وزير الأوقاف يجتمع بمديري المديريات ويوجه بمتابعة جميع الأنشطة الدعوية والقرآنية    «شعبة الأسماك»: 50% ارتفاعًا بسعر الفسيخ عن العام الماضي.. والإقبال أقل من المتوقع    محافظ قنا يتفقد مزرعة الخراف لطرحها للبيع قبل عيد الأضحى    أبرز مستجدات إنشاء وتطوير الموانئ لتحويل مصر لمركز إقليمي للنقل وتجارة الترانزيت    الري تفتح الحدائق والمزارات أمام المواطنين في احتفالات شم النسيم    أحمد إمام يفوز بعضوية مجلس إدارة الاتحاد المصري لتمويل المشاريع المتوسطة والصغيرة    الأنباء الفرنسية: إسرائيل تقصف منطقتين طالبت بإخلائهما في رفح الفلسطينية    افتتاح دار واحة الرحمة في العاصمة الإدارية (صور)    نزوح أكثر من ألف أسرة بسبب الفيضانات في أفغانستان    باحث فلسطيني: صواريخ حماس على كرم أبو سالم عجّلت بعملية رفح الفلسطينية    رقم خرافي.. عرض قطري ضخم ل"علي معلول" يقربه من الرحيل عن الأهلي    فان دايك يكشف موقفه من الرحيل عن ليفربول نهاية الموسم    زياد السيسي يحقق ذهبية تاريخية لمصر في بطولة الجائزة الكبرى للسلاح    مع شم النسيم.. ضبط محل بحيازته سجائر أجنبية غير مصرح ببيعها بالإسكندرية    10 تعليمات من تعليم القاهرة لطلاب الصفين الأول والثاني الثانوي قبل الامتحانات    مصرع شخصين وإصابة 3 آخرين في حادث بالوادي الجديد    تعرف على إيرادات فيلم السرب ل أحمد السقا في خامس أيام عرضه    كيف دعم تركي آل الشيخ صديقه محمد عبده بعد إعلان إصابته بالسرطان؟    6 مشروبات مهمة يجب تناولها عقب وجبة الرنجة والفسيخ في شم النسيم    ختام فعاليات المؤتمر الرابع لجراحة العظام بطب قنا    معهد أمراض العيون: استقبال 31 ألف مريض وإجراء 7955 عملية خلال العام الماضي    حبس المتهمة بقتل زوجها بسبب إقامة والده معها في الإسكندرية    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    وزير الشباب يشهد "المعسكر المجمع" لأبناء المحافظات الحدودية بمطروح    «الصحة»: إجراء 4095 عملية رمد متنوعة ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    "دور المرأة في بناء الوعي".. موعد ومحاور المؤتمر الدول الأول للواعظات    متى يُغلق باب تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء؟ القانون يجيب    متروكة ومتهالكة في الشوارع.. رفع 37 سيارة ودراجة نارية بالقاهرة والجيزة    أسهلها الدفع أونلاين.. تعرف على طرق حجز تذاكر القطارات لكافة المحافظات (تفاصيل)    على مائدة إفطار.. البابا تواضروس يلتقي أحبار الكنيسة في دير السريان (صور)    5 ملفات تصدرت زيارة وفد العاملين بالنيابات والمحاكم إلى أنقرة    إيرادات علي ربيع تتراجع في دور العرض.. تعرف على إيرادات فيلم ع الماشي    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    في ذكرى ميلادها.. محطات فنية بحياة ماجدة الصباحي (فيديو)    لماذا يتناول المصريون السمك المملح والبصل في شم النسيم؟.. أسباب أحدها عقائدي    مفاجأة.. فيلم نادر للفنان عمر الشريف في مهرجان الغردقة لسينما الشباب    وسيم السيسي: قصة انشقاق البحر الأحمر المنسوبة لسيدنا موسى غير صحيحة    زيادة قوائم المُحكمين.. تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    طارق العشرى يُخطط لمفاجأة الأهلي في مواجهة الثلاثاء    جامعة أسيوط تنظيم أول مسابقة للتحكيم الصوري باللغة الإنجليزية على مستوى جامعات الصعيد (AUMT) 2024    الرئيس الصيني: نعتبر أوروبا شريكًا وتمثل أولوية في سياستنا الخارجية    هل أنت مدمن سكريات؟- 7 مشروبات تساعدك على التعافي    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    الشرطة الأمريكية تقتل مريضًا نفسيًا بالرصاص    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    موعد عيد الأضحى لعام 2024: تحديدات الفلك والأهمية الدينية    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    مقتل 6 أشخاص في هجوم بطائرة مسيرة أوكرانية على منطقة بيلجورود الروسية    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    رئيس لجنة الدينية بمجلس النواب: طلب المدد من ال البيت أمر شرعي    "احنا مش بتوع كونفدرالية".. ميدو يفتح النار على جوميز ويطالبه بارتداء قناع السويسري    بالصور.. الأمطار تتساقط على كفر الشيخ في ليلة شم النسيم    أول تعليق من الأزهر على تشكيل مؤسسة تكوين الفكر العربي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزعة الالتزام في مجموعة قصص " كبرياء" القصيرة جدًا.
