أفرزت نتائج ثورات الربيع العربي تزايد نمو الاتجاهات الدينية بل ووصولها إلى سدة الحكم وقصور الرئاسة، ففى مصر جاءت الثورة برئيس مدني منتخب ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين وهو الدكتور محمد مرسي العياط– كان رئيسا لحزب الحرية والعدالة وعضو مكتب الإرشاد للجماعة - الذى تولي منصب رئاسة الجمهورية رسميا فى 30 يونيو 2012، ومر عام كامل وهو فى ذلك المنصب ولكن لم يكن الشعب راضيا عن أدائه خلال هذا العام وقرر النزول والحشد فى اليوم المتمم لهذا العام وهو 30 يونيو 2013 ليعلن عن رغبته فى عدم استمرار مرسي فى الحكم واسقاط النظام من جديد وانتخاب شخص آخر فى الحكم. لم يندهش العالم العربي فقط من نزول ما يقرب من 20 مواطن مصري ، بل العالم أجمع اندهش لنزول هذا العدد الذى تخطي العدد الفعلي الذى قام بما حدث فى 25 يناير 2011 واسقاط نظام حسني مبارك، وبالتالي كان يتوجب على القوات المسلحة التدخل والانحياز لرغبة الشعب وعزل الرئيس مرسي من منصبه ، وهو بالفعل ما أعلنه القائد العام للقوات المسلحة من عزل مرسي من الحكم وتولي رئيس المحكمة الدستورية شئون البلاد لحين انتخاب رئيس جديد ، وتعيين حكومة جديدة، وهذا ما زاد من سخط وغضب جماعة الاخوان المسلمين وانصارها وذلك بحجة أن مرسي لا يزال الرئيس الشرعي للبلاد وهو الرئيس المنتخب الذى جاء بالصندوق الانتخابي وما فعلته القوات المسلحة ما هو الانقلاب على شرعية الرئيس ، وبالتالي قرر أنصار الاخوان الاعتصام منذ ذلك اليوم فى المياين العامة على مستوي الجمهورية رافعين شعار لا رجوع عن عودة الرئيس الشرعي للبلاد. مرسي والاعتقاد بنصرة الاسلام ومنذ أن ادرك جماعة الاخوان المسلمين وانصارهم بأن الرئيس لا رجعه له لمنصب الرئاسة مرة أخري ويجب قبول الأمر الواقع، تم تغيير المسار بأن الاعتصام فى الميادين باسم نصرة الاسلام وحمايته وتطبيقه وكأن مرسي هو ممثل الدين الاسلامي وبالتالي يجب التمسك به والثبات على المواقف، وهذا ما تسبب فى عرقلة عجلة التنمية الاقتصادية ، إضافة إلى اساءة صورة مصر فى عيون العالم، وهنا أقول لهؤلاء جميعا : عفوا محمد مرسي لا يمت بصلة بالاسلام ولدي الكثير من الدلائل والشواهد على ذلك وأذكر بعضها: مرسي هو مواطن مصري مسلم شأنه شأن الغالبية العامة فى المجتمع المصري، وكما قال الشيخ محمد حسين يعقوب "رئيس ذو لحية ويصلي الفجر حاضرا " ، ومن ثم فهذه الصلاة لن تنفع غالبية المصريين بل صلاته لنفسه أمام الله، وأن سقوط مرسي لا يعني سقوط الاسلام فوفاة رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم لم يسقط بعده الاسلام، وبالتالي ما الذى فعله مرسي خلال عامه فى الحكم للاسلام ونصرته : 1- لم يطبق الشريعة حيث بعدما أعلن عدم الاستدانة من الخارج والفوائد حرام، تم تطبيق القروض والفوائد واللجوء للبنوك الدولية فى عهده ، وهذا يدل على الكذب وعدم الالتزام بتعاليم الاسلام. 2- حينما جاءت إحدي المواطنات لسيادته لتقديمها شكوي بعدم العثور على زوجها – أحد الظباط المخطفين على الحدود فى رفح، وذلك على اعتبار أن رئيس الدولة راع ولكل راع مسئول عن رعيته، فأجابها بسخرية تامة " إذا كنتي تريدين زوجا فسنقوم بتزويجك من غيره" ، وهذا ما لم يتوقعه أحد كرد من رئيس دولة محترمة مثل مصر. 3- لا تزال هناك صالات للميسر والقمار على مستوي الجمهورية بغالبية الفنادق ولم يمنعها سيادته باسم الحفاظ على الاسلام وتعزيزه، بل وزاد من تراخيص صالات المغني " الكباريهات" بدلا من عامين مثلما كانت ايام الرئيس السابق حسني مبارك إلي ثلاثة أعوام. 