* أنا لست فتاة جميلة ، ولا أملك عينين ذباحتين ، ولا رمشين جارحين ، كما يردد عن الفتيات بالأغاني ، وماحبيت الجمال والجاذبية .. بل أحمد الله علي ما ولدت فوجدت حالي عليه .. يراني البعض " دميمة " والبعض الآخر يراني " عادية " ، وحتي الآن لم أصادف من يراني " جميلة " .. ومابين هذه وتلك فأنا أري نفسي في نعمة حباني الله بها ، وقد حرمت منها الكثيرات من الفتيات الجميلات .. فالجمال في حد ذاته شقاء ، ومعاناة لاتنتهي ، فالجميلات دائما معذبات في حياتهن ، تلقاء غرورهن وجراء كبريائهن ، وكثرة عشاقهن ، وتمردهن علي تقاليدهن .. نعم ، أعترف أني حرمت من جمال الخلقة ولكن وهبت جمالا آخر ، فأنا فتاة احافظ علي عاداتي وتقاليدي ، وأحب والداي وإخوتي ووطني ، ولكني لست بملاكا لا يخطئ ، بل أنا بشر فاني . ناجحة في دراستي وعملي ، وأبتسم دائما في وجه الجميع إلا الشباب ، فلإن حدث فستؤخذ عني فكرة سيئة .. لا أقيم علاقات مع الشباب حتي بالهاتف ، ولكن أتحدث أحيانا مع بعض زملاء العمل من الشباب ، وغالبا لاتزيد مكالمتهم عن خمسة دقائق ، وجميعهم يحتسبوني عند الله إختا صغيرة لهم لا أكثر ، وهذا شئ يسعدني أحيانا ويوجعني أحيانا أخري ، فأنا فتاة مثل باقي الفتيات ، أشتهي سماع كلمة غزل في حقي وأنتشي عند سماعها ، وإن كان وجهي لحظتها سينطق الإمتعاض والضجر زورا .. وعندما أمشي بالشارع لا أحد ينظر لي بشغف كنظراتهم لباقي صديقاتي وزميلاتي اللائي يتمتعن بالجمال والرشاقة والتألق والتأنق .. ولا يغازلني أحدهم ولو بكلمة حلوة ، ولكن هذا متوقع ، فلا يوجد في خلقتي أي جميل يمتدح ، ولا في جسدي أي بارز يفتضح .. فدائما أرتدي ملابس فضفاضة لتسترني من عيون الناظرين ، وحتي لا أحمل ذنوبا فوق ذنوبي ، فجسد الفتاة غال عليها كاللؤلؤ المكنون ، لا يكشف عنه حجابه إلا لحلاله الطيب ، ولا يصح أن يكون رخيصا عرضة لأنظار الجميع ولسخافاتهم ، ولا يكن مدعاة لفتنة الشباب الغير قادر علي الزواج ، ولا يكن مدعاة لسرور الشيطان بفتنتهم .. ذات مرة كنت عائدة من عملي ، مارة بإحدي الطرق القريبة من منطقتي السكنية ، وفجأة ، ومن خلفي وقعت علي آذاني طنطنات غزل أطربتني .. بدا عليه غزلا من خارج كوكب الأرض ، وتشبيهات بأجسام صخرية وأخري ملتهبة كالشمس والقمر والنجوم وغيرها ، ولكن هذا هو العادي عند الشباب في بلادنا .. فظننت سريعا أنها موجهة لفتاة غيري مارة بنفس الطريق ، فأنا لا أحد يعيرني إهتماما أبدا ، لذا لم أكترث .. ولكنها تزايدت وإقتربت من خلفي ، فحاولت الإنحياد لإحدي الطرق الجانبية .. فالحقيقة ليس هربا من المغازل ، ولكن حتي يتثني لي التأكد إن كانت تلك الطنطنات في حقي أو لم تكن .. فلا أستطيع النظر خلفي ، فالفتيات المؤدبات لا ينظرن خلفهن أبدا ، إلا في حالة إن كانت هناك سيارة ستدهسهن ، لحظتها يمكنها النظر خلفها وحتما ستكن النظرة الاخيرة . بعد أن اجتزت الطريق الجانبي ، إنقطعت وصلة الغزل ، حمدت الله وعادت لي ثقتي في نفسي وبأني لن أغازل أبدا .. فجأة ، عادت الطنطنات تقدف في آذاني مرة أخري ، فالحقيقة صدمت من الإنبعاج والإنشكاح ، أخيرا سأدخل التاريخ من أوسع أبوابه وسيعترف بي كأنثي ومرغوبة ، ولكن لن ألتفت خلفي ، فهذا ضد مبدأي لن ألتفت أبدا .. ولكن الشيطان بدأ يتلاعب بمخيلتي ويوسوس لي .. * الشيطان : بصي يابت وراكي ، ده قاصدك إنتي ، وشكله شاب وسيم ،،، يالهوي بصي يابت ياهبلة وإضحكيله ؟ أنا : ياعم مش هبص أنا ، إتكل ع الله وإبعد عني وسيبني فحالي الله يخليك ؟ مش بتاعة بص أنا ياحج . . الشيطان : إنتي هتحوري إنتي مش لسة قايلة إن زيك زي أي بنت ونفسك تتعاكسي ؟ أنا : نهار إسود إنت سمعتني ؟ دنت لزقة بقه ، أرجوك ياعم الشيطان دي مذكراتي ومتدخلش فيها ؟ الشيطان : تصدقي إني غلطان ، أنا كنت عايز مصلحتك بدال ماتعنزي وتعيشي طول عمرك لوحدك من غير سند .. أنا : طب تصدق إني إتأثرت بجد والدمعة هتفر من عيني ، ياعم أرجوك إتكل علي الله وروح وسوس لواحدة حلوة وفكك مني ؟ الشيطان : الحلوين مش محتاجين يابنتي وسوسة ، الواحدة منهم مظبطة يجي مع دستة شباب ، لكن إنتي حالك ميسرش ، وقلقان علي مستقبلك ، ده حتي عمرك ما إتبستي ولا إتحضنتي ، ودي مش عيشة يابنتي حرام عليكي نفسك ! أنا : إيه ياعم الشيطان طقم الحنية ده ، تكونشي قرين أبويا وأنا معرفش ؟ وإيه لاعمري إتبست وإتحضنت دي ؟ هو البوس عندكوا ليسانس حقوق ؟ طب ماكنت تجيبلي عريس بدال مانت نازل تقطيم فيا ؟ الشيطان : إنتي بتقولي فيها أنا عرضت علي الشياطين ولادي إن حد يجوزك أو يدردحك وأديلو نص ثروتي ، وبعد ماشافوكي للأسف طفشوا من البيت وإتبروا مني ، ورفعوا عليا قضية حجر .. أنا : ماشي ياعم الشيطان بس النظر حرام ، سبني بقه ؟ الشيطان : الأولي لك . أنا : إنتا كمان حافظ أحاديث . الشيطان : طب عندي حل ، بصي مرة واحدة وطولي فيها ، ربع ساعة مثلا ، إيه رأيك كده حلال صح ؟ أنا : ماتروح تتوضي وتصليلك ركعتين أحسن من نصايحك الخايبة دي ؟ وسيبني فحالي بدال ما أستعيذ منك ؟ الشيطان : يابنتي لا تستعيذي ولا تتعبي نفسك ده أنا بضرب نفسي ميت صرمة قديمة إني وسوستلك أصلا وأنا ماشي خلاص وماتنظريش وراكي لأن الشاب خلع خلاص ، وجاتك وكسة فوق وكستك .. * فسارعت بالنظر من خلفي فإذا بالشاب مازال يتابعني ، لقد خدعني الشيطان الماكر ، ودوت في رأسي ضحكاته فرحا بالإنتصار.. فوقف الشاب ينظرني منبهرا ولا أري سببا لإنبهاره ، يبدوا أنه معجب بي لا أعرف كيف !.. فأخذت حزام الطريق حتي البيت ، ونظرت من الشرفة فإذا به قد أتي خلفي وإنتظر قليلا ثم رحل ، وبعدها مرت الأيام .. * أنا أعمل منذ تخرجي ، وقد قاربت علي الإنتهاء من تجهيز نفسي للزواج ، تنقصني حويجات قليلة .. ولكن ليست تلك هي العقبة ، بل " العريس " هو العقبة الأكبر في حياتي .. فكل من أتي لخطبتي ورآني فقد ذهب ولم يعد ، علي الرغم من أني لست بذلك القبح الذي يظنونه بي .. فجميعهم ينظر إلي السطحيات ، ولا أحد منهم ينظر لمرة واحدة بداخل أعماقي ، فأنا إنسانة رقيقة من داخلي وأريد الزواج والإستقرار ، وسأحافظ علي زوجي وأصونه ، وأطيعه ، وأخلص له ، وسأبقي له سندا في حياته ووقت شدته .. بدأ السن يتقدم بي ، أحلم دائما بأسرة وأطفال وزوج ، ورضي من الله لا أكثر كباقي شبيهاتي .. ولكن البشر مصرون علي إنبات قلبي بآلام وجراح لا تنتهي ، ومداومون علي توفير ماء التجاهل حتي لاتذبل آلامي .. إحدي زميلاتي أخبرتني أنها أحضرت لي عريسا .. وهذا العريس رقم " عشرون " ولا أدري هل سيكن من نصيبي أم سيزيد قائمة الهاربين عددا .. إتفقنا وحددنا موعدا ، وأتي اليوم ، كانوا سعداء وأنا كنت حزينة .. فجأة ، حضر العريس وعائلته ، وفوجئت بأن العريس هو ذلك الشاب الذي غازلني وإتبعني من قبل .. ووافق الجميع ، وقرأنا الفاتحة وتمت خطبتي والحمد لله .. فحمدت الله وتأكدت بأن نصيب الفتاة حتما ستلقاه ، ولا داعي للتزين والتعري حتي تجذب عريسا ، فحينها لن يبارك الله في مثل تلك الجيزات .. ذات مرة كنت أتحدث مع خطيبي فسألته : شوكت هو إيه اللي شدك ليا وخلاك تخطبني ؟ رد خطيبي : صاحبتك كلمتني عنك كتير ، انا كان نفسي أرتبط بحد زيك من زمان ، وفسخت اكتر من مرة ، وأول ماشفتك حسيت أن أعرفك من زمان ، وسمعت حاجة من جوايا بتقولي " هي دي ياشوكت اللي بتدور عليها ، متسبهاش تضيع منك دي أحسن بنت فالوجود " .. * فصدمت من إجابته ، وتذكرت الشيطان العجوز الذي كان يريد تزويجي بأي طريقة ، وأظنه قد فعل ... ****