توقعات الأبراج اليوم الجمعة 14 يونيو 2024: مكاسب مالية ل«الميزان» وتحذير ل«العقرب»    سعر اليوان الصيني في البنك المركزي اليوم الجمعة 14-6-2024    البطاطس تواصل ارتفاعها داخل أسواق كفر الشيخ قبيل عيد الأضحى    أسعار الجمبري اليوم الجمعة 14-6-2024 في محافظة قنا    أسعار الدواجن والبيض اليوم الجمعة 14-6-2024 في قنا    قيادي بحماس ل سي إن إن: نحتاج إلى موقف واضح من إسرائيل للقبول بوقف لإطلاق النار    الدوري المصري، موعد مباراة الأهلي وفاركو والقناة الناقلة    تشكيل الاهلي أمام فاركو في الدوري المصري    كاميرا القاهرة الإخبارية تنقل صورة حية لطواف الحجاج حول الكعبة.. «لبيك اللهم لبيك»    ما سبب الموجة شديدة الحرارة الحالية؟.. الأرصاد تجيب    «صحة البحر الأحمر» تنهي استعداداتها لاستقبال عيد الأضحى المبارك    فيلم «ولاد رزق 3» يحقق 8 ملايين جنيه في ثاني أيام عرضه    سحب فيلم تاني تاني من دور العرض.. حقق 589 ألف جنيه في 3 أسابيع    القيادة المركزية الأمريكية: دمرنا مسيرة بحرية وزورقين ومسيرة تابعة للحوثيين    عزيز الشافعي يحتفل بتصدر أغنية الطعامة التريند    تباين أداء مؤشرات الأسهم اليابانية في الجلسة الصباحية    صلاح عبد الله: أحمد آدم كان يريد أن يصبح مطرباً    عيد الأضحى 2024| ما حكم التبرع بثمن الأضحية للمريض المحتاج    حزب الله يبث لقطات من استهدافه مصنع بلاسان للصناعات العسكرية شمال إسرائيل    للمسافرين.. تعرف على مواعيد القطارات خلال عيد الأضحى    ترامب: علاقاتى مع بوتين كانت جيدة    تنسيق مدارس البترول 2024 بعد مرحلة الإعدادية (الشروط والأماكن)    مساهمو تسلا يقرون حزمة تعويضات لإيلون ماسك بقيمة 56 مليار دولار    مصطفى فتحي يكشف حقيقة بكائه في مباراة سموحة وبيراميدز    إنبي: نحقق مكاسب مالية كبيرة من بيع اللاعبين.. وسنصعد ناشئين جدد هذا الموسم    القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير جهاز استشعار للدفاع الجوي في منطقة للحوثيين    "هذه أعمالهم" ماذا يفعل الحجاج في يوم التروية؟    باستعلام وتنزيل PDF.. اعرف نتائج الثالث المتوسط 2024    حاتم صلاح: فكرة عصابة الماكس جذبتني منذ اللحظة الأولى    سموحة يرد على أنباء التعاقد مع ثنائي الأهلي    «زد يسهل طريق الاحتراف».. ميسي: «رحلت عن الأهلي لعدم المشاركة»    الحركة الوطنية يفتتح ثلاث مقرات جديدة في الشرقية ويعقد مؤتمر جماهيري    بايدن يزيد من آمال أوكرانيا في الحصول على المزيد من منظومات باتريوت من الحلفاء    سموحة يعلن موافقته على تطبيق نظام الدوري البلجيكي في مصر    ننشر صور الأشقاء ضحايا حادث صحراوي المنيا    تحرير 14 محضر مخالفة فى حملة للمرور على محلات الجزارة بالقصاصين بالإسماعيلية    ضبط مريض نفسى يتعدى على المارة ببنى سويف    هشام قاسم و«المصري اليوم»    أهم الأعمال التي يقوم بها الحاج في يوم التروية    عيد الأضحى 2024| هل على الحاج أضحية غير التي يذبحها في الحج؟    إصابة 11 شخصا بعقر كلب ضال بمطروح    صحة دمياط: تكثيف المرور على وحدات ومراكز طب الأسرة استعدادا لعيد الأضحى    أماكن ذبح الأضاحي مجانا بمحافظة الإسماعيلية في عيد الأضحى 2024    بايدن يكشف العائق الأكبر أمام تنفيذ خطة وقف إطلاق النار    مستقبلي كان هيضيع واتفضحت في الجرايد، علي الحجار يروي أسوأ أزمة واجهها بسبب سميحة أيوب (فيديو)    تحرك نووي أمريكي خلف الأسطول الروسي.. هل تقع الكارثة؟    جامعة الدلتا تشارك في ورشة عمل حول مناهضة العنف ضد المرأة    بعد استشهاد العالم "ناصر صابر" .. ناعون: لا رحمة أو مروءة بإبقائه مشلولا بسجنه وإهماله طبيا    يورو 2024| أصغر اللاعبين سنًا في بطولة الأمم الأوروبية.. «يامال» 16 عامًا يتصدر الترتيب    5 أعمال للفوز بالمغفرة يوم عرفة.. تعرف عليها    مصطفى بكري يكشف موعد إعلان الحكومة الجديدة.. ومفاجآت المجموعة الاقتصادية    حبس المتهم بحيازة جرانوف و6 بنادق في نصر النوبة بأسوان 4 أيام    رئيس "مكافحة المنشطات": لا أجد مشكلة في انتقادات بيراميدز.. وعينة رمضان صبحي غير نمطية    وكيل صحة الإسماعيلية تهنئ العاملين بديوان عام المديرية بحلول عيد الأضحى المبارك    دواء جديد لإعادة نمو الأسنان تلقائيًا.. ما موعد طرحه في الأسواق؟ (فيديو)    نقيب "أطباء القاهرة" تحذر أولياء الأمور من إدمان أولادهم للمخدرات الرقمية    بعد ارتفاعه في 8 بنوك .. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 14 يونيو قبل إجازة العيد    محمد صلاح العزب عن أزمة مسلسله الجديد: قصة سفاح التجمع ليست ملكا لأحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار ثقافي خاص... مع الإعلامي الكاتب العربي : رابح فيلالي مراسل قناة الحرة من واشنطن
نشر في شموس يوم 02 - 10 - 2012

بمناسبة صدور روايته الجديدة " وعد الياسمين
على حين غفلة لمحته يضع خطوات متأنية, يجتاز الطريق بهدوء, يتأمّل تفاصيل الشارع, تحت ارتفاع ليل قسنطينيّ شامخ, كان موعده مع معشوقته؛ التي طالما راسلها رسائل شوق وعشق بواح مخاطبا العالم من خلالها قائلا:" رسائل إليك".. وإن كانت "رصاصة واحدة تكفي" للقتل؛ فإنّه من الحبّ كذلك ما قتل..
