بعد انتهاء دوامي خرجت من مقر عملي، لأستقل سيارتي، فإذا بأحد الزملاء يرافقني، وأثناء جلوسنا في السيارة، دار بيننا هذا الحوار، لأن زميلي مولع بالسياسة، ومطلع جيد على ما يجري من أحداث في الساحة. فتوجه إليَّ بالسؤال: لماذا تتعامل الأنظمة العربية مع شعوبها باحتقار، وكأنهم ليسوا من ملتهم ولا من أبناء جلدتهم؟. فقلت له: إنها عدم الثقة بالنفس، وضعف الشخصية، والتخلي عن المبادئ، وتبوؤ المناصب بدون حق، مما يولد حب الاستبداد، وهذا من طبيعة البشر، فدائماً الإنسان عندما يصل إلى منصب أعلى، ينسى ماضيه، ويتعالى على زملائه، وخاصة من ساعدوه على الوصول. فقال: صدقت! ولكن أريد منك دليلاً من واقع الحال في العمل؟ فقلت له: انظر مثلاً إلى رئيسك في العمل، عندما كان يعمل معكم، قبل أن يرتقي إلى رئاسة القسم، ما كان أسلوب تعامله، وماذا أصبح؟ فقال: كان يتعامل معنا بكل حب واحترام، ويتمنى رضانا عنه، ولكنه كان كثير الشكوى من سابقه، وكان دائماً يصفه بالديكتاتور، أما الآن وعندما أصبح مسؤولاً، نسي ماضيه، وأصبح ديكتاتوراً أكثر من سابقه. فقلت له: هكذا الأنظمة العربية، جاءت من رحم الشعوب، ومع ذلك، نسيت ما كانت تعانيه من ظلم واستبداد من سابقيها، وأصبحت أكثر ديكتاتورية. فقال: صدقت! ولكن يجب على الأنظمة العربية أن تتعلم من سابقيها، كيف كانوا، وكيف أصبحوا.. فلم يذكر التاريخ اسم أحد من الظالمين إلا مقروناً باللعنة، وقد وضعت أسماؤهم في مزبلة التاريخ، وأصبحوا وبالاً على أبنائهم وأحفادهم، وسيظل التاريخ يذكر مساوئهم حتى قيام الساعة. فقلت له: هم يعلمون هذا جيداً، ومع ذلك هم مستمرون في طغيانهم وظلمهم لرعاياهم، ويحاولون قدر استطاعتهم أن ينسوا تاريخ سابقيهم، كما نسوا آخرتهم ولقاء ربهم في يوم لا ينفع الندم. فقال: أنظر إلى الرئيس التونسي المخلوع، كيف كان؟ وكيف أصبح؟ فقلت له: كان يجلس على أفخم الأرائك، ويعيش في أفخر القصور، وحوله الخدم والحشم، وكلٌ تحت إمرته ورهن إشارته، وتحت يده كل ثروات الشعب يتصرف فيها كيفما شاء وقتما شاء، ومع ذلك لم يفكر في الإصلاح الاقتصادي، ولم يحاول مساعدة أبناء شعبه، وإخراجهم من ضنك العيش إلى رغده لكي يعيشوا حياة كريمة، وكان يتعامل معهم على أنهم رعاع ليس من حقهم العيش، وكانت كل مقدرات الشعب تذهب إليه هو وحاشيته. أما الآن فهو يعيش لاجئاً في السعودية، ولا يستطيع العودة إلى بلده، لأنه يعلم يقيناً أنه إذا رجع فسيكون معرضاً للقتل أو المحاكمة عما ارتكبه من أخطاء في حق شعبه. فقال: صدقت! وكل الأنظمة العربية الآن، ومنذ سقوط الرئيس التونسي، تعيش في خوف ورعب من أن يكون مصيرها مثله، وتحاول أن ترضي شعوبها لتمتص غضبهم. فقلت له: هدى الله أنظمتنا، وأصلح حالها، فنحن لا نريد الخروج عليها، كما حدث في تونس، بل نريد أن يصلحوا ما أفسدوا قدر استطاعتهم، لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، والدول العربية مليئة بالخيرات، ولكنها تحتاج إلى قيادة واعية تستغل هذه الخيرات لرفعة شعبها، كما حدث في الصين، عندما طبقت الاكتفاء الذاتي، وفقها الله فيه، وهذا لأن نظامها الحاكم أراد أن يرفع من شأن أبناء وطنه. انتهى حديثنا عند هذا الحد، والله من وراء القصد. محمد أحمد عزوز كاتب مصري