انتهى اللقاء.. والجدل لا يزال قائما في قاعة ضيف الشرف بمبنى القاعة الرئيسية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، كان الحضور أكثر كثافةً مما ستراه في باقي ندوات المعرض، وسيبطل العجب حين تعلم أنها ندوة مناقشة كتاب "سر المعبد" للكاتب والمحامى المشهور ثروت الخرباوي، والذي نال كتابه موضوع الندوة عن الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين اهتماماً واسعاً في أوساط الشباب والمثقفين. الخرباوي قبل وبعد الندوة كان موضع اهتمام الإعلام بشكل ملحوظ، ومع أن هذا الكتاب لم يكن الأول عن الجماعة التي انشق عنها الخرباوي وبدأ يؤلف الكتب ويلقي المحاضرات ويكتب للصحف عنها، لكن "سر المعبد" لقي عناية خاصة من جمهور المعرض لنظراً لكون الجماعة الآن في وضع مختلف عما كانت عليه حين أصدر كتابه الأول "قلب الإخوان" في عام 2009 حضر مناقشاً ومقدماً لموضوع الندوة الكاتب الصحفي حلمي نمنم، والذي أخذ نصيباً من التفاعل مع الجمهور والرد على أسئلتهم لاحقاً. بدأت الندوة بكلمة من حلمي نمنم قدم فيها الكاتب والكتاب، وأشاد بأسلوبه الأدبي خاصة، وأضاف أنه قرأ كتابه الأول "قلب الإخوان" قراءة عميقة، وأن هذا الكتاب الذي بين أيدينا "سر المعبد" يعد تطوراً في الأسلوب والمحتوى الذي يقدمه الخرباوي، ولأن الموضوع شائك وحساس فقد أبدى الخرباوي براعة في عرضه وتقديمه حسبما يرى النمنم. ثم انتقل الحديث للكاتب ثروت الخرباوي فتحدث عن كتابه موضوع الندوة، وحتى لا ينقل فقرات بأكملها من الكتاب فقد آثر تلخيص الموضوع في عجالة لمن لم يقرأ كتابه وتحدث عن الدولة الدينية والجماعة وتاريخها وولاءها للولايات المتحدة وأسباب انفصاله عنها، وكيف ومتى قرر ألا يستمر كواحد من أبناء الجماعة. ثم بدأت المناقشة الساخنة مع فتح باب الأسئلة للجمهور، ويبدو أن سيطرة التيار الليبرالي على المنصة لم يكن انعكاساً لنسبة التيار نفسه في مقاعد المستمعين، فقد بدأت المحاورات من جانب الحضور بأسئلة ملتهبة من أحد الحضور عن الفترة التي قضاها الخرباوي عضواً بجماعة الإخوان المسلمين، وهل هي كافية للحكم عليهم واعتبارها تجربة تستحق الطرح، فكانت إجابة المؤلف أنه لا يشترط لسرد التجربة أن تكون طويلة، فقد يرى الواحد في سنة ما لا يراه عضو آخر قضى مع الجماعة سنين طويلة، ومع ذلك فهو قد قضى ثمانية عشر عاماً من عمره عضواً في جماعة الإخوان المسلمين وأتمها ثلاثة وعشرين عاماً في التيار الإسلامي ككل، وهي في نظره تجربة تكفي للطرح. أحد الحضور تناول بسؤاله أيضاً نظرة الكاتب والجماعة للدولة الدينية، وتحدث آخر عن المرجعية الدينية، فوضح الخرباوي في رده ما يراه من أن المرجعية الإسلامية هي أمر غير موجود في الإسلام نفسه، واستنكر تسمية الأشياء أو الأفكار ب "الإسلامية" موضحاً أن هناك "الإسلام" و هناك "المسلمون" مستشهداً بالآية الكريمة "هو سماكم المسلمون من قبل"، وليس هناك في رأيه مسمى "الإسلامي" ومكرراً أن هذا المصطلح لم يظهر إلا في القرن العشرين ولم يعرفه المسلمون قبلها. ثم شارك الكاتب حلمي نمنم في الإجابة بقوله أن الدولة الدينية هي تجربة بدأها الغرب ممثلاً في الأممالمتحدة التي أنشأت أول دولتين على أساس ديني هما باكستان للمسلمين وإسرائيل لليهود وكيف أن ذلك كان سبباً في موت ملايين الناس، وأن التاريخ الإسلامي لم يعرف دولة على أساس ديني إلا دولة الفاطميين. وامتد النقاش إلى ذكريات وذاكرة جماعة الإخوان المسلمين من وجهة نظر الكاتب ثروت الخرباوي والمناقش حلمي النمنم رداً على أسئلة الحضور حول موضوعات مثل "مقتل الإمام حسن البنا على يد التنظيم الخاص أحد تنظيمات جماعة الإخوان المسلمين" وصحة ذلك من عدمه، والشبهات التي أثيرت حوله، وكذلك شبهة تدبير "حادث المنشية" ونسبتها إلى الجماعة، وأيضاً علاقة الإخوان المسلمين بالعنف وعلاقة المناضل سيد قطب بالمحفل الماسوني ومسائل أخرى أثيرت واشترك في الإجابة عنها الخرباوي والنمنم. وقد اشتعل النقاش في الندوة بفعل حرارة المناقشات السياسية التي تتناول المنطقة الحساسة في العلاقة بين الدين والسياسة، حتى أن مديرة الندوة الصحفية نشوى الحوفي فشلت في إدارة الدقائق الأخيرة بعد انفعال بعض المحاورين من الجانبين الذين تحولوا إلى معسكرين؛ ما بين مؤيد ومعارض لسياسات جماعة الإخوان المسلمين في الحكم، ولكن ثروت الخرباوي بخبرته كمحام مفوه وكاتب محنك تمكن من الإمساك بدفة الحوار الساخن الذي تجاوز الوقت المحدد له على غير العادة في الندوات الأخرى على مدار تاريخ المعرض، وانتهى اللقاء لكن الجدال لم ينته ولا يبدو أنه سينتهي حتى اللحظات الأخيرة من معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يحمل عنوان "حوار لا صدام".