مخيم الإبداع.. يحتفى بالروائيتين سهي زكى ونهى محمود وينتصر للأدب السيناوى احتفى مخيم الإبداع بمعرض القاهرة الدولى للكتاب، بتجربة كاتبتين متميزتين، ترفضان مصطلح الكتابة النسوية، وتريان أن هذا المصطلح تميزى لم يعد له معنى، لأن المبدع رجلا كان أو امرأة يعبر عن تجربة إنسانية ممتدة حيث قدمت كلا من القاصة والروائية سهى زكى ونهى محمود شهادتهما بالمخيم فى لقاء إنسانى، دافئ بالتواصل مع جمهور المعرض، إدارة عبد الحكيم سليمان، الذى قدم نهى محمود بوصفها مدونة متميزة، وأن فضاء التدوين قادها لفضاء القص والإبداع عبر مجموعات «كراكيب» و«الكى فوق مكعبات رخام» و«دراكوشا» ووصولاً إلى روايتها الأشهر «هلاوس»، التى حصدت عنها جائزة دبى للثقافة مؤخراً.. أما الكاتبة سهى زكى، فهى تمثل فضاء من الكتابة الإنسانية الرحبة، عبر مجموعاتها القصصية مثل «بوح الأرصفة» و«كان عندى طير» ورواية «جروح الأصابع الطويلة»، لافتاً إلى أنها تتقمص فى روايتها دور الجدة التى تجيد فن الحكى للأجيال. وفى شهادتها، تعيد نهى محمود الفضل فى الكتابة للأبوين ودورهما فى التشكيل والنشأة، موضحة أن أمها طالما نصحتها بطرق غير مباشرة بعدم التحدث بأسرار البيت للغرباء، وكانت تقص عليها الحكايات، ولكن هل تصلح الحكايات طريقة للتربية؟، وتجيب نهى محمود: الحكايات تصلح لكل شىء، لتمرير الحب، والبغض، والانتقام، والإرث. وتنتقل للبدايات لتقول: البدايات فرحة الجائزة الأولى، نفاد الطبعة الأولى من كتاب المقال الأول، عما تكتب الرسالة الأولى من أحد فى هذا العالم قرأ شيئا مما كتبت طفولتى، وأنا أرى نسخة من كتاب فى مكتبة كبيرة، حفلات التوقيع، زهو أن يعرفك عدد أكبر من أصابع يدك، أقف أمام الكتاب وأخبره بأننى صاحبته، دفء تلك اللمسات، تشبه لمسة حبيب ووداعة يد طفل. وتتساءل: أية جرأة أن تسجل كل هواجسك، وكوابيسك القاسية، وتساؤلات حيال العالم فى كتاب وتغادر، أية جرأة أن تقصد البوح لترحل فى سلام، فتبقى للأبد؟!، كما تتساءل: ما الذى يحدث على الساحة؟، الكثير من الإصدارات لجيل جاء بعدنا نحن جيل لم تتشكل ملامحه بعد، ويضع له لافتة فى الميدان المزدحم الكبير، الذى يمتلئ بالدراويش، وعديمى الموهبة، والمجاذيب، والقديسين، والأنبياء، والمرضى النفسيين، والموهوبين! هنا فى ميدان الكتابة والجنون متسع للجميع، لكن الحكايات والنميمة والمجاملات والحسد واللغط والحب الكثير يحدث، والكثير يعبرون أشياء قليلة جداً، وأقلاما حقيقية جاءت لتبقى، وأظنها ستبقى. وفى شهادتها.. تقول سهى زكى، أصعب شىء هو الكتابة عن الذات، لكننى أشبه أنامل كثيرين أصبوا الكتابة منذ الطفولة، وكنت أتمنى أن أكون راقصة باليه أو مغنية فى الأوبرا، لكن امتلاء جسدى منعنى من تحقق هذا الحلم، حتى وجدت والدى وهو صحفى يعشق الكتب ويقدسها ويغلفها بأغلفة الهدايا، فأدركت منذ الطفولة الباكرة أهمية الكتاب والقراءة، وكاتب قراءتى الباكرة لنجيب محفوظ دون أن أدرك معانى رواياته، حتى كتبت أول عمل لى وأنا فى الرابعة عشرة من عمرى، حيث كنت أتأمل العالم من حولى فيفض على التجارب واستنطاق الخيال.. وبعد مرحلة النضج ومعاناة الألم بتحولى لأرملة فقدت زوجها وصارت مسئولة عن طفلة صغيرة تحولت حياتى إلى الواقعية، وأستطيع القول بأننا ككتاب مجرد ناقلين للواقع، لكنه واقع التأمل والتحليل الإنسانى لظروف وظروف