حزب العدل يشارك في قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    عيار 21 بكام بعد الارتفاع الجديد؟.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الأحد 5 مايو 2024 بالصاغة    بعد معركة قضائية، والد جيجي وبيلا حديد يعلن إفلاسه    أسعار السمك اليوم الأحد 5-5-2024 بعد مبادرة «خليها تعفن»    بورصة الدواجن اليوم.. أسعار الفراخ والبيض اليوم الأحد 5 مايو 2024 بعد الارتفاع    هل ينخفض الدولار إلى 40 جنيها الفترة المقبلة؟    حملة ترامب واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري تجمعان تبرعات تتجاوز 76 مليون دولار في أبريل    عاجل.. رعب في العالم.. فيضانات وحرارة شديدة ومئات القتلى بسبب تغير المناخ    تظاهر آلاف الإسرائيليين بتل أبيب للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة    علي معلول: تشرفت بارتداء شارة قيادة أعظم نادي في الكون    أحمد مصطفى: نُهدي لقب بطولة إفريقيا لجماهير الزمالك    العمايرة: لا توجد حالات مماثلة لحالة الشيبي والشحات.. والقضية هطول    الأرصاد: انخفاض مفاجئ في درجات الحرارة.. وشبورة مائية كثيفة صباحًا    تشييع جثمان شاب سقط من أعلي سقالة أثناء عمله (صور)    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. الأحد 5 مايو    كريم فهمي: لم نتدخل أنا وزوجتي في طلاق أحمد فهمي وهنا الزاهد    تامر عاشور يغني "قلبك يا حول الله" لبهاء سلطان وتفاعل كبير من الجمهور الكويتي (صور)    حسام عاشور: رفضت عرض الزمالك خوفا من جمهور الأهلي    ضياء رشوان: بعد فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها لا يتبقى أمام نتنياهو إلا العودة بالأسرى    عمرو أديب ل التجار: يا تبيع النهاردة وتنزل السعر يا تقعد وتستنى لما ينزل لوحده    مصطفى بكري: جريمة إبراهيم العرجاني هي دفاعه عن أمن بلاده    البابا تواضروس يصلي قداس عيد القيامة في الكاتدرائية بالعباسية    حسب نتائج الدور الأول.. حتحوت يكشف سيناريوهات التأهل للبطولات الأفريقية    مختار مختار ينصح كولر بهذا الأمر قبل نهائي إفريقيا أمام الترجي    الآلاف من الأقباط يؤدون قداس عيد الميلاد بالدقهلية    محافظ الغربية يشهد قداس عيد القيامة بكنيسة مار جرجس في طنطا    مصرع شاب غرقا أثناء الاستحمام بترعة في الغربية    إصابة 8 مواطنين في حريق منزل بسوهاج    رئيس قضايا الدولة من الكاتدرائية: مصر تظل رمزا للنسيج الواحد بمسلميها ومسيحييها    كاتب صحفي: نتوقع هجرة إجبارية للفلسطينيين بعد انتهاء حرب غزة    احتجاج مناهض للحرب في غزة وسط أجواء حفل التخرج بجامعة ميشيجان الأمريكية    الزراعة تعلن تجديد اعتماد المعمل المرجعي للرقابة على الإنتاج الداجني    اليوم.. قطع المياه عن 5 مناطق في أسوان    مكياج هادئ.. زوجة ميسي تخطف الأنظار بإطلالة كلاسيكية أنيقة    دار الإفتاء تنهي عن كثرة الحلف أثناء البيع والشراء    حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد    صناعة الدواء: النواقص بالسوق المحلي 7% فقط    أبو العينين وحسام موافي| فيديو الحقيقة الكاملة.. علاقة محبة وامتنان وتقدير.. وكيل النواب يسهب في مدح طبيب "جبر الخواطر".. والعالم يرد الحسنى بالحسنى    عاجل.. مفاجأة كبرى عن هروب نجم الأهلي    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    عبارات تهنئة بمناسبة عيد شم النسيم 2024    تساحي هنجبي: القوات الإسرائيلية كانت قريبة جدا من