التوحيد مصدر: وحد، يوحد، توحيدا. لغة معناه: جعل الشئ واحدًا. واصطلاحًا: توحيد الله هو: إفراد الله بربوبيته وإلوهيته وأسمائه وصفاته. ومعنى إفراد الله بربوبيته: إفراد الله بأفعاله. وهذا يعني أن تعتقد بأن الله هو الخالق والرازق والمدبر والمحيي والمميت، الخ.. ولا يشاركه أحد في ذلك. وإفراد الله بإلوهيته: إفراد الله بأفعال العباد. والمقصود: ما من عبادة يتقرب العبد إلى ربه إلا وأن يجعلها خالصة لله، فلا يشرك معه أحدًا، لا ملكًا مقربًا، ولا نبيًا مرسلًا، ولا وليًا صالحًا، فيعبد الله وحده لا شريك له. وأما إفراد الله بأسمائه وصفاته: أن تعتقد أن الله له الأسماء الحسنى والصفات العلا، لا سمي له، ولا يشابهه الأنام، جل عن الشبيه والنظير، قال تعالى: (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير). وقد شن بعض الناس حربًا ضروسًا على من يهتم بالتوحيد وبنشره وبتدريسه، وزعموا أن مصطلح "التوحيد" محدث! والرد على هذا الكلام سهل جدًا: فقد روى الامام البخاري في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- حين بعثه إلى اليمن: "فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله". وما المقصود من "أن يوحدوا الله"؟ هذا ما بينته رواية أخرى، فقال عليه الصلاة والسلام: "فليكن أول ما تدعوهم إلى شهادة ألا إله إلا الله". ولهذا بوَّب الإمام أبو عيسى الترمذي(ت 279ه) في سننه كما في كتاب "صفة جهنم": "باب ما جاء أن للنار نفسين وما ذكر من يخرج من النار من أهل التوحيد". ومن هم أهل التوحيد؟ هم أهل الإسلام، أهل "لا إله إلا الله". وبعد ذكر كلام سيد المرسلين وهو حجة في الاستدلال بلا ريب، سأسرد أسماء جمع من العلماء ممن ذكروا لفظ "التوحيد" في كلامهم: 1) حبر الأمة الصحابي الجليل عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- (ت 68ه): روي عنه أنه قال في قول الله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون): "ليوحدون". 2) الامام محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256ه)، حيث أفرد كتابًا كاملًا في صحيحه سماه "كتاب التوحيد"، وهو آخر كتاب في صحيح البخاري. 3) سبق أن ذكرت كلام الامام أبي عيسى الترمذي (ت 279). 4)قال إمام الشافعية أبو العباس ابن سريج (ت 306ه): "توحيد أهل العلم وجماعة المسلمين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله" طبقات الشافعية للسبكي(89/2). 5) الامام الطبري (ت 310ه) حيث قال في تفسيره: القول في تأويل قوله تعالى: (إِنّ الّذِينَ قَالُواْ رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنّةِ الّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ). يقول تعالى ذكره: إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ وحده لا شريك له, وبرئوا من الاَلهة والأنداد، ثُمّ اسْتَقامُوا على توحيد الله، ولم يخلطوا توحيد الله بشرك غيره به، وانتهوا إلى طاعته فيما أمر ونهى. 6) ابن خزيمة الشافعي (ت 311) عنده كتاب بعنوان "كتاب التوحيد". 7) ابن منده (ت 395) أيضًا عنده كتاب بعنوان "كتاب التوحيد". ثم نذكر على وجه الخصوص استخدام أصحاب المذاهب الأربعة لكلمة التوحيد: 1) قال الامام أبو حنيفة (ت 150ه) في "الفقه الأكبر": أصل التوحيد وما يصح الاعتقاد عليه يجب ان يقول آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. اه. وقال الطحاوي الحنفي (ت 321ه) في مقدمة عقيدته "الطحاوية": هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين وما يعتقدون من أصول الدين ويدينون به رب العالمين: نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله إن الله واحد لا شريك له. 2) الامامان مالك بن أنس (ت 179ه) ومحمد بن إدريس الشافعي (ت 204ه): أخرج الهروي في كتابه "ذم الكلام" عن الشافعي أنه قال: سئل مالك عن الكلام والتوحيد، فقال مالك: محال أن يظن النبي صلى الله عليه وسلم انه علم أمته الاستنجاء ولم يعلمهم التوحيد، والتوحيد ما قاله النبي صله الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله) فما عصم به المال والدم حقيقة التوحيد. 3) قال الإمام أحمد بن حنبل (ت 241ه) في "أصول السنة": ومن مات من أهل القبلة موحدًا يُصلى عليه ويستغفر له. اه. والمقصود من "موحدًا"؛ أي: مات على التوحيد. خاتمة: من باب التنزل مع الخصم، نقول: "العبرة بالحقائق والمعاني لا بالأسماء والمباني". مع أن التوحيد استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا بد من التسليم لهذا الشئ وإلا فيجب مراجعة توحيدك! قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية(234/1): ولا شك أن من لم يسلم للرسول صلى الله عليه وسلم نقص توحيده، فإنه يقول برأيه أو يقلد ذا رأي وهوى بغير هدى من الله فينقص من توحيده بقدر خروجه عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. اه. لكن من باب التنزل كما ذكرت، أقول: يا من تنكر لفظ "التوحيد"، هل وحدت الله حق توحيده؟ هل اعتقدت أن لا خالق ولا رازق ولا مدبر إلا هو؟ هل عبدته وحده لا شريك له؟ أم عبدت معه غيره وأشركت معه ملكًا مقربًا، أو نبيًا مرسلًا، أو وليًا صالحًا، أو غير ذلك؟ هل اعتقدت أن أسماء الله أعلام وأوصاف؟ أعلام باعتبار دلالتها على الذات، وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني. أم أنك اعتقدت أن الله سميع وبصير ولكن لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم؟ [email protected] @Ashamsalden
