الإستراتيجية مصطلح عسكري يعني فن استخدام الإمكانيات والموارد المادية والمعنوية بطريقة تؤدي الى تحقيق الأهداف المرجوة في اقصر وقت ، واقل جهد ، واقل تكلفة ، وكلمة إستراتيجية في الأصل كلمة يونانية وتعني فن قيادة القوات ، وقد عرف الجنرال والمؤرخ الحربي البروسي كارل فون كلاوزفتز ( 1780 – 1831 ) الإستراتيجية بأنها فن الاشتباك من اجل تحقيق الأهداف الحربية ، وقد تركت كتاباته في الفلسفة والتكتيك والإستراتيجية أثرا عميقا في المجال العسكري الغربي . وخاصة أطروحته الذي يقول فيها أن الحرب شكل من إشكال السياسة ولكن بوسائل أخرى ، لأن هدف الحرب هو نفسه هدف السياسة في تطويع إرادة طرف لصالح إرادة الطرف الأخر . ولذلك حظي كلاوزفتز بمكانة هامة باعتباره حجر الزاوية في الفكر الاستراتيجي الحديث الى جانب الجنرال والفيلسوف الصيني القديم ، وصاحب كتاب فن الحرب صن تزو (696 ق م - 551 ق م ) الذي يقول فيه ان فن الحرب والانتصار في الحرب محكوم بخمسة عوامل ثابتة ، وهي القانون الأخلاقي ، والسماء ، والأرض ، والقائد ، والطريقة والانضباط وقيادة وتنظيم الجيش . وقد سار على نفس النهج في تعريف الإستراتيجية كبار القادة الاستراتيجيين في العالم الغربي ، والعالم الشرقي ، والعالم الثالث ، ومن أبرزهم القائد الفرنسي ليتريه ، والقائد البروسي هلموت فون ملتكه قائد معركة كوينغ غراتس في عام 1866 ، والجنرال البروسي كولمار فون در كولتس القائد الألماني في الجيش العثماني ، والكاتب العسكري الفرنسي فرديناند فوش الذي كان يطالب بشروط سلام من شأنها أن تجعل ألمانيا غير قادرة على تشكيل أي تهديد لفرنسا مرة أخرى ، ومن كلماته المشهورة بعد توقيع اتفاقية فرساي ( هذا ليس سلام ، انه هدنة لعشرين عاما ) وبالفعل بدأت الحرب العالمية الثانية بعد حوالي عشرون عاما بعد اتفاقية فرساي ، ومن أقواله أيضا ( الإستراتيجية هي فن حوار الإرادات التي تستخدم القوة لحل خلافاتها ) ، وباسيل هنري ليدل هارت أعظم الكتاب العسكريين في القرن العشرين ، وخاصة في موضوع تطوير حرب الحركة ، والخبير العسكري العالمي الفرنسي اندريه بوفرالذي زار الجبهة المصرية بدعوة من محمد حسنين هيكل بعد حرب تشرين وقال عبارته المشهورة ( لقد حاربتم بأكفأ مستوى يعرفه العصر ، وما أقدمت عليه إسرائيل في الدفرسوار ليس سوى مغامرة تلفزيونية للحفاظ على ماء الوجه ، ومحاولة إزالة الوحل والعار الذي لحق بجيشها ) وذلك بالإضافة الى عدد كبير من القادة والمفكرين الاستراتيجيين العسكريين وخاصة ايوريه وبيير غالد وروبرت ماكنمارا وزير الدفاع في عهد الرئيس جون كيندي وغيرهم من الاستراتيجيين الأوربيين ، والاستراتيجيين الأمريكيين ، وقد عرف دليل ضباط أركان القوات المسلحة الأمريكية في عام 1959 الإستراتيجية بأنها ( فن وعلم استخدام القوات المسلحة للدولة من اجل تحقيق الأهداف السياسية العامة عن طريق استخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة . والاستراتيجيين الشرقيين وخاصة لينين الذي قال ان الإستراتيجية الصحيحة هي تلك الإستراتيجية التي تتضمن تأخير العمليات الى الوقت الذي يسمح فيه الانهيار المعنوي للعدو للضربة القاتلة بأن تكون سهلة وممكنة ، وماو تسي تونغ الذي قال ان الإستراتيجية الصحيحة هي دراسة الوضع الكلي للحرب ، وكوزولوف الذي عرف الإستراتيجية بأنها عملية خلق الوسائل العسكرية التي تمكن السياسة من تحقيق الأهداف . وهكذا نرى ان هناك قاسم مشترك بين كل المفكرين الاستراتيجيين في الغرب والشرق ، هو أن مفهوم الإستراتيجية ولد في ميدان العلوم العسكرية ، وتطور في ميدان العلوم العسكرية ، وإنها وعلى الرغم من كونها كانت قد ولدت في ميدان العلوم العسكرية ، وتطورت في