4- بدلا من الوقوف بمحازاة إلى مشيخة الأزهر، أعلن عدائه صراحة لشيخ الأزهر فضيلة الامام الأكبر أحمد الطيب، وكان هناك اهمال غير مسبوق لشيخ الأزهر وقيام انصاره بسبه وقذفه علنا أمام الجميع والاعتداء على حرمة مشيخة الأزهر، إضافة إلى ظهور واقعة تسمم طلاب جامعة الأزهر لتزويد العداء لمشيخة الازهر. 5- وعند اختيار الوزراء ، وروؤساءالمدن والقري والمجالس المحلية كان يتم الاختيار على اساس الانتماء لجماعة الاخوان المسلمين حتى وإن كانوا لا يمتلكوا أى كفاءة او خبرات لتوليهم مثل هذه المناصب، بل وتعيين ما يقرب من عشرات الأشخاص داخل غالبية الوزارات من أجل الحصول على موارد مالية باهظة كمسشتارين للوزراء، وهذا إن دل دل على عدم الحفاظ على أمانة المالي العام التى ائتمنها عليها الشعب المصري، وعدم تحقيق العدل فى تكافوء الفرص التى دعا إليهما الاسلام. 6- قام سيادته أثناء إحدي خطاباته بالتحريض الصريح بصورة غير مباشرة على استباحة دماء من لا ينتمي للدين الاسلام، بل ومن هم ليسوا على نفس المذهب السني أى الشيعة وكأن خطابه ما هو إلا خطاب يحث على الكراهية وليس التسامح، الأمر الذى جعل البعض بعد هذا الخطاب بالقيام بأعمال عنف لم تشهدها مصر من قبل سواء كانت ضد المصريين المسيحين أم المسلمين الشعية ، وهذا مالم يدعو إليها الاسلام. سقوط مرسي هو سقوط لنموذج الاسلام السياسي وليس سقوطا لتطبيق الدين الاسلامي بداية إن عزل مرسل لا يخالف الشريعة الاسلامية كما ذكر بعض كبار علماء الأزهر الشريف لأنه مسئول عن امن الوطن وعليه أن يراعي ما يريده الشعب حتى وإن تنازل عن الحكم وفقا لقاعدة الشرعية التى تنص على "أن ارتكاب أقل الضررين من أجل أن يدفع الضرر الأعظم". ولكن ما حدث هو سقوط لتطبيق الاسلام السياسي مرة أخري فى مصر بل وسيمتد الأمر لدول الربيع العربي أيضا ( ليبيا وتونس وسورية) ، فنموذج الاسلام السياسي الذى ظهر لم يقدم ما يتطلبه تطوير دولة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، نتيجة فشل القائمين عليه فى أداء ذلك مقارنة بتطبيق المشروع الاسلامي الحضاري فى ماليزيا وما شهدته من تطوير فى كافة المستويات فى فترة وجيزة والالتزام بالدين الاسلام. وفى إطار ذلك ينبغي الاخذ فى الاعتبار بأن ذلك لا يعني سقوط الجماعة فى الحياة السياسية واقصائهم بل ستكون مثلما كانت سابقا جماعة حاضرة غائبة قد تمارس الحياة السياسية ولكن على استيحاء، وذلك لما قامت به خلال هذه الفترة جعل المواطن المصري البسيط لا يثق فى قوي التيار الاسلامي، وإن كان وجودهم هاما ليكون المشهد متنوعًا ما بين ليبراليين وإسلاميين وناصريين ويساريين. وفى النهاية ، يمكن القول بأن المشكلة الأساسية للحركة الاسلامية بصفة عامة وبالأخص لجماعة الاخوان هي أنه يتم النظر لمن حولها بأنهم خصوم واعداء اما ان تكون معها او ضدها وبالتالي يتم التعامل مع الآخرين بخطاب عدائي دون إمعان او نقاش أوالتوصل لحلول مرضية لجميع الأطراف ، وهذاما قام به مرسي فى عام أدي إلى ضياع كفاح ونضال 80 عام للجماعة ، إضافة إلى زيادة الكراهية للدين الاسلامي لغالبية دول العالم، بل وترسيخ الاعتقاد بأن الدين الاسلام دين عداء لا يحث على التسامح والمسلمين ما هم إلا مجموعة من الارهابيين.