هاهو الكاتب العربي ابن مدينة الجسور قسنطينة يعود إلى طوقها من جديد مع "وعد الياسمين", لما أدرك أن "وردة واحدة لا تكفي" قرّر أن يهديها باقة ياسمين حمَّلها عصارة فكره, ومستودع أحاسيسه ومشاعره..
رابح فيلالي القادم من الولايات المتّحدة الأمريكية إلى مدينة اتّحد قلبه وعقله معا في عشقها؛ يضرب اليوم معها موعدا تحت ظلال الياسمين, فوق الجسور, وبين الأزقة القديمة, والشوارع المتلألئة بنور الليل الهادئ, يرتشف شايه القسنطينيَّ "المنعنع"؛ الذي امتزج نصفه بالألم يعلوه الأمل, ترقبا لغد مشرق بشمس جديدة تنتظرها عروسه قسنطينة..
1-أستاذ رابح: تحية ملؤها المودّة والاحترام والصّفاء؛ صفاء هذه الجلسة الثقافية التي تجمعنا بين أحضان قسنطينة العريقة: بداية كيف تجدون قسنطينة والجزائر عموما خلال هذه الزيارة, لاسيما أنّ سفر المثقف أو الكاتب أو الفنان يختلف عن غيره, في كون سياحته سياحة ثقافية بالدّرجة الأولى أكثر منها استجمامية, بمعنى آخر أنّه تستوقفه أدق التفاصيل في أيّة بلدة يقصدها, خاصة إذا تعلق الأمر ببلده الأمّ بعد اغتراب طويل؟
شكرا, هذه فرصة طيبة لنلتقي بالأصدقاء وزملاء المهنة وجمهور قسنطينة وألتقي بشكل عام بقرائي بالجزائر, خاصة أنّ الزيارة في الأساس هي بمناسبة المعرض الدّولي للكتاب بقصر المعارض بالجزائر العاصمة, فالزيارة هي للحديث للجمهور عن روايتي الجديدة "وعد الياسمين"..بالتأكيد كل زيارة للجزائر أو لقسنطينة هي في صورة بسيطة وهادئة ومحددة المعاني, لقاء بالذات, في امتدادها الجغرافي, والمكاني والحضاري, في جذورها أيضا, قلت في مناسبات عديدة وأعيد القول, كل قطعة حجر تعني لك الكثير, كل جدار يحمل لك ذكرى, كل وجه يحيلك إلى حكاية ما, كل مكان يحمل لك الكثير من التقاطعات العاطفية والحسيّة والشعورية, لذلك بشكل عام حضوري للجزائر هو بشكل مطلق حالة فرح جميلة أشتاقها على مدار الزمن, خاصة أنّي آتي هذه المرة حاملا على أكتافي وعدا من طينة الياسمين, وأنا أعتقد أني حاولت من خلاله( أي النّص الروائي), التأسيس لرؤية جديدة ليس فقط على مستوى النّص الرّوائي؛ وإنما رؤية جديدة على مستوى البنية الذهنية للفرد الجزائري, وهذا الذي أعنيه بالدرجة الأولى, هذا معركتي, هذه مساحتي التي عملت عليها في "وعد الياسمين", وأسّست لها قبل ذلك في"رصاصة واحدة تكفي", وقاربتها أيضا في "وردة واحدة لا تكفي", الآن أتحدّث عليها ربما بشكل تفصيليّ في " وعد الياسمين", لذلك فإنّ هذه الزيارة هي زيارة تحمل كل هذه التراكمات والمعاني, وتحمل كل هذه الإشارات أيضا.
نعم, وكيف وجدتم من خلالها قسنطينة؟
قسنطينة امرأة فاتنة لا تشيخ, تأكل الزمن ولا يأكلها الزمن, واقفها دائما على ساقيها الجميلتين, تصنع الإنسان بالطريقة التي تحلو لها دائما أن يتشكل وليس كما يحلو للإنسان أن يتشكل, قسنطينة هي هذه المعاني التي سكنتنا حتى ولو سكنا أطراف العالم المختلفة, ولكن المعنى الوحيد الذي يسكننا هو المعنى الذي تقوله قسنطينة, هو معنى خالد بدواخلنا يتكرر معنا في كل الأمكنة وفي كل الأزمنة, قسنطينة هي أمّي وأمّك وكل هذه القيم النبيلة التي درجنا عليها في هذه السّاحات وفي هذه المسارات وفي هذه الأزقة, قسنطينة هي هذه المدينة التي دائما ما تعمل بطريقة خاصة جدا كي تنقلنا إلى فضاء آخر؛ في المفردة, في الخيال, في التصور, لذلك فإنّ قسنطينة هي المدينة الوحيدة التي لا يمكن بأي شكل من الأشكال, أن تغيب عن ما أكتب أو تغيب عن ما أقول, أو أن تغيب عن ما أتحدث فيه في أي مكان من العالم..
