أحمد التايب بعد إقرار الحكومة ضمنيا لظاهرة "هاجمنى فى أى حتة.. وصوت لى تحت القبة"، وبعد أن منح مجلس النواب الثقة لحكومة المهندس “شريف إسماعيل” بأغلبية كبيرة بلغت 433 صوتًا، غير أن ذلك التأييد سرعان ما تحول وفى مدة زمنية قياسية إلى هجوم، فمن ناحية يتهم بعض النواب الحكومة بالتقصير وعدم تقديم حلول لمشاكل المواطنين بالدوائر المختلفة ويطالبونها بتطوير أدائها، ومن ناحية أخرى، وصل بعض النواب إلى أبعد من ذلك، فطالب بإسقاطها وسحب الثقة منها. وبمراجعة مداخلات النواب للتعليق على بيان الحكومة قبل منحها الثقة، فقد أكد معظم من منحها الثقة من النواب دعمهم للحكومة بدافع أن البلاد تمر بظروف استثنائية، ودعمًا لفكرة استقرار النظام السياسى التى تدفع بشكل مباشر فى اتجاه النمو الاقتصادى، إلا أنه سرعان ما تململ الأعضاء من تقلبات الأداء وقصورها فى عدد من الوزارات، وتعددت الأسباب التى فاقمت من غضب النواب من الحكومة فى الفترة السابقة، وكان أهمها: التأشيرات الوهمية للتوظيف وغيرها التى يوقعها الوزراء للعديد من النواب، مما يوقعهم فى حرج مضاعف مع أبناء دوائرهم، وتصريحات بعض الوزراء “الاستفزازية” حول بعض القضايا والموضوعات، فضلاً عن عدم قدرة الحكومة على الإيفاء بالمتطلبات الأساسية للمواطنين والأعضاء. فقد حذر وزير الشئون القانونية ومجلس النواب المستشار “مجدى العجاتي” من مشهد التفاف النواب حول الوزراء خلال تواجدهم فى الجلسات العامة كونه ليس الأسلوب الأمثل للتواصل مع الحكومة لحل المشكلات وظاهرة غير صحية تذكر بماضى المجالس السابقة قبل ثورتين، وهذا المشهد لا يليق ببرلمان مصر، بل هناك قنوات اتصال أفضل من هذا الوضع بكثير، والدكتور “على عبد العال” حذر من ذلك أكثر من مرة. وحول وصف بعض النواب التأشيرات التى حصلوا عليها من الوزراء ب”الفالصو”، رد “العجاتي” قائلاً: “مبدئيًا كلمة “فالصو” غير مقبولة ومش موجودة فى قاموسنا، ثانيًا: المشكلة أن هناك طلبات غير مشروعة، فمثلاً عندما تطلب تأسيس كوبرى فى البلد التابع أنت لها حينئذ تحتاج إلى مليار جنيه، فهذه أمور لابد من دراستها، وحينما تطلب تعيين شقيقك أو ابنك، فهذا مستحيل تحقيقه الآن، لأن تلك الأمور تحدث من خلال مسابقات”. وأكد “العجاتى”، أن “هناك نوابًا يطالبون تعيين أقاربهم، موجهًا رسالة إلى النواب الغاضبين من التأشيرات، قائلاً: “اصبروا صبرًا جميلاً، والدولة لديها خطة لتنفيذ مشروعات كثيرة تخص مطالبكم. وكان رئيس المجلس “على عبد العال” قد حذر الحكومة من اتخاذ وتفعيل كل الأدوات التشريعية ضد وزرائها ما لم تنفذ طلبات النواب. جاء ذلك خلال جلسة يوم 13 يونيو بعد اعتراض وكيل لجنة حقوق الإنسان النائب “عاطف مخاليف” على عدم رد الحكومة على عدد من البيانات العاجلة التى قدمها بعض النواب تجاه عدد من القضايا والموضوعات، وهو الأمر الذى لاقى ترحيبًا وتأييدًا تحت القبة فى الحال، فقد صفق النواب تأييدًا لكلام “عبد العال” مطالبين فعلاً بضرورة تفعيل تلك الأدوات، الأمر الذى انعكس سلبًا على علاقة الحكومة بالمجلس ومن قبلها فتور علاقة الوزراء بأغلب الأعضاء، وهو الوضع الذى عبرت عنه عدد من الوقائع والتصريحات وسياق المناقشات بين الجانبين فى غير مرة، منها: ارتفاع أسعار السلع الذى كان سببًا رئيسيًا فى هجوم النواب على الحكومة، وبالأخص الهجوم المتزايد على “خالد حنفي” وزير التموين، حيث تقدم عدد من النواب بطلبات إحاطة وبيانات عاجلة حول ارتفاع الأسعار من ضمنهم “ياسر عمر” و”ابراهيم نظير” عضوا تكتل “مستقلون 2015” متهمين الحكومة بالأخص وزارة التموين بالفشل فى الرقابة عليها. ورغم حرص الوزراء على الحضور إلى المجلس للاستماع إلى النواب ومشكلات دوائرهم المختلفة؛ إلا أن الوزراء ظهروا عاجزين أمام المجلس، وهو ما وضح من تصريحاتهم بالاعتراف بالمشكلات، ومنها: وزير الرى: قال “محمد عبدالعاطي”، فى تعليقه على أزمة المياه التى يعانى منها بعض الفلاحين فى أنحاء الجمهورية أن الأزمة ليست فى مصر فقط، ولكن بسبب نقص الفيضان هذا العام على جميع دول حوض النيل، وأكد أن حصة مصر من مياه نهر النيل 55.5 مليار متر مكعب سنويًا، منها 10 مليارات لمياه الشرب، و7.5 مليار للصناعة، والكمية الباقية ما بين زراعة وملاحة نهرية ومحطات الكهرباء، وهو الأمر الذى استفز عددًا كبيرًا من النواب. وزير الصحة: واجه “أحمد عماد” وزير الصحة هجومًا قويًا من النائب “عاطف نصار” الذى طالبه بالاستقالة، وعندما واجه الوزير طلب النائب ب”الضحك” ولم يرد، قال له نصار: “أنت بتضحك والناس بتموت؟ بتضحك والناس مش لاقيه مستشفيات؟ بتضحك والناس مش لاقيه علاج؟ بتضحك وأنت جايب مستشار ليك وطلع فاسد؟ أنت المفروض تستقيل مش تضحك”. فيما واجه وزير الصحة أيضًا أزمة تورط أحد مستشاريه فى قضية رشوة، فضلاً عن كشف عدد من قضايا الرشوة فى الوزارة. وزير التنمية المحلية: غضب النواب ازداد من وزارات محددة، بالأخص وزارة التنمية المحلية، فوزير التنمية المحلية “أحمد زكى بدر” دخل فى صراع مباشر مع النواب وصل إلى حد تقديم النائبة “أمل زكريا” شكوى للرئيس “عبد الفتاح السيسي” حول تعاملات الوزير مع النواب واستهتاره بهم، وهو ما أكده عدد كبير من النواب من ضمنهم “محمد فؤاد” نائب الوفد، و”علاء عابد” رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المصريين الأحرار. وزير التعليم: حصل وزير التعليم الدكتور “الهلالى الشربينى” على النصيب الأكبر من غضب النواب بسبب تدنى مستوى التعليم وارتفاع كثافات الفصول وفى ظل الاعتراضات عليه واجه مشكلة تسريب امتحانات الثانوية العامة وفشله فى السيطرة على الوضع، وهو ما دفع إلى مطالبة البعض بتقديمه استقالته على خلفية هذه الأزمة. ولم تكن هذه كل الوقائع بالطبع بل بعضها، وهو الأمر الذى ربما تكون له آثار قريبًا، حيث سيدفع عدد كبير من النواب فى مسار إجراء تعديل وزارى مصغر للوزراء ذوى الأداء الضعيف، وذلك طبقًا للمادة (147) من الدستور التى تنص على أن: “لرئيس الجمهورية إعفاء الحكومة من أداء عملها بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب. ولرئيس الجمهورية إجراء تعديل وزارى بعد التشاور مع رئيس الوزراء وموافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة للحاضرين وبما لا يقل عن ثلث أعضاء المجلس”. وفى هذا الشأن، أكد النائب “محمد حمدى دسوقي” عضو تكتل “مستقلون 2015” أنه لا يتوقع سحب الثقة من الحكومة، ولكنه يتوقع إجراء تعديل وزارى لعدد محدود من الوزراء بغرض إرضاء النواب من ناحية، وأيضًا لتهدئة الشارع الغاضب من ارتفاع أسعار السلع وتدنى مستوى الخدمات من ناحية أخرى. كذلك قد يكون من الأمور المستبعدة أن يقدم البرلمان على سحب الثقة من الحكومة، فهى لازالت