نشر في شباب مصر يوم 31 - 08 - 2018


الملخص
سعيد مقدم كاتب وقاص أهوازي، قد اقترن اسمه بالقصة القصيرة جدًا في أوساط المجتمع الأهوازي، له مجموعة قصصية قصيرة جدًا تحت عنوان "كبرياء" وقصص أخرى منتشرة في مجلات أدبية وعربية. الأدب الملتزم، هو أن يحمل الشاعر أو الأديب هموم الناس الإجتماعية والسياسية ومواقفهم الوطنية وأن يقف بحزم لمواجهة ما يتطلبه هذا الأمر، ويصل إلى حد إنكار الذات في سبيل ما التزم به، ومن خصائص الأدب الملتزم الصراحة والوضوح والإخلاص والصدق والإستعداد من أجل التضحية في سبيل هذه المبادئ، وأن يتحمل تبعات ما يؤمن به وألا تغريه المغريات وألا يرهبه الترهيب. في هذا المقال يحاول الباحثان أن يدرسا و يبينا بأسلوب تحليلي نزعة الالتزام في المجموعة القصصية القصيرة جدًا "كبرياء" للكاتب القاص سعيد مقدم، هذه المجموعة القصصية تتشكل من مائة وخمسين قصة، جُل مضامين هذه القصص مضامين إنسانية نابعة من أعماق إنسان يعيش المعاناة والحرمان، ومن خلال عناوين القصص يمكن للقارئ قبل الباحث أن يستلهم الالتزام والقيم والمبادئ التي يؤمن بها الكاتب ونادرًا ما نجد في عصر الحداثة والإنغماس في الذات عزوفًا مثل هذا العزوف عن الذات وتماهياً وانصهاراً مع معاناة الإنسان المضطهد بشكل إنساني وبلغة بينة وصريحة دون أن يغازل ظل الظالم وبعيدًا عن الإنتماءات الفكرية أو اعطاء وصفات وحيانية للتخلص من هذه المشاكل، بل يُظهر المشكلة ويترك التحليل للقارئ اللبيب.
الكلمات الرئيسة : الأدب الملتزم، القصة القصيرة جدًا، كبرياء، سعيد مقدم.
المقدمة
الالتزام قد وجِد في الأدب منذ القدم، و لكن تختلف مستويات مفهومه من ثقافة إلي أخري ومن زمن إلي زمن؛ حيث الظروف تلعب دورًا في تحديده وتأطير مستوياته؛ لكنه حديثًا يُعرّفون الأدب الملتزم، بالأدب الذي يحمل هموم الناس الإجتماعية والسياسية ومواقفهم الوطنية وأن يقف بجزم لمواجهة ما يتطلبه هذا الأمر. فهناك اختلاف بين الأدب الملتزم والأدب الملزم، إذ يقول أحد الكتّاب إن«الأدب المُلزَم هو أدب محض "بايديولوجية"؛ أما الأدب الملتزم قد يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقيم الإنسانية وقد كان مواكبًا للفكر وتاريخه عبر العصور القديمة وكذا نابع من أعماق النفس البشرية»(العرباوي، د ت: 5). فبهذه المقولة اتضح لنا أن البون شاسع بين الأدب الملتزم والمُلزم. وهناك رأي حول الكاتب «وليس الكاتب بكاتبٍ لأنه اختار التحدث عن بعض أشياء، بل لأنه اختار التحدث عنها بطريقة معينة» (سارتر، د ت: 24). فأهمية الأسلوب لا تقل من أهمية الكتابة وقد تكون أهم علي الأرجح، بل هي المعيار لتَقييم الكتابة. ونفس هذا الكاتب له رأي آخر حول الكاتب «فإذا تكلم فإنما يصوب قذائفه، في مِكنَتهِ الصمت، ولكنه إذا اختار أن يصوب فيجب أن يكون له تصويب رجل يرمي إلي أهداف، لا تصويب طفل علي سبيل الصدفة مغمض العينين ومن دون وعي سوي السرور بسماع الدوي». (المصدر نفسه، د ت.23-24 ). هل يصح القول كما يقول بعض الكتاب بأنهم يكتبون لأنفسهم، إذن ما الجدوي من إشراك الناس بكتاباتهم وأيضا لماذا يكتبون أموراً يمكنهم أن يعيشوها متي ما أرادوا. «إذن ليس بصحيح أن المرء يكتب لنفسه، وإلا كان ذلك أروع فشل. وإذا شرع المرء في تسجيل عواطف نفسه علي الورق، فمبلغ جهده أن يستديم هذه العواطف في نفسه وهي واهية ضعيفة». (المصدر نفسه، .