دكتور / عبد العزيز أبو مندور هذا هو المقال الرابع فى أقل من شهر فى سلسلة الرد على العارضحالجى الغارق فى تطرفه وإنكاره للسنة النبوية المطهرة ومعاداته لعلماء الحديث وفقهاء الأمة ، فهو يتهم كل من يعترف بالسنة المطهرة بأنه كافر ضمنيا كما زعم ، فلو لاحقناه وما تركناه لهذيانه وتخريفاته هو وأمثاله ممن يزعمون أنهم قرآنيون لتبددت مزاعمه أدراج الرياح وانفضت مقاصده وبان وانكشف سوء فهمه للنصوص القرآنية وعجزه وفشله فى الاستدلال بها دليلا على مزاعمه الفاسدة ! وأعجب العجب أن من يتمسحون بالعقل 00 هم أكثر الناس إهانة للعقل ! ألا يعلم أولئك الذين لا يوقرون النقل أنهم من يهين العقل 00 ويهيل عليه الوبال ! كعادته العارضحالجي كغيره ممن يكرهون السنة المطهرة ويعادون علماء الحديث ؛ فمثله فى ذلك مثل السفسطائيين فيتمسك بجزئيات يحاول أن يخرجها من سياقها العام عامدا متعمدا فوقع فيما لو حرص على عدم الوقوع فيه لوقع فتلك طبيعة الحاقدين ممن فقدوا توازنهم النفسي والعقلي جميعا 00 فلا قلوب لهم ! هذا ، ومن أراد بهذا الدين سوءا رجع عليه وبالا ، وافتضح فى خاصة نفسه وبين من ظن أنهم مناصروه ففروا منه كما يفر السليم من الأجرب ! ولا أعرف إلى متى يظل أعداء السنة النبوية المطهرة على مواقفهم المخزية وأفكارهم المعاندة لصحيح الدين فلا ينفكون ولا يرتدعون ؟! إن أمثال هؤلاء ممن يتباكون على العقل قد فقدوا عقولهم ، فلا عقل لهم .. ولا قلب ! أقول ذلك بسبب الحرب المعلنة باسم العقل على الأمة ممن يزعمون أنهم قرآنيون فيعادون الوحي والنقل مع أنهم لو صدقوا فى مزاعمهم القرآنية لعلموا أن القرآن الكريم وإن كان قد حث على التعقل فى آيات كثيرة إلا أنه لم يأت بلفظ ( العقل ) نهائيا بين ألفاظه وكلماته وآياته البينات ؛ فلم ترد فيه كلمة العقل ولا حتى مرة واحدة ؛ لا نكرة ، ولا معرفة . وهذا بالطبع ليس لأن القرآن يعادى العقل – حاشا وكلا – فالقرآن الكريم يحث بقوة على التعقل ويمتدح المتعقلين فى آيات كثيرة يكفى هنا الإشارة إليها فلا حاجة لذكرها تفصيلا فهى معلومة لقارئ القرآن حتى بدون تدبر . قال جل ذكره وعظم سلطانه : " إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ " ( الأنفال : 22 ) إن القرآن الكريم كما قلت وإن كان قد حث على التعقل فى آيات كثيرة إلا أنه إن كان قد ذكر فعل التعقل مرات كثيرة فى آيات كثيرة بمشتقاته وإسناده فلم يذكر لفظ ( العقل ) كما قلت ولا مرة واحدة ؛ لا نكرة ، ولا معرفة . وكان على من يتمسحون بالعقل أن يسالوا أنفسهم عن علة سبب عدم ذكر لفظ ( العقل ) فى القرآن الكريم ؟! ولعلى لا أخفى أننى من أوائل من بحثوا هذه النقطة فأشرت إليها فى أبحاثى ومؤلفاتى المتعددة وبخاصة كتابى ( أبو البشر آدم بين الروح والجسد ) كما خصصت لها فصلا غاية فى الجدة والأهمية فى كتاب ( قلب وابصة وخرافة الضمير الأخلاقي ) الذى أعده للطبع قريبا إن شاء الله ؛ فعلة ذلك وسببه كما قلت أن فعل التعقل من أعمال القلب ، فهو ما يظهر جليا لكل متدبر لآيات الذكر الحكيم الواردة فى التفكر والتعقل والتدبر وأمثالها ؛ فالعقل ليس له استقلال لأنه فى القلب ؛ ومدار الدين كله على القلب كما يستطيع ان يتفهمه كل من له مسكة من عقل من طالبى العلم والمعرفة . أما العارضحالجى فلا يعلم عن ذلك شيئا فهو وإن كان قد استشهد بآيات كثيرة على الدعوة إلى التعقل فليس ذلك لمناصرة العقل ومحاربة من يعادونه كما زعم بل إمعانا منه فى معاداة الفقهاء وأئمة الدين واتهامهم بما ليس فيهم لأنهم فى زعمه لا ينكرون العقل فلا يستخدمونه ؛ فتراه بعبارات مبتسرة وأسلوب ركيك قد زعم أن ذلك من فعل إبليس . وإليك ما قاله فى ذلك ، فقد زعم أن معادات الأمة للعقل – حاشا وكلا – ( من فعل إبليس ليضحك علينا حتى لا نستعمل عقولنا ، لقد ابتدع مقولة شيطانية صار السادة الفقهاء يتناقلونها وكأنهم وجدوا ضالتهم في عدم استخدام العقل.