أنشودتي، في البدء، ارتق الوقت، اغزل النظرات، يهيم بي جنوني إلى حيث الذكرى، تصيبني، الرعشة، تلملمني قبلة. وفي ومضة شعرية تقول فيها عن الليل بأنه الملاذ الناجح للحروف، وأفضلها الصمت، لنقرأ ونتابع ما تود قوله شاعرتنا بأسلوبها السلس والمتع، وبكلماتها الحلوة والجميلة والمنتقاة بعناية: الليل ملاذ للحروف التائهة، ارقها الصمت، تقرا نفسها، تعلن حضورها، تتغنى بلون طيف السماء تحضر قصيدة، تمطر غيمة، تزهو الحياة. في قصيدتها بعنوان:ليلة الشاعرات المغربيات، تعبر الشاعرة عن ليلها المليء بالمصائب والفواجع، فتقول إنها عندما بدأت بكتابة الشعر تعثرت كلماتها، وصمت الحديث، وهربت من نفسها إليها، وقدماها تزحفان زحفاً وكأنها متجهة الى الموت، لنتابع حكاية شاعرتنا وما تود ان توصله لنا، بأسلوبها الموسيقي الممتع وبصورها المجازية المعبرة والتي توحي لك بعمق خيال الشاعرة لنقرأ ونتابع: هذا الليل مدثَّر بالفجيعة، قرعتُ باب الشعر، سقطتْ حروفي مُتعثرة، يتيمة، تنسج من الغيوم رحيقها، صَمتَ الحديث، أهرب مني إليَّ، اُسمعني شكوايْ، أرتشفني قهوة الناعي، تحضنني قهقهات الوجع الأخير، قدماي تزحفان نحو المماتْ، هذا الليل مدثَّرٌ بالفجيعة، يمتطي صهوة الكلام، يغازل الوقتَ، والوقتُ يغازل الموتَ، يشبهني هذا الغياب، في المدن الداكنة، تتناثر شظايا الزمان، لا شيءَ هنا غيرُ، دمع خائن ونبيذ عفن، يلون العمرُ نفسه بالذكريات، ويثقلُ الصبرَ بالآهات، هل أغادرني وسط الزحام؟ أم يأتيني المنادي بحلم شارد منفرد، يغريه السراب ؟ أيا موجَ خبئ أسرار الليل، انشر ذاته على شاطئ الوهم، قصيدة معراةً، جسداً عاهراً، دميةً للطغاة، تشتهي أن تنام خلف الرموش، يلفَظها الصبح، تحضنها خمارة، يا وجع الكون...أما من كهف يستر عرض القصيد، غفوة زمن؟ ليس الكلب وحده الحارس هنا، كل العيون تتربص، هذا الجسد الملقى على قارعة الطريق، يتبعثر يختفي وراء خيط الشمس، مازال الحارس في الانتظار، وما زال الجسد محطة اشتهاء. وفي قصيدة أخرى بعنوان:"أرضي خارج الكون" تقول فيها، بأن الظلم يجري ويظهر في مواقع العدل، ألا يكفي ان الشمس والقمر لا يلتقيان، وألا يكفي أن الليل مظلم دائماً، هي لذلك ستبحث عن وطن بديل خارج هذا العالم تسكنه وتمنحه حبها لعل وعسى ترتاح، إلى الكون والفضاء الواسع لنقرأ ما تود قوله شاعرتنا المتألقة:أيا عُمراً، لم تُبقيني بين دفتيك، لأنسج على ورقك، نوعاً من التحدي، نوعاً من النشوة، بعد أن شهدتُ حضور الظلم، يجري بين أوردة العدل، أما يكفي منذ الخلق، الشمس والقمر لا يلتقيان، أما يكفي أن الليل يأتي بلا نور، سأبحث عن ارض اسكنها، استوطنها، امنحها حبي، خارج الكون، خارج الزمان، انشر يومي بلا قمر، ولا ظلام، ولا شمس تحرق القارات، سوى الأزرق يأخذني بين تياره، يحضنني موجه، لا مدٌ ولا جزر، سوى الزبدْ الأبيض، يغسل وجه الرمل، ينشر حبه بين الأهل، لا قانون، سوى عدل الرب، لا حاكم يطغى، يستبد بزرعي، يقصف وردي، يقطع عني السبيل، إلى ربى حبي، لا نهر يجري بدمي، لا صراخ الأرامل يصك أذني، ولا وجود للجوع في ارضي، سأصنع دولا تتغنى بالوصال، وتسبح لرب الكون، من غير فلسطين تبكي، لا عراق تلملم الجراح في صمت، لا الصومال تغرس الجوع في البطن، لا ليبيا تستظل تحت نار جزار، أحسن مهنة الذبح...لا سوريا تزف صباحاتها إلى عريس الموت، لا صحراء تكوي بشمس الغدر. وفي قصيدة لها تقول فيها، أن التجوال قد أتعبها، وهي تبحث عن أسباب الشر المنتشر هذه الأيام، كي تبحث عن أسباب وجوده، وتعمل على التخلص منه، لكن التعب أجهدها، وفعل فعله فيها، ولم تعد تدري إلى أين تذهب، سوى الى بلدها، لنتابع قصيدتها ونقرأ ما تود قوله شاعرتنا المتألقة: حان لي أن اجري، إلى ارضي، فقد أضنيتُ نفسي من التجوال، والبحث على أسباب الشر، لأجتث جذوره من الكون، ولم أجد غير لهاثي، يسبقني إلى مكان موعدي، فيجفف ريق نبضي، والتعب ينهش جسمي، وساقتني ريح الغدر، إلى حيث أدري ولا أدري. في قصيدة لها تعبر بها عن شعورها، بالوحدة، فهي ضائعة على الرصيف،ويعانقها الصمت لوحده، فلا احد بالقرب منها، ولا يهبط عليها شيء من السماء، ولا حتى الشمس، تنير طريقها، لنقرأ ما تَوَدُ التعبير عنه شاعرتنا خديجة علام:أين تنزوي الحروف خجلى، والكون يتيه في الشفق، يغرسُ الضياع مني على الرصيف، وحده الصمتْ يعانقني، أمُّدُ يدي في الظلام، أتحسَّسُ وجودي، فلا مطر يهطل، ولا شمس تنير. هذه هي الشاعرة المغربية الرائعة، خديجة العلام، والتي تتمتع بعمق ثقافتها ووعيها الوطني والاجتماعي، وسعة اطلاعها، وقدرتها الإبداعية والخلاقة، على كتابة القصائد والومضات الشعرية، بأسلوبها الخاص، الممتع والشيق والخلاَّق، والذي يَنُّمْ عن ذكاء كبير، وإحساس رقيق، بالمشاعر الودية والصادقة، والمتزنة والموضوعية. لا يسعني إلا أن احيي شاعرتنا، روحها النقية والصافية، وشخصيتها الجذابة، والودية والراقية، والتي تعبر دوما عن سمُّوها، وآفاقها الواسعة، وتشَّعُبْ علاقاتها العربية والوطنية، وحضورها الدائم في كافة الملتقيات، والمنتديات والندوات الأدبية والشعرية خاصة.