د ت. 49). هل الالتزام هو أن يؤيد الأديب الفكرة دون أن يسعي وراءها أو يكون ملتزمًا بالمبادئ التي يكتب عنها.«الإلتزام ليس مجرد تأييد نظري للفكرة، وإنما هو سعي إلي تحقيقها» (العرباوي، د ت: 4) هل يأتي الأدب الملتزم في سياق أوامر وتوجيهات أو أنه يُظهر الجوانب المرادة ويدع القارئ أن يفكر ويتخذ القرار بنفسه. أشار إلي ذلك محمد أمين العالم بقوله: «إن الأديب الملتزم فكرًا وتنظيمًا لا ينعكس التزامه في أدبه في شكل واجبات وأوامر وتوجيهات بل في عمق إبداعي أصيل» (كاظم، د ت: 2). إن الكثير من الأدباء والكتاب الذين تعتريهم نزعة الالتزام، قد يكون نتاجهم يشوبه العاطفة الجياشة فبذلك نتاجهم لا يثمر ذلك الثمر المطلوب من شجرة الالتزام «لأن العواطف القوية المشبوبة لا يمكن أن تصحب الخلق الفني، لأنها تعوق التفكير والتأمل اللذين يستلزمهما إلي العمل الفني» (ساتر، د ت: 49). والباحث من خلال هذا البحث يريد أن يبين نزعة الالتزام في مجموعة "كبرياء" القصصية القصيرة جدًا للكاتب سعيد مقدم( أبو شروق) ومحاولة فهم رؤيته للأمور من خلال قصصه القصيرة جدًا ويدرس في تحليل توصيفي لدراسة مجموعة مختارة من قصصه، التزامه الذي شمل الإنسان بشكل عام و مجتمعه بشكل خاص.
القصة القصيرة جدًا في الأدب العربي لا يزال الحديث عنها لم ينته ولم تحسم الآراء لتحديد ماهيتها، فهي ما بين رافضٍ ومؤيد لها ولكل من الطرفين آراؤه وهناك مَن لم يعط رأيه في هذا النوع من الجنس الأدبي الجدلي، فمن يرفض هذا الجنس الأدبي يستدل بأنها تنحدر من القصة القصيرة، ومن يؤيد هذا الجنس الأدبي يقول بتمييز هذين الجنسين وأن للقصة القصيرة جدًا سمات وأركاناً تتميز بها عن باقي الأجناس الأدبية الأخري؛ منها: «الحكائية، الحجم القصير جدًا، التكثيف، التنكير، فعلية الجملة، الدهشة، المفارقة، الحذف، الإضمار، انتقاء الأوصاف، الإقتضاب، الومضة والشذرة» (جميل حمداوي، 2016: 23). هناك شروط لا تكون ثابتة في القصة القصيرة جدًا بل ثانوية تشترك فيها مع الأجناس الأدبية الأخري؛ مثل: «التناص، التفاعل، انفتاح الجنس، الإستعارة، الأنسنة، التشخيص، الأسلبة، الإيحاء والإنزياح» (المصدر نفسه، د ت: 23). ومما لاحظنا أن بعض الآراء تقول بأن هذا الجنس الأدبي ليس وافدًا جديدًا وأن قِدمته قِدم الإنسان نفسه؛ «لم تكن القصة القصيرة جدًا نصًا أدبيًا طارئًا لأنها وجِدت مع وجود الإنسان علي البسيطة؛ كما تجلت في النقش والمثل والحكمة والطرفة والخاطرة وغيرها». (حسين المناصرة، 2015: 10).
