عز: كان للراحل عالمان.. الإبداع الإدارة الثقافية ولقد شغل عكاشة العالمين بكفاءة القعيد: من الصعب جداً أن نجد اليوم مشروعاً ثقافياً لم يؤسس له عكاشة شعبان يوسف: الاحتفاء بالراحل هو احتفاء بثقافة عهدي الخمسينيات والستينيات أحمد بهاء الدين شعبان فى حوار مفتوح: "كفاية" مهدت الطريق أمام ثورة يناير يبقى د. ثروت عكاشة وزيرا للثقافة ونائب رئيس الوزراء المصري سابقا، علامة بارزة فى تاريخ الثقافة المصرية فهو بحق مؤسس البنية التحتية للثقافة المصرية التى نعيش عليها حتى الآن.. وتقديرا لما قدمه للحياة الثقافية والفكرية فى مصر احتفى به المقهى الثقافي ضمن محور رموز مصرية بحضور كل من الناقد والفنان التشكيلي عز الدين نجيب، والكاتب الكبير يوسف القعيد، والناقد الكبير شعبان يوسف وطلعت رضوان الذى أدار اللقاء. بدأ الحديث "طلعت رضوان" في كلمات قصيرة رأى فيها أن حياة الراحل تصلح كدراما إنسانية من الطراز الأول لافتاً النظر لهذا الصراع النفسي الذي كان يعيشه الراحل بين شخصية المثقف وشخصية الضابط. ثم كانت الكلمة ل"عز الدين نجيب" الذي أكد أن الحديث عن ثروت عكاشة هو حديث ذو شجون، فهو صاحب رؤية ثقافية سابقة على عصره ففي الخمسينيات حين عُين وزيراً للثقافة أسس البنية الأساسية الحقيقية لوزارة الثقافة فهو واضع اللبنة الأولى لهيئات المسرح والسينما والفنون الشعبية وأكاديمية الفنون ومشروع آثار النوبة والمتاحف وهيئات الكتاب وغيرها من المؤسسات الكبيرة .. كل هذه الجهود العظيمة التي كانت بمثابة مشروع عكاشة لبناء الحياة الثقافية المصرية والذي لم يكسره إلا نكسة 1967. كان للراحل عالمان مختلفان كما أوضح نجيب:عالم المبدع من خلال كتاباته، وعالم الإدارة الثقافية ولقد شغل عكاشة العالمين بكفاءة وحضور عاليين، لا نجد حتى الآن من يسد فراغه في كليهما .. كان من أبدع ما خلّف عكاشة موسوعته "العين تسمع والأذن ترى" الموسوعة التي تتناول تاريخ الفن ببراعة غير مسبوقة .. كان مخلصاً شديد الإخلاص للبحث العلمي يتطلع دائماً للبحث عن المؤلفين أو ورثتهم - إن كانوا قد رحلوا - ليحصل على حقوق الاقتباس والتأصيل لكل المباحث من مصادرها الأولى، وكان يسافر للمتاحف ليجمع المادة العلمية قبل أن يشرع في الكتابة بذائقته الجمالية المميزة .. له العديد من الترجمات في مجال الأدب من أشهرها كتابه عن "فاجنر" الذي يأخذ بيد القارئ ويعلمه كيف يدلف لعالم الموسيقى والألحان. وتابع: كانت من أهم منجزاته أنه قدم الثقافة بكل مجالاتها (الفنون والآداب والمسرح والبالية والغناء) لعامة الناس كي لا تقتصر على النخبة فقط، فعلى سبيل المثال لا الحصر قدمت أكاديمية الفنون التي أسسها أجيالاً من المبدعين في كل هذه المجالات، وفي عام 1966 أسس الإدارة العامة لقصور الثقافة التي كانت بمثابة وزارة وحدها حيث كان لديها في كل محافظة قصراً للثقافة لم يبخل عكاشة بالإنفاق عليه أبداً، وبعد أن غاب عن الوزارة ثم عاد إليها مرةً أخرى أقدم على ما لم يستطع أحد الإقدام عليه حيث ولى هذه القصور شباباً دون الثلاثين من عمرهم من الأدباء والفنانين والمسرحيين انطلاقاً من إيمانه بأن الثقافة كلٌ متكامل لا مجال للفصل فيه بين النخبة والجماهير، وهو أول من أدخل مصر فكرة "قوافل الثقافة" التي كانت تنزل لجميع الأقاليم تلك الفكرة التي استعارها من أوروبا الشرقية والتي فتحت المجال لجميع أبناء الشعب من الفلاحين والكادحين أن يسألوا ويتكلموا ويحاكمو آلام السنوات العجاف ويناقشوا أسباب النكسة ويخرجوا من أعماقهم صمت السنين. في حين تحدث الأديب "يوسف القعيد" عن ثروت عكاشة الذي عرفه بعد أن ترك وزارة الثقافة والذي كان يتساءل دوماً: لماذا كان يتناوب على وزارة الثقافة كل