من نتأثر بهم فى حياتنا.. وأوضحت نهى محمود أن الكاتب لا يختار أن يكون كاتباً، بل إن الكتابة هى التى تختاره، وذلك عندما نفشل فى التواصل مع أنفسنا والآخرين نلجأ للكتابة للتعبير عن ذواتنا وعن العالم، فالكتابة شجاعة لا يملكها أى شخص، خصوصا أنه ليس من السهل أن تكتب عن عالم يحيط به ونحن فى مجتمع محافظ، يدارى عن مشاكله وعيوبه. ومواجهة المجتمع بعيوبه وعيوبك أمر شديد الصعوبة، كما أن الكتابة تخلصنا من أحزاننا، وأنا أكتب انتصاراً للرومانسية، وأعشق أن أقدم وردة أمل لقرائى فى أعمالى القصصية.وعلى جانب آخر أعاد معرض الكتاب الاعتبار والأهمية والتقدير والتقديس لسيناء وأهلها ومبدعيها بعد سنوات طويلة من التغييب المتعمد والتشويه الذى مارسه النظام السابق فى حق أهل سيناء. فقد جاءت مناقشة رواية «طلعة البدن» للأديب السيناوى مسعد أبوفجر بمخيم الإبداع الأول، وفى أول أيام أنشطته الثقافية بالمعرض، لتذيل الغبار عن أهل سيناء، وثقافتهم، وإبداعهم البكر، ولتكشف لأول مرة لجمهور المعرض حقيقة الأدب السيناوى، ورموزه المناضلين، دفاعاً عن الوطن.. ورغم برودة الطقس، فإن أجواء مناقشة هذه الرواية والقضايا التى فجرها بشأن معاناة أهل سيناء مع النظام القمعى البائد، قد أشعلت حماسة جمهور الندوة، وألهبت مشاعرهم الوطنية، وفجرت العديد من الأطروحات حول مستقبل الوطن، ومدى قدرة مصر المحروسة على تقديم الدول النموذج، الذى يمكن أن تحتذى به منطقة الشرق الأوسط. الندوة، أدارها عبد الحكم سليمان وقدم قراءتها النقدية الناقد هانى درويش.. وفى بدايتها قدم عبد الحكم سليمان مؤلف الرواية، بصفته مبدعاً سيناوياً شاءت الأقدار أن نعرفه مناضلاً وناشطاً سياسياً قبل أن نعرفه أديباً، خصوصا أنه قضى قرابة العامين فى سجون النظام السابق، ثمناً لدفاعه عن الحرية والإنسانية، مشيراً إلى أن هذه الرواية قد صدرت قبل خمسة أعوام عن دار «ميريت للنشر» وحالت ظروف اعتقال مبدعها دون الاحتفاء بها، حتى حانت الفرصة بمخيم الإبداع للاحتفاء بها، وتعريف الجمهور القارئ بماهية الأدب السيناوى، وملامح خصوصيته. وفى قراءته للرواية أوضح الناقد هادى درويش، أن هذه الرواية تمثل الطبعة الثانية التى يحتفى بها معرض الكتاب، وهى تمثل نمطاً جديداً للكتابة، وإن كان مؤلفها قد عرف كمناضل سياسى ينتصر لحقوق قبائل بدو سيناء، لكن الرواية تعيد تقديمه كمبدع يقدم من خلال روايته صوراً وأنماطا لأشكال الحياة الاجتماعية والثقافية لبدو سيناء، ودور زعماء القبائل فى رسم خريطة هذه الحياة الاجتماعية والقيادة التى يمثلها هؤلاء الزعماء، وتعدد زيجاتهم، وبطولاتهم الفردية، وغيرها من أنماط الحياة الثقافية لبدو سيناء. ويقترب الناقد هادى درويش من لغة الرواية، ليكشف النقاب عن خصوصيتها بالمزج بين الفصحى والعامية القريبة من الفصحى، وامتلاء الرواية بمصطلحات البدو الثقافية، وإن كان بناء الرواية قائما على جمل بسيطة قصيرة، فيما يعتمد النص على التداعى القصصى، وتمتزج فيه الأسطورة بالمرويات القصصية، حيث تعدد فيها السرديات اعتماداً على تداخل أحداث الرواية بأجزاء من التاريخ السياسى لشبه جزيرة سيناء. ويضيف الناقد درويش أن هذه الرواية تعبر عن حقيقة ومعاناة منطقة سيناء، بوصفها «هامش رخو» لمصر، وكتب عليها أن تظل محلا للنزاع من احتلال عثمانى إلى حكم جائر معاصر، إلى عدوان