هي أيضا-أستاذ رابح- إذا وافقتني الرأي, تمهيدا للحديث عن الإبداع والمبدعين وللغوص أكثر في أعماق الكلام الذي سنعرض إليه لاحقا عن مولودكم الأدبي الجديد؛ قسنطينة هي محطة إبداعية في حياة كل مثقف, أو هي الموحية والملهمة, وقد رأينا مالك بن نبي, ومالك حداد, والطاهر وطار, وكاتب ياسين, وأحلام مستغانمي, والآن رابح فيلالي, كل هؤلاء الذين عبروا قسنطينة, كيف طبعوا بطابعها وألهمتهم الكثير, يعني هذه المدينة ذات طابع إيحائي؟
المدن كالناس تماما, هناك مدن تملك عناصر الحياة, وهناك مدن تصنع الحياة, وهناك مدن تهجرها الحياة, حتى إن كانت مدنا عظيمة جدا, قدر قسنطينة أن تكون من هذه المدن التي تجتمع فيها عناصر الحياة وصناعة الحياة وسحر الحياة أيضا, عندما تتحدث عن هذه المدينة؛ نحن مجرد حلقة تحدث في مسلسل طويل من حلقات الأسماء والعوالم والأعلام التي شكلت الذاكرة الإبداعية في هذه المدينة أو الذاكرة الفنية في الجزائر بشكل عام, قسنطينة هي هذه الروح, قسنطينة هي العباءة التي شكلت واحدة من ملاحم الجزائر العظيمة, قسنطينة هي المدينة التي جاءها ابن خلدون قاطعا, فتزوج منها- وهذا مالا يعرفه كثير من الناس-, قسنطينة هي التي كتَّبت ولا أقول كتبت, كتَّبت الطاهر وطار, وقبله آخرون, وكتَّبت فيما بعد أحلام مستغانمي وآخرون, وتكتبني أنا الآن وتكتب آخرون أيضا, وتكتبك أيضا, فهذه المدينة هي مدينة تحمل من يكتب, من يفكر, من يأتيها عابرا إلى فضاء آخر, يجتمع فيها سحر المكان أولا, هذا السّحر العجيب أن تقوم مدينة على ساقين جميلتين, لذلك أنا عندما أتحدث عن ساقي المدينة في قسنطينة, أشبه قسنطينة بالمرأة الفاتنة السّاقين, الساقين في قسنطينة هما جسراها, فعندما تجد هذه المدينة تتوسط قلب صخر وتستمر فيها الحياة, ويأتي كل هذا الإبداع الذي يحدث في هذه المدينة من قلب صخرة, هنا في هذه المدينة وفي هذا المربع المكاني والجغرافي تحديدا تحدث واحدة من معجزات المكان في خلق الله, ربما نحن بفعل العادة اليومية, لأن هذا جزء من ديكور الحياة الذي نشأنا عليه, ولكن بالنسبة للعين المجردة التي تأتي في حالة حياد؛ سوف تكتشف بأنها تقف أمام لوحة لا تتكرر في بقية العالم, لذلك قسنطينة هي حالة مكانية خاصة, هي حالة إيحائية خاصة جدا, وهي حالة معنى, تخرج عن كل العادة في أي مكان آخر..
أستاذ رابح: مع كل هذه المحطات والرؤى الجمالية, هناك تقصير من قِبل القائمين على هذه المدينة والمواطنين أيضا, الذين لم يدركوا قيمة هذه المدينة, ولم يتذوقوا جمالياتها, ولم يثمّنوا هذا المكنون الحضاري الذي بين أيديهم, هذا التقصير ألا يوقعكم أنتم الكتاب والشعراء والمثقفون بشكل عام, ألا يوقعكم تحت طائلة المسؤولية- لانقول المسؤولية القانونية-, بل المسؤولية الإنسانية والتاريخية والحضارية, من خلال جانبين؛ أولهما: قد يسألكم التاريخ يوما ماذا قدّمتم لقسنطينة لرفع هذا الغبن عنها, وإزاحة الغبش عن وجهها لتبدو ملامحها جيدا, وفي الوقت ذاته تعريفا بها ولإبرازها للعالم في حلتها الجديرة بها؟
صحيح, ما تقوله سليم جدا, لكن نحن لا نملك في نهاية المطاف سوى نوايانا الطيبة ورؤيتنا الجميلة لهذه المدينة ومحبتنا للإنسان والمكان في نفس الوقت, جميعنا-أعتقد- حتى الذين عبروا قسنطينة عبورا فقط, حاولوا أو اجتهدوا في أن ينصفوا هذا السّحر ولو من خلال الكلمة, أتذكر جيدا؛ عندما كتبت "رصاصة واحدة تكفي" في واشنطن, ورصاصة هي قسنطينة في كل تفاصيلها, كان بعض الأصدقاء العرب والأمريكان يتساءل عن المدينة, باعتبار الصورة التي قدمت بها المدينة في الرواية, هناك أحد الأصدقاء الأمريكيين كان يقول لي:" هذا مكان رائع لفيلم سينيمائي غير مسبوق"؛ لما قرأ تفاصيل الجسر والحب على حافة الجسر, ووعد الحب على حافة الجسر, وكل هذه المعاني, ولما تحدّثت عن أزقة النّحاس بمدينة قسنطينة, وعن صباحات المدينة الباكرة كيف تبدأ, فنحن نملك هذا العشق الصادق للمدينة, وهذا الوفاء الأبدي للمدينة وثقافتها, لكن ثمّة ما يتجاوز المثقف بكثير, لأن المثقف هو صوت, لما أتحدذث أنا بقلمي, بحروفي, بنواياي الطيبة عن قسنطينة كل صباح على مسافة قسنطينة واشنطن, ونتحدث إلى هذا الأمريكي الذي يتعامل مع زمن حضاري آخر مختلف تماما عن قسنطينة وعن سحرها, أعتقد أنّ هذا محاولة للوفاء للمكان, ومحاولة لإنصاف المكان في الوقت ذاته, لكن المثقف هو صوت وضمير يتحدّث, هو عقل يضيء الزوايا القاتمة عادة في مسارات الناس, لكن في نهاية الأمر المثقف لا يملك إلا هذه النوايا الطيبة, وهذه الروح الجميلة التي تحاول أن توقظ بقية الأرواح, هناك واقع اجتماعي وإنساني يومي بقسنطينة يدمي القلب, مؤلم وموجع في كل تفاصيله, وأتفق معك تماما أن الصورة الآن ليست جميلة, قسنطينة الآن هي الفتاة اليافعة المتدفقة بالحياة, التي أخذوها إلى مرحلة العجز في حياتها قهرا وقسوة, هذا واقع مؤلم بكل تأكيد, لا أحد فينا تمنى لهذه المدينة هذه الصورة التي هي عليها الآن, ولكن هناك من يملك صلاحيات تغيير هذا الواقع, وهو مسؤول أيما مسؤولية عن تغييره, وهنا تكمن الفواصل الحقيقية للسؤال: لماذا هذه المدينة هي بكل هذا البؤس في كل مشهد من مشاهدها, لكن الأكيد في كل الحالات بصرف النظر عن نيات المثقف الطيبة, وبصرف النظر عن تقصير أو عدم تقدير صاحب القرار في المدينة, بكل تأكيد قسنطينة كان يجب ألا تكون بهذه الصورة..
