من رحمة ربنا سبحانه وتعالى إنه لم يكتب الصيام على عامة المسلمين .. إنما كتبه سبحانه على المؤمنين فقط في قوله تعالى في سورة البقرة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) .. فالآية الكريمة أوضحت أن الخطاب الإلهي موجه للمؤمنين . والحكمة الإلهية في كون رب العالمين كتب الصيام على المؤمنين دون عامة المسلمين تكمن في ذات الآية في قوله تعالى : ( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ..فاللفظ الإلهي ( لَعَلَّكُمْ ) جاء للتعليل .. رجاءا للتقوى .. لنعرف من ذلك سبب كتابة الصوم على المؤمنين فقط دون غيرهم .. والسبب وضح وضوحا جليا في ابتداء السورة من قوله تعالي ( الم .ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين ) والمتقون في مبتدأ كتاب الله اتقوا ربهم بإتباعهم ستة سبل حددها رب العالمين في تتابع آيات أول سورة البقرة بقوله تعالي عن المتقين : 1 الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ 2 وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ 3 وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ 4 وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ 5 وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ 6 وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ . طرق التقوى هذه أوصلت أصحابها إلى الهدي والفلاح .. كما قال رب العالمين في الآية التالية للست سبل : ( أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ).. وقد أفلح المؤمنون كما قال رب العالمين في مبتدأ سورة المؤمنون : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) .. أفلح المؤمنون الذين كتب عليهم الصيام لأنهم اهتدوا بالطرق الستة واختصوا بها عن عامة الناس . أما خاصة المؤمنين فأضافوا على الستة طرق ستة أفعال ميزتهم عن عامة المؤمنين .. فامتازوا كما في سورة المؤمنون بأنهم 1 الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ 2 وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ 3 وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ 4 وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ 5 وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ 6 وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ .. لذلك كُتِبَ عليهم الصيام لأن الصيام من أعمال القلوب والحواس .. والحواس جنود القلوب .. وقلوب المؤمنين في هذه الدرجة الإيمانية انعقدت إرادتها في الصوم على ما هوته و مالت إليه.. فجاءت أفعال حواسهم موافقة لباطنهم محققة نية الصيام في قلوبهم .. فغاصت قلوبهم بحواسها الخمس السمع والبصر والشم والتذوق واللمس في الصيام عن كل ما يغضب الله وفعل كل ما يرضي الله ظاهرا وباطنا .. لذلك أورثهم ربهم الفردوس جزاء أفعالهم .. قائلا جل وعلا في التالية لأفعالهم الستة : ( أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ .. الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) فلم يكن صيام خاصة المؤمنين أصحاب الفردوس هو فقط إمساك عن الطعام والشراب والجماع ولا المحافظة على الصلاة وفعل الزكاة .. إنما انغمست قلوبهم في هوي حب الله وانصبت حواسهم الخمس في الصيام والتقوى والخشوع .. فصامت مكنونات أنفسهم بأحاسيسها ومشاعرها عما يغضب الله وارتقت في عبادة وذكر الله . أما عامة المؤمنين فقد احتذوا بأفعال خاصتهم في عبادة الصيام ظاهرا وباطنا بالقلب والحواس فهم جميعا العامة والخاصة كتب عليهم الصيام .. أما عوام المسلمين فلم يكتب عليهم الصيام إنما فرض عليهم تخفيفا .. ونحمد الله سبحانه أنه فرض الصيام على العامة ولم يكتبه ويسجله عليهم .. فلو كان الأمر كذلك لأصبح صيام العامة صيام القلب و الحواس .. وهو مالا طاقة لنا به .. ولآن ربنا رءوف رحيم فقد كُتِبَ الصيام على المؤمنين .. ولم يُكتب على عامة المسلمين . باحث إسلامي علاء أبوحقه