وزير التعليم العالي: الجامعات الأهلية تمتلك زخمًا من الخبرات الأكاديمية    رئيس جامعة طنطا يتفقد الامتحانات بمركز الاختبارات الإلكترونية بالمجمع الطبي    برلماني: موازنة 2025 الأضخم في تاريخ الدولة المصرية    مركز طبي ومزرعة بحثية.. رئيس جامعة الإسكندرية يتفقد المنشآت الجديدة بفرع تشاد (صور)    ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت اليوم الاثنين (موقع رسمي)    البحيرة تبحث الاستفادة من أصول مصنع التغذية المدرسية    3.5 مليار جنيه.. وزير النقل يستعرض موازنة شركة دمياط لتداول الحاويات 2024-2025    لليوم الثالث.. التموين تواصل صرف مقررات يونيو والسكر ب 12.60 جنيه    وزير الإسكان يشدد على تسليم الوحدات السكنية للعملاء المقبولين في موعدها    حسام هيبة: «رؤية مصر 2030» مُصممة للحماية من المخاطر المستقبلية    القناة ال14 الإسرائيلية: صفقة تبادل الأسرى ستتوقف بعد المرحلة الأولى    شكري: الحرب على غزة تعرض المنطقة للفوضى    بعد انسحاب قوات الاحتلال.. فلسطينيون يرون كيف أصبح حال مخيم جباليا    ألمانيا تستضيف تدريبات جوية لقوات الناتو    فرق الإنقاذ الألمانية تواصل البحث عن رجل إطفاء في عداد المفقودين في الفيضانات    كوريا الجنوبية تعلق اتفاقية خفض التوتر مع نظيرتها الشمالية    الرئيس الأوكراني يوجه الشكر للفلبين لدعم قمة سلام مقبلة في سويسرا    المؤتمر: الأمن القومي المصري خط أحمر ودعم القضية الفلسطينية رسائل الحوار الوطني    "أبيض من جوا".. تركي آل الشيخ يوجه رسالة ل أفشة    "ما حدث مصيبة".. تعليق ناري من ميدو على استدعائه للتحقيق لهذا السبب    التشكيل المتوقع لودية ألمانيا وأوكرانيا ضمن استعدادات يورو 2024    إصابة شخصين إثر انقلاب دراجة نارية في مدينة 6 أكتوبر    لطلاب الثانوية العامة 2024.. شاهد المراجعة النهائية للجيولوجيا والعلوم البيئية    الحماية المدنية تنقذ مركز شباب المنيب من حريق ضخم    فرحة بين طلاب العلمي بالثانوية الأزهرية 2024 لسهولة امتحان القرآن    تعليم القاهرة: التظلمات على نتيجة الشهادة الإعدادية مستمرة 15 يوما    لماذا رفض الروائى العالمى ماركيز تقديم انتوني كوين لشخصية الكولونيل أورليانو في رواية "100 عام من العزلة"؟ اعرف القصة    صديق سمير صبري: سميرة أحمد كانت تزوره يوميا والراحل كان كريماً للغاية ويفعل الخير بشكل مستمر    بسبب وفاة والدة محمود الليثي.. مطربون أجلوا طرح أغانيهم    وزير الصحة يستقبل مدير المركز الأفريقي لمكافحة الأمراض لتعزيز التعاون    فحص 1600 مواطنا في قافلة طبية في بني سويف    علقت نفسها في المروحة.. سيدة تتخلص من حياتها بسوهاج    ليكيب: ريال مدريد سيعلن عن التعاقد مع مبابي اليوم الإثنين    رئيس البعثة الطبية للحج: جاهزون لاستقبال الحجاج وفيديوهات إرشادية للتوعية    شوبير عبر برنامجه : عبد المنعم رفض مد تعاقده مع الأهلي .. وصراع الوكلاء يهدد صفقة عطية الله .. والوكرة القطري لم يقدم عرضاً لضم أليو ديانج    شوبير يكشف مصير ديانج وكريستو فى الانتقالات الصيفية    