إسرائيلى، بجانب ازدواجية النظرة لسيناء، كموطن بعيد عن المركزية الثقافية، مما جعلها عرضة للتزييف والتشويه والتخوين، وفى المقابل يدفع سكانها ثمناً باهظاً للحرية وعدم الاستقرار. فالرواية، تحكى كيفية تعامل السلطة مع البدو وقت الأزمات السياسية فى الوقت الذى تخلق لهم فيه إسرائيل أزمات موازية.. وأبطال الرواية نماذج سيناوية، تعانى ويلات هذه النظرة الدونية من جانب أهل المدينة لسكان سيناء، فهناك مصطلح اللاجئ الفلسطينى وعساف، الذى كان يطمح فى دخول الكلية الحربية، وهو يجعل أن البدو محرومون من الالتحاق بها، وتظل شخصيات الرواية تعانى حتى الراوى وسط حالة يمتزج فيها الخيال بالواقع.. وفى تعليقه، أشار مدير الندوة إلى ما ذكره الفريق سعد الدين الشاذلى من تبرئة ساحة بدو سيناء من التخوين، الذى مارسه النظام السابق، وكيف ساعده بدو سيناء على الهرب إلى غزة، ثم العودة منها إلى القاهرة، وكيف تفانى بدو سيناء فى مساعدته، وهى شهادة تفضح الروايات الكاذبة عن أهل سيناء. وفى مداخلته، قال مبدع الرواية مسعد أبو فجر إن هذه هى المرة الأولى التى يسعد فيها بروايته وبمناقشتها داخل معرض الكتاب، خصوصا أنها صدرت قبل عدة أعوام، وأنه أعتقل بعد صدورها بشهرين، وعانى ويلات السجن.. وأننى كتبت هذه الرواية لكى أتواصل مع العالم، عبر طرح سؤال عميق عن إنسانيتنا، فأزمة سيناء هى أزمة مصر، وأزمة مصر تكمن فى أننا لم ننتقل من الدولة الوطنية إلى دولة المواطنة التى يمكنها أن تحقق لنا عقدا اجتماعيا جديدا نعرف به ما علينا وما لنا من حقوق وواجبات، مشيراً إلى أن الوقفة الاحتجاجية اليوم لبعض سكان سيناء للمطالبة بحقوقهم فى البترول دليل على أننا وصلنا لدولة الحضيض، وللأسف فإن حكامنا وحلفاءهم لايزالون يكرسون للدولة الوطنية وليست دولة المواطنة، وأضاف: لقد عانيت من الدولة الوطنية، وسيناء تستحق أن يكون لها قاموسها اللغوى الخاص بها، ولقد حملت هذه الأسئلة داخل روايتى لأنه ضرورى أن أحمل أسئلة سيناء الإنسانية فى عملى الأدبى. وفى سؤال لجمهور الندوة حول جهل سكان مصر بالأدب السيناوى، ومسئولية المؤسسات الثقافية عن ذلك، قال الأديب أبو فجر إن سيناء عام 1964، كانت أقل محافظات مصر أمية، ولكن منذ أكثر من 13 عاماً مضت لم يدخل طالب سيناوى الجامعة، وأكثر من 80٪ من أهل سيناء لا يجدون قوت يومهم، ومع ذلك فإننى أؤكد حقيقة أننا نعيش فى الصحراء التى لا تعيش فيها إلا الأشجار القوية والإنسان القوى، ونحن تحملنا من المآسى على أيدى أمن الدولة السابق ما لم يتحمله بشر، والعبرة بالصمود. وحول رؤيته لمستقبل سيناء بعد ثورة 25 يناير، قال مسعد أبو فجر: سيناء هى جزء من مصر ومن ثقافتها ونحن كلنا فى مصر فشلنا خلال الستين عاماً الماضية، لأننا قفزنا فوق الواقع، وعلينا أن نبحث فى الواقع لتطوير بلادنا، وإذا كنا حالياً دولة مفككة بفعل الظروف المحلية والدولية، فالدول الكبرى كألمانيا وغيرها عاشت تجربة التفكك، وتجاوزته إلى نجاحات كبرى، وأنا بصفتى أمثل شريحة من سيناء ومن روح سيناء، فإننى أؤكد أنه إذا تقدمت مصر، تقدم الشرق الأوسط كله ويكفى أن منطقتنا شهدت ميلاد الأديان السماوية، مما يؤكد أهميتها، ويبقى دورنا فى أن تقدم مصر الدولة النموذج كمشروع تحتذى به دول المنطقة، بدلاً من أن تحتذى بنموذج إسرائيل، مؤكدا أن مصر تستطيع أن تكون عصا موسى.