القضاء على زعيم حماس    رئيس جامعة دمنهور يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكاتدرائية السيدة العذراء    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    نميرة نجم: حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها غير موجود لأنها دولة احتلال    سعاد صالح: لم أندم على فتوى خرجت مني.. وانتقادات السوشيال ميديا لا تهمني    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    صيام شم النسيم في عام 2024: بين التزام الدين وتقاطع الأعياد الدينية    بعد الوحدة.. كم هاتريك أحرزه رونالدو في الدوري السعودي حتى الآن؟    عوض تاج الدين: تأجير المستشفيات الحكومية يدرس بعناية والأولوية لخدمة المواطن    لطلاب الثانوية العامة 2024.. خطوات للوصول لأعلى مستويات التركيز أثناء المذاكرة    محافظ بني سويف يشهد مراسم قداس عيد القيامة المجيد بمطرانية ببا    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    نجل «موظف ماسبيرو» يكشف حقيقة «محاولة والده التخلص من حياته» بإلقاء نفسه من أعلى المبنى    شديد الحرارة ورياح وأمطار .. "الأرصاد" تعلن تفاصيل طقس شم النسيم وعيد القيامة    المنيا تستعد لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    مهران يكشف أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في التأمين    من القطب الشمالي إلى أوروبا .. اتساع النطاق البري لإنفلونزا الطيور عالميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد سيف الإسلام بوفلاقة المسرح والفرجات

يقدم الباحث الدكتور حسن يوسفي من خلال كتاب«المسرح والفرجات» مجموعة من الدراسات المتميزة عن موضوع مهم يتصل بعوالم المسرح، و ما يزال يستحق الكثير من الأبحاث والدراسات.
وينطلق في كتابه هذا الصادر حديثاً(أكتوبر2012م)عن منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة من رهان معرفي يسعى إلى بلورته،وهو اتخاذ المسرح منطلقاً لاستكناه حقيقة الفرجات،أو اتخاذ الفرجات أفقاً لإعادة التفكير في المسرح،وذلك من خلال الوقوف على الكثير من المظاهر المختلفة التي تتعلق بالفرجات التقليدية والحديثة على حد سواء،وعلى جوانب من علاقاتها الضمنية أو الصريحة مع المسرح.
يشير الدكتور حسن يوسفي في مقدمة الكتاب إلى أن الفرجات تحظى اليوم باهتمام بالغ من لدن بعض المحافل العلمية على الصعيد الدولي،وهذا الاهتمام يرجع إلى أن المنظورات التي كانت سائدة حولها ما فتئت تتجدد باستمرار،نظراً لما أصبحت تفرزه هي نفسها من أشكال وأنماط فرجوية مغايرة نتيجة تفاعلها مع التحول الهائل الذي تعرفه التعبيرات الثقافية في عالم معولم،ونظراً لتجدد وتنوع المقاربات التي اهتمت بها،و ذلك في ضوء ما تبلوره الأبحاث المعاصرة في مجال دراسات الفرجة، وفي ظل هذا الاهتمام المعرفي،فالدكتور حسن يوسفي يسعى إلى اقتراح مقاربة لها في علاقتها بالسياقات الثقافية التي أفرزتها،سواء أكانت سياقات تقليدية أو حداثية،وقد اختار مجموعة من النماذج لذلك:فرجات طقوسية أو جسدية أو إيقاعية أو ترفيهية أو غيرها،وهي تتصل إما بالمجال المغربي أو العربي أو الغربي.
وقد بين الدكتور حسن يوسفي أن عمله هذا يهدف إلى بلورة رؤية مغايرة عن فرجة الحلقة،وكذا عن بعض الطقوس والتعبيرات الفرجوية في منطقة مغربية لها خصوصياتهاوهي منطقة تافيلالت،كما يحرص على تسليط الضوء على بعض الأنماط الحديثة من الفرجات التي أفرزتها الثقافة الغربية المعاصرة.