النقل تناشد المواطنين المشاركة في التوعية من مخاطر ظاهرة رشق الأطفال للقطارات بالحجارة    المكتب الإعلامى الحكومى بغزة: أكثر من 3500 طفل معرضون للموت بسبب سياسات التجويع    فيلم «التابعي.. أمير الصحافة» على شاشة قناة الوثائقية قريبًا    هل يجوز ذبح الأضحية ثاني يوم العيد؟.. «الإفتاء» توضح المواقيت الصحيحة    تأييد الحكم بحبس مدير حملة أحمد طنطاوي    بالصور.. رئيس جامعة القاهرة يطمئن على سير أعمال الامتحانات بالكليات    البورصة تستهل الجلسة الصباحية بتراجع جماعى لمؤشراتها    وزير الصحة: نفذنا 1214 مشروعا قوميا بتكلفة تقترب من 145 مليار جنيه    أول تعليق من التعليم على زيادة مصروفات المدارس الخاصة بنسبة 100 ٪    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    شرف عظيم إني شاركت في مسلسل رأفت الهجان..أبرز تصريحات أحمد ماهر في برنامج "واحد من الناس"    كيفية حصول نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بني سويف    أحداث شهدها الوسط الفني خلال ال24 ساعة الماضية.. شائعة مرض وحريق وحادث    متحدث الوزراء: الاستعانة ب 50 ألف معلم سنويا لسد العجز    فضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وفقا لما جاء في الكتاب والسنة النبوية    «رئاسة الحرمين» توضح أهم الأعمال المستحبة للحجاج عند دخول المسجد الحرام    محمد الباز ل«بين السطور»: «المتحدة» لديها مهمة في عمق الأمن القومي المصري    وزير الصحة: تكليف مباشر من الرئيس السيسي لعلاج الأشقاء الفلسطينيين    أفشة: كولر خالف وعده لي.. وفايلر أفضل مدرب رأيته في الأهلي    دعاء في جوف الليل: اللهم افتح علينا من خزائن فضلك ورحمتك ما تثبت به الإيمان في قلوبنا    مصرع 5 أشخاص وإصابة 14 آخرين في حادث تصادم سيارتين بقنا    الإفتاء تكشف عن تحذير النبي من استباحة أعراض الناس: من أشنع الذنوب إثمًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السراية...!
نشر في شباب مصر يوم 30 - 08 - 2015

فى يوم من أيام النحس المركب وما أكثرها فى هذا الزمن.. طلب منى أحد جيرانى الأفاضل أن أصطحبه لزيارة مريض يمت له بصلة قرابة.. ولأن رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه قد أوصانا بالجار خيرا ثم أن زيارة المريض صدقة فقبلت الصحبة وبعد أن أصبحنا داخل السيارة كان من الطبيعى أن أسأله عن مكان المستشفى فأجاب أنها فى (العباسية) فتوجست خيفة وصارت فى بدنى قشعريرة جعلت مفتاح إدارة المحرك لم يأخذ مكانه الصحيح إلا بعد فترة!.. فاستوضحت جارى قائلا "هى مستشفى إيه بالضبط؟!".. فأجاب باقتضاب "العباسية!".. قلت "أنا عارف.. لكن أى مستشفى فى العباسية؟!" فرد مستنكرا سؤالى "مستشفى الأمراض النفسية".. قلت "هو فيه فى العباسية مستشفيان.. واحدة للأمراض النفسية والأخرى للأمراض العقلية؟!".. فقال مؤنبا "لأ ياسيدى.. هي هي.. كان اسمها فى الأول مستشفى الأمراض العقلية وبعدين غيروها لإسم مريح فسموها مستشفى الأمراض النفسية.. ويلا نمشى عشان كده اتأخرنا عن الزيارة".. بدأت التحرك والتوتر لازال