تعليم مطروح: تنظم امتحانات تجريبية لطلاب الشهادة الثانوية بإدارة الحمام    وزير العمل يلتقى نظيره التركي لبحث أوجه التعاون في الملفات المشتركة    القائد العام للقوات المسلحة يلتقى منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمجلس الأمن القومى الأمريكى    تقرير برلماني يوصي بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للصناعات الإبداعية    أونروا: مشاهد القصف الإسرائيلي لمدرسة تابعة للوكالة في النصيرات «مروعة»    منتخب أستراليا يعبر بنجلاديش بثنائية في التصفيات الآسوية المشتركة    «التعليم» تتخذ عدة إجراءات بشأن جروبات الغش امتحانات الثانوية العامة 2024    المشدد من 7 إلى 10 سنوات للمتهمين بتزوير توكيل لقنصلية مصر بفرنسا    مركز الفلك الدولي يكشف ظروف رؤية هلال شهر ذي الحجة حسب الدول (خريطة)    تركي آل شيخ يطالب بدور رئيسي لكريم عبد العزيز في الجزء الرابع من ولاد رزق    " ثقافة سوهاج" يناقش تعزيز الهوية في الجمهورية الجديدة    سوسن بدر تكشف أحداث مسلسل «أم الدنيا» الحلقة 1 و 2    «الإفتاء» توضح أفضل أعمال يوم النحر لغير الحاج (فيديو)    لوكاكو: الأندية الأوروبية تعلم أن السعودية قادمة.. المزيد يرغبون في اللعب هناك    هيئة الدواء تستقبل رئيس هيئة تنظيم المستحضرات الدوائية بالكونغو الديموقراطية    نمو الناتج الصناعي الإسباني بواقع 0.8% في أبريل    ختام امتحانات الفصل الدراسي الثاني بكلية دار العلوم جامعة أسوان    المستشار الألمانى يتعهد بترحيل مهاجرين عقب حادث طعن شرطى    للراغبين في الشراء.. تراجع أسعار المولدات الكهربائية في مصر 2024    مدرب تونس: حققنا الأهم أمام غينيا الاستوائية.. ونعاني من الغيابات    الأقوى والأكثر جاذبية.. 3 أبراج تستطيع الاستحواذ على اهتمام الآخرين    جميلة عوض تحتفل بحنتها قبل ساعات من حفل زفافها الليلة    عبد الرحمن مجدي: ظُلمت في مشكلة الأولمبياد.. والأهلي سيتوج بالدوري وأنتقل للنادي الأكثر بطولات    صيام العشرة الأوائل من ذي الحجة.. لماذا استحب الصيام بها؟    تكبيرات عيد الأضحى 2024.. وطقوس ليلة العيد    دراسة تحذر من مخاطر مشروبات الطاقة على مرضى القلب    هيئة الدواء تستعرض تجربتها الرائدة في مجال النشرات الإلكترونية    محافظ أسوان يكرم أبطال نادي ذوي الاحتياجات الخاصة لحصدهم العديد من الميداليات الذهبية    طلب إحاطة بشأن رفع بعض المدارس الخاصة للمصروفات بنسبة 100%    التحالف الوطنى للعمل الأهلى ينظم احتفالية لتكريم ذوى الهمم بالأقصر    البنك المركزى: 113.6 تريليون جنيه قيمة التسويات اللحظية بالبنوك خلال 5 أشهر    التحقيق مع عاطل هتك عرض طفل في الهرم    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    أبوالغيط يتسلم أوراق اعتماد مندوب الصومال الجديد لدى جامعة الدول العربية    وزير الري: تراجع نصيب الفرد من المياه إلى 500 متر مكعب (تفاصيل)    ليلة في حب سيدة المسرح العربي.. تفاصيل تكريم سميحة أيوب بدار الأوبرا    تركي آل الشيخ: أتمنى جزء رابع من "ولاد رزق" ومستعدين لدعمه بشكل أكبر    والدة الأبنودي مؤلفتها.. دينا الوديدي تستعد لطرح أغنية "عرق البلح"    تباين أداء مؤشرات البورصة بعد مرور ساعة من بدء التداولات    عضو بالبرلمان.. من هو وزير الزراعة في تشكيل الحكومة الجديد؟    