الخدم فئة مسكينة من البشر، اضطرتهم الحاجة إلى ممارسة هذه المهنة، على الرغم من دناءتها، وعدم احترام الناس لها، مع أنها مهنة كريمة عند الله تعالى، مثلها في ذلك مثل أية مهنة أخرى. وكما يقول المصريون: «سيد القوم خادمهم». الخادم إنسان كامل الأهلية كباقي البشر، له حقوقٌ، وعليه واجبات، وليس عبداً، يباع أو يشترى، فهو يعمل مقابل راتب متفق عليه، وعقد مبرم بينه وبين رب العمل. الخادم إنسان شريف، لجأ للعمل بهذه المهنة، على الرغم من حقارتها، بدلاً من أن يسرق أو يمد يده للآخرين، فيجب التعامل معه على أن له شعوراً، يغضب إذا أُهين، ويفرح إذا أُكرم. يجب على رب البيت إذا أراد أن يأتي بخادم للعمل لديه، أن يختار صاحب الخُلُق والدين، الذي يراعي الله في أهل بيته، ويحافظ عليهم، لأن هذه أمانة، وَسَيُسأل عنها. روت لي إحدى السيدات قصة، سأرويها كما جاءت على لسانها.. «ذهبت إلى زميلتي في العمل لأزورها في بيتها، وعندما ضغطت جرس الباب، هرول الخادم مسرعاً لفتحه، ولأنه يعرفني، رحب بي، وأخبرني بوجودها. فلما دخلت إلى المنزل، وجدتها نائمة على ظهرها على كرسي الأنتريه، مرتدية قميص نوم شفافاً يُظهر جميع مفاتنها، فقلت لها: كيف تجلسين بهذا الشكل أمام الخادم؟ فقالت: هو هندي. فقلت لها: وماذا يعني أنه هندي، أليس رجلاً؟! فقالت: الهندي جبان، لا يجرؤ أن ينظر إليَّ. قلت لها: لكن لا يجوز شرعاً أن تجلسي بهذه الملابس أمامه! فقالت: هو خادم، ولا يستطيع أن يرفع عينيه فيَّ. فقلت لها: وكيف إذا رفعهما؟ فردت عليَّ: سأوسعه ضرباً. فقلت لها: يجب عليك عدم ارتداء الملابس الشفافة إلا لزوجك، ولا يجب عليك ضرب الخادم مهما ارتكب من أخطاء، لأن الذي بينك وبينه عقد عمل، وإذا لم يقم بواجبه كما تحبين، عليك بإنهاء عقده فوراً...» انتهى. رويت هذه القصة لا لفضح هذه السيدة، ولكن ليأخذ أرباب البيوت حذرهم، ويعرفوا أن هذا الأمر جدّ خطير، ويجب أخذ الحيطة والحذر أمام أي إنسان يعمل لديهم، فالخادم ليس من أهل المنزل، بل إنه دخيل عليهم، فيجب التعامل معه بحذر شديد، ومعاملته معاملة حسنة، لكي يكون أميناً على أهل البيت. ويجب على أرباب البيوت أن يأخذوا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الأسوة الحسنة، ويعرفوا كيف كان يتعامل مع خادمه. وهذه شهادة أنس بن مالك، رضي الله عنه وأرضاه، عندما قال: «خدمت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عشر سنين، فوالله ما قال: أف قط، وما قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: لِمَ لم تفعله؟». وقال أيضاً: «خدمت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عشرَ سنين، فما سبَّني سبَّةً قط ، ولا ضربني ضربةً، ولا انتهرني، ولا عبس في وجهي، ولا أمرني بأمر فتوانيت فيه فعاتبني عليه، فإن عاتبني أحدٌ من أهله قال: (دعوه، لو قُدِّر شيء كان)». وقد أوصى، صلى الله عليه وسلم، بالخدم، رحمةً بهم، فقال: «هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم». والله من وراء القصد. محمد أحمد عزوز كاتب مصري