نعم, مع أنها عاصمة للشرق الجزائري..من عاصمة الشرق الجزائري إلى عاصمة الوطن, إلى الجزائر العاصمة, أستاذ رابح: دعنا نتكلم بصراحة عن تقييمكم الشخصي للمعرض الدولي للكتاب في طبعته هذا العام: سبتمبر/ أكتوبر 2012, وقد سجلتم مجموعة مآخذ- ربما عرضنا إلى بعضها خلال كواليسنا-, هذه المآخذ تنظيمية وتخطيطية كذلك أرجعتم سببها إلى نقاط كثيرة, لعل أبرزها غياب الاحتراف أو عدم الاحترافية وطغيان الارتجالية في العمل التي تكتنف العديد من أنشطتنا, ليس فقط في مجال الكتاب, بل في مجالات عديدة في مختلف مناحي الحياة, ربما لكون الجزائر دولة عربية لا تختلف عن مثيلاتها, في استراتيجيات التخطيط والتنظيم والعمل, فما تعليقكم على هذه النقطة تحديدا؟
بدءا أنا تقديري الشخصي كل نية طيبة على أي مستوى تستحق الاحتفاء بها, أنا أعلم أنّ الذين يعملون الآن وأنا أعرفهم على مستوى شخصي, وقد قضيت شهورا من التواصل مع الأصدقاء العاملين في المعرض, على الأقل في الجناح الذي يعني روايتي, وقضيت شهورا من الاتصال سواء الهاتفي المباشر أو الإلكتروني, بغية تحضير الأمر في النهاية بصورة جيدة, لكن للأسف نوايانا العظيمة الطيبة, وإرادتنا العميقة الصادقة, في إحداث الفعل الثقافي, مازال يحتاج منا إلى بحث, هناك نية وإرادات رائعة جدا, لكن لا زلت أحلم كما قلت وأقول دائما, وهذا الكلام قلته قبل عشرين سنة لما كنت صحفي بالتلفزيون الجزائري وأذكره الآن, يجب أن نخرج بالفعل الثقافي بشكل خاص إذا أردنا مستقبلا أفضل لأطفالنا, وأحفادنا, يجب أن نعيد ترتيب الأولويات في العقلية الجزائرية, الأولوية يجب أن تكون للكتاب, للفعل الثقافي, للقارئ, يجب أن يعاد النظر في هذا, ويجب أن نخرج بالفعل الثقافي من مرحلة الموسم أو الحالة العابرة إلى الحالة الدائمة في حياة الإنسان الجزائري, إلى الحالات اليومية, يجب أن يتحول السلوك الثقافي إلى خبز يومي, ما رأيته في المعرض من مشاهد, ما حدث معي من قصص في لقاءات الناس, عندما يأتي الناشر وأنا أصل المعرض, ويقول لي كل من جاء لطلب روايتك هم شباب دون الخامسة والعشرين من العمر, بالنسبة لي هذا أكبر منجز أنا أحققه في حياتي ككاتب أو كمثقف أو كإعلامي حتى, هذا هو المطلوب, أن هذا الجيل تتاح له فرصة الإطلاع على هذه الأفكار وعلى هذه الرؤية, هي رؤية ليست محلية بالمطلق, هي رؤية تأتي من عالم آخر, من لون ثقافي آخر, تأتي من حضارة أخرى, لكن هذه الحضارة أسّست لقيم مختلفة تماما, كل الذي يعنيني على مستوى فردي وشخصي؛ هو أن تتاح لأبناء بلدي فرصة الاطلاع على رؤية العالم الآخر للأشياء, معرض الكتاب- قد يكون في تقديري الشخصي- هو أنبل وأجمل وأعظم ما تحقق في جزائر خلال هذه السّنة, فعندما تجد هذا الإقبال-على اختلاف نوعية ما تقبل عليه-, لكن الذي يعنيني هو أن يكون الإنسان على صلة بالحرف, عندما يقرأ الإنسان صباحا ومساء فوق هذه الأرض, مستقبل هذه الأرض سوف يكون بخير في يوم من الأيام..
ربما هذا الكلام يقودنا أيضا إلى قضية مكانة الثقافة وموقعها من الحياة اليومية, ألا تستشعر أستاذ رابح أنّ الثقافة باتت عبئا, يعني كأنها شيء هامشي, لم لا نرجع للثقافة هيبتها بأن تكون الثقافة شغل شاغل كما تفضلتم قبل حين, وتكون شيئا مستقلا بذاته, ما المانع من ذلك؟
كنت قريبا في يوم من الأيام في تجربة إعادة بناء "ليبيريا" بعد فترة الحرب الأهلية, وهي واحدة من الدول التي شهدت واحدة من أسوء الحروب الأهلية ككثير من دول القارة, حالة التحول في هذا البلد كانت بفكرة بسيطة جدا, رعتها امرأة مثقفة في البلد؛ أنها عادت إلى بلدها بعد رحلة إلى أمريكا, وأسّست لفكر جديد, هذا الفكر الجديد أنها ذهبت بكل طاقتها الرّوحية والفكرية والذهنية واستثمرت في كل أم في البلد, استثمرت اقتصاديا, وفكريا, واستثمرت على مستوى محاربة الأمية, وشجعت هذا الجيل على أن يقرأ, وأن يذهب للمعاهد ليطور من أدواته, ومن لا يملك حرفة, يمكن أن يمتلكها في مرحلة لاحقة, وفتحت هذه الآفاق, فلما التقيتها في واشنطن وسألتها: كيف يمكن أن ينتقل البلد في هذا الزمن القاسي جدا من حالة الحرب المطلقة إلى حالة السلام المطلق؟ وتكون ليبيريا للمفارقة هي أول بلد إفريقي ينتخب امرأة رئيسة لمنصب الرئيس, وتكون هذه الرئيسة هي المرأة التي أتحدث عنها الآن, فتجيب عن سؤالي وأنا أسألها عن حالة التحول من وإلى, تجيب بأن حالة الاستثمار الحقيقي بالنسبة إليها كان في تفكير الفرد الليبيري, وبشكل خاص أن استثمارها الزمني والطاقوي والذهني والنفسي والمالي والمعنوي, كان استثمارا في الأم الليبيرية بشكل خاص؛ لذلك لما جاءت الانتخابات المرأة الليبيرية هي التي حسمت المنافسة لصالح هذه المرأة, بعد ذلك رشحت هذه المرأة السنة الماضية لجائزة نوبل للسلام, هذه هي التحولات العميقة, فالتحولات العميقة في تاريخ الإنسانية, ليست التحولات التي تستهدف جيوب الناس, التحولات العميقة التي تحدث النقلات التاريخية في حياة الأمم؛ هي التحولات التي تستهدف عقول وقلوب الناس, عندما ننام على كتاب ونستيقظ على كتاب في حياتنا, عندما نعلم أطفالنا فن التعامل مع قطعة موسيقية, عندما نخرج عائلات مثلما كان آباؤنا وأمهاتنا في السبعينات في هذه المدينة؛ لمشاهدة عرض مسرحي في مسرح المدينة, ويكون العرض المسرحي هو الحدث في المدينة, حينها يمكن لهذه الأرض الطيبة أن تكون أفضل وأجمل.
