أ.د.إلهام سيف الدولة حمدان – مصر شموس نيوز – خاص بالبلدي وبعيدًا عن تقعرات اللغة :هل الشعب المصري فعلاً مالوش كتالوج ؟ فالمتعارف عليه في المصانع الكبرى المنتجة لأدوات التكنولوجيا الحديثة؛ أن ترفق مع كل مُنتج “كتالوج” يحدِّد طريقة وكيفية استعماله ومعالجة الأخطاء الناتجة عن سوء الاستخدام أو الخطأ في إعطائه الأوامر . مابالك بالمنتج الإلهي العظيم من “بني آدم ” الذي قال عنه المولى سبحانه وتعالى : ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” .. سورة الإسراء(70) . ولكن يبدو أن الإنسان المصري في المرحلة الأخيرة شرد بعيدًا عن الاستخدام السوي لمقدراته وما جُبل عليه منذ القدم؛ وأصبح بحاجة ماسة إلى من يقوم بإعادته إلى حالة “ضبط المصنع”؛ وإلى قاعدته الأًصيلة الأصلية التي انطلق منها منذ فجر التاريخ إلى آفاق العلم المتقدم في مجالات الحياة كافة . فمن العجيب ان ترى لافتة كبري على سور مدرسة مثلاً مكتوبة بالخط النسخ الجميل : وتعلن أن “النظافة من الإيمان”؛ وتجد تحتها مباشرة تلالاً من القمامة التي تزكم الأنوف بكل الروائح الكريهة ل “خرْج البيوت” من فضلات الطعام ونتاج أعشاش الطيور! فلمن إذن هذا النداء والتذكير بأن “النظافة من الإيمان” ؟ إذن .. هناك انفصامٌ حاد وشرخٌ رهيب في جدارالشخصية المصرية، نتيجة الأوامر الخاطئة الصادرة إليه ممن يمسكون غصبًا ب “ريموت” التوجيه ! وأصدق مثال على مانقول؛ هو ماحدث أخيرًا من هجوم غير مبرر على الفنانين المشاركين بمهرجان “الجونة” السياحي، وانتقاد مشاهد الأناقة في الملبس والمظهر الحضاري الذي عرضوه للعالم على السجادة الحمراء، وكانت الحجة “المُعلَّبة” والمصبوغة بدهون الأفكار السلفية العفنة؛ بأن مساحة “التعرِّي” في ملابس الفنانات؛ كانت بمثابة الخنجر الذي “فقأ”عيون السادة أصحاب الفضيلة والفضائل ! مهلاً .. فأنا لا أدافع عن مشاهد “التعرِّي”؛ ولكني أدافع عن “الجمال” الذي قمنا بدفنه بأيدينا بمدافن “القُبح” الذي تغلغل في كل أركان حياتنا وشوارعنا وإعلامنا؛ حتى دخلت مظاهر القبح حتى في “لغتنا” التي كنا نفتخر بها أمام العالم شرقًا وغربًا؛ فأصبحنا نجد في القاموس الجديد ألفاظًا وعبارات ماأنزل الله من سلطان . ويقفز على لساني فورًا؛ السؤال الذي سيظل يبحث عن إجابة وسط الركام : لماذا تراجع مستوى الذائقة الجمالية فى مصرنا المحروسة -؟ سؤال لابد وأنه ورد على ذهن الكثيرين فى أكثر من مناسبة وأكثر من مكان؛ وأنت تشاهد فيلمًا من أفلام زمان أيام تقنية سينما الأبيض والأسود، وإلى أين ذهب هذا الجمال واختفى ؟ أين شياكة وأناقة وجمال ونعومة فاتن حمامة سامية جمال ومديحة يسرى وهند رستم ومريم فخر الدين وليلى فوزى وليلى طاهر ونعيمة عاكف، والدلوعة شادية والسندريلا سعاد حسنى وشويكار وزبيدة ثروت وشمس البارودى ومديحة كامل وسهير رمزى وناهد شريف ، ناهيك عن أناقة “بنات الجامعة” ليس في قاهرة المعز فحسب، ولكن كانت الأناقة والشياكة من كل الطبقات سمة من سمات جامعات جنوب الصعيد، والذوق والجمال وحسن الاختيارلايشترط المغالاة في الثمن للملابس؛ فالذوق الراقي لايشترط الأثمان المرتفعة؛ بل الأهمية تكُمن في التنسيق واختيار مايتناسب مع قوام الشخصية ، ثم نتساءل على الجانب الآخر: أين أناقة أصحاب الكرافتات الشيك ابتداء من الموسيقار محمد عبد الوهاب وكمال الشناوي ومحسن سرحان وشكري سرحان ونجيب الريحاني وسراج منير واستيفان روستي وزكي رستم وأنور وجدي، ولا تتسع المساحة لذكر الكثير من هؤلاء العظماء؛ الذين نتمنى أن يعكُف على مشاهدتهم والتأسِّي بهم شباب اليوم من الفنانين الصاعدين، وليرحمونا من مشاهدة “البنطال” ذي السيقان الممزقة الرثة، وكأنهم شحاذون قادمون من على “باب السيدة زينب” إلى ستوديوهات السينما والتليفزيون والمسرح ! ولعلهم صادقون فيما يفعلونه؛ للتعبيرعن الثقافة المهترئة داخل عقولهم وفنونهم التي أكل الدهر عليها .. وشرب، وهي الفنون التي يحاولون فرضها على الذوق المصري والعربي، والغريب أن هذه “الهلاهيل” تباع بأغلى الأثمان في فتارين وسط العاصمة؛ وكأنهم يؤكدون على أننا في زمنِ أصبح فيه “القبح” و”المظهر الرث” له ثمن في أسواق التقليد الأعمى لكل الآتي من الغرب الذي يسعى بكل الوسائل لطمس هويتنا ! كانت كل مظاهر الجمال تحيط بنا حتى الأمس القريب؛ وتشهد بذلك ليس في الفنون فحسب بل في مظاهر الهندسة المعمارية الراقية لأبنية العاصمة المصرية القديمة؛ وهي التي تبعث في العيون والنفوس والأفئدة أجمل معاني التفاؤل والحبور والسرور والبهجة، ولم نسمع في ذاك الزمان عن غباء التحرش والاغتصاب والجرائم التي تملأ أخبارها صفحات وأعمدة الجرائد والمجلات بلا رادع أو وازع من ضمير، وكأن العلاقة طردية بين مظاهر التدين الشكلي الذي يسود المجتمع، ومايحدث بالفعل على الساحة المجتمعية من مظاهر تجعلنا نقول : ليتنا نعود للخلف .. حيث الموجة العالية من المبادىء والقيم السامية التي كانت تحكم المجتمع لنزهو بها على طول الزمان .