كما يؤكد المؤلف في مقدمة الكتاب على أن البحث في الفرجات هو مجال حيوي ومتجدد باستمرار ومفتوح على كل الآفاق المعرفية،و لذلك فتزايد الاهتمام بها في المحافل الأكاديمية والجامعية هو أمر مطلوب،كما أن دعم المشاريع الفكرية المتصلة بدراستها هو رهان معرفي مهم ما أحوج ثقافتنا إليه، و لاسيما أن الفرجات تعتبر تعبيرات تتقاطع فيها مختلف الأبعاد الإنسانية والاجتماعية والثقافية والسياسية لمجتمع ما، وهي تشكل مرآة لفهم ذلك المجتمع واستيعاب صيرورته.
الفرجوي بين الحلقة والمسرح:
المبحث الأول من الكتاب حمل عنوان«الفرجوي بين الحلقة والمسرح»،وقد عالج فيه الدكتور حسن يوسفي مجموعة من القضايا التي تتصل بإشكالية(الفرجوي)،وأشار إلى أن من بين المقاربات الجديدة التي قدمت عن المسرح المغربي وتبلورت خلال العقد الأخير من القرن الماضي،تلك التي صاغها الدكتور خالد أمين،حينما أكد على تموضع الفرجة المسرحية المغربية في إطار ما سمي بالمابينية أو فضاء الهجنة أو الفضاء الثالث،فهذه الفرجة عاشت ما يربو على نصف قرن في ظل التجاذب القسري بين بنية الذات وبنية الآخر،بين السرد الغربي والسرد المحلي،وقد أفرزت في الأخير ريبرتواراً هجيناً.
وقد بلور الدكتور خالد أمين أطروحته انطلاقاً من منظور النقد الثقافي وفكر الاختلاف،و حاول معالجة وضعية المسرح المغربي في ضوء الإشكالات الكبرى للثقافة المغربية ومنها ثنائيات:الأنا-الآخر،الاستعمار-ما بعد الاستعمار،الشرق-الغرب،الثقافة الشعبية-الثقافة العالمة،الشفوي-المكتوب،الهوية-الاختلاف.
ويقترح الدكتور حسن يوسفي وضع لبنة أخرى تتوسل بمصطلح دقيق،يتقاطع فيه البعد الشعري(نسبة إلى الشعرية)والأنثروبولوجي،وهو مصطلح(الفرجوي)،وفي ضوئه يمكن إعادة النظر في العلاقة المفترضة بين الحلقة والمسرح في المغرب.
وبالنسبة للعلاقة القائمة بين الفرجوي والتمسرح،فهي بقدر ما تشير إلى وجود اختلاف جوهري بينهما تسمح بتقاربهما،فالتمسرح والفرجوي يتموقعان معاً بجانب المغالاة والتجاوز،بل والتضخيم،والاختلاف الذي يظهر بينهما يتمثل في كون التمسرح يحيل على خصوصية الفن الذي ينتجه،في حين يركز الفرجوي على وظيفة الفرجة التي هي التوجه نحو المتفرج،أو بعبارة أدق قوة التأثير في المتفرج.
وقد درس المؤلف الفرجوي بين المصطلح والدلالة،وذهب إلى أن الفرجوي استعمل باعتباره صفة وموصوفاً في آن واحد،واستعماله بالصيغة الأولى أقدم بكثير من استعماله بالصيغة الثانية،«وقد استعمل الفرجوي بمعنى ما يُعرض أو يقدم للمشاهدة بكيفية مثيرة وغير عادية.وبهذا المعنى استغل في المدونة اليومية،حيث غالباً ما أسندت صفة فرجوي لحادثة أو عملية تحقيق،أو ندوة صحفية،أو مقابلة رياضية،أو غيرها.
وقد اتخذ في هذا السياق اليومي دلالتين متعارضتين:إحداهما قدحية وتعتبر أن الفرجوي هو ما يثير دون أن تكون له أية فائدة،والثانية إيجابية وتربطه بما يثير المفاجأة والإعجاب نظراً لأهميته أو سرعته أو اتساعه،أو غير ذلك من الخصائص الإيجابية.هذا،علاوة على كون الفرجوي قد تحول إلى صيغة تقنية في بعض السياقات الدقيقة،كالسياق الطبي حيث يعبر الأطباء عن الجرح البارز أو الخارجي بالجرح الفرجوي كمقابل للجرح الداخلي.