هذا الكلام يوحي بحكاية ما, بوعد ما, "وعد" التي استجمعت هذه المواصفات في شخصيتها, " وعد الياسمين", هلا حدثتمونا عن هذا المولود الأدبي الذي التحق حديثا بالعائلة الأدبية, وهو يشهد احتفاءً في مهد المعرض الدولي للكتاب هذا العام بالجزائر العاصمة.
أوه, "وعد الياسمين" هي قصّتك أنت, هي قصّتي أنا, هي قصة ذاك الرجل, هي قصة هذا الصّديق الذي ينتظر أن يجلس معنا, هي قصة كل إنسان في الوطن العربي, نحن كأجيال متعاقبة كانت لدينا أحلام أسطورية, أنت تعرف وجميعنا يعرف أن أغلب الدّول العربية هي دول تخرج حديثا من حركات تحررية وهي دول عبارة عن مستعمرات سابقة, وهي دول حديثة العهد بالاستقلال, لكن حداثة العهد بالاستقلال باتت الآن وراء الذاكرة, على أساس أننا نتحدث الآن عن نصف قرن وسبعين سنة, وبعض الدّول العربية قارب على القرن الأول من تاريخيه كدولة مستقلة, لكن تجربة الثورات العظيمة التي حدثت في الوطن العربي انتهت إلى استقلالات صغيرة للأسف, حجم الآمال تراجع, حجم التوقعات ضاق, اليوم نسجل في بلد محافظ عقائديا واجتماعيا كالجزائر, نسجل واحدة من أعلى نسب الانتحار في العالم بين أوساط الشباب, هذا الشباب كان يمكن أن يكون هو الأداة التي ينتقل من خلالها هذا البلد وهذا المجتمع على مستقبل أفضل, نحن نتراجع لا نتقدم, في بلد مثل تونس يحقق هذا البلد واحدة من أعلى وأفضل معدلات التعليم ليس فقط على مستوى الوطن العربي أو حتى في قارة إفريقيا, البلد العربي الوحيد الذي تدخل جامعاته التقييم العالمي المرتبة العاشرة, البلد الوحيد الذي يملك أحسن طبقة متوسطة في الوطن العربي, البلد الوحيد الذي يملك أنشط مجتمع مدني في المنطقة العربية, البلد الوحيد الذي يحقق مفاضلة متقدمة جدا على مستوى حقوق المرأة المدنية في الوطن العربي, ومع ذلك هذا البلد كان يعيش تحت قهر البوليس مدّة نصف قرن وقليل من الزمن, كان يمكن لتونس أن تستمر على هذه الوضعية لعشريات أخرى من الزمن لولا حادثة البوعزيزي, البوعزيزي هو رجل اصطدمت أحلامه بواقع إسمنتي قاس, لا يسمع, لايشعر, كان لغة الحوار الأخيرة بينه وبين هذا الواقع أن يصطدم بقرار الانتحار, تأسس بعد ذلك واقع آخر في حياة تونس, وبعد ذلك في دول عربية أخرى, الواقع الجديد الآن كشف للعالم أنه في هذا الجزء من العالم الذي كان يوصف إنسانيا ويوصف حضاريا ويوصف ديمقراطيا, بأنه جزء ميت خارج حركة العالم, اكتشف العالم أنّ هناك جيل جديد في هذا المكان, لاحظ جيدا أن كل حركات التغيير أو المطالبة بالتغيير في الوطن العربي الآن, هي حركات بلا قيادات فكرية, عكس كل تاريخ الثورات في الوطن العربي, هي حركات شارع, هي حركات شباب, وبشكل أخصّ شباب الفايس بوك, النتيجة ماهي, النتيجة " وعد الياسمين" أنها تحاكي وتقترب من أوجاع وآلام هذه الأجيال المتعاقبة خلال الخمسين والسّتين والسبعين سنة الماضية, وتريد أن تفتح أفق آخر أمام هذه الأجيال, بأننا كأمّة يمكن أن نكون في يوم ما جزء من منظومة الحكم القائمة في العالم, القائمة على قيم الشراكة في الحكم والشراكة في القرار السياسي والشراكة في الثروة وعدالة الفرص, واسمحولي أن أضيف نوعا آخر من أنواع العدالة, من خلال رواية "وعد الياسمين" وهو عدالة الحلم؛ عندما يحلم الناس ويكونون سواسية في الحلم سوف تتحقق واحدة من أجمل أشكال العدالة في العالم..
تستوقفنا فصول وفواصل" وعد الياسمين"؛ أما الفصول المعنونة كالآتي: "العشرة والملح", "حلم تأشيرة","وعد", يتوسطها الفصل الثاني عشر "سيدي الرئيس" حيث تتوجه فيه بخطاب إلى رئيس من الرؤساء, ختاما بفصل "صناعة التاريخ", وأما الفواصل التي تندرج تحت الفصول فثمة من القرّاء من أسرّ لي أمرا؛ هو أنه استشعر شخصية الكاتب في حدّ ذاته, وكأن رابح فيلالي يتحدّث عن نفسه, عن غربته, عن حلمه, عن تفاصيل كثيرة في حياته..