من عبد القادر حاتم وثروت عكاشة!! فأداء عكاشة كان يختلف تماماً عن أداء حاتم الذي كان يحرص على الجانب الإعلامي أكثر. وأكد القعيد على حرص ثروت عكاشة طوال الفترة التي تولى فيها مسئولية وزارة الثقافة على عقد اجتماعات شهرية لتنسيق السياسات والمشروعات بين الجميع كي يخرج أداء الوزارة متناغماً .. ذلك التقليد الذي أرساه عكاشة وتوقف من بعده .. كما أكد أنه من الصعب جداً أن نجد اليوم مشروعاً ثقافياً لم يؤسس له ثروت عكاشة فهو صاحب تجربة ثقافية مهمة ومتكاملة وقدم للمكتبة العربية العديد من الترجمات الهامة ومنها: "مارد من الشرق" و"أمة من الأغنام" و"العودة إلى الإيمان" .. لقد كان مهموماً بالكتابة حريصاً على تدوين كل ما رأى وشاهد وتعلم .. وكانت من أهم مشروعاته الفكرية "مصر في عيون الغرباء" التي حقق فيها المراحل الزمنية التي عبرها الرحالة واللوحات التشكيلية في تلك الفترة .. وختم القعيد كلامه بأن التراث الذي خلفه عكاشة هو تراث عميق الثراء يستحق إعادة طبعه من جديد إلا أن هذا الأمر قد يجد عقبات كثيرة هذه الأيام نظراً للرقابة الدينية القوية التي تعاني مصر منها الآن. أما شعبان يوسف فأكد أن الاحتفاء بثروت عكاشة هو احتفاء بثقافة عهدي الخمسينيات والستينيات .. تلك الفترة التي شهدت ازدهاراً بالمعنى الحقيقي للثقافة المصرية حيث كان لدينا وقتها مجلات طليعية تقدمية أمثال "مجلة الكاتب"، و"الفكر المعاصر" .. هذا بخلاف المؤسسات التي خلفها هذا الزمن والتي يرتع بها المثقفون حتى اليوم ويخشون عليها بشدة من زمن الإخوان وألمح شعبان يوسف لتجربة عكاشة الهامة في الصحافة - بخلاف تجربته الأدبية - فهو المؤسس الحقيقي لصحافة يوليو فبعد الثورة تأسست "مجلة التحرير" برئاسة أحمد حمروش ثم ترأس عكاشة تحريرها بدايةً من العدد الرابع .. تلك المجلة التي يراها يوسف مجلة هامة للغاية وتمنى على القائمين بأمر الثقافة إعادة نشرها من جديد ثم ختم كلمته القصيرة بأنه يؤمن أن لمسات الراحل ستظل عالقة بالثقافة المصرية لأمد بعيد فهو أحد النبلاء الذين أسسوا لنهضة ثقافية مصرية حقيقية. المفكر أحمد بهاء الدين شعبان في لقاء مفتوح كما استضاف المقهى المناضل السياسى أحد رموز جيل السبعينيات "أحمد بهاء الدين شعبان" فى لقاء مفتوح جمهور المعرض.. وقد أدار اللقاء الناقد شعبان يوسف الذى قال: هو الصديق الذي تربطه به علاقة إنسانية وسياسية منذ فترة والمهندس والكاتب وقديس الحركة الطلابية، ورئيس نادي الفكر الاشتراكي بجامعة القاهرة .. المناضل بعمله وفكره.. دمث الخلق، القوى المتماسك أمام أكثر الظواهر تفجراً، صاحب المواقف الوطنية الإيجابية النبيلة التي لا يحكي عنها كثيراً ولكن المستقبل بالتأكيد سيحكي عنها كثيراً بعدها تحدث "أحمد بهاء الدين شعبان" وبدأ حديثه بتذكر المشهد الشهير من فيلم "عمر المختار" حين سأل الجنرال الإيطالي المتعجرف الشيخ المجاهد بعد أن تم القبض عليه: هل كنت تتصور أنك بهذه البنادق البدائية ستهزم إيطاليا العظمى!! فأجابه تلك الإجابة الشهيرة: لقد كنت أؤدي واجبي. وعن أداء الواجب الذي يتسنى لكل إنسان القيام به في هذه الدنيا والذي يختلف على حسب الظروف التي ينشأ بها كل فرد والقيم والمثل التي يؤمن بها استفاض بهاء الدين في الكلام راصداً رحلة كفاحه.. هو اليساري الذي آمن بأنه تربى وتعلم بأموال فقراء هذا الوطن فصار لزاماً عليه أن يدافع عن مصالحهم وأن يكون صوتهم وألا يتخلى أبداً عن دوره في تنوير الناس والدفاع عن مصالحهم. أكد بهاء الدين أنه ينتمي فكرياً وسياسياً لهذا الجيل الذي أسس لمصر الحديثة أمثال مصطفى كامل ومحمد فريد، هذا الفصيل الممتد في التاريخ منذ أيام حسن العطار والجبرتي والذي تبني دوماً مصالح