انخفاض 10 درجات مئوية.. الأرصاد تكشف موعد انكسار الموجة الحارة    رئيس الوفد فى ذكرى دخول العائلة المقدسة: مصر مهبط الديانات    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    حسام البدري: تعرضت للظلم في المنتخب.. ولاعبو الأهلي في حاجة إلى التأهيل    كيفية تنظيف مكيف الهواء في المنزل لضمان أداء فعّال وصحة أفضل    أمين الفتوى: لابد من أداء هذه الصلاة مرة واحدة كل شهر    قبل عيد الأضحى.. ضبط أطنان من الدواجن واللحوم والأسماك مجهولة المصدر بالقاهرة    "تخيلت نفسي على دكة الزمالك".. البدري يكشف لأول مرة ما فعله مع أمير مرتضى ورد صادم    بوريل يستدعي وزير خارجية إسرائيل بعد طلب دول أوروبية فرض عقوبات    جواب نهائي مع أشطر.. مراجعة شاملة لمادة الجيولوجيا للثانوية العامة الجزء الثاني    وزيرة الثقافة تشهد الاحتفال باليوم العالمي للبيئة في قصر الأمير طاز    إصابات في قصف مسيرة إسرائيلية دراجة نارية بجنوب لبنان    رئيس شؤون التعليم يتفقد لجان امتحانات الثانوية الأزهرية بالأقصر    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المحافظ جاى 000!!؟    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    وزير الخارجية القبرصي: هناك تنسيق كبير بين مصر وقبرص بشأن الأزمة في غزة    ملف رياضة مصراوي.. تصريحات صلاح.. مؤتمر حسام حسن.. تشكيل منتخب مصر المتوقع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى روضة القران الكريم (1) هلى الايمان فى حاجة الى معجزة !
نشر في شباب مصر يوم 18 - 04 - 2020


د/هانى عبد الفتاح شوره
السبب فى تسمية المعجزة بهذا الاسم ان الخصم يعجز ان يجابهها او يتحداها وهى كما عرفها العلماء: امر خارق للعادة يظهره الله على يد مدع النبوة بقصد التحدى. وهذا التعريف معناه ان المعجزة انما جاءت من أجل هدم المألوفات وتغير المعتقدات، ومن اجل ذلك كانت كل معجزة مؤيدة لنبى او رسول نابعة من جنس ما برع فيه اتباع هذا الرسول، وذلك حتى يتبدى المقصد من هذه المعجزة وهو التحدى والا فما معنى التحدى-وهو جوهر المعجزة- اذا لم يكن لدى اتباع الرسول خلفيات واضحة وارضية مشتركة من جهة هذه المعجزة، فليس من المنطق ان يتحدى عملاق مفتول العضلات مجموعة من الاقزام! او ان يتحدى عالم فى جراحة القلب مجموعة من المهندسين المدنيين فى اجراء جراحة لمريض يعانى من تصلب فى الشرايين ! والدليل فى ذلك معجزات موسى عليه السلام التى جاءت من جنس ما برع فيه المصريون من السحر والكهانة، لكن جوهر الفارق بين سحر كهنة فرعون وبين معجزات موسى ان سحرهم هو سحر تخييلى بدلالة قوله تعالى (قال بل القوا فاذا حبالهم وعصيهم يخيل اليه من سحرهم انها تسعى) اى انه فقط مجرد خداع بصرى من باب التخييل، لكن معجزة موسى ليس فيها تخييل، بل هى على وجه الحقيقة ولذلك قال تعالى (قال القها يا موسى * فألقاها فاذا هى حية تسعى) ولم يقل يخيل اليهم من سحره انها تسعى، وهذه هى الصدمة التى تلقاها سحرة فرعون واحدثت لديهم حالة من الارتباك الذى لم يكن عائقا امامهم من الاذعان للحق (فألقى السحرة سجدا قالوا امنا برب هارون وموسى) ولو كانت معجزات موسى السحرية مألوفة عندهم لما كان هناك معنى للتحدى لكنهم لما رأو ما جاء به موسى فوجدوه مخالفا لجنس ما يسحرون به اعين الناس اقروا له بالنبوة، وبعد زمان موسى عليه السلام كانت جميع معجزات انبياء بنى اسرائيل على هذا النسق فجاءت معجزات سليمان لتهدم الفلسفة السائدة يومئذ وهى الفلسفة الايونيه التى تميل الى تفسير جميع الظواهر تفسيرا علميا، وهى تعبر عن بداية التفكير الفلسفى بمعناه الضيق واهم ما يميزها هو محاولة تفسير الظواهر الطبيعية تفسيرا نظريا بعيدا عن التفسير الاسطورى، وقد عظمت هذه الفلسفة من شأن الاسباب الى الحد الذى معه انكرت كل تصور لا يقوم على اساس نظرى، فلما جاءهم سليمان بتلك المعجزات الباهره من فهم حديث الطير والحيوان وتسخير الرياح والجن الذين كانوا ياتون بالخوارق لم يكن من سبيل امام المعاندين من الاذعان للحق والرجوع الى الصواب.