لا يمكن أن تكتب عن الناس دون أن تكون جزءا من الناس, ولا يمكن أن تكتب مشاعر الناس دون مصاحبة, خاصة بهذا الأسلوب الذي تعاملت به مع "وعد الياسمين"؛ تكتب عن الخيبة, تكتب عن الحلم, تكتب عن الجوع, تكتب عن الفقر, تكتب عن أمي وأمّك, هذا البطل هو شاب نبيل جدا تُوفيَ والده وتحمّل مسؤولية شقيقاته وأمّه, وكان يبيع السجائر وهو المتخرج الجامعي المتقدم في دفعته في الجامعة..معذرة هذا لؤي؟ لا.. هذا سعيد, لؤي هو شاب مصري يأتي في زيارة إلى تونس, فهذا النبل, هذه العظمة في الحياة.. لكن هذا الشاب مع مرور الزمن يتنازل, يتنازل, يتنازل, إلى أن ينتهي به الأمر ولم يعد بيده شيء يمكن أن يتنازل عليه, هنا يحدث ذلك الصدام بين النظام الذي كان موجودا في تونس وبين طموحات أحد أبناء تونس, الخسارة لم تكن على مستوى المال, الخسارة لم تكن على مستوى المركز الاجتماعي, الخسارة كانت في حجم الأحلام, الشاب الذي لا يحصل على وظيفة, الشاب الذي يفقد الحبيبة, الشاب الذي يعجز عن كفالة عائلته, يعجز عن التمتع بحق الكرامة, كل هذه التراكمات عندما تصل إلى ما وصلت إليه, الشاب الذي يريد في مرحلة لاحقة أن يخاطب الرئيس بأوجاعه, كان يتحدث إلى الرئيس ويقول له: أنا أعرف أن وقت سيادة الرئيس لا يتسع لسماع أوجاعي لأنني مجرد أحد أفراد هذا القطيع الذي تحكمه ولا تعرفه, هي محاولة لدق جرس خطير جدا في علاقة الحاكم بالمحكوم في المنطقة العربية, نحن أمة أبدعت في صناعة أصنامها, وفشلنا بالمطلق كأنظمة إعلامية أو كأنظمة سياسية أو كفلسفة دولة في أن نقدّم الحاكم العربي إلى شعوبه بشقه الإنساني, نحن لا نعرف رؤساءنا كبشر, أنا لا أذكر في حياتي أني شاهدت رئيس عربي يأكل مثل كل الناس, لم أر رئيس عربي يتحدث إلى أطفاله كبقية الخلق, يقدم إلينا دائما على أنه هذا الرّجل الذي يأتي من كوكب آخر, يتحدث بلغة أخرى لا تعنينا, أخباره تصل إلينا على أنها إشاعة أو تسريبات من مسرّبيه, في الأخير نحن نتعامل مع مجموعة أصنام, وبعد خمسين أو ستين سنة يكتشف رؤساؤنا أنهم لا يعرفوننا, ونكتشف نحن أننا لا نعرفهم, كان يجب أن يسقط نظام القذافي في ليبيا وندخل إلى غرفة نومه حتى نكتشف أن الرجل عاشق" لكوندوليزا رايس", نكتشف أن هذا الرجل مثل كل البشر لديه قلب, هذا ليس عيبا, لكن لم نرَ رؤساءنا يجلسون إلى عائلاتهم إلا بعد اقتحام قصورهم, كان الأمر رائعا لو رأينا هؤلاء الرؤساء يحتفلون بزواج أبنائهم, هذه هي الحياة أنت بشر أنت لم تأت من المرّيخ, أنت كائن مثلي ومثل كل الناس محكوم بلحظة دخول الحياة ولحظة الخروج من الحياة, هذا هو الفشل الحقيقي, يجب أن نعيد النظر ويجب أن نعيد أنسنة هذه العلاقة, عندما نؤنسن هذه العلاقة سوف نجد فرصة لمدّ جسور أخرى من التواصل والحوار وفهم المفردات المشتركة, وهذا هو التحدي الكبير الذي يقف الآن أمام الجيل الجديد أمام السياسين العرب الذين جاءت بهم ثورات الشباب العربي إلى مراكز السلطة, في تونس, أو في مصر, أو في ليبيا, أو في اليمن, أو لاحقا في سوريا, أو في أي بلد آخر..
يعني أنتم مع فكرة كونها ثورات عربية شبابية انطلقت بإرادات شعبية غير موجَّهة؟
من يجرؤ على أن يقول عكس هذا؟ من يعرف البوعزيزي؟ البوعزيزي شاب مطحون, من هي هذه الهيئة العالمية التي كانت تفكر في البوعزيزي؟ من يعرف وائل غنيم في مصر؟ شاب كان يجلس خلف الكومبيوتر, من يعرف المحامي الشاب الذي اعتقل في بنغازي, وخرج أصدقاؤه في بنغازي للمطالبة بتسريحه, هؤلاء ناس بسطاء جدا, من هم هؤلاء الأطفال؛ أطفال المدارس في "درعا" الذين اقتلعت أظافرهم, أطفال في سنّ السادسة والسابعة, بأي منطق أنتم تتعاملون مع البشر؟ من أعطاكم هذا الحق؟ طفل يكتب على الجدار وأنت تقتلع أظفاره, من أعطاك هذا الحق؟ الله أعطى للبشر عقول لتفكر بها وألسنة لتتحدث بها, وبعض الأنظمة في الوطن العربي خلقت حتى تعطل هذه العقول وتصّ هذه الألسنة, من فوّضكم بسم الله؟ بسم التاريخ؟ بأيّ اسم تتحدثون إلى الناس؟ وبالتالي ما يحدث الآن في الوطن العربي بالاتفاق بالرفض بالشك باليقين؛ هو في الأخير لا يعدو أن يكون صوت ونداء من طرف هؤلاء الناس للتعبير عن حقهم ليس في كل الكرامة لكن في بعض الكرامة فقط..
أستاذ رابح: ما السرّ في اختيار الأسماء الواردة في الرواية؟ يعني: لؤي, وعد, سعيد على عكس حالته, الصفة لا تواقف الموصوف, سعيد وهو تعيس, هل نعتبرها نظرة تفاؤلية؟
الأسماء جزء من المعنى في الرواية, بطلة "رصاصة واحدة تكفي" كانت "حياة", لأنه كانت هناك آلة في بلدي تريد أن تؤسّس لثقافة الموت, فحياة هي صرخة للتمسّك بالحياة وحب الحياة, و"سعيد" لما ولد اختارت له أمه من الأسماء "سعيد" من باب التفاؤل, مع ذلك "سعيد" رجل لم يسعد يوما في حياته وينتهي حريقا في نهاية المطاف هذه هي المفارقة, المفارقة في تسمية "سعيد" هو هذا الحلم الذي كان عند أمهاتنا وجيلنا وأجيال أخرى في المنطقة العربية بأن نكون أفضل, على خمسين سنة ماضية من الآن كنا نتحدث عن أوطان مختلفة, كنا نتحدث عن أحلام مختلفة, كنا نتحدث عن موقع في الخارطة السياسية والكونية مختلف تماما عن ما نحن فيه الآن, لكن انتهت أحلامنا إلى واقع كله مريض, هذا هو "سعيد", أما "وعد" هي هذا الوعد المستقبلي بطلة الرواية, أنا لا أكشف سرا وأنا أقول إنّ وعد في نصّ الرواية هي المرأة التي تأتي من "سيدي بوزيد", وتقطع كل هذا المسار المهني في الحياة, وتتحول إلى رمز خلال الثورة التونسية, وبالمناسبة هي شخصية حقيقية هذا أمر أكشف عنه لأول مرّة, ثم تتحول إلى رمز اجتماعي وسياسي في بلدها, وسوف تكون أول رئيسة لتونس وأول رئيس كامرأة في المنطقة العربية خلال الخمسين سنة المقبلة, أنا مؤمن بشيء ولا يمكن أن أتنازل عن هذا الإيمان؛ أؤمن بأن هناك جيل- من خلال علاقاتي بالآلاف بل عشرات الآلاف من الشباب عبر الأنترنات- جيل يحدث من المحيط إلى الخليج, جيل يملك الأدوات الكافية للتنوير ومتنور بحماسه, مطلع على ثقافة العالم الآخر بشكل أفضل من جيلي أنا لما كنا في مرحلة الثمانينات وبداية التسعينات, جيل على علاقة بأدوات التواصل الاجتماعي الآن بشكل ساحر يثير الإعجاب ويثير الانبهار, أنا علاقة بشباب في الثامنة عشرة وآخر في العشرينات وآخرين في الثلاثينات, كل هؤلاء الناس كل صباح وكل مساء -من خلال الفايس بوك والتويتر واليوتيوب وغيرها من المواقع الاجتماعية- يعززون قناعتي بأن هناك واقع عربي سوف يكون أجمل بكثير في مرحلة ما من التاريخ من هذا الواقع القائم حالا.