التعريف بالكاتب
ولِد الكاتب القاص سعيد مقدم المكني ب "أبو شروق في المحمرة _الأهواز عام 1971 ودرس الصف الأول الإبتدائي في مسقط رأسه ثم هاجر مع أهله بعد ما اندلعت الحرب إلي قري مدينة الجراحي ثم إلي الأهواز حيث تابع دراسته هناك. رجع إلي المحمرة بعد أن وضعت الحرب أوزارها، امتهن مهنة التدريس في دائرة التربية والتعليم بمادة الرياضيات. تعلم اللغة العربية بجهود ذاتية. كتب القصة القصيرة جدًا وأجناس أدبية أخري. صدر له مجموعة قصص قصيرة جدًا بعنوان "كبرياء" عام 2016 وأيضًا كان حَكمًا في مسابقة فصلية للقصة القصيرة لدورة يونيو 2016 التي أقيمت في الكويت وأيضًا كان حَكمًا في مسابقة مثيلة أقيمت في مصر عام 2013. قد نُشرت له قصة في كتاب "كنوز القصة" الذي طُبع في مصر واحتوي بين دفتيه قصصًا من 115 كاتبًا من أقطار عربية شتي عام 2015. جُل قصص سعيد مقدم تحمل هموم الإنسان بشكل عام ومجتمعه بشكل خاص، و إنها مليئة بمفاهيم عميقة. وإن كان القارئ المبتدئ قد يظن أن قصصه سهلة إلا أنه لا شك في امتناعها، وبإمکان القارئ المتمعن أن يُلاحظ أن القاص قدم المعني علي المبني، والمضمون علي الجمالية اللفظية. القاص عمل جاهدًا لإيصال رسالته وتجنب إضفاء آرائه الشخصية بل تكلم في أمور لا يمكن ردها؛ بل يتفق عليها كل إنسان ذي وعي.
عن خلفية بالبحث هذا، لوحظ أنه لا توجد أي دراسة أو مقالة أو رسالة جامعية كتبت حول أدب هذا القاص؛ لكن هناك الكثير من الدراسات والمقالات والطروحات الجامعية التي كتبت حول القصة القصيرة جدًا والأدب الملتزم والالتزام في الأدب؛ علي سبيل المثال نأتي ببعض منها: جان بول سارتر في كتابه "ما الأدب" تناول الالتزام في الأدب ويُعد هذا الكتاب من أهم الكتب التي تزق الأدب الهادف أو الأدب الملتزم. رجاء عيد في كتابها "فلسفة الالتزام في النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق" وقفت عند حدود معني الالتزام لدي الواقعيين الاشتراكيين والوجوديين. محمد حسين هيكل في كتابه "ثورة الأدب" تطرق إلي الطغاة وحرية القلم والأدب والأديب. رئيف خوري في كتابه "الأدب المسئول" يعتقد بأن ينبوع القوة في الحركة الأدبية إنما هو الشعب وإلتزام الكاتب وعنايته به. ثم هاجر العرباوي في كتابها "موقف الالتزام والإلزام من الأدب" تحدثت عن الفرق بين الالتزام والإلزام.
دلالة العناوين في مجموعة "كبرياء" القصصية القصيرة جدًا
مُتتبعو القصة القصيرة جدًا يعرفون جيدًا أهمية العناوين. اختيار العناوين للقصص القصيرة جدًا لم يأتِ اعتباطيًا وإن ظن الکاتب إن الأمر کذلک، إذ يفكر أحيانا أنه اختار العنوان عفويًا، لأن «العنوان يُعد في أي خطاب إبداعي دلالة سيميائية محورية» (حسين المناصرة، 2015: 10). إختيار العناوين للقصص من قاموس مفردات الكاتب الذي اختزن في ذاكرته أو بالأحري الأمور التي أخذت حيزًا من فكر هذا الكاتب هي المشرحة لتكون موضوع القصة أو العنوان، لأن أول ما يتبادر إلي ذهن الكاتب هي الكلمات الرئيسة للفكرة التي يرنو إليها أو التي شغلت ذهنه؛ أي أنه يكتب عن المُفَكر فيه ولا يتصدر قصصه إلا المُفكر فيه وإذا أمعَنّا في عناوين الكثير من القصص لوجدنا أن بالإمكان أن نُرشح عناوين أخري أكثر انسجامًا مع النص؛ لكن تحديد هذه العناوين يرتبط إرتباطًا وثيقًا بطريقة تفكير الكاتب واهتماماته. سنلحظ علي سبيل المثال؛ لا الحصر، هذا الأمر في أحد العناوين من مجموعة قصص "كبرياء" القصيرة جدًا.