ميدان العلوم العسكرية إلا أنها أصبحت تستخدم في ميادين مختلفة وخاصة في السياسة الداخلية والخارجية ، والاقتصاد ، والتعليم والجامعات ، ومراكز الأبحاث والدراسات ، والصحة ، والإدارة والثقافة والفن والسياحة والإعلام ، والصناعة والتجارة والمواصلات البرية والبحرية والجوية الإقليمية والدولية ، والشركات والمؤسسات ، والأندية الرياضية ، والنقابات العمالية والمهنية ، والاتحادات الشعبية ، وغيرها من الميادين الاخري كميدان العلاقات الإقليمية والدولية ، والعمل الجماهيري ، والعمل الحزبي ، وحتى على المستوى الفردي . وكل نشاطات الحياة ، لأنه لا يمكن تحقيق أي أهداف ، أو تصور واضح لأي شيء ، أو ترجمة أي هدف ، أو تصور أي شيء على ارض الواقع إلا من خلال الإدارة الإستراتيجية ، و الإستراتيجية ، والخطة الإستراتيجية ، والتكتيك الاستراتيجي وهكذا يمكن القول ان الإدارة الإستراتيجية ، والإستراتيجية ، والتخطيط الإستراتيجي ، والتكتيك الاستراتيجي جميعا ومعا يلعبون دورا حيويا في حياة الدول والمجتمعات والمؤسسات ، ولأنهم جميعا ومعا يسهمون بدور فاعل في وضع التصورات والرؤى ورسم معالم المستقبل ، الإدارة الإستراتيجية وهي الإدارة العليا التي تتولى مسئولية وضع الأهداف والخطط الإستراتيجية بشكل كامل ، ولكن تحت راية الحقوق الوطنية ، والإستراتيجية وهي الأهداف الوطنية العليا ، ولكن تحت راية دكتاتورية الجغرافية والتاريخ ( فلسطين 27027 كيلو متر مربع اصغر من ان تقسم واكبر من ان تبتلع ) ، والثقافة وحقوق الإنسان ، والايدولوجيا والعقيدة ، والتخطيط الاستراتيجي وهو عبارة عن عملية منهجية تهدف الى تحقيق تصور واضح حول مستقبل الإستراتيجية ، ووضع الأهداف الوطنية ، واختيار الوسائل المناسبة في تنفيذها في اقصر وقت ، واقل جهد ، واقل تكلفة ، ولكن ليس على قاعدة تحقيق التوازن بين ما هو مطلوب وما هو متاح ، وإنما على قاعدة الارتقاء بما هو متاح من عوامل القوة الذاتية والموضوعية المادية والمعنوية الى مستوى ما فوق ما هو مطلوب . والتكتيك جزء من الإستراتيجية ، لأنه تكتيك استراتيجي على المستوى المرحلي ، وتكتيك مرحلي على المستوى الاستراتيجي ، ولأن التكتيك السياسي لا يختلف عن التكتيك العسكري ، والاسترايجية السياسية لا تختلف عن الاسترايجية العسكرية ، ولأن التكتيك السياسي جزء من الإستراتيجية السياسية ومرحلة من مراحلها ، وأداة من أدوات تحقيق عملياتها الجزئية من اجل تحقيق الهدف الاستراتيجي السياسي العام ، والتكتيك العسكري جزء من الإستراتيجية العسكرية ومرحلة من مراحلها ، وأداة من أدوات تحقيق عملياتها الجزئية من اجل تحقيق الهدف الاستراتيجي العسكري العام ، وهكذا نرى ان التكتيك السياسي والعسكري جزء من أجزاء الإستراتيجية السياسية والإستراتيجية العسكرية ، والإستراتيجية السياسية لا تختلف عن الإستراتيجية العسكرية من حيث البات العمل ، ولكنها تختلف عنها من حيث الأهداف والأدوات ، لأن الإستراتيجية السياسية تتعلق بمرحلة تاريخية كاملة ، وتختلف باختلاف المراحل التاريخية ، فإستراتيجية الثورة الوطنية تهدف الى تحرير الوطن من الاستعمار الأجنبي ، وإستراتيجية الثورة الديمقراطية تهدف الى تحرير الوطن من الدكتاتورية وإقامة النظام الديمقراطي ، وإستراتيجية الثورة الاجتماعية تهدف الى تحقيق مجتمع الكفاية والعدل ، وإستراتيجية الثورة الاشتراكية تهدف الى القضاء على الرأسمالية والإقطاع والملكية الخاصة ، وسيطرة رأس المال على الحكم ، وتأميم وسائل وأدوات الإنتاج ، والتكتيك يختلف باختلاف المراحل التاريخية ، والأهداف الإستراتيجية ، وأساليب النضال ، ووسائل النضال ، وأدوات النضال ، وأشكال النضال ، ومناهج النضال ، وشكل ألحركة ، وطبيعة