"سيدي الرئيس", الفصل الثاني من الرواية عشر هذا الذي دق جرس الإنذار أو ناقوس الخطر, الذي يتوجه فيه الكاتب من خلال "وعد الياسمين", مخاطبا الرئيس ومذكره بالهوة التي بينه وبين شعبه وكأنه عتاب جريء, ألا يخشى الكاتب رابح فيلالي بعد هذا الفصل أن يكون من المغضوب عليهم بعد هذا الفصل, أقصد في المنطقة العربية طبعا؟
إطلاقا, حتى الرئيس شخصيا يؤمن بهذا, أنا تحدثت إلى بعض الرؤساء العرب, ولم نختلف في أنّ هناك هوء في العلاقة, هناك مشكلة تواصل وعلينا أن نؤسس لثقافة جديدة, ما قلته في سيدي الرئيس هو عتاب المحبة, ليس تنكرا لعلاقة تاريخية مثلا أو لمنظومة علاقات اجتماعية, الكبير موقر في ثقافتنا وفي تقاليدنا وكبير المقام محترم, لكن في لحظة إنسانية صادقة يجب أن نتصارح, يجب أن نتكاشف, يجب أن نبحث عن الأفضل, أنا قلت إننا كشعوب وكسياسيين نحتاج إلى أنسنة هذه العلاقة, أقول لك شيئا من باب المفارقة: أنا رجل أعيش في واشنطن, التحدي الأكبر والأساسي والأوّلي بالنسبة لأيّ رئيس أمريكي؛ هو نحاجه في تقديم نفسه لشعبه كإنسان, لذلك يحرص على ظهوره بصوره مع أطفاله, وقت أكله, بلباس عادي, ويتحدث ويلعب كرة السلة مع الناس, فهو جزء من واقع اجتماعي قائم في حياة الناس, هو واحد من الناس يأكل ما يأكلون ويشرب ما يشربون, ويفكر بما يفكرون ويشعر بما يشعرون..
يعني ما يهم هو النجاح في هذا الجانب الاجتماعي الإنساني أكثر منه نجاحا سياسيا؟
أجل, وهذا هو العنصر الأساسي في اختيار شخص دون آخر, السبب الرئيسي في اختيار "باراك أوباما" سنة 2004 هو قصته, مساره في الحياة؛ طفل يتيم يأتي إلى أمريكا, تعيش أمه على المساعدات الإنسانية, يعيش في أمريكا ويتحول إلى واحد من أكبر المحامين في تاريخ أمريكا, ويقدم نفسه كزعيم جديد لأمريكا, القصّة الشخصية هي التي صنعت الفارق في مسار هذا الرجل, فيجب أن نقدم السياسي العربي للمواطن العربي بصورته الإنسانية, بإنسانيته, بتفاصيله اليومية, حينها سوف نختصر الطريق ونطوي كثير من المسافات الموجودة, يجب أن يصل الخبر الصحيح إلى الناس في التوقيت الصحيح, يجب أن تصل الصورة الصحيحة للزعيم إلى الناس في الوقت الصحيح, كل هذه العناصر تجعل الرئيس مجرد مواطن عادي, بناء على رغبة شعبية وصل إلى منصب الرئيس, يؤدي خدمة عامة لموطنيه في زمان ومكان محدد, مقابل ثقة معينة, ويكون ساعتئذ الرئيس ليس هو الزعيم الأوحد الذي لا تشرق الشمس إلا برضاه, ولا تغيب إلا برضاه, بل هو موظف سام في نظام دولة, يأخذ راتبا عاليا, يقدم خدمة لهؤلاء المواطنين الذين تكرموا بانتخابه رئيسا لهم وليس شئيا آخر..
وكأنكم تدعون إلى البروتوكولات السياسية, إذا كان الأمر كذلك كم يتطلب هذا الأمر من الوقت في واقعنا العربي؟
يتطلب شجاعة رجل؛ أن يأتي رجل ويقول أنا واحد من الناس وينتهي تاريخ كامل, يتطلب شجاعة رجل ينزل إلى الشارع ويأكل في المطاعم مع الناس, ويأكل مما يأكل الناس, ويكون أبناؤه جزءا من مدارس الناس, ويكون في خدمة الناس, الأمر لا يحتاج إلى أكثر من شجاعة رجل واحد فقط ليتغير التاريخ بأكلمه, ليس أكثر من هذا..
بنظركم هل شعوبنا العربية مؤهلة لذلك؟
تاريخ البشر حافل بمنجزات إنسانية فارقة جدا, الأفراد هم الذين يغيرون الشعوب, الشعوب لا تغير الأفراد, الكل لا يغير الواحد لكن الواحد هو من يغير الكل, يجب أن نملك هذا الجيل من المثقفين والسياسيين والكتاب الذي يؤسس لهذه الثقافة التي تتحدث عنها, يجب أن تؤمن أنك لا يمكن أن تكون جزءا من منظومة العالم القائمة حاليا قبل أن تنتمي إلى منظومة قيم العالم التي تحكم العالم الآن في مفهوم منظومة السياسة والحكم والثروة, كل هذه الأشياء هي التي يمكن البناء عليها في تشكيل صورة جديدة للمارسة السياسية في الوطن العربي.
هل توافقون على هذه المقولة: طول الأمد يزيد الأمل؟ لاسيما أنكم ضمَّنتم "وعد الياسمين" مفهوم الديمقراطية التي أوقفتم القارئ عندها طويلا, فهل الديمقراطية تتطلب وقتا طويلا لممارستها؟
كل موروثنا الحضاري والثقافي هو ديمقراطي, كل قصة وجودنا البشري هو موقف ديمقراطي, ستسألني كيف؟ هل هناك أكثر ديمقراطية من الخالق عزوجل؟ لا يوجد, يخلق الناس ويطرح بينهم خيار الإيمان والكفر من طرف الخالق نفسه, هل هناك ديمقراطية أكثر من هذه؟ ثم لدينا ساعة حساب في مرحلة لاحقة؛ ساعة حساب تتحدد أساسا على مسؤولية الاختيار وتحمّل نتائج الاختيار, هناك دلائل للإيمان موجودة وهناك أسلوب حياة قائم, عندما تسلب من الناس قرار وحرية اختيار التي هي جزء من فطرة الله في خلقه, ماذا تركت للناس؟ عندما تسلب من الناس قدرة الاختيار بين ما يقبلون وما يرفضون, بين ما يعتقدون بسلامته وبين ما يعتقدون بخطئه, ماذا تركت من فطرة الناس التي فطرهم الله عليها؟ أنت لم تترك شيئا.. العنصر أو الفيصل الأساسي في قصة الخليقة البشرية أنت تجاوزته, النتيجة في النهاية أن هؤلاء الناس في يوم من الأيام سوف يعملون وسوف يطالبون وسوف يسعون لاستعادة هذا الحق, وهذا الذي يحدث الآن ليس فقط في المنطق العربية, حدث في أوروبا الشرقية في مرحلة من المراحل حتى في كبار ديمقراطيات العالم اليوم, من يقرأ رحلة السود في أمريكا لأجل المساواة مع البيض هي قصة إنسانية دامية, من يقرأ حجم التحول الذي حدث في أوروبا الشرقية في مرحلة من التاريخ, من يقرأ الثورة الفرنسية في مرحلة من التاريخ, من يقرأ التحولات التي عاشتها وتعيشها أمريكا اللاتينية في التاريخ؛ يكتشف أنه حانت لحظة التاريخ التي ينضم فيها الإنسان العربي إلى هذه الحالة أو إلى هذا المسار من التحولات التاريخية الإنسانية ليس أكثر.
الإعلامي والكاتب بقدر ما هو تشريف هو في الوقت ذاته تكليف وهو عبء ثقيل تحمله هذه الشخصية على عاتقه, رابح فيلالي الآن وهو يجد نفسه بين الكاتب والإعلامي أيهما يغلب على الآخر أولا؟
صعب الفصل بينهما, طبعا الإعلام له قيمه ومسؤولياته وضوابطه المهنية, عندما تتحدث كإعلامي لديك هامش من المسؤوليات عليك أن تلتزم به بمعنى القيم المهنية بشكل عام, الكاتب رؤية, أنا دائما أقول لأصدقائي الكتاب العرب: إن الكاتب هو رؤية؛ إذا لم تكن لديك رؤية تقدمة للعالم الآخر, ستكون الكتابة دائما فعلا نبيلا وعظيما,لكن الكتابة رؤية تغير من قناعات الناس وتضيف لقناعات الناس, وبالنسبة لي الكتابة هو فعل يجب أن يكون دائما باحثا عن غاية نبيلة جدا, وهي إيجاد ما هو خير للناس والكتابة لأجل الناس, لذلك الإعلام هو حرفة, والإعلام هو حرف, وثمة فرق كبير بين الحرفة والحرف..
أيهما أقرب لجمهوره وأكثر حميمية الكاتب أم الإعلامي؟
عندما تعيش إنسانيتك أنت قريب من الناس في كل الحالات, أنا واحد من الأصوات حتى في الإعلام ما زلت أحلم ولا زلت أطالب وأعمل في عملي اليومي على أن أجعل قصص الناس هي أخبار الناس, لأنه بالنسبة لي الإعلام لا يتعدى هذه المعادلة بثلاثة أطراف, هو إخبار الناس بقصص الناس, وجعل الناس هم البطل الحقيقي واليومي لكل قصة صحفية يمكن أن تكتب في أي مكان من العالم, عندما نتحدث عن الناس سوف نصل إلى قلوب الناس, وسوف نقدم القصة التي يتمنى كل إنسان رؤيتها على تلفزيونه نهاية المساء في بيته, جرب هذا سوف تكتشف أن هذا الذي سيصل إلى قلوب الناس حتى لو اختلفت أعراقهم وأديانهم وتاريخهم, لكن ما يعني الناس هو ما يصل إلى الناس في نهاية المطاف..
في انتظار مراسلتنا سواء من خلالنا أو عبر موقع التواصل الاجتماعي " فايس بوك" من خلال حسابكم الشخصي, دائما نحن في انتظار الانطباعات والنقد كذلك, أترك لكم حرية تتويج هذا اللقاء بكلمة ختامية لقرائك حتى لا أكون دكتاتوريا وقد كنا نتحدث عن معاني الديمقراطية, فأترك لكم حرية الاختتام..
أنا أقول دائما لكل قارئ عربي في أي مكان, ولكل شاب عربي, ولكل طفل عربي, هناك ثلاثة مفاتيح في الحياة, وهذه المفاتيح الثلاثة أنا أؤمن بها وأنقلها حرفيا عن " ستيف جوبز" الرجل الذي أسس" آبل" وأحدث ثورة تاريخية في عالم الاتصالات, عندما تحدث إلى طلبة الجامعة التي درس فيها وكان يواجه الموت في أيامه الأخيرة, عندما سئل النصيحة قال ثلاث: لا تخافوا من أحلامكم فكل الذي تحلمون به يمكن أن يتحقق على أيديكم في الحياة, لا تستحوا من فقركم فالفقر ليس اختياري وليس خطيئتي؛ الفقر عمر مقدر من الله على الناس, "وبلغايتس" قال كلمة عظيمة جدا في التاريخ: ليس بيد أحدنا أن ولد فقيرا ولكن بأيدينا جميعا أن نموت أغنياء أو فقراء.., وهذا شكل آخر من الديمقراطية التي تعطيها السماء للخلق, والمسألة الثالثة: لا تخجل من أخطائك؛ الكامل الوحيد هو الخالق سبحانه عزوجل, فاحلم بحرية بلا خوف, اسع في هذه الحياة بلا تردد ولا تخجل من أخطائك, فالذين لا يخطئون هم الذين لا يعملون, والذين يعملون هو بالضرورة يخطئون ,عندما نعمل بهذه المفاتيح الثلاثة سوف تكون قسنطينة أجمل حينها..
أستاذ رابح, سعدت أيما سعادة بهذا اللقاء, وأكيد القراء الأعزاء سيناصفونني هذا الشعور, ونحن محظوظون وقسنطينة كذلك محظوظة بك, لكم جزيل الشكر على أمل لقائكم من جديد مع وعد آخر في رواية جديدة تجمعنا بكم.
شكرا, حياكم الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.