اليوم فقط عرفت اسمى ورأيت ملامحى، إنطفأ من عينى البريق وما كنت اظنه غناء لم يكن سوى نقيق. فى هذا البستان تفتحت عيناى على الحياة والجمال، وسط الزهور والنباتات بألوانها الرائعة، الأشجار العالية بأغصانها التى تحمل احلى الثمار ، تحلق الطيور فوقى تغرد اعذب الألحان، فرح الكل بوجودى، وتسابقوا فى اختيار اسم يليق بى، بهرتهم عيناى الواسعتين تتحركان فى كل اتجاه وارى بهما كل الأشياء على الأرض وفى السماء، يشع منهما ضوء وبريق ينير حتى للحشرات الطريق، قالت النخلة، اقدم سكان البستان: سيكون اسمك هو نجمة البستان . ومرت الأيام، تساقطت اوراق الأشجار و ذبلت الأزهار، جاء خريف بعده شتاء عاصف ثم اشرقت شمس الربيع وعاد للأزهار جمالها وتألقها، وكبرت وتعلمت كثير من الأشياء كان اهمها كيف احمى كل الأزهار من الحشرات والديدان التى استطيع رؤيتها مهما اشتد الظلام، بسرعة التهمها قبل ان تلتهم اوراق النبات والأشجار. كل الزهور احبتنى، الفل الأبيض و الورد البلدى الأحمر والقرنفل حتى زهرة النرجس تنازلت عن انانيتها واعترفت بأهميتى، كنا نعيش معا فى حب وسلام تحمينى اوراق النبات من العواصف و قطرات المطر فى الشتاء ، اغنى مع الطيور فى الربيع و نسهر مع ضوء القمر الفضى فى ليالى الصيف. فى احد الأيام رأيت شيئاً مستديراً يقع فجأة فى البستان، تدحرج بسرعة ثم توقف وراء شجرة الصبار المليئة بالأشواك، اقتربت أكثر، سمعت صوت يقول: اين الكرة يا باسم ؟ انا متأكد انها هنا فى البستان. من وراء الشجرة شاهدت الولدين كان احدهما غاضباً و قال لصاحبه: لقد اضعت الكرة يا كريم سيعاقبنى ابى الآن. إمسكت هذا الشئ المستدير الذى عرفت اسمه الان (الكرة) امسكتها بحذر و قذفتها من وراء الشجرة فتدحرجت، و قلت: لا تغضب يا باسم. كنت اجيد تقليد اصوات الطيور فاعتقد اننى احد الطيور وقال: هيا يا كريم لنكمل اللعب. حكيت لأصدقائى الزهور و الطيور عن الكرة ، قال العصفور: انتى رائعة يا نجمة دائما تساعدى الآخرين. و قالت الشجرة: لولاك يا نجمة لتمزقت الكرة من اشواك الصبار انتى بحق نجمة البستان ، تشعين بالحب والحنان. مر يوم و اثنان و فجأة وقع شئ على رأسى ، كانت نفس الكرة و نفس الولدان كريم وباسم. فى هذة المرة اندفعا يبحثان عنها فى البستان ، كان باسم غاضباً يتحدث بصوت عال: اين الكرة اضعتها مرة اخرى يا كريم. رد كريم فى غضب: بل انت الذى دفعتها بقوة فطارت و تعلقت بالشجرة. امسكت بالكرة و قفزت امامهما و انا اضحك قائلة : ها هى الكرة يا اصدقائى. رجع باسم للخلف فى خوف و قال : لا اريد الكرة انا اخاف منك ، ابعدى عنى يا ضفدعة يا قبيحة. وقال كريم : هيا نخرج بسرعة يا باسم لن نأخذ الكرة بعد ان امسكتها الضفدعة الدميمة... سقطت الكرة من يدى و قلت : انا نجمة البستان ، من اين جئتم بهذا الكلام؟ قال باسم فى خوف : نجمة ماهذا الكلام، النجوم مكانها فى السماء وانتى تعيشين فى الأرض و الطين. وقال كريم ساخراً: نجمة ! النجوم جميلة وانتى قبيحة. قلت له: انا التى قدمت لك الكرة من قبل، واليوم وقعت على رأسى لكنى لم اغضب منكما وجئت لأعطيها لكما. قال باسم : حتى صوتك قبيح. ضحك كريم و قال : صوتك اسمه نقيق. تساقطت دموعى فبللت اوراق الأشجار وذبلت الأزهار، هل انا فعلاً ضفدعة قبيحة دميمة كما قال باسم الذى لم يبتسم ابداً ودائما كان عابساً وغاضبا؟ قالت زهرة الفل: انتى نجمة لايهم ملامحك ولا حتى صورتك ، قلبك اجمل و ارق القلوب. وقال الهدهد: الملامح تتغير و تذبل مثل اوراق الزهور لكن المشاعر الجميلة تبقى مع الزمن و تزداد جمالاً. صنعت كل الزهور تاجاً لى من اوراقها النضرة ، وو ضعه العصفور على رأسى. كنت ارى ملامحى فى عيون اصدقائى فأشعر بالسعادة ، لكنى لم انس يوما تلك الكلمات... ضفدعة، قبيحة، دميمة، لم انس ان البشر تهمهم الملامح لا الصفات ، لذلك قررت ان اظهر فقط فى الليل حتى لا اراهم و مازلت اعيش على الذكريات، ذكريات نجمة البستان.