على الرغم من حماسه الملحوظ في العمل، فهو شخص دءوب لا يكل ولا يمل من العمل والتطوير، يحاول أن يضبط إيقاع وزارة الأوقاف في الفترة القادمة خصوصًا بعد تكليفه من قِبل المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، بالاستمرار وزيرًا للأوقاف، لكن يرى البعض أن هناك رعونة في تصرفاته قد يكون في بعضها محقًّا وقد يخالفه التوفيق أو لا تنصفه توقعاته، هو الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف. مؤخرًا خرج علينا بمطالبته دار الإفتاء المصرية بإعداد تصور لقانون ينظم شئون الفتوى لكي يتم عرضه على هيئة كبار العلماء برئاسة فضيلة الإمام الأكبر لمراجعته والنظر في رفعه إلى الجهات المختصة للنظر في إقراره، وهذا يُعد افتئاتًا على دور دار الإفتاء المصرية، التي تقوم بالدور الأبرز لضبط الخطاب الديني والاضطلاع بدورها على أكمل وجه، في ظل خمول ملحوظ في باقي المؤسسات الدينية، فدار الإفتاء هي المؤسسة الدينية التي تفاعلت مؤخرًا مع الأحداث التي مر بها الوطن. فالمنهج الذي تتبعه دار الإفتاء مؤخرًا ومع قدوم الدكتور شوقي علام مفتيًا للجمهورية يقوم على العلاج العملي للمشكلات المتعلقة بالحقل الديني، وظهر ذلك جليًّا من خلال تفاعلها الملحوظ مع كل قضايا المجتمع وليس المتعلقة بالشأن الديني فقط، ولعل الإنجاز الأبرز لها مؤخرًا إنشاؤها مرصدًا لرصد الفتاوى التكفيرية والشاذة لرصد تلك الفتاوى وسرعة الرد عليه ودحضها، فالدار لا تتوانى عن الرد عن أي فتوى شاذة يرصدها المرصد بالتفنيد ودحضها بالحجج والأدلة الفقهية. الأمر المثير في دعوة وزير الأوقاف أن هذا الأمر لا يُعد من اختصاصاته، لكن الذي من اختصاصه ونريد منه العمل عليه هو الحفاظ على أموال الأوقاف وتفعيل الرقابة على الدعوة في المساجد وما يحدث فيها، فهذا أولى له العمل به، ويدع شأن الفتوى لأهلها فهم الأجدر على ضبطها وإن كانوا بعيدًا عن القانون المزعوم هذا يقومون بهذا الدور فعلاً من خلال المرصد الذي أنشأه فضيلة المفتي للقضاء على هذه الظاهرة. ربما يظن البعض أن علاج ظاهرة ما أو أمر ما يتعلق باستصدار قانون أو فرض عقوبة لرد المخالفين، لكن هناك من أصحاب الفكر والعقول من يرى أن العلاج يكمن في التوعية والإرشاد ودحض الحجة بالحجة، وتفكيك المقولات الشاذة والرد عليها، فالأمر ليس الهدف منه القضاء على الظاهرة فحسب بل تصحيح فكر مطلق الظاهرة لكي نكتسبه في صفوف المصلحين. إن دعوة وزير الأوقاف في هذا التوقيت الحرج ليست في محلها، وكان الأولى به أن يدعو إلى ضبط الخطاب الديني، وإلى تجديده من خلال الخطاب الدعوي لأئمة المساجد المضطلع بهم أداء هذا الدور، أو البحث عن طرق بديلة لعلاج الفوضى في الخطاب الديني، فهذا هو تخصصه الفعلي لا الفتوى، وإن كان فضيلة مفتي الجمهورية قد سبقه في هذا الأمر من خلال مشروعه عن تجديد الخطاب الديني، والذي نتابع جميعًا مقالاته حول تجديد الخطاب الديني وطرحه العقلي والفقهي الذي يقدم الحلول الفعلية ولا يهدف إلى الشو الإعلامي، فعلى وزير الأوقاف المحترم أن يساهم في ضبط الوزراة ممن يتبنون خطابًا متشددًا أو ضد استقرار الوطن. يا وزير الأوقاف لا يغيب عن كل ذي عينين أن العمل في وزارة الأوقاف لا يسير في الاتجاه الصحيح، فهذه تركة عظيمة، وبدلاً من تشتيت الجهود بالانشغال بأمر الآخرين، فالأولى الانكباب على هموم الوزارة وحلها، والقضاء نهائيًّا على السلبيات التي نحن حاليًا في غنى عنها ونحن نستقبل مرحلة جديدة في عمر الوطن الكل يعول عليها، والكل يسعى للعمل من أجل إنجاحها، لا من أجل تشتيت الجهود. القضية ليست في الافتئات على الآخرين أو إقحام أنفسنا في تخصصات البعض فالأمر أكبر من ذلك، هو ليس أمرًا إعلاميًّا الغرض منه الظهور، البلاد بالفعل تحتاج إلى العمل الفعلي، ووزارة الأوقاف من مؤسسات الدولة التي تحتاج إلى جهد مضاعف، خصوصًا في المجال الدعوي، وإذا كان لا بد من الاستعانة بالآخرين فأرى أن تجربة دار الإفتاء من خلال المفتي في طرحها تجديد الخطاب الديني تجربة يمكن أن تستفيد بها وزارة الأوقاف في الفترة القادمة.