من صفات الله تعالي أنه حكيم عليم خبير منزه عن العبث في جميع تصرفاته سبحانه وتعالي ، والعقل الإنساني مهما كانت قوته فهي محدودة فهو يجهل كثير من أسرار مخلوقاته والتي لا تحصي في الأرض والسماء . إن وجود الحيوانات والطيور والحشرات النافعة والضارة في الكون بجانب الإنسان يجعل فيه حفظ للتوازن بين المخلوقات ومن العجيب في قسمة الرزاق التي وضعها الله تبارك تعالي لهذه الحيوانات والطيور والحشرات ، أن الأفعى تصيد العصفور لتأكله ، والعصفور يصيد الجراد ليأكله ، والعنكبوت يصيد الذباب ليأكله والقطط تصيد الفئران لتأكله والأسد يصيد الغزال ليأكله والثعلب يصيد الدجاج ليأكله ،وطائر الحداة يصيد الكتاكيت لتأكله ، والهدهد يصيد الديدان لتأكله والطيور الجارحة من صقور ونسور وغربان تأكل بواقي الحيوانات الميتة في الصحراء وفي المدن الزراعية وغيرها وهكذا كما أن وجود الطيور والحيوانات والحشرات فيه منافع اقتصادية للإنسان من عظام وجلود وشعر وريش ولحوم وفيها فوائد للإنسان من صناعات وملابس جلدية وطبية وغير ذلك . وأيضا ما تقوم به الحشرات من حمل اللقاحات للنبات المفيدة للإنسان في الأرض كما أن الحيوانات والطيور والحشرات آيات بيانات للذين كفروا ولم يشكروا نعمة الله في عصور الأنبياء والمرسلين عليه السلام قبل مجيء النبي الخاتم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم قال تعالي في كتابه الكريم ( فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ) سورة الأعراف الآية 133 . فلما أرسل الله سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم إلي الناس أجل حساب الناس في الآخرة وفي ذلك قال تعالي (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) سورة الأنفال الآيات 32 ، 33 . وقال تعالي في حق رسوله الكريم صلي الله عليه وسلم ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )سورة الأنبياء الآية 107 . وكذلك وجود الطيور والحيوانات والحشرات فيه منافع للباحثين في الطب والذين يدرسون الطب البيطري وما فيها من أجهزة عظمية وتناسلية وتنفسية وغيرها ودارسة أعضائها المختلفة وغير ذلك من الاستخدامات الأخرى من اكتشاف الأمراض المختلفة واختراع الدواء اللازم لها وحتى لا تتنشر الأمراض الفتاكة في البيئة الإنسانية ومن الحشرات النافعة للإنسان النحل الذي يخرج العسل ويكون شفاء للناس بإذن الله ودودة القز والتي يخرج منها الحرير وغير ذلك من الفوائد الكثيرة عند الحشرات والطيور والحيوانات المفيدة لكل البشر في الأرض . ومن المعلوم أن الطيور والحيوانات والحشرات تسبح الله تعالي في الصباح وفي المساء كل يوم قال تعالي في كتابه العزيز ( وإن من شئ إلا ويسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا )) الإسراء الآية 44 ومن الكلمات الطيبات والتسابيح الخاصة ببعض هذه الطيور والتي تسبح الله تعالي الأتي : فقد مر نبي الله سليمان عليه وعلي سيدنا محمد أفضل الصلاة والسلام علي طيور فقال سليمان عليه السلام لأصحابه الذين كانوا معه أما تدرون ما يقول طائر الهدهد قال لا يا نبي الله فقال سليمان يقول الهدهد ( من لا يرحم لا يرحم ). والطاووس يقول (( كما تدين تدان)). وطائر الحداة يقول (( كل شئ هالك إلا الله تعالي)). والببغاء يقول (( ويل لمن كانت الدنيا أكبر همه)). والديك يقول (( أذكروا الله ياغافلين)). والحمامة تقول (( سبحان ربي المذكور بكل لسان )). والخطاف وهو نوع من العصافير يقول (( قدموا خيرا تجدوه عند الله )). وطائر البازي يقول (( سبحان ربي العظيم وبحمده)) . وروي عن أحد الصالحين انه تحاور مع رجل فسأله عن آية في القرآن الكريم جاءت علي لسان حشرة واشتملت علي تسعة أشياء فيهم موعظة للناس وكذلك للحشرة وقومها . فقال الرجل الصالح أنها النملة قال تعالي (( قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون )) سورة النمل الآية 18 . فقال الرجل الصالح أن النملة نادت ( يا ) ونبهت ( أيها ) وعنيت ( النمل ) وأمرت ( أدخلوا ) ونصت ( مساكنكم ) وحذرت ( لا يحطمنكم ) وخصت ( سليمان ) وعمت ( جنوده ) واعتذرت ( وهم لا يشعرون ) . فقال السائل يا شيخ إنها نملة ذكية ولهذا ذكر الله تعالي قصتها في القرآن الكريم وخصص لها سورة باسم النمل . (( من كتاب قصص القرآن للشيخ كشك )). والله تعالي لما خلق الحيوان وجعل بعضها عدوا لبعض أعطي كل واحد إما قوة أو سلاحا يدفع بها عدوه كما للدواب وللسباع أو آلة يهرب بها كما للوحوش والطيور ، أما الوحوش فالآتها قوائمها ، وأما الطيور فأجنحتها ، ثم إن هذه الآلة اقتضت خفة الجثة إذا لو كانت الجثة كبيرة اقتضت كبر الجناح ، والجناح الكبير لا يحصل معه سرعة الطيران بل يكون طيرانه بطيئا لا يزيد علي سرعة المشي فلا يحصل الغرض المطلوب . ومن العجيب طيران الطير في الهواء وعدم سقوطه والهواء أخف منه وهو أثقل منه كما قال تعالي (( الم يروا إلي الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله)) سورة النحل الآية 79 . فلما اقتضت هذه الآلة خفة الجناح والجثة نقص منها أعضاء كثيرة توجد في غيرها من الحيوانات التي تلد وترضع ويخف عليها النهوض ويسهل الطيران كالأسنان والأذان والكرش والمثانة وخرزان الظهر والجلد الثخين . وإذا تأملت أخي الإنسان خلقة الطير وجدت نسبة قدامه إلي أسفله كنسبة يمينه إلي شماله ، فإن كان طويل الرقبة تطول أيضا رجلاه ، وإذا قصرت رقبته قصرت رجلاه ولو نتف ذنبي الطير لمال إلي قدام كالسفينة التي خف مؤخرها . قال الجاحظ رحمه الله (( كل طائر جيد الجناح يكون ضعيف الرجلين كالعصافير ،وإذا قطعت رجلاه لا يقدر علي الطيران كما إذا قطعت يد الإنسان فإنه لا يقدر علي العدو ، وكل طائر يعب الماء يزق فرخه ، ومن الطيور ما أعطي العجب في لونه كالطاووس والببغاء والنعام وأبي براقش . ومنها ما أعطي في حلقه كالحمام ، ومنها ما أعطي في حنجرته كالبلابل ، ومنها ما أعطيت العجب في تركيب أعضائها كالديكة واللقالق والكراكي ، ومنها ما أعطي في صنعته كالخطاف وهو نوع من العصافير . ومعني كلمة براقش الذي ذكر هنا هو طائر حسن الصوت طويل الرقبة والرجلين احمر المنقار في حجم اللقلق يتلون كل ساعة بلون أحمر وأخضر وأصفر وأزرق وفيه يقول الشاعر : (كأبي براقش كل لون ..... لونه يتخيل ) . من كتاب عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات للمؤرخ الجغرافي زكريا محمد محمود القزويني الأنصاري من القضاة توفي 682هجريا – 1283 ميلاديا ويمتد نسب هذا العالم إلي الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه . إن في مخلوقات الله حكمة بليغة وفي هذه الحيوانات والطيور والحشرات العبر والمنافع والدروس المستفيدة لكل الناس في كل زمان ومكان وفي النهاية نقول تبارك الله تعالي أحسن الخالقين في كل خلقه ومخلوقاته .