يلازمنى ولست أدرى لماذا تسبب لى مثل هذه السيرة حساسية خاصة تجعلنى أشعر كما لو كانت حشرة ما وجدت طريقها إلى أعلى الظهر عبر منطقة الرقبة!.. ربما لأن حكاية (الفلاش باك) التى ترد الواحد فينا إلى الطفولة فيتذكر أن القرية المصرية كانت لاتخلو من مجنون يزفونه الأطفال فى شوارع القرية والمسكين لايدرى مايدور من حوله فكان هذا الموقف بقدر مايثير الشفقة كان يثير الخوف وقد استمرأ مؤلفوا الدراما فى بلادنا هذا المشهد فحشروه فى أعمالهم بمناسبة ومن غير مناسبة!.. وحتى أهدئ من روعى حاولت أن أتصنع المرح فقلت "نفسية مين يا عم وعقلية مين.. آهى مستشفى مجانين وخلاص.. مش هى دى برضه اللى كانوا بيسموها السراية الصفرا!".. فلزم الصمت فشعرت بأنى (عكٍيت) فى الكلام وجرحت شعوره.. فحاولت إصلاح ما أفسدت "يا عم كلنا مجانين.. طيب بص فى الشارع قدامك.. بزمتك دى تصرفات ناس عاقله!".. وبعد أن عجزت عن دفعه للحديث بادلته الصمت حتى اقتربنا من سور المستشفى وفجأة وقبل أن نصل إلى بابها الخارجى سمعت أصوات (دربكة) يأتى من الجهة اليمنى لسيارتى بالقرب من سور المستشفى فوقفت بمحازاة الرصيف بجوار السور لأستطلع الأمر فوجدت الإطار الخلفى قد أفرغ ما فى بطنه من هواء واقترب جلده من الأرض .. بدأت أتشاءم من هذا اليوم الذى أعلن فى أوله أنه لن يكون له آخر ولن يفوت على خير.. أخرجت (الفردة) الإحتياطية والرافعة من شنطة السيارة وقمت بتخفيف رباط مسامير العجلة ثم رفعت السيارة وأكملت فك المسامير الأربعة فأخذها جارى لوضعها على أرض الرصيف بالقرب من السور ورفعت الإطار المصاب فأشفق علىً جارى من حمله فأخذه عنى إلى شنطة السيارة وفى هذه الأثناء سمعت خلفى ضحكات مكتومة فالتفت فى عصبية ظاهرة لأجد خلفى داخل سور المستشفى رجلا بينه وبين الخمسين عاما سحابة نهار يلتصق بالسور ولاحظت أن بيده فرع شجرة يتميز بأنه صغير ويابس ومعكوف من نهايته مثل بعض أنواع العصىً فحمدت الله أننى لست فى مرمى (بندقيته) الخشبية!.. لكن الخوف صور لى أن أنفاسه تلسع مؤخرة رأسى!.. أسرعت فى وضع الإطار الإحتياطى مكانه لكن التوتر جعل تلك العملية الروتينية تأخذ وقتا فأصابتنى (اللخمة) التى تنتاب العريس عندما يقوم بتقليد عروسه سوار (الشبكة)!.. طلبت من جارى أن يأتى بالمسامير الأربعة التى ألقاها على الرصيف لربط العجلة وإنهاء هذه المهمة التى لم يكن هذا وقتها.. قفز الرجل إلى الرصيف ثم عاد قائلا "هى مش معاك؟!".. قلت والشرر فى عينيً "معايا منين.. دا انت حطتها بإيدك على الرصيف".. تركت الإطار معلقا بالسيارة وقمنا بعملية تمشيط بحثا عن المسامير مثل تمشيط رجال أمن الدولة عند البحث عن ناشط يخالف المسيرة!.. لم تفلح مجهوداتنا فى العثور على المسامير الأربعة.. أسقط فى أيدينا.. وبدأ ينظر كل منا إلى الآخر نظرات بلهاء عاجزة عن التعبير وأصبح لايجد أحدنا مايقوله فى الوقت الذى يعلو فيه صوت ضحكات الرجل من خلفنا فاتجهنا إليه مع الإحتفاظ بالمسافة المناسبة التى ينصح بها رجال المرور منعا للإصطدام ويرفضها تماما سائقوا الميكروباص و(العيال الروشة).. وجدنا صاحب