( فما هى تلك المقولة التى استند إليها ؟ اقرأ ما كتب سببا لكل ما زعم فقد ألف حوارا كوميديا سخيفا وبأسلوب مهلل فزعم أن أحدهم قال لأحد الأصدقاء : ( إذا كان الدين بالعقل لكان مسح باطن القدم أولى من مسح ظاهرها...) ثم أكمل قائلا : ( فرددت عليه بما يلي : قل له بدلا من السفسطة يا هذا... اعلم بأن باطن القدم لا يتم مسحها لأن الأرض طهور وسنصلي عليها(. وهنا كان عليَّ أن لا أتدخل حتى ترى يا قارئى العزيز بنفسك فساد فكره وسخف تعليله لعدم مسح باطن القدم ! ولكن – للضرورة أحكام فهو قد وقع فى شر أفكاره الفاسدة وتعليلاته الباطلة لعدة نقاط أهمها : 1- أولا : أن المسح بالماء فى الوضوء لا يكون إلا على الخفين أو الجورب اللاصق السميك فلا أحد من أهل العلم من الفقهاء قال أن المسح يكون على القدم لا على ظاهرها ولا على باطنها ؛ فالمسح يكون على ظاهر الخفين أو الجورب اللاصق السميك . 2- ثانيا : فى حالة تسليمنا جدلا بأن باطن القدم لا يتم مسحها بالماء فى الضوء كما زعم بسبب أن الأرض طهور وسنصلي عليها فلماذا لا تصح الصلاة إلا بغسل الرجلين إلى الكعبين ؟ أليس كان يكفى تبعا لزعمه تمرير الماء على ظاهر الرجلين طالما أن باطنها سيقابل الأرض الطهور ؟ ! قال الله تعالى فى محكم التنزيل: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ " (المائدة : 6 ) هذا ، وقد أشار عليَّ كثيرون من أهل المحبة والنهى بألا أشغل نفسى بالرد على أمثال هؤلاء الكارهين لأنفسهم من الحاقدين الحاسدين لأهل العلم والمعارف وعقلاء القلوب ! ولكن – ما باليد حيلة ، فلا يعقل أن يترك شبابنا فريسة لتلك الأفكار الفاسدة التى يبثها هؤلاء وهؤلاء ممن فتحت لهم وسائل الإعلام على مصراعيها من أمثال زميلنا القديم ، فلا يعقل أن أخصص لكل واحد منهم كتابا للتعريف بتخريفاته وهلوساته وهذيانه كما هو الحال فى كتاب ( أصنام فى فكر يوسف زيدان ) الذى خصصته للرد ودحض مزاعم زميلنا القديم ، فلو كان لدي وقت كاف لفعلت مهما كلفنى ذلك ، ولكنه عامل الوقت والزمن وكثرة المشاغل وصعوبات النشر وتجاهل وسائل الإعلام. وعموما ، لقد تخطى العرضحالجي كل حقول الفكر الفاسد المفسد فى معاداته للسنة المطهرة وعلماء الأمة العظام ، فيكفيك فى ذلك أن تقرأ تساؤلاته العبيطة ! وأنا أنقل لك من مقالته الهابطة ذلك التساؤل ، قال : أيكون الدين بالعقل أم بالنقل ؟. ولك ان تحكم أنت يا قرائى الكريم ؛ فهل وجدت عاقلا رشيدا و من عنده مسكة من عقل يقول هذا الهراء وذلك السخف ؟! إلا يعلم أمثال هؤلاء أنه لا يصح دين بغير عقل ، كما لا يصح عقل بغير دين . وأن العقل مهما كان لا بد له من الاسترشاد بنور الشرع والدين . ألا يعلم من يدعى العقل أن الدين فى مجمله عقيدة وشريعة ؛ فلا يحكم العقل على العقيدة كما لا حكم له على الشريعة فلا بد له من النقل عقيدة وشريعة فلا يصح التوحيد إلا بالإيمان بما جاء به الرسول من الوحي ، فالتوحيد ليس عقليا بهذا الاعتبار فمعرفة الله وتوحيده إيمانية قلبية فى المقام الأول ثم يأتى العقل بعد ذلك ؛ فمهمته الشرح والتفسير . هذا ، وليست الشريعة فى المجمل عقلية فجميع أحكام الدين القطعية الثبوت نقلية " إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى " ( النجم : 4 ) أما الإيمان والكفر فقبوله ورفضه أمرا يختص بالإنسان وإرادته واختياره فلا إكراه فى الدين فهو من اختيار العقل فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ! ( وعلى الله قصد السبيل ) ---------- دكتور / عبد العزيز أبو مندور كاتب وأديب وباحث فى الفلسفة والتصوف [email protected]