وإذا كانت الدلالة اللغوية للفرجويباعتباره صفة قد جعلته مفتوحاً على مدونات مختلفة،فإن استعماله كموصوف،والذي يعود-حسب البعض-إلى بداية الأربعينيات من القرن الماضي كان فاتحة لإدخاله في المجال الاصطلاحي،وبالتالي ربطه بمجاله الطبيعي الذي هو الفرجة،وضمنها المسرح»(ص:12).
والمقصود بالفرجوي-كما يرى المؤلف-هو ما يثير الحواس،وما يثير اهتمام ذاك الذي يشاهد،أو يسمع بسبب خاصية لا يومية أو مظهر خارق غير منتظر،وبسبب تجاوز معيار مقبول.
وقد توصل الدكتور حسن يوسفي إلى أن الفرجوي سواء كان في الحلقة أو في المسرح،فإن ثمة خصائص مشتركة تلازمه سواءً هنا أو هناك،وذكر من بينها:
«-الفرجوي يتميز ببعده التاريخي،فمحتوياته وأشكاله تتغير بتغير العصور،ذلك لأن له علاقة بالمعيش بالسياق السياسي والاجتماعي،بتاريخ الذوق والحساسيات والإيديولوجيات.
-الفرجوي غالباً ما يكون مرئياً،لكنه قد يكون مسموعاً أيضاً...
-الفرجوي نقيض المعرفي أو العقلاني،فهو ليس لحظة تأمل لأن أثره يجمد الوعي والفكر،ولا يسمح في لحظة التنفيس بوقت التفكير،لذا فإن شروط تلقيه متجانسة من هذه الزاوية،سواء في الحلقة أو في المسرح»(ص:14-15).
في الأخير تساءل المؤلف:ما الذي يتبقى من الفرجوي،وما الذي ينضاف إليه،عندما يتحول من سياق الحلقة إلى سياق المسرح؟
وقد أجاب عن هذا السؤال بالقول«إنه،باختصار يفقد قوة تأثيره في المتفرج لكنه يربح بالمقابل صيغاً جديدة للتكيف والتبلور حسب ما تقتضيه شروط التمسرح.ومن ثم،فالجمع بين الحلقة والمسرح في إطار فرجة واحدة يقدم شكلاً هجيناً ،كما هو الشأن في العديد من التجارب المسرحية المغربية التي ركبت هذه الموجة طمعاً في تأسيس هوية خاصة للمسرح المغربي.إنها إحدى اليوتوبيات الكبرى لهذا المسرح تنكسر على صخرة أطروحة الهجنة التي صاغها الدكتور خالد أمين،والتي حاولنا تدعيمها هنا بطريقتنا الخاصة».
تافيلالت...فضاءً للفرجات:
في المبحث الثاني من الكتاب تحدث الدكتور حسن يوسفي عن تافيلالت بصفتها فضاءً للفرجات،فذكر في البدء أن الحديث عن الفرجات الفيلالية يقترن باستحضار تافيلالت باعتبارها فضاء ثقافياً له امتداداته التاريخية والجغرافية الضاربة في عمق التخوم الجنوبية الشرقية للمغرب.
وبالنسبة للفرجات الفيلالية فهي شأنها شأن الفرجات الإنسانية بشكل عام تتخذ أشكالاً وصيغاً متنوعة،فتتمظهر في شكل طقوس وشعائر أو احتفالات أو أعياد،كما يتمازج فيها الرقص بالغناء و الإنشاد،وتعتمد مختلف اللغات والوسائل التعبيرية المستعملة في الفرجات بما فيها الكلمة سواءكانت حكياً أو شعراً أو زجلاً أو غيره،إضافة إلى الإيقاع والجسد.
ويتساءل الدكتور حسن يوسفي عن كيفية تصنيف المتن الفرجوي الفيلالي؟وما هي المبادئ التي يمكن اعتمادها في نمذجة الفرجات الفيلالية لاسيما وأنها تتقاطع مع الصيغ العامة للفرجات الإنسانية من حيث الوسائل والأشكال التعبيرية،وإن كانت تتميز عنها من حيث طرائق تمثلها لهذه الوسائل ولأبعادها الاجتماعية والأنثروبولوجية؟
يعتقد المؤلف أنه بالإمكان تصنيف الفرجات الفيلالية إلى ثلاثة أصناف كبرى هي:
-فرجات طقوسية.