ولا تختلف وجهة النظر الاسلامية عن الغربية فى تفسيرها لطبيعة المعجزة وقوة تاثيرها اذ يذكر Fredric Platt ان المعجزة هى لفظ دينى بالاساس ومن خلال استقراء وقائع دينية محددة نجد ان كلمة المعجزة فى اصلها الاشتقاقى تعبر عن حادثة نادرة من شأنها ان تكون مناقضة لسير الحوادث المألوفة وتفوق قوى الطبيعة والانسان او على الاقل ما نعرفه عن هذه القوى.
ومع الاعتراف بقوة تاثير المعجزة واحداثها لذلك الاثر العميق فى استمالة قلب وعقل المتلقي، الا ان دورها يبقى اقل تاثيرا من جوهر الرسالة ومضمونها والدليل فى ذلك ان كثيرا من دعوات المصلحين لاقت صداها –فى حينها – من دون معجزة مع انها دعوات ارضية تحتمل الصواب والخطأ، فالملايين التى التفت حول كارل ماركس لم يلتفوا حوله لانه كان ينفخ فى التراب فيحوله الى ذهب، ولكن فقط لانه جاءهم بجملة من الافكار التى لاقت قبولا لديهم فى ذلك الوقت فاعتنقوها وراحوا ينافحون عنها، ولانها افكار هى بالاساس ليست عادلة لم يكتب لها البقاء والاستدامة، وبعد ان انهارت افكار ماركس بسقوط الشيوعية راحت اضعاف الملايين التى كانت تدافع عن ماركس تصب وابل اللعنات على اليوم الذى جاء فيه ماركس الى الوجود!
"ولا يظهر للمتامل فى ايات القران الكريم التجاء نبى الاسلام صلى الله عليه وسلم الى سلطان المعجزات ابتداء، بل على النقيض من ذلك تماما اذ راح يؤكد ان رسالته لا تقوم عليها وان الاعاجيب ليست برهانا على صحتها ، وكان يعجب من اولئك العميان من خصومه المعاندين الذين كانوا يطالبونه باية فى الحاح عجيب" ولما كان الاسلام باعتباره ختام الرسالات جاء ليخاطب العقل والفطرة السليمة فنظر الى طلب المعاندين بالمعجزة الخارقة للعادة على انه عبث وتعبير عن جهالة وفقدان للعلم الصحيح وطمس للفطرة السليمة "وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله او تاتينا باية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الايات لقوم يوقنون، وفى ذلك يقول الشيخ محمد الغزالى أن ناسا تطلعوا الى معجزات حسية ، وطلبوا خوارق عادات من النوع الذى جرى مثله على ايدى الانبياء السابقين:"واقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءتهم اية ليؤمنن بها" ولكن رب العالمين لم يجب هؤلاء الى ما يطلبون،لان مهمة الدين ليست تجميد الطفولة العقلية لبعض الناس ولا السير مع جماعة من المنكرين والمعاندين لا يجدى شيء فى اقناعهم، بل وظيفة الدين ان يربى الناس بتفتيق عقولهم، وتهذيب طباعهم، والاستعلاء بغرائزهم،حتى يكونوا ربانيين حقا ...