الخمسين عاما قد أخذته النشوة وهو يؤدى قفزات شبيهة بالكنغر ثم اقترب من السور.. وبسرعة ولاإراديا أخذنا نحن أيضا خطوة إلى الخلف فلمحناه يفتح يده عن المسامير الأربعة التى قد استخدم عصاه بذكاء لاقتناصها من فوق الرصيف فى غفلة منا!.. حلا للمشكلة بدأنا نضحى بشئ من الأمن فاقتربنا منه وكل منا يكاد يسمع دقات قلب الآخر! وأخذت أنا وجارى نتبادل عمليات الملاطفة والإستجداء دون جدوى.. وفوجئت به يقول "لو جدع اطلعلى برًه!".. ظناً منه أننا الذين داخل السور أما هو فيتمتع بحريته خارج الأسوار!".. نسيت المسامير للحظات وشغلنى تعبير الرجل وسألت نفسى "من منا فى السجن نحن أم هو؟!.. ومن منا ينعم بالحرية نحن أم هو؟!.. هل الحرية نسبية أم مطلقة؟!.. هل الحرية خيال أم واقع؟!.. وهل لابد أن يكون للسجن أسوارا؟!" ولأول مرة يخالجنى إحساس بأن لكل إنسان سجن ضاق عليه أو اتسع.. منا من هو سجين لفكرة لم تتحقق.. ومنا من كان سجينا لأمل كلما اقترب منه بَعُد عنه.. وعندما تذكرت الجملة الشهيرة فى أفلام البلطجة "السجن للجدعان" شعرت بفخر وأصلحت من ربطة عنقى لأننا (جدعان) فنحن سجناء لسيطرة فئات ضالة يتاجرون بمعاناة المواطنين ولاتجد من يردعها!..
أيقظنى صديقى من تأملاتى وأنقظنى من أفكارى فنبهنى أن الوقت يمر ولابد من حل.. بدأنا شوطا آخر بالحوار مع صاحبنا خلف السور فنستجديه وهو لايكف عن الضحك حتى قال "يا مجنون يا أهبل.. شغل مخك وصرف نفسك!".. لم أستطع أن أكتم غيظى خاصة والكلام موجه إلىً ولاأدرى كيف علم أننى صاحب السيارة!.. فقلت له "طيب أنا مجنون.. خليك انت العاقل وقل لى يا فالح أصًرف إزاى والمسامير معاك؟!".. زادت لديه هستيرية الضحك كأن كلامى قد خرج من فم واحد أهبل فعلا!.. ثم سكت لحظة قبل أن يقول بنبرات ساخرة والشماتة فى عينيه "يا...." أما مكان النقط فهوإسم حيوان من النوع الذى يتحمل المشقة والذى كتب عنه توفيق الحكيم إحدى رواياته!.. ثم أكمل: "فك مسمار من كل عجلة يكون معاك ثلاث مسامير تربط بيهم العجلة المفكوكة!".. ثم أخذ يبتعد ونوبات ضحكاته لاتنتهى.. تملكنى إحساس بأن الجهات الأصلية قد تغيرت وأن فوق أصبح تحت وأنا لست أنا فربما أكون أنا المجنون فعلا!.. لكن ماهو تعريف المجنون؟.. بالتأكيد لم أصل بعد إلى هذه الحالة الشرفية فلا أملك صفاء الذهن الذى يتمتع به هذا الرجل.. سحبنى جارى إلى داخل المستشفى وأنا غارق فى خيالى الذى صور لى أن كل إنسان به (حتة) جنون وكلما نمت هذه (الحتة) فإن الجسور بينه وبين الواقع تذوب وإن وصلت هذه (الحتة) إلى الحد الأقصى وتنقطع وسائل الإتصال مع العقل فإما تصل السعادة إلى منتهاها و(يشعشع) الفكر والإبداع فتتحقق المقولة "الفنون جنون"! أو تتغير المفاهيم تماما وينفلت الزمام وتنتقل القيادة الإنسانية من العقل إلى العضلات فينفجر البناء الإنسانى مولدا ضراوة الحيوان فلا يجد المسئول فى المستشفى غير خيار واحد وهو ما يسمى "الحجرة القوية"!.. فالحمد لله أن (حتة) الجنون لديً مازالت (مجهرية)! والحمد لله مثبت العقل والدين.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.