-فرجات جسدية.
-فرجات إيقاعية.
يقصد بالفرجات الطقوسية تلك التي تندرج في صلب الحدث الديني أو الاجتماعي المرتبط بالحياة اليومية أو بالفترات الزمنية الحاسمة في معيش الإنسان الفيلالي،وهي تقسم إلى فرجات ذات طابع روحي أو ديني،وتندرج ضمنها طقوس الزوايا،وهناك فرجات تتخذ طابعاً سوسيولوجياً وتندرج في صلب بعض الاشغال الموسمية للإنسان الفيلالي في علاقته بأرضه وبمعيشته.
في حين أن طقوس الزواج والأعراس تتخذ في الغالب شكل احتفال منظم تتخلله لحظات فرجوية مسننة ومنظمة يتم تنفيذها عبر مراحل ،ويشير المؤلف إلى أن الأعراس غالباً ما تكون مناسبة لانتعاش الفرجات الجسدية،لاسيما من خلال طبيعة الرقصات التي يتم تأديتها بشكل فردي أو جماعي،حيث تعرف كل منطقة من مناطق تافيلالت بفرجة جسدية خاصة لها سننها الخاص وترتيباتها المميزة.
ومن بين الفرجات التي تصنعها الكلمة بتافيلالت سواءً كانت شعراً أو زجلاً أو حكياً،يندرج ضمن هذا الإطار ما يعرف بالرباعيات.
ويذكر الدكتور حسن يوسفي في هذا البحث أن فن البلدي يعتبر«الفن الأكثر حضوراً في فرجات الفيلاليين،لاسيما خلال الأعراس ومختلف المناسبات العائلية،وهو مزيج من الزجل المحلي والطرب المعتمد على الإيقاع البطيء تارة والسريع تارة أخرى،وقد اشتهر من رواده المرحومان مولاي علي الفيلالي ومحمد باعوت،هذا الأخير الذي أضفى طابعاً فرجوياً منقطع النظير على هذا الفن.يتجلى ذلك في كونه فناناً شاملاً يجمع بين الرقص والغناء والضرب على بعض الآلات الإيقاعية،ناهيك عن كونه أدخل إلى البلدي بعداً جديداً تمثل في ثقافة الجسد بكل ما تحمله هذه الثقافة من دلالات مختلفة على صعيد التزيين والزي.مما يحول العديد من فرجات باعوت إلى فرجات بصرية وسمعية في آن واحد.
أما الرباعيات فهي عبارة عن أزجال تؤدى بكيفية فردية وجماعية في آن واحد،وتعرف بها على وجه الخصوص منطقة الجرف.وفي صلب هذه الأزجال يستشف السامع لها حكايات وفرجات ذهنية تعكس روح الفضاء الصحراوي الذي تنتمي إليه،بعاداته وتقاليده وطبائع أهله»(ص:37-38).
المواقع الأثرية الإسماعيلية...فضاءً للفرجة المسرحية الحديثة:
في المبحث الثالث من الكتاب،تطرق الدكتور حسن يوسفي إلى قضية(الفضاء)باعتبارها متغيراً من المتغيرات البارزة في الفرجة المسرحية الحديثة،وقد عالج هذه القضية من خلال تطرقه إلى المواقع الاثرية الإسماعيلية بمدينة مكناس المغربية، وأشار في سياق معالجته لهذه القضية إلى أن العديد من التجارب المسرحية الطليعية ذات النزعة المتمردة غالباً ما نظرت إلى قضية تفجير الفضاء المسرحي،وبالتالي إخراج المسرح من علبته الإيطالية التقليدية،باعتبارها قضية رئيسة وجوهرية تساعد على تحرير المسرح وتخليصه من القوالب الجاهزة،كما تجعل إبداعيته مفتوحة على آفاق جديدة في الإنتاج والتلقي.
وقد بين المؤلف في هذا البحث أن بعض التجارب المسرحية العالمية في أوروبا وأمريكا عمدت إلى إخراج الفرجة المسرحية إلى الساحات العمومية والشوارع وفضاءات المؤسسات