وقد اجاب القران هؤلاء المقترحين او طلاب الخوارق الحسية قائلا:"اولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ان فى ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون" والله يعلم من طبيعة المشركين فى مكة أن خوارق العادات لو تنزلت عليهم ما امنوا بها لان عنادهم بلغ حدا غريبا، اليس من العجب ان يبلغ العناد- باصحابه- الحد ان يقولوا :"اللهم ان كان هذا الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب مبين" هل يدعو عاقل بهذا الدعاء؟ العاقل يقول: اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا اليه ووفقنا الى اتباع صاحبه والسير معه...
وبذلك تتبدى الاهداف السامية للمعجزات وان الدين من الممكن ان يقوم بلا معجزة وان الدعوة قد تجد اقبالا وترحيبا شريطة ان يكون المدعو منصفا، عاقلا، محايدا، متجردا من هوى النفس وجموح الشهوه وذلك بدلالة ان كثيرا من اصحاب الفطرة السليمة لم يكونوا يعاقرون الخمر فى الجاهلية قبل دخولهم فى الاسلام وقبل معرفتهم بحرمتها من امثال ابى بكر الصديق الذى لما سئل لماذا لا تشرب الخمر قال اصون عرضى واحفظ كرامتى فلما جاء الاسلام موافقا لهذه الفطرة السليمة كان ابو بكر الصديق من اوائل من سارعوا بالدخول فيه وغيره كثيرون، حتى الذين ظلوا يعاقرون الخمر بعد اسلامهم وقبل ان ينزل فيها تشريع جازم بحرمتها كانوا فى حيرة من امرهم يتساءلون: اذا كان الاسلام يدعوا الى مكارم الاخلاق وفضائل الصفات فلم ابقى على الخمر – فى بادىء أمره – ولم يحمل الناس على تركها بنص قاطع الدلالة فجاء معاذ بن جبل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله أن يبن لهم فى الخمر بيانا فانها مذهبة للعقل مسلبة للمال، لكن الاسلام الذى جاء يربى العقل على التفكير والنفس على النذاهة لم يكن متعجلا فى فرض التحريم دفعة واحدة، بل اراد لهذا العقل ان يستيقظ ذاتيا فيغدوا التحريم نابعا عن قناعة.
فان كان الامر كذلك فما تفسير حالة الارتباك والمعاندة التى تبدت لدى البعض مع اول ضؤ للاسلام؟ الى الحد الذى معه أنهم قدموا الاغراءات المادية والمعنوية حتى يتخلى صاحب الدعوة عن دعوته، فعرضوا عليه الملك والرياسة عليهم! وعرضوا عليه المال ليصبح اغناهم! شريطة ان تبقى الدعوة حبيسة صدره لا تتعداه! ثم لما لم يصلوا الى ماربهم بالمهادنة اعلنوها حربا صريحة لا هوادة فيها، يبذلون لها النفس والولد والمال!الاجابة قد تكون واضحة اذ أن هذه المعاندة لم تكن سوى نتيجة للاحساس بالخطر على هوى فى النفس من ضياع للزعامة والدليل فى ذلك الخطة التى حاكتها قريش بالاتفاق مع الوليد بن المغيره للتشكيك فى مصدر القران الكريم، وكان الوليد من اشعر العرب ان لم يكن اشعرهم على الاطلاق، وحين سمع ايات من القران الكريم فكأنما لانت نفسه فقالت قريش صبأ الوليد، ولتصبون قريش بعده، فبعثوا اليه أبا جهل يثير فيه النزعة الجاهلية، وطلبوا منه ان يقول قولا فى القران يبعد عنه الناس قال فماذا أقول فيه؟ فوالله ما منكم رجل اعلم منى بالشعر ولا برجزه ولا بقصيده ولا باشعار الجن، والله ما يشبه الذى يقوله شيئا من هذا، والله ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة، قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال : دعنى حتى افكر، فلما فكر قال: (هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره) وفى رواية اخرى قال قولوا: كاهن.