مدعومة من نواب الأغلبية مجتمعين، وما خروج التصريحات المنادية بذلك إلا فى إطار الضغط على الحكومة لتطوير أدائها، وأيضًا لتحسين صورة المجلس أمام المواطنين لتصويره بأنه لن يتستر على حكومة تقصر فى أدائها. وأن موجة الغضب الحالية من بعض النواب تجاه الحكومة بمثابة جرس إنذار للحكومة لتطوير أدائها والعمل على تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، ولكن على الحكومة أن تكون حذرة من تمرد النواب وألا تعتمد كثيرًا على ائتلاف الأغلبية فى حمايتها، لأنه غير متماسك تنظيميًا بالدرجة الكافية حتى الآن، وخير دليل على ذلك ما حدث أثناء التصويت على قانون الخدمة المدنية. وعليه، ربما تتصاعد حالة فك الارتباط بين المجلس والحكومة فى الفترة المقبلة، بل لن تستمر حالة التوافق السابقة بين الأعضاء من مختلف التيارات والتكتلات على حتمية دعم الحكومة رغم تباينات الأداء، وربما تفاجئ الحكومة بقيام المجلس بتفعيل بعض حقوقه الدستورية والرقابية تجاهها على غير المعتاد، وهو ما سيضعها ويضع من يدعمها من الأعضاء والتحالفات فى حرج، بل ربما يضع المجلس نفسه فى حرج مضاعف أمام الجميع جراء تلك السياسات. وليس أدل على ذلك من قبول المجلس بتاريخ 21 من يونيو استجوابه الأول المقدم من العضو عن دائرة فوه – مطوبس بكفر الشيخ النائب “فتحى الشرقاوي”، والمقدم ضد كل من رئيس مجلس الوزراء المهندس “شريف إسماعيل”، ووزيرى التموين والزراعة، بسبب إهدار مليار جنيه من المال العام على حد قوله فيما يتعلق بفساد الشون وتخزين الغلال، حيث استوفى الاستجواب الشروط المنصوص عليها فى الدستور واللائحة الداخلية للمجلس، بداية من المذكرة الإيضاحية والأسانيد القانونية المطلوبة، فقد استند النائب فى المذكرة على ثلاثة محاور، هى: الفساد والتسبب فى إهدار وسرقة ملايين الجنيهات فى عملية توريد القمح المحلى والموافقة على تخزينه فى الشون والصوامع الخاصة، وأن كمية القمح المخزون على غير الحقيقة. أما المحور الثانى فيتعلق بالفساد فى منظومة تصدير واستيراد وتهريب الأرز المصرى، وأخيرًا الفساد الموجود فى الإجراءات التى اتبعت فى تجديد واستخراج تراخيص السلاسل التجارية. هذا، وتنص المادة “130” من الدستور على أن: “لكل عضو فى مجلس النواب الحق فى توجيه استجواب لرئيس مجلس الوزراء، أو أحد نوابه، أو أحد الوزراء، أو نوابهم، لمحاسبتهم على الشئون التى تدخل فى اختصاصاتهم. ويناقش المجلس الاستجواب بعد سبعة أيام على الأقل من تاريخ تقديمه، وبحد أقصى ستون يومًا، إلا فى حالات الاستعجال التى يراها، وبعد موافقة الحكومة”. كما تنص المادة “219” من اللائحة الداخلية للبرلمان على أن: “يدرج الاستجواب فى جدول أعمال أول جلسة تالية لتقديمه مستوفيًا لتحديد موعد لمناقشته بعد سماع أقوال الحكومة. وفى ذات الاتجاه، أكدت النائبة “هبة هجرس” فى تصريحات لها يوم 23 يونيو، أن الاستجواب حق أصيل لكل برلمانى، وليس من العيب أو الجريمة أن يتقدم نائب باستجواب لأى وزير من الوزراء، فهذا شيء طبيعى ويساعد فى تهدئة الشارع المصرى والتعرف على إجابات العديد من الأسئلة التى تراود النواب والمواطنين فى الشارع، وهو ما يشير إلى احتمالية أن تشمل الفترة القادمة العديد من التغيرات بعد أن يتم مناقشة الموازنة العامة للبرلمان، الأمر سيمنح الفرصة للنواب للحديث مع الوزراء فى مشكلات وزاراتهم.