امرأة
حاصرها الفقر من كل الجهات،
قاومته،
صرعها، صرعته، صرعها ثانية ....
كان نزالا صعبا ..... أوشك أن يسقطها؛
لكنها انتصرت عليه؛
وولّي هاربا يجر أذيال الخيبة والهزيمة.
(مقدم، سعيد، 2016، 18)
هذه القصة تصور لنا حياة امرأة تعيش حالة صراع مع الفقر؛ صراع مع طاغية خضعت له رقاب الكثير. لكن هذه المرأة خاضت سجالاً مع هذا الوحش وتغلبت عليه بقوة شخصيتها وإرادتها. عنوان القصة هو "امرأة" من سياق النص يفهم القارئ بكل سهولة أن الحديث عن امرأة. في هذا النص يمكن للكثير من العناوين أن تكون عنوانًا له؛ مثل سجال، صراع، عزيمة، انتصار، الفقر وغيرها من العناوين، بسبب سجالها في مواجهة الفقر أو صراعها الدائم معه أو عزيمتها التي جعلت العدو يجر أذيال الهزيمة. هنا لسنا بصدد مناقشة العنوان الذي ينسجم مع النص بل بصدد تبيين دلالة العنوان المختار. فعنوان "امرأة" لنص بهذا المضمون يحمل أكثر من تأويل، عندما الكثير يقدم ما يقدم ليتخلص من الفقر، أناس يُحسب لهم. تجد امرأة تدخل الحرب معه وتهزمه. هذه المرأة علي الأرجح هي المرأة المثالية التي خلقها الكتاب في عالمه، امرأة لا تستكن للفقر ولا تشكو بل تناضل. دلالات هذا العنوان رسالة للذين باعوا أنفسهم ليتجنبوا مواجهة الفقر وما يصحبه من كوارث. فربما أراد الكاتب أن يقول هذه هي المرأة، المرأة التي يراها البعض كما ينسجم وفكرتهم لا كما يليق بها وبدورها في الأسرة و المجتمع. فقصة "امرأة" قصة هادفة تظهر التزام الكاتب في النضال من أجل الكرامة والقيم والمبادئ وأن الظروف مهما كانت صعبة لابد من الثبات والعزيمة.
حقول العناوين في مجموعة "كبرياء" تنقسم إلي عدة أقسام بين حقل الإنسان والمشاعر والممارسات والتصرفات والظواهر والأشياء.
حقل الإنسان؛ مثل: أب، امرأة، الواعظ، أرملة، الفلاح، الكاتب، اللص، أم، حبيبتي، داعية، شاعر وغيرها.
حقل المشاعر؛ مثل: كبرياء، حسرة، العلو، الصبر، رجاء، خبث، خيال، تأثير، عقدة، كبت، أمنية، الحرية وغيرها.
حقل الممارسات والتصرفات؛ مثل: إغواء، جريمة، صلة، براعة، تراجع، ثبات، توار، ثورة، رعاية، صفعة وغيرها.
حقل الظواهر والأشياء؛ مثل: الحبل، الراتب، القطار، العلبة، أشياء، وليمة، القناع، حمامة، ألوان وغيرها.
في مجموعة "كبرياء" تكثر الدلالات في القصص فلا يمكن الاعتماد علي العناوين كثيرًا لفهم مضمون القصص وتحديدها تحديدًا كاملًا لأن الكثير من عناوينها كنائية أو كلية بحيث تلفت انتباه الأشخاص الذين يحملون نفس اللقب الذي تحدث الكاتب عنه؛ مثل "داعية" و"شاعر"(مقدم،2016، 91،66) البعض من العناوين يلقي التهكم بفعلة شخصية القصة؛ مثل "التزام"( مقدم، 2016، 52). ومما لوحظ في المجموعة أنه لا توجد ظاهرة جلد المجتمع أو النقد القاسي في المجموعة ومما يُلحظ أن الكاتب صوَّر الكثير من القصص لأشخاص قد قدمهم إلي المتلقي ليكونوا أسوة، فضرب لنا مثلًا في الأدب الملتزم من خلال العناوين والمضامين كما أشرنا إليها سالفًا.