الحركة ، وتوقيت الحركة ، ولذلك ونظرا لاختلاف المراحل التاريخية ، والأهداف الإستراتيجية ، والأساليب والوسائل والأدوات ، والمناهج ، وشكل الحركة وطبيعة الحركة وتوقيت الحركة ، لذلك كان طبيعيا ان نجد في التكتيك مصطلحات ومفاهيم خاصة مثل مفهوم المبادرة ، والمفاجأة ، والمؤامرة ، ونظريات خاصة في الاشتباك ، وإشكال الهجوم والانسحاب ، والأساليب المختلفة مثل استخدام السلاح ، والإضراب ، والعصيان المدني والمقاطعة ، والمقاومة الشعبية ، والفن والأدب والموسيقى والغناء والمسرح ، والندوات وورشات العمل والمؤتمرات ، والمقالات الصحفية ، والمؤتمرات الصحفية ، وحرب العصابات ، والحرب الثورية ، ولكن ومن ابرز مظاهر الاختلاف بين الإستراتيجية والتكتيك ان الإستراتيجية لا تمتلك أي هامش في المناورة ، ولا يجب ان تمتلك أي هامش في المناورة ، لأنها تعبر عن الجغرافية والتاريخ والهوية ، والايدولوجيا والعقيدة ، واللغة والثقافة والحضارة ، والصفة والسيادة ، ولا يمكن ان يكون هناك مناورة في الجغرافية والتاريخ والهوية ، والايدولوجيا والعقيدة ، واللغة والثقافة والحضارة ، والصفة والسيادة ، ( الإستراتيجية ثقافة وطنية ولا مساومة في الثقافة الوطنية ) ولكن التكتيك سياسة والسياسة مناورة ، ولكن مناورة في التكتيك وليس في الإستراتيجية ، مناورة في السياسة وليس في الثقافة ، مناورة تعني التفاعل الايجابي وليس التفاعل السلبي مع الواقع ، مناورة في ضوء الامكانيلت والعلاقات الإقليمية والدولية ، مناورة تعني تحليل الواقع السياسي على أساس القدرة والمرونة ، مناورة تحقق الأهداف الوطنية الإستراتيجية بشكل مرحلي يتفق مع الواقع والإمكانيات . ولكن في إطار العلاقة الجدلية بين الإستراتيجية والتكتيك ، الإستراتيجية الحق المطلق ، والتكتيك الحق الممكن ، والحق المطلق يتضمن الحق الممكن ، والحق الممكن متضمن في الحق المطلق ، والعلاقة بينهما علاقة جدلية لا انفصال فيها ولا انفصام فيها ، كالعلاقة بين السؤال وجواب السؤال ، والبيت وجدران البيت . وأخيرا وفي كلمة جامعة لمحتواها ومانعة لما سواها يمكن القول وبدون الخوف من الوقوع في الخطأ ان المناورة السياسية تكون واجبا وطنيا عندما تخدم الأهداف الوطنية الإستراتيجية ، والمناورة السياسية تكون واجبا وطنيا عندما تحقق مرحلة وطنية على طريق تحقيق الأهداف الوطنية الإستراتيجية ، والمناورة السياسية تكون واجبا وطنيا عندما ترسخ أقدامنا على جزء من وطننا المحتل ، والمناورة السياسية تكون واجبا وطنيا عندما تخرج شعبنا من دائرة التهجير ألقسري والحصار والظلام والبطالة والعنوسة والموت على بوابات الحصار ، والمناورة السياسية تكون واجبا وطنيا عندما تخرج شعبنا من دائرة أوسلو والانقسام ، والمناورة السياسية تكون واجبا وطنيا عندما تخرج قضيتنا من دائرة الوصاية العربية ، والمناورة السياسية تكون واجبا وطنيا عندما تخرج قضيتنا من دائرة عالم يقيس بمكيال العدو الصهيوني ، ويرى بعينه ، ويسمع بإذنه . هكذا تكون المبادرة السياسية تمثل حالة من العذرية الوطنية تشبه عذرية الفتاة ، وعذرية الفتاة هي أقدس ما تملك الفتاة ، والعذرية الوطنية تخلق مع الإنسان بالفطرة كما تخلق عذرية الفتاة بالفطرة ، وهي أمانة الله في الإنسان ، ويحتفظ بها الإنسان كرصيد معنوي ينفق منه طيلة حياته ، ولكنها قد تتعرض الى الاغتصاب ، والى فض بكارتها الوطنية ، وتدني رصيدها حتى يصل الى درجة الصفر بالمعنى العلمي ، والى درجة الحساب المكشوف بالمعنى المصرفي ، والى درجة الخيانة الوطنية بالمعنى الوطني والأخلاقي . وذلك سوف يكون في الوقت الذي يمكن ان تصل فيه المناورة السياسية الى درجة الخيانة الوطنية للأهداف الوطنية الإستراتيجية .