الوطن والشعب .. في حين أنه ينتمي زمانياً لجيل السبعينيات "الجيل الذهبي للسياسة المصرية" الذي لعب دوراً هاماً للغاية للنهوض بالمصالح الوطنية طوال الأربعين سنة الأخيرة خاصةً بعد رحيل عبد الناصر ومجيئ السادات.. وقد اعتبر احمد بهاء شعبان أن بناء الدولة الحديثة هي مهمته الأساسية ذلك الحلم لم يتحقق حتى الآن للآسف الشديد. وعن نشأته تحدث قائلاً بأنه ابن تلك الطبقة البسيطة التي لم تورث أبناءها مالاً ولا عقاراً بل ورثتهم حب العلم والإيمان به فوالده ضابط القوات المسلحة المتدين السمح عميق التدين النائي عن المظاهر السطحية التي لا تعكس من الحقيقة شيئاً لم يمنع ابنه من الإنتماء لتيار اليسار ولم يتدخل يوماً في توجهاته السياسية وعلمه دون أن يقصد قداسة فعل الكتابة فكان دوماً ما يراه إما قارئاً أو جالساً للكتابة. ظل بهاء الدين مؤمناً طوال حياته بمباديء الاستقلال الوطني والاقتصادي والحرية والديمقراطية والعدل الاجتماعي فبحكم انتمائه لليسار المصري كان لديه هذا الإحساس الجارف بالعدالة الاجتماعية كما أنه عاش عمره مؤمناً بالقضية الفلسطينية التي لا تزال مرتبكة في أذهان البعض مما يجده بهاء الدين أمراً مؤسفاً، فالإنتماء لمثل هذه القضية ليس انتماءاً آنياً بل أبدياً لأنها قضية عادلة لشعب ناضل ولا يزال من أجل الحرية والاستقلال. وعن واحدة من أهم محطات حياته تحدث بهاء الدين عن تلك الفترة التى انتمى بها لحركة كفاية التي تأسست في أواخر عام 2004 والتي كانت تعبيراً حقيقياً عن التوافق الوطني الجامع من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ورغم هذا البون الواسع من الاختلاف إلا أنها استطاعت أن تجد أرضية مشتركة يقف عليها الجميع وكانت نموذجاً حياً لتحدي جبروت الحاكم ومحاولاته المستمرة لقهر الشعب المصري.. كانت تماماً كقطرة الماء التي تحفر في الصخر لا بقوتها ولكن بدأبها وتتابعها. وذكر بهاء الدين تلك الواقعة الشهيرة حين اتهمهم مبارك بأنهم يتقاضون أموالاً من الخارج فكتبوا بياناً قالوا فيه أنه كاذب وتحدوه أن يثبت هذا الأمر وإلا فسيرفعون الأمر للقضاء، فكان تراجع رئاسة الجمهورية على لسان متحدثها الرسمي حيث خرج قائلاً أنه قد حدث تحريف لكلام مبارك، واعتذرت الأهرام التي كانت قد نشرت هذا الخبر بأنها تقولت على رئيس الجمهورية . فدور حركة كفاية العظيم في السنوات الأخيرة لا يمكن أن ينكره إلا جاحد فهي التي حرثت الأرض ومهدتها لثورة 25 يناير ولم ينسَ بهاء الدين أن يذكرالمفكر الراحل المناضل العظيم د.عبد الوهاب المسيري الذي كان له أعظم الأثر في هذه الحركة والذي جاهد بفكره وقلمه وعلمه وروحه والذي لا يمكن أن ينسى التاريخ مشهده وهو مُلقى على الأرض تنهال عليه أقدام جنود الأمن المركزي في بشاعة لا يمكن أن تفسرها أي نظرية نفسية إنسانية. ثم ذكر محطة "الجمعية الوطنية للتغيير" والتي يشرف بالإنتماء إليها حيث يشغل منصب المنسق العام لها الآن. أما على الصعيد الثقافي فللكاتب عشرين كتاباً اهتم في الكثير منهم بالكتابة عن العدو الصهيونى اعتماداً على مبدأ أنك حين تعرف عدوك تكسب نصف المعركة .. أما آخر كتاب له فقد تناول فيه قضية صراع الطبقات في مصر المعاصرة. أكد بهاء الدين على أنه كان من المتنبئين بالثورة في كل مقالاته، وأنه يرى أن الموجة القادمة من الثورة ستكون ذات بعد اجتماعي عمادها الفقراء وأنهى كلامه مُذكراً بأنه حين تنتصر هذه الثورة سيذكر التاريخ أن هناك الكثير والكثير من الجنود المجهولين الذين ساهموا صادقين في مسيرة هذا الوطن. كان المقهى الثقافي قد ناقش رواية "جواد" للكاتب "جمال مقار" في فقرته "نصوص سردية" حيث ناقشه كل من ربيع مفتاح ومصطفى الضبع وأدارت الندوة سامية أبو زيد.