القصة الناقدة والقصة المُحَفِّزَة والقصة المأساة:
بعد قراءة متمعنة للقصص في مجموعة "كبرياء" يظهر للقارئ أن القاص نقد بعض الظواهر المذمومة التي تخالف المبادئ والقيم وأما القصص المحفزة فتظهر فيها رسالة واضحة وجلية وأن الكاتب حاول تقديم الأسوة في هذه القصص، ولقصة المأساة حظ وفير لأن المآسي تحيط بالمجتمع الأهوازي بشكل ممنهج، سَنورِد في دراستنا مختارات من هذه التقسيمات الثلاثة بغية تحليلها.
القصة الناقدة:
هي القصة التي تنقد عملًا ما أو ظاهرة ما بغية إظهارها أو إصلاحها. مستوي النقد ونوعه في هذه القصة يختلف بإختلاف القناعات والثقافات والانتماءات. نقاد القصة القصيرة جدًا صبّوا جُل اهتمامهم علي القضايا الفنية والتجنيسية لهذا الجنس الأدبي ولم يهتموا كثيرا بالتقسيمات المضامينية له. القصص النقدية في مجموعة "كبرياء" تصب في دائرة الأدب الملتزم والذي يرنو إلي الإصلاح والبناء لا النقد الضيق الذي ينظر للمجتمع من ثقب الباب. نأتي بأمثلة منها:
الواعظ
تَرَجَّلَ عن سيارته الفخمة وتقدم الطابور وأمر الخباز أن يناوله خمسين خبزة.
كان صوته مبحوحًا؛ البارحة كان يخطب فينا حتي منتصف الليل حول مراعاة حقوق الآخرين.
عندما ننظر للعنوان والنص يتبين لنا السر الكامن في هذه العَنوَنة، الصفة الأكثر رواجًا بين الوعاض هي الإزدواجية، مظهر علي المنبر وآخر في الواقع المعاش؛ «كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» (الصف/ 3). القاص لم يدخل في الصراع مع الدين أو الوعظ نفسه، بل نقد المتشدقين بهما زورًا، لأن المأمول من الواعظ أن يكون الأسبق في تطبيق ما يقوله وإن المرء سفير عقيدته بفعله وليس بقوله.
السمات الفنية: غلب علي القصة الأسلوب التقريري.
الكاتب
أراق دم القلم لكتابة مقال؛
اعتُقِلَ بتهمة القتل.
(مقدم، 2016، 22)
قصة ناقدة أخري تصور لنا بإيجاز بليغ جدًا ما يتعرض له الكاتب في مجتمعه. الكاتب والقلم والاعتقال هذه الثلاثية دائمًا مرافقة الكتَّاب الذين يلتزمون بقضايا مجتمعهم ونقاشه. سعيد مقدم (ابو شروق) يقدم للقارئ حقيقة ما يكابده الكتَّاب الملتزمون الذين نذروا أنفسهم لمجتمعهم وما يعانيه، فهؤلاء الكتاب هم من بواسطة أقلامهم يتحررالمجتمع مما يعانيه. «الفنان يتصدي لمشاعر القلق والظلم والتمزق وغيره مما أصبح سمة عصرنا، وهو مع ذلك وفي كل ذلك لا يتمثل ذاته بقدر ما يتمثل ذوات الآخرين الملتصقين بلحمه وعظمه وهو يضمد جراح الانسانية» (رجاء عيد، 1988: 6).
السمات الفنية: الاقتضاب والحذف و الإستعارة.
القصة المُحَفِّزة:
هي تلك القصة التي تحمل في طياتها مبادئ وقيم انسانية أو تروي لنا جانبًا من شخصيات ناضلوا من أجل غاية نبيلة. الجانب الإنساني في هذه القصص هي الغالبة وإذا نراجع الأدب القصصي نلاحظ أن القصة المُحَفزة شأنها شأن القصة الناقدة في قضية المفاهيم المستفاد منها في طرح القضايا؛ ربما في ثقافة ما يُحَفَّز أمر ما و لكن في ثقافة أخري لا يُستحسن هذا الأمر، إلا الأمور التي يُتفق عليها مثل القضايا الإنسانية كالصدق، العدالة، الاحترام، الحب، الحرية وغيرها، فالقصة التالية تكون منتخبًا ممتازًا لها:
رصيد
أشبعها حبًا، سُجن لفترة طويلة، لم تستطع التحرشات
أن تُخضعها...
مخزون حبه يكفيها إلي أن تنتهي محكومتيه.
القصة تتحدث عن حياة ملؤها الحب والحنان، سُجن الرجل لأسباب، عندما يكون الحديث عن التحرشات بالنسبة لزوجة سجين فعليك أن تتصور الكثير من الأمور، بدءً من حضورها لرؤية حبيبها في السجن إلي ما تتعرض له من مآسي في المجتمع، طالما تلك النظرة المشبعة بالجهل، التي تزيد المرء علي ما يلاقيه من الآم موجودة، غير مفرقين بين الأسباب التي أودت بالشخص إلي السجن، فهي رغم كل ما تلقته من مآسي متشبثة بحبها...
السمات الفنية: بداية القصة استخدم أسلوب التكثيف والنهاية كانت تقريرية.
قصور
في وسط الزحام حضنتني،
قبلتني بحرارة وشمَّتني بشهيق طويل: لِما هذه القساوة يا ابن أخي؟
منذ أعوام وأنت لم تزرني؛
لم أقل لها أنك مخطئة؛ بل أضفت إلي برنامجي الأسبوعي زيارة عمتي الجديدة.
(مقدم، 2016، 93)
قصة هادفة أخري؛ تتحدث عن موقف يحدث لشاب مع امرأة متعبة شبه عليها الأمر فظنت أنها رأت ابن أخيها؛ فراحت تقبله وتعانقه وتعاتبه. تفاعل الشاب مع العجوز في اللحظة، بل وضع زيارة هذه العجوز ضمن واجباته الأسبوعية مسميًا إياها عمته الجديدة، ما حدث في هذه القصة حالة إنسانية بإمتياز وأن المتلقي يشعر في صميم قلبه أن الحياة فيها ما يستحق الأمل لتكون أجمل.
السمات الفنية: غلب علي القصة الأسلوب التقريري.
القصة المأساة:
هي القصة التي نهايتها تكون مفجعة وتكون مؤثرة جدًا في نفس المتلقي لِما تحمله من كم هائل من العاطفة التي تلامس دواخل الإنسان لأن الإنسان بشكل طبيعي يتفاعل مع القصص التي تثيرالحزن والأسي تاركة أثرها البالغ فيه. سعيد أبو شروق حاول أن يرسم لنا بعض المآسي التي يعيشها المجتمع.
جزاء
حرص أن يزوجها في مكان مريح ولعريس يستأهلها،
ولهذا رفض الكثيرَ من شباب القرية الذين تقدموا لخطبتها، وأصر علي أن يزوجها في المدينة.
اليوم عندما زارها بعد طول فراق، جهمته؛ وبعد أن شيعته ببرود، حممت أطفالها، غسلت سجادها،
عقمت بيتها ... .
(مقدم، 2016، 57)
رجل يحاول أن يزوج ابنته في مكان فيه الرفاهية والمال، رفض العديد ممن طلبوا يدها من شباب القرية، تزوجت في المدينة كما أراد لها، ذهب ليراها عاملته ببرود، إنه جزاء ما رمي إليه، لم يكن يرقب بمن خطبها من أبناء القرية لأنه يري أنهم لا يستحقون الزواج منها، أنه عُومِلَ بالمنطق الذي عامَل فيه الآخرين، لكن المأساة هي أن التي عامل الناس من أجلها بذلك النحو هي بدورها عاملته بنفس المنطق، قد يكون جزاء تفكيره هذا الذي تلقاه من ابنته، فهو الذي أراد لها هذه الحياة، ربما تعريفه للمكان المريح كان خطأ.
السمات الفنية: بداية القصة كانت تقريرية إلا أن النهاية استخدم أسلوب التكثيف.
أب
خاطبت أمها وهي تضم دميتها المتهالكة إلي صدرها بقوة:
لقد تم العزاء وقلتِها بلسانك أن أبي لن يعود ثانية
فمن يشتري لي الدمية التي وعدني بها؟!
اليوم عاد أخوها ذو السبعة أعوام متأخرًا من المدرسة......يحمل حقيبته وعلبة.
سطرت هذه القصة القصيرة جدًا "أب" معاناة ومأساة شريحة غير قليلة في المجتمع، عائلة مُعدَمة؛ الأب يرحل تاركًا زوجته وبنتاً صغيرة وابناً في السابعة من عمره. البنت الصغيرة لم تدرك معني رحيل والدها سوي الوعد الذي واعدها أن يشتري لها دمية جديدة غير دميتها المتهالكة، الأم تعي ما ينتظرها من مَشقَّات وشدائد في تأدية ما عليها من واجبات، أنها لا تزال مفجوعة لرحيل رفيق حياتها، الأخ ذو السبعة أعوام يسمع حديث أخته، اليوم الآخر يرجع متأخرًا من المدرسة حاملًا حقيبته وعلبة؛ العلبة دائمًا كانت رمز الفقر في المجتمع الأهوازي، أصبح مشهد الأطفال والنساء الذين يجمعون العلب من الضواحي مشهدًا مؤلمًا يعصر الضمير الإنساني، يبدو أنه أخذ علي عاتقه أداء وعد أبيه. هذا هو ظاهر النص، لكن الحقيقة هي أن هذا الطفل لبس تاج الرجولة مبكرًا، أنه وقف في بداية طريق محفوف بالأذي والحرمان، أذي عمالة الأطفال والحرمان من أن يعيش طفولته كما يجب أن يعيشه أي طفل في مثل عمره.
السمات الفنية: أسلوب القصة تقريري إلا أن نهاية القصة اقتضاب واختزال شديدان.
النتيجة:
بعد دراسة مجموعة قصص "كبرياء" القصيرة جدًا، والإتيان بمنتخبات من هذه المجموعة وتحليلها تحليلًا وصفيًا وبالإعتماد علي خصائص الأدب الملتزم أو المسؤول أو الهادف، ومما لوحظ في هذه المجموعة القصصية أن نزعة الالتزام استغرقت كل القصص إلي أبعد مدي، سنذكر بعض الخصائص التي تثبت الالتزام في أدب سعيد مقدم ( أبو شروق).
1.قصصه التي ترسم معاناة المجتمع من فقر وحرمان وفقدان للعدالة وأن الكاتب لم يكن انتقائيًا في طرح المعاناة بل كان شموليًا بعيدًا عن الذاتية.
2. لم يكن طوباوي الفكر وإن همه لم يكن كما وقع فيه الكثير من الأدباء حول أمور وجدانية شخصية لا تغني ولا تسمن ولا تنفع إلا للفضفضة بل تحدث عن أمور مسكوت عنها وقد يجدها الكثير غير لائقة لتملئ أوارقهم الأدبية لِما فيهم من نزعة الفن للفن.
3. تحدث عن قضايا مجتمعه الهووية وما يعانيه كتاب شعبه من تهميش وإقصاء.
4. وأما قضية العصر الشائكة التي أصبحت من مستلزمات كل من مسك القلم وكتب، هي قضية المرأة، كتب عن المرأة في كثير من قصصه لكن برؤية خاصة تختلف كل الاختلاف مع من كتبوا عن المرأة في الأدب العربي، لم يكن يشغل فكره قضايا المرأة المزيفة المصطنعة بل تحدث عن كرامتها، قوتها، تأثيرها، وعن نضالها، وأنها تهزم الفقر بعزيمتها، لا كما ذهب الكثير يبرر ضعفها أو بالأحري يرسخ لهذا المفهوم المزعوم.
5. لم تقرأ قصة من هذه المجموعة إلا و فيها رسالة إما لنقد مذموم أو تحفيز مطلوب أو رسم مآسٍ لم يلاحظها إلا القلائل من ذوي النباهة.
المصادر والمراجع:
القرآن الكريم، سورة الصف، آية3.
عيد، رجاء، فلسفة الالتزام في النقد الأدبي، مصر، منشأة المعارف، 1988.
جان بول، سارتر، ما الأدب، مصر، نهضة مصر، د ت.
العرباوي، هاجر، موقف الالتزام والإلزام من الأدب، جامعة أبوبكر بقايد، د ت، تلمسان الجزائر.
كاظم، حامد، الالتزام في القصيدة العربية الأندلسية، د ت، جامعة واسط، العراق.
حمداوي، جميل، القصة القصيرة جدًا وإشكاليات التجنيس، المغرب، 2016.
المناصرة، حسين، القصة القصيرة جدًا، (رؤي وإشكاليات)، الأولي، الأردن، عالم الكتب، 2015.
مقدم، سعيد، كبرياء،( 2016)، الأهواز، هرمونيطيقا للنشر والتوزيع، النشر جمعية الهلال الثقافية، الطبعة الأولي.
المرسل - سعيد مقدم أبو شروق - الأهواز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.