ويدعم ذلك التوجه ذلك الحوار الذى جرى بين ابى جهل والمسور بن مخرمه –وهو ابن اخته- حين قال له المسور: هل كنتم تتهمون محمدا بالكذب قبل ان يقول ما قال؟ فقال له ابو جهل: والله لقد كان محمد فينا وهو شاب يدعى الامين، فما جربنا عليه كذبا قط قال: يا خال! فما لكم لا تتبعونه؟! قال: يا ابن اخت تنازعنا نحن وبنو هاشم الشرف، فأطعموا وأطعمنا وسقوا وسقينا، وأجاروا وأجرنا، حتى اذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسى رهان قالوا منا نبى فمتى ندرك مثل هذا؟ وبهذه الاجابه يكون الوليد وابو جهل قد قدما المبررات المانعه من قبول الحق والتى ليس من بينها الجهل بطبيعة الدعوة ولا بسلوك الداعى، واذا بحثنا فى الاسباب المانعه من قبول الحق عند كل المعارضين لدعوات الانبياء سنجدها متقاربة بل تكاد تكون واحدة.
فان كان هذا هو التوصيف لطبيعة المعجزة فهل هذا ينطبق على القران الكريم؟ وهل كان من الممكن ان يؤمن العرب دون ما الحاجة الى كتاب يقراونه ويتدبرون اياته ويعملون بها؟ او باستبداله بمعجزة مادية اخرى من جنس خروج الشمس من مغربها او ان تنطق الحيوانات بلغة فصيحة مفهومة للناس جميعا، الاجابة بالقطع لا، وذلك لان معجزة القران لم تات فقط لالجام الخصوم أو اثبات عجزهم من جهة البلاغة والفصاحة وحسب حتى اذا امنوا لم يعد لهذه المعجزة قيمة ولا يضيرهم ان تبقى أو ان تزول، وهذا هو الفارق بين معجزات الانبياء جميعا بما فيها من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم المادية ومعجزة القران الكريم ، وما ذاك الا لان القران الكريم فوق انه معجز من جهة البلاغة والفصاحة فهو نهج جديد فى الاخلاق لم يألفه العرب، وهو دستور ومنهج لاصلاح الارض بعد فسادها، ويقظة للضمير الذى غيبته الشهوات وحظوظ النفس، وليس أدل على ذلك من مقالة جعفر بن ابى طالب بين يدى ملك الحبشه حين أراد عمرو بن العاص أن يوشى بالمهاجرين ليردهم الى مكة مرة اخرى، ولما كان النجاشى رجلا نابها لم يلتفت الى مطالب عمرو قبل ان يستمع الى دفاع جعفر، وكان بامكان جعفر أن يبرر وجود الاسلام استنادا الى لغة القران البليغه فيذكر له بعضا من لطائف القران وخطراته اللغوية المتفردة التى عجزت العرب عن بكرة ابيها عن الاتيان بشطر اية منه، لكنه لم يفعل ولم يلجا الى ايات القران الكريم الا حين استثار عمرو النجاشى بقوله انهم يقولون فى المسيح قولا عظيما، وهنا سال النجاشى جعفر ماذا تقولون فى المسيح يا جعفر؟ فتلى جعفر تلك الايات من سورة مريم ، لكن المبرر الاصيل الذى افتتح به جعفر دفاعه عن الاسلام انه دين يدعو الى مكارم الاخلاق ومحاسن الاعمال، وانه كان فيصلا بين حياتين، حياة الرزيلة وحياة الفضيلة " كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، يأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله عز وجل إلينا رسولا نعرف نسبه وصدقه، وامانته وعفافه، فدعانا الى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد واباؤنا من دونه من الحجارة والاوثان، وامرنا بصدق الحدي، واداء الامانة، وصلة الرحم،وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، واكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وامرنا ان نعبد الله وحده لا نشرك به يئا، وامرنا بالصلاة والزكاة والصيام.
حاصل ذلك ان معجزة القران العظيم ليست من جنس بقية المعجزات المادية محدودة المكان والزمان والغاية، التى يحتاجها المدعو لغاية فى نفسه، بل هو جوهر عظيم جاء ليصحح مسار البشرية ويدلهم الى الطريق الحق وهو معجزة المعجزات التى لا غنى للمدعو عنها فى كل زمان ومكان.
.. للحديث بقية ..
دكتور/ هانى عبد الفتاح شوره
مدرس بكلية التربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.