أتته الدنيا راغمة راكعة , ولكنه تركها , ترك القصور , ترك الفرش الناعمة , ترك الحياة الرغدة , ترك كل ملذات الدنيا , فقط من أجل الأخرين , فقط من أجل إسعاد الأخرين , هو عمر بن عبد العزيز فارس الزهد والورع , الذى ملأ الدنيا عدلا ورخاءا بعد ما ملئت ظلما وجورا . عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم هو ثامن الخلفاء ألأمويين , وخامس الخلفاء الراشدين , ولد سنة 61 ه فى المدينةالمنورة يعود نسبه إلى عمربن الخطاب من ناحية الأم . جدته لأمه كان لها موقف مع أميرألمؤمنين عمربن الخطاب , فبينما كان عمر يتفقد الرعية ليلا سمع حوار بين الأم وإبنتها , : «يا بنتاه، قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء»، فقالت لها: «يا أمتاه، أوما علمت ما كان من أمير المؤمنين اليوم؟»، قالت: «وما كان من عزمته يا بنية؟»، قالت: «إنه أمر منادياً فنادى أن لا يشاب اللبن بالماء»، فقالت لها: «يا بنتاه، قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء، فإنك بموضع لا يراك عمر ولا منادي عمر»، فقالت الصبية لأمها: «يا أمتاه، والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء»، وعمر يسمع كل ذلك، فقال: «يا أسلم، عَلِّم الباب واعرف الموضع»، ثم مضى في عسه. فلما أصبحا قال: «يا أسلم، امض إلى الموضع فانظر من القائلة ومن المقول لها، وهل لهم من بعل؟»، فأتيت الموضع فنظرت، فإذا الجارية أيِّم لا بعل لها، وإذا تيك أمها وإذا ليس لها رجل، فأتيت عمر فأخبرته، فدعا عمر ولده فجمعهم فقال: «هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه؟»، فقال عاصم: «يا أبتاه، لا زوجة لي فزوجني»، فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم، فولدت لعاصم بنتاً، وولدت البنت عمر بن عبد العزيز. كان عمر يحب العلم ومجالسة العلماء , وحفظ القرأن فى سن صغير وكان يبكى عند سماعه , فكانت تقول له أمه مايبكيك ؟ يقول : تذكرت الموت ,فتبكى أمه لبكائه . كان عمر ناصح للامراء والخلفاء وكانوا يأخذوا بمشورته . فكان عمة عبد الملك بن مروان يجلة, ويعجبه ذكائه ,وفطنته , فزوجه إبنته فاطمة كانت سيرة عمربن عبد العزيزوحياته تشبه حياة الخلفاء الراشدين , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ::: ( لاَ يَزَالُ الإِسْلاَمُ عَزِيزاً إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً ) : ( كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ ) . رواه البخاري ومسلم- وعنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا ) .صححه الألباني قال العلماء منهم الإمام أحمد بن حنبل عمر بن عبد العزيز على رأس هذة المائة . وكان عمر يقول إن رجلا من ذريتى سيلى من بعدى وسيملأ الأرض عدلا وعندما تولى الخلافة صعد المنبروقال::: «أيها الناس، إني قد ابتُليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم.» فصاح الناس ان قد إخترناك . وأكمل كلامه:: أما بعد، فإنه ليس بعد نبيكم نبي، ولا بعد الكتاب الذي أنزل عليه كتاب، ألا إن ما أحل الله حلالا إلى يوم القيامة، ألا إني لست بقاضٍ ولكني منفّذ، ألا وإني لست بمبتدع ولكني متبع، ألا إنه ليس لأحد أن يُطاع في معصية الله، ألا إني لست بخيركم، ولكني رجل منكم، غير أن الله جعلني أثقلكم حملاً. أيها الناس، من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلا فلا يقربنا: يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها، ويعيننا على الخير بجهده، ويدلنا من الخير على ما نهتدي إليه، ولا يغتابن عندنا الرعية، ولا يعترض فيما لا يعنيه. أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خلف من كل شيء وليس من تقوى الله عز وجل خلف، واعملوا لآخرتكم، فإنه من عمل لآخرته كفاه الله تبارك وتعالى أمر دنياه، وأصلحوا سرائركم، يصلح الله الكريم علانيتكم، وأكثروا من ذكر الموت، وأحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم، فإنه هادم اللذات... وإن هذه الأمة لم تختلف في ربها عز وجل، ولا في نبيها ، ولا في كتابها، وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم، وإني والله لا أعطي أحداً باطلاً، ولا أمنع أحداً حقاً. ثم رفع صوته حتى أسمع الناس فقال: يا أيها الناس، من أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له، أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم. وإن من حولكم من الأمصار والمدن، فإن هم أطاعوا كما أطعتم فأنا وليكم، وإن هم نقموا فلست لكم بوالٍ. أول شئ عملة عمر فى بدء الخلافة عزل الولاة الظالمين الخونة , ورد المظالم إلى اهلها , وترك القصور وتصدق بأثاث بيته على الفقراء وعاش فى بيت بسيط , ليس عليه حاجب ولا حراس , وقال لزوجه فاطمة : إذا كنتِ تريدينى إخلعى ما عليكى من الحلى وضعيها فى بيت مال المسلمين . كان كثير البكاء , ذات مرة تسأله زوجته ما يبكيك ؟ قال : تذكرت العارى والفقير , والشيخ الكبير , والأرملة, والمريض , وذى العيال , وأشباههم فى أقطار البلاد , وأنى محاسب عليهم فخشيت أن لا يكون لى حجة عند ربى فبكيت . مرة أخرى يبكى , وكل ما فى البيت يبكون لبكائه , فيسألونه ما يبكيك ؟ فيقول : تذكرت قول الله فريق فى الجنة , وفريق فى السعير , فخشيت أن أكون من أصحاب السعير . استمرت خلافة عمر سنتين وبضعة أشهر وتوفى سنة 101ه، عن 39 عاما , وقيل انه مات مسموم , مولى له وضع له السم فى الشراب من أجل 1000 دينار فتولى يزيد بن عبد الملك الخلافة من بعده. رحم الله عمر بن عبد العزيز .