عميقة هي العلاقة فيما بين الشعر والفنون الأخرى بكل امتداداتها ، والشعر يملك قدرة هائلة على محاورة تلك الفنون واستيعابها في امكاناته التخييلية الكبيرة لن نتكلم عن الشعر والمسرح أوالشعر والغناء ..ولكن هنا تستوقفنا الديوان الشعري الجميل الذي أصدرته الشاعرة والفنانة التشكيلية اللبنانية صونيا عامر سنة للتأمل في العلاقة المتينة فيما بين الشعر والفن التشكيلي . الشعر نظرة الى الحياة بكل تفاصيلها وأفراحها وأحزانها ، نظرة من أغوار الذات التي قد تكون مُنكسرة وقد تكون غير ذلك ، والنظرة لاتستهدف رسم الأشياء بقدر ما تهدف اعادة رسمها ، وفرق بين هذا وذاك ، فرسم الشئ كما هو في ظاهره عمل مباشر ومجرد محاكاة أما اعادة الرسم فهي محاولة للغوص في ماوراء وراء ظاهر الأشياء ، من هنا يتأكد الاختلاف بين شاعر ينظر الى الظاهر واخر ينظر الى ما خلف الظاهر من خلال مراَة الذات ، وكلما كان المبدع عبقريا في رسمه الا وصَفت المراة التي في الذات لتنعكس صفاء على جسد القصيدة .. غير بعيد عن هذا العمق الشعري تقف المبدعة صونيا عامر في حالة من "تيه " الفنان أو بالأحرى الفنانة بحثا عن ترجمة كل الفوضى التي تعتمل في صخب الذات ، لتصير لوحات جميلة يتكامل فيها الحرف مع اللون بصورة بديعة .. في ديوان "تيه" تتوالى القصائد في رحلة أسطورية في صحراء من البحث ومعها تمتد لوحات تشكيلية جميلة ملئى بالألوان والمنحنيات والظلال التي تتساوق مع الدلالة والتي قد تنكشف وقد تطل من خدرهابحياء مثل ليلى قيس ،هكذا يرسم الديوان عبر احتفال عناوينه منذ البدء في الخيال ساحة شاسعة من البهاء فنقرأ (البعد الرابع سوف أبقى أجيبي خيوط الذهب لمن أشكي أهي الحياة دعيني وغلب الشيطان الشعر طريق ...)..وغيرها وغيرها من العناوين الجميلة التي ترشح بالايحاء والجمال . ومنذ الخطوة الأولى يأخذ الديوان بيد القارئ ويجذبه بليونة : يالمحاسن الصُّدف كانت يوم التقينا على حب الأمل أنشدناوغنينا ثلاثة أبعاد لقصتنا هكذا وكما لو كانت علبة سحرية جميلة تضعها صونيا بين يدي القارئ ثم تتركه يفتح العلبة بنفسه لينساق وراء عالم من الألم المؤثث بتيمات اللقاء والغربة والافتراق ولتنتهي القصيدة على بعد رابع يبقى لغزافيها تمتد أسراره الى اللوحة الجميلة التي تثوي أسفله . وتستمررحلة الجمال الشعري في قصيدة "سوف أبقى "والقصائد التي تنثال كشلال من الجمال المليئ بالعاطفة والجرح الانساني العميق ليتشكل الكل حقلا بديعا من امتزاج رائع بين الحروف والألوان ، وما تقوله القصيدة بالعبارة تردده اللوحة المرفقة بظلالها ومنحنياتها ونسيجها الدلالي المُتأرجح ما بين التصريح والتلميح ، وفي كل الك تقف ذات شاعرة حائرة متعبة على ضفاف " التيه " والبحث المضني عن شيئ محدد تارة وغامض تارات أخرى ، نقرأ في قصيدة "الطريق " (ص:31): يا من أضعتك في منتصف الطريق تركتني ورحلت في منتصف الطريق بحثت عنك في كثبان الرمل بين حبات الرمل بحثت عنك ... تِهت في العاصفة وبحثت عنك ونفس البحث المثقل بالحنين تتردد أصداؤه في القصائد كلها تقريبا عبر صيغ شتى وفي اللوحات التشكيلية بصيغ أخرى أيضا ، وقي النص الحامل عنوان "أسمع همسا" نقف على واحدة من تلك الصيغ : أسمع همسا ..ترى من يكون ؟ أمي أم والدي الحنون ؟ صحيح..وكيف.. فهم لايسكنون ... بقربي ، ولاحتى يعرفون منزلي وأين أكون لكنني أسمع همسا .. يبتاع الدهون أم خدم يلجون يبحثون عن عمل ولايجدون أم زوجي الحبيب.. الميمون ولربما لاأحد.. هراء مني وجنون ..(ص55) ويبلغ الاحساس ب"التيه " كتيمة مركزية في الديوان مداه الأقصى ربما في قصيدة "رفّ البجع " حيث الانتماء لعالم اخر وفضاء مغاير فنقرأ : مسكينة أنت بين رفّ البجع سواد كثيف وليل بلاحدود رفوف ..رفوف وأبواق حرب وعيون كسرج الوطاويط في ليلة ماطرة (ص87) حتما لاتملك القراءة العابرة هنا الاحاطة بضفاف الجمال في ديوان الأستاذة صونيا عامر ولكن حسبها أنها اقتربت من ذلك العالم الشعري التشكيلي الجميل .