على حب فلسطين حواسنا لا تختلف، عن خط الجهاد أرواحنا أبدا لن تنحرف، مهما دمّرت و قتّلت و نكّلت أيها العدو محال أرضنا بك تعترف، فاحذر فبعزيمتنا لا تستخف، فكل جرائمك و ما تقترف لن تجعل قلوبنا ترتجف و لا أرجلنا بعيدا عن الأرض تنعطف، فلو حق حريتنا بيد بشر أختطف، فيد الله لإرجاعه هي المنصف. هذا ما لقّنه لنا ذلك الحرف، من قلم الأديبة الفلسطينية عفاف خلف، أصيلة نابلس مدينة بالعلم و النضال تتصف. احتضنت أعمالها الواقع الفلسطيني و بظروفه تعرّف تحكي عن كل ابن كان الموت به يعصف وهو في بسالة وبعزّة الوطن يحلف فلسطين وردتي و بيد غاصب أبدا لن تقطف. مرحبا بك سيدتي كلمات جميلة وبك أكثر عزيزتي شكرا فلسطين في الدم هل هو شعور طبيعي أم مكتسب؟ طبيعي كما الأنفاس، هنا لا تستطيعين فصلك عن الوطن، منذ اللحظة الأولى التي تتشكلين فيها داخل الرحم، تحملين الهم الفلسطيني والوجع الفلسطيني، ألم تزال فلسطين من أرحام الحوامل، ألم تبقر بطونهن لإخراج فدائي كان يتشكل أوان مخاض ثورة فلسطين طبيعية كما الأنفاس والدم، هي ترثنا، ونحن نرثها بكل أبعادها، تاريخاً وجغرافيا ومنفى. ماذا يحمل معنى "فلسطينالمحتلة" في دواخل لم تستنشق بعد أريجة الحرية ؟ تعني وطناً مصادراً، لغةً مهددة، وذاكرةً أخرى تجتاح البلاد، تعني أنك على حفا جرفٍ سينهار بك مرة وللأبد في قعرٍ دون مستقر، يعني أنك نبتة تُشلع من جذورها، وتُرمى في الفضاء دون أمل بارتقاء، دون وجهةٍ للهبوط، الاحتلال يساوي قبراً أُعد سلفاً وفقط ينتظر عظامك. يقول الشاعر السوري" محمد الماغوط" " الطغاة كالأرقام القياسية لابد من أن تتحطم في يوم من الأيام" فكلامه يؤيد المثل القائل "صادف درء السيل درءا يدفعه" فهل هذا التوافق يعزّر أملك في غد أفضل و تفتّح ورود الرجاء؟ طبعاً، التاريخ لم يرحم أحداً، لا طغاةً ولا حتى أنبياء، لم يترك لنا سوى فسحةً لإعادة الصياغة، لا أذكر من قال أن التاريخ يصنعه الرجال من أجل الرجال، ليس من عجبٍ أن التاريخ أسطورة لذكورةٍ تضخمت فيها الحواس ولم تر في المرآة سوى صولاتٍ وجولات دون الإنسان، الغد هو غد الإنسان " الذي " يرغب بتاريخٍ أكثر " إنسانية " وأقل غروراً من " تاريخ مجد القتل والإرهاب " قال قائل: كلما دنوت من الأمل كلما زدت يقينا بأنه طيفا يشوّش العقل. كيف تفسّرين هذا الرأي اعتمادا على ما تعايشينه؟ ما الذي يميزنا عن الحيوانات، عن أي كائن آخر، سوى خربشات الأحلام التي تؤشر لغدٍ سيكون أفضل، ماذا يساوي إنسان ناقص الحلم، ناقص الأمل!!، لم يتبرعم العالم ويثمر عناقيدا إلا لحالم، رأي منجم الحياة ورعاها بمعول الأمل. ما مدى الصراع القائم بين الأمل و خيبة الأمل بداخلك و بداخل كل امرأة فلسطينية؟ ما عايشناه، ما نعيشه لا يترجمه سوى الأمل. هل ترين المرأة الفلسطينية مختلفة عن المرأة العربية؟ لا أدري فيما يخص المرأة، في قاموسي ليس ثمة ذكر وأنثى، ثمة إنسان وقضية، إنسان وموقف، لا يفترض الظلم / القهر / الاحتلال جندر أو جنس معين لذا من أحبط، أو خاب أمله هو الإنسان، هنا ثمة خيبات كثيرة، خاصة فيما يتعلق بمن ناضل وقدم، ثمة خيبة بحجم غصتنا بوطن، لم نعرف كيف نصونه ولا كيف نحرره، ولا كيف نعيش فيه، ولا كيف نستغني عنه، هو ما تحدث عنه غسان كنفاني: قد تستطيع خداع كل شيء إلا ساقيك، لا تستطيع اقناعها بالوقوف على رقائق جليد معلقة في الهواء، تلك خيبتنا الكبرى، أننا نحاول إقناع أنفسنا بالوقوف على رقائق أوسلو، وكل خطانا تهشمات. منشأك "عش العلماء" تشهدين آثار النكبة و غارات الأعداء محاصرة بجداول من ألم و بكاء لكن لم تستسلمي لليأس و العناء بل جنّدت القلم لتأكيد ما ظهر و ما هو في الخفاء فكان ميلاد "لغة الماء" فبأي أنفاس حكت لهذا العمل الرداء؟ لغة الماء.. حكتها بأنفاسهم، أولئك الذين نفخوا في روح الانتفاضة لتولد، كانت كل صفحة رغم تلطخها بالدم، تحمل جدلية الموت والولادة، ثمة الكثير مما تحكيه الرواية عن الأرقام التي نهضت لتحمل أسماءها. ما كان يحركني هو التهميش المتعمد لمدينة نابلس، رغم أنها الأكثر تضرراً في الانتفاضة " انتفاضة الأقصى " ، حتى أثناء اجتياح نيسان في العام 2002 كانت الأكثر تضرراً، الأكثر في عدد الشهداء، المنازل المهدومة، المعتقلين.. الخ لم تولد فاطمة مبتورة الرجلين و لم تكن فلسطين محتلّة و لم تفقد فاطمة استطعام الحقّين (حق الحياة و حق الحب) فهل فلسطين بشخص فاطمة مطلّة؟ طبعاً، فلسطين هي فاطمة، وفلسطين مبتورة ما بين 48 و 67 وكذلك فاطمة، الوطن المقسوم جبهتين جبهة تناضل وأخرى معوقة، الانتفاضة المسلحة التي جعلت العمل العسكري حكراً على الرجل. اخترت لفاطمة إعاقة بتر الرجلين هل هذا الاختيار صدفة أم يخفي ورائه تشبّه؟ أخبرتك هي الوطن المبتور، هي الأنثى المخلفة في نضال عسكري لم تشارك به إلا في أقل القليل، هي فلسطين التي بترت عن جسدها العربي، وبعدها التاريخي. قال المناضل الفلسطيني "بسام الشكعة" "أرى أن شعبي يستحق الأمنيات التي ناضل من أجلها آلاف الناس هذا منطق التاريخ" و قالت "لغة الماء" على لسان محمد " التاريخ بيت دعارة تفوح منه رائحة البيض الفاسد طالما هو عجينة لدنة بين أصابع القوّة بين أصابع عاهرة تتسلّى يستنزف الطاقات" كيف تفسرين تباعد هذين الوجهين الواصفين للتاريخ؟ بسام يحاكي الأمل، لغة الماء ومحمد تحاكم تجربةً وتاريخاً قال ويقول كلمته، ثمة فارق بين الأمل وما يرصده الواقع، التاريخ ليس لوحاً لكتابة الأمنيات، خاصة فيما يتعلق بالشعوب، إن لم تتسلح الشعوب وعياً وقيادة، فسيظل التاريخ بيت دعارة تتعرى فيه الدول الأضعف، الشعوب التي تعيش على الهامش، فيما تبقى السطوة للأقوى. "هدهدة الموت-ينفلت الموت طاعونا يسري-مناهج الموت-رائحة الموت-أناسا شوهها الموت-أيها الموت-مواجهة الموت-سطوة الموت-وعي الموت" لماذا الموت أخذ كل هذه المكانة؟ ربما لأن الموت هو الحقيقة الوحيدة، وربما لأن رائحة الدم طغت على الحواس، في الاجتياح كان الموت هو رديف الوقت والزمن المنسل بطيئاً، ينسلهم واحداً تلو الآخر، ولا يتبقى سوى رائحة التراب المجدول بدمائهم، يقال أن معنى اسم عزرائيل، زرع الله، ومن عجبٍ أن يكون الزرع موت، وحصاده الأرواح، والأرواح مشكاة معلقة ترنو إليها القلوب، ربما لأنها الشهادة، وربما لأنه الموت الأبيض، الذي لم يصل الدم الهدف. إلى أي مدى تمتدّ الجذور الرابطة بين "رائحة الموت" و "أكسجين الحياة"؟ الجذور الرابطة للموت بالحياة هو الهدف الذي من أجله تبذل الأرواح رخصة. إن لم تحقق الدماء الأهداف المتوخاة ستبقى بيضاء لم يخالطها رهق النضال وعلينا نحن أن نعيد للدماء حمرتها، نحن من يأتي بعدهم بقليل، أو قبلهم بقليل، ولكن نحمل رسالتهم، نحمل منهم أن " النهر يظل لمجراه أمينا " نحمل منهم أنه لم يبق في الوادي غير حجاره" يعني أنك توافقين قول "مالكوم إكس" بأن" ثمن الحرية هو الموت"؟ ثمن الحرية هو الحرية، أوافق غسان أكثر، الحرية التي هي نفسها المقابل. نعم هذا رأيه و كذلك يعتقد في أن "الحياة ليست نصرا، الحياة مهادنة مع الموت" فهل لك الرأي ذاته هنا أيضا؟ ذاك ما قاله كنفاني، وربما ما أردت قوله في الرواية، أن الحرية لا تساوي الموت، على الأقل ليس الموت العبثي، الذي لا يحقق الهدف، كل قطرة دمٍ، كل شهيد لم يصل بك إلى الهدف خطوة، هو دمٌ عبثي، دمٌ هدر. علينا التريث قليلاً، فالحرية ليست رديفاً للموت، هي رديفٌ للحياة أكثر، اقترانها بالموت " تزويرٌ" ممن أرادوا " دمنا " ليجيروا به " قضاياهم ". يعني تشاطرين الشاعر الجزائري "محمد لخضر عبد القادر السايئ" الرأي في قوله "كن مؤمنا بالحياة حتى بواد الممات" ؟ طبعاً، ألم يقل فوتشيك تحت أعواد مشنقته لقد خضنا لنضال من أجل الفرح، وفي سبيل الفرح نموت، المناضل لا ينادي الموت هو عاشقٌ للحياة لذلك فقط يهبها روحه. أتعرفين تلك الأسطورة / الأقصوصة عن فتىًّ قاد شعبه عبر غاباتٍ مظلمة ليصل بهم إلى بر الحرية وحين كفروا به، شق صدره، واقتلع القلب نبراساً ليضيء عتمة غابةٍ أكلت حواس الشعب حتى كفروا بكل المسميات، كذا المناضل عاشقٌ حد الفداء لا عشقاً بالموت بل مراودة للحياة. "ماتت شجرة الياسمين" ماذا مثل الموت بالنسبة لشجرة الياسمين الخسارة أم الانتصار الرضوخ أم الكبرياء؟ ذكرتني به بموتنا الأبيض موتنا العبثي الأبيض الذي لم يحقق هدفاً مذ متى مذ خلق المشروع الصهيوني ونحن ننزف الياسمين هو هشاشتنا الفاضحة سذاجتنا المؤمنة أن العمر القصير هو الأصلح لوطنٍ ينزفنا الواحد تلو الآخر. الرقة الجارحة ذاك هو الياسمين. "كيف يثور النزف على الرصاص"؟ سألت محمد ولم يجب... يثور حين يتوقف شلال الشهداء عن التدفق دون ثمن. يقول "أحمد شوقي " و ما في الشجاعة حتف الشجاع و لا مدّ عمر الجبان الجبن" و تتحدث فاطمة عن بطولة الاستسلام كيف تفسرين ذلك؟ هي سخرية ليس ثمة بطولة في الاستسلام، الاستسلام هو راية بيضاء بكل سوءات التنازلات وكرامتك المهدرة، هي أوسلو التي راودتنا عن الوطن وسقطنا وسقط الوطن، لن يكون أبداً ثمة بطولة في الاستسلام. متى تقول الأديبة الفلسطينية، المرأة الفلسطينية "عفاف خلف" هذا من دونه خرط القتاد؟ لا أعرف، بيننا خنساء فلسطين، تلك التي قادت أبنها عبر طريق النضال لتسلمه الشهادة لتبني عوالماً أفضل، بيننا وفاء إدريسي التي لاقت حلمها بحزامٍ ناسف، ولدينا تلك الشاعرة " التي لم تمنعها إعاقتها " من أن تنخرط في الجامعة وتنثر ياسمينها على الأرواق " مرام هندية " إن لم تخني الذاكرة .. لدينا الكثير من الأمهات، المناضلات، العاملات، السائرات على الدروب وكثيرٌ من القتاد يغطي دروبهن ويسرن من خلف شقوق أكفهن أرى الأمل. الأمل هو أكسجين الحياة. صحيح، رئتنا الأخرى التي نتنشق بها الحياة حد تهشم الصدر وتمزق الخلايا. استنادا إلى المثل البولوني القائل " ابتلع الشيطان المرأة فلم يستطع هضمها" هل يمكن للبلبل أن يحرق على عتبات الوردة؟ لابد وأن يحرق على عتباتها، إن كان محترفاً للعشق فسيحرق باشتعال ذاتي، الحب هو مخيلتنا الخصبة التي تفتتننا حتى عن أنفسنا، فكيف لا يكون الاشتعال ذاتياً، ونحن الفتيل، ونحن الوقود. فالنكن شعلة و يتوهّج الوطن. أجملنا الوطن. انتمائك إلى فلسطين و تونس و المغرب و الجزائر و ليبيا و مورطا نيا و مصر و لبنان و سوريا و الخليج و العراق، فقولي لنا أرضك من تكون؟ أرضي فلسطين، وطيني الذي كونني هو كل طين عربي، من كل أرض قبضة، حتى تشكلت عربية. افتخر بقوميتي وعروبتي وانتمي لهذا الوطن من محيطه لخليجه. أشكرك كثيرا سيدتي و دام قلمك لألاء و معانيك سامية و علياء. شكرا لي كلمة لتونس الثورة في أعناقكم، أنتم فواتح الياسمين التي أبرقت لتنتشر الرعود في كل الوطن العربي، لا تبعثروا الياسمين فتجعلوه طوقاً لمشنقة يراد بها رأس الوطن، حافظوا على ياسمينكم..