أثار الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا بأحقية حزب الوسط ذي المرجعية الإسلامية بداية الأسبوع الماضي وإعلان بعض التيارات الإسلامية تأسيس أحزاب ذات مرجعية إسلامية، من بينها جماعة الإخوان المسلمين تساؤلات بعض السياسيين والمهتمين بالعمل الحزبي حول إمكانية السماح لتلك التيارات بتأسيس أحزاب، وهل سيكون من الأفضل تجميع جميع الحركات الإسلامية في أحزاب سياسية معترف بها تعمل من خلالها تحت مظلة القانون والنظام أم أنها ستعمل علي تأجيج الفتنة الطائفية وتجعل الأقباط وبعض العلمانيين يطالبون بتشكيل أحزاب مسيحية تطبيقاً لمبدأ المعاملة بالمثل. وإذا استعرضنا الخريطة السياسية للحركات والتيارات الإسلامية الموجودة علي الساحة السياسية والتي أعلنت عقب نجاح ثورة 25 يناير عن نيتها تأسيس أحزاب سياسية ذات مرجعية إسلامية سنجد أنه بخلاف حزب الوسط الذي حصل علي حكم قضائي مطلع الأسبوع الماضي بأحقيته في تأسيس الحزب، الذي يرأسه المهندس أبوالعلا ماضي القيادي الإخواني المنشق مع معظم قيادات الحزب الذي تتخطي عضويته حتي الآن حسب قيادات الحزب 20 ألف عضو، فإننا سنجد أن هناك حزباً آخر أعلن ممدوح إسماعيل محامي الجماعات الإسلامية عن تأسيسه تحت اسم »حزب النهضة« والذي وصلت عضويته حتي الآن حسب ممدوح إسماعيل وكيل مؤسسي الحزب إلي 5 آلاف عضو، معظمهم من التيار السلفي العلمي التقليدي الذين يتبنون أفكار الدكتور ياسر بن هامي ومحمد إسماعيل المقدم والشيخ أحمد النقيب بالإسكندرية وتنحصر معظم أهداف حزب النهضة الإسلامي في تكوين مجتمع ديمقراطي والحفاظ علي القيم الأخلاقية. سنجد أيضاً حزباً آخر ذا مرجعية إسلامية هو حزب »الاتحاد من أجل الحرية« الذي أعلن عنه منتصر الزيات المحامي الإسلامي منذ عامين ويجمع في عضويته أكثر من 900 عضو حتي الآن، كما سنجد أن الجماعة الإسلامية بقيادة الدكتور كرم زهدي والدكتور ناجح إبراهيم وأعضاء مجلس شوري الجماعة قد أعلنوا أيضاً عن تأسيس حزب سياسي يحمل أفكار وأهداف ومبادئ الجماعة، والغريب أن ناجح إبراهيم عضو مجلس شوري الجماعة وافق علي ذلك رغم اعتراضه علي مشاركة الجماعة في العمل السياسي طوال عهد مبارك واختلف مع الشيخ عبود الزمر المسجون خلف القضبان في ذلك منذ مبادرة وقف العنف التي تم إعلانها في 5 يوليو عام 1997، حيث دعا عبود الزمر أعضاء الجماعة المشاركة في العمل السياسي، إلا أن ناجح إبراهيم رفض وقتها بحجة القيود التي يفرضها النظام علي الجماعة، وبحجة أن الجماعة ستهتم بالجانب الدعوي التربوي علي حساب الجانب السياسي. لكن يبدو أن ثورة 25 يناير جعلت الأفكار والمفاهيم تنقلب 180 درجة عند أعضاء مجلس شوري الجماعة الإسلامية الذين يبحثون حالياً مع القواعد الاتجاه نحو تأسيس حزب للجماعة للمشاركة الفعالة في الحياة السياسية. وبخلاف حزب الجماعة الإسلامية فإن شباب الجماعة الإسلامية البالغ عددهم 700 عضو أعلنوا بقيادة زعيمهم أحمد صبحي أحد القيادات الشابة عن نيتهم تأسيس حزب سياسي لشباب الجماعة الإسلامية تحت اسم »الحزب الإسلامي للإصلاح والتغيير« وهو الحزب الذي ينوي ناجح إبراهيم تأسيسه، مؤكدين أنهم سيجتمعون للانشقاق عن ناجح إبراهيم بعدما اتهموه بأنه كان عميلاً للنظام السابق ولوزارة الداخلية طيلة العشر سنوات الماضية. وطالبوا شباب الجماعة في بيان لهم بأن يكون عبود الزمر رئيساً لحزب سياسي الجماعة الإسلامية. أما حزب جماعة الإخوان المسلمين التي أعلنت الجماعة عن اسمه وهو »الحرية والعدالة« والتي تعتزم تأسيسه بعد تعديل قانون الأحزاب فإنهم يتجهون أيضاً إلي أن يكون الحزب مدنياً ذي مرجعية إسلامية، حسب تصريحات الدكتور عصام العريان، المتحدث الإعلامي باسم الإخوان، مؤكداً أن الحزب لن يقتصر فقط علي الأعضاء العاملين في الإخوان، بل سيضم أيضاً عدداً من الأقباط وغيرهم ممن يتفقون علي أفكار وأهداف وبرنامج حزب الإخوان، ليصل عدد أعضاء حزب الإخوان حسب التقديرات الأولية إلي أكثر من 300 ألف عضو. ومن المتوقع أن يرأس الحزب المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام للجماعة والمسجون حالياً علي خلفية قضية ميليشيات الأزهر عام 2007 لمدة سبع سنوات، ومن المنتظر الإفراج عنه قريباً مع المهندس حسن مالك رجل الأعمال وأحد ممولي الإخوان. ويشهد حزب الإخوان انقلاباً في أفكار الجماعة وتخليها عن عدم جواز تولي المرأة والأقباط رئاسة الجمهورية حسب ما أعلنه الدكتور محمد سعد الكتاتني المتحدث الإعلامي باسم الجماعة، وهو ما أثار خوف البعض من أن يكون حزب الإخوان النقلة السياسية التي تقرب الإخوان من الوصول لرئاسة الجمهورية والوصول للحكم خلال الخمس سنوات القادمة. الإشكالية التي ظهرت عقب إعلان جميع التيارات الإسلامية الموجودة علي الساحة من إخوان وجماعة إسلامية وسلفية عن تأسيس أحزاب، هي تخوف البعض من سيطرة الحركات الإسلامية علي الساحة السياسية بعد الموافقة علي تأسيس هذه الأحزاب الستة بمجرد الاخطار بعد تعديل قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977. كما تخوف البعض من أن ينقسم المجمع إلي أحزاب دينية إسلامية وأحزاب دينية مسيحية تطالب بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل عقب تأسيس الأحزاب الإسلامية الستة. هذه الإشكالية يرد عليها الدكتور عمرو هاشم ربيع خبير شئون الأحزاب بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بأنه يجب أن تخضع جميع الأحزاب إلي شرطين خلال الفترة القادمة، أولهما: ألا تدعو للفتنة الطائفية، وثانيهما: ألا يكون لهذه الأحزاب جناح عسكري، مشيراً إلي أنه يجب بعد تطبيق هذين الشرطين أن يكون تأسيس الأحزاب بمجرد الإخطار لها بالترخيص من لجنة شئون الأحزاب التي يجب أن يتم إلغاؤها منها: القانون الجديد. وأشار ربيع إلي أن الحكم علي جماهيرية الأحزاب بعد ذلك سواء كانت ذات مرجعية إسلامية أو غيرها هو صندوق الانتخاب والحكم ببقاء هذه الأحزاب أو إلغائها إذا خالفت الشروط للسلطة القضائية. أما ممدوح إسماعيل وكيل مؤسس حزب النهضة، فأكد أن حزبه سيكون ذي مرجعية إسلامية وليس دينية، مشيراً إلي أن الفرق بين المصطلحين كبير للغاية، حيث إن مطلع المرجعية الدينية مستمد من العقدة النفسية للمسيحيين في القرون الوسطي، وأن هذه الإشكالية غير موجودة عند المسلمين، موضحاً أن بعض المسيحيين يريدون تصوير رجل الدين بالمعني السقراطي. وقال إسماعيل: إن حزب النهضة مفتوح لجميع المصريين وأن أكثر من 5 آلاف شاب انضموا للحزب حتي الآن وأن هناك رموزاً دينية تدرس الانضمام للحزب، مشيراً إلي أن هناك مسيحيين قد ينضمون لحزب النهضة ذي المرجعية الإسلامي. وأكد إسماعيل أن حزب النهضة سيقوم بالتنسيق مع جميع الأحزاب الدينية الموجودة سواء حزب الوسط أو الإخوان أو حزب الجماعة الإسلامية. أما منتصر الزيات المحامي الإسلامي ووكيل مؤسسي حزب »الاتحاد من أجل الحرية« الذي أعلن عنه منذ عامين، فأكد أن الفترة القادمة ستقوم علي التعددية والتعاون مع الآخر حتي لو كان غير مسلم، مشيراً إلي أن السماح لتكوين أحزاب ذات مرجعية إسلامية سيساهم في نزع فتيل العنف من خلال استغلال طاقات شباب الجماعات الإسلامية، لأن عدم دمج هؤلاء الشباب وتركهم خارج المشروعية قد يكون أحد أسباب التوتر والعنف والاحتقان. أما عصام دربالة عضو مجلس شوري الجماعة الإسلامية، فأكد أنه كان من الذين نادوا مع الشيخ عبود الزمر بضرورة مشاركة الجماعة الإسلامية في العمل السياسي، لافتاً إلي أن الدكتور ناجح إبراهيم كان يرفض ذلك وكان يريد تغليب العمل التربوي الديني علي العمل السياسي، لكن جميع قيادات الجماعة الإسلامية غيروا وجهة نظرهم بعد ثورة 25 يناير ويتشاورون حالياً مع المستويات القاعدية للجماعة لتأسيس حزب سياسي. وأكد دربالة أن حزب الجماعة الإسلامية لن يقوم بالترويج لمعتقدات دينية، وإنما سيقدم حلولاً لجميع المشكلات من منظور إسلامي، مشيراً إلي أنه يرفض تأسيس أحزاب دينية يكون هدفها تأجيج الصراع العقائدي، مؤكداً أنه من حق المسيحيين تأسيس أحزاب مسيحية مثلما يحدث في ألمانيا التي يوجد بها الحزب الديمقراطي المسيحي وغيرها من الأحزاب. أما مختار نوح القيادي الإخواني بجبهة المعارضة الإخوانية، فأكد أنه لابد لمجمع الأحزاب أن يكون مرجعيتها دينية إسلامية طبقاً للمادة الثانية من الدستور، التي تنص علي أن »الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع«، مشيراً إلي أنه لذلك لا يجوز لأي حزب أن يصطدم مع الدستور ويخالف إحدي مواده، لذلك فإن الحديث عن المرجعية الإسلامية ليس له معني، لأنه طبقاً لمواد الدستور فإنه لابد للأحزاب أن تكون مرجعيتها إسلامية. وأكد نوح أن كثيراً من التيارات الإسلامية ليس لديها نموذج دولة، ولذلك يجب تدريب بعض التيارات الإسلامية التي تريد تأسيس أحزاب سياسية علي الديمقراطية أولاً، فإذا نجحت في ممارسة الديمقراطية سيكون من حقها تأسيس أحزاب سياسية، مشيراً إلي أن جميع التيارات الإسلامية يجب أن يتم تدريبها علي احترام الآخر قبل الإعلان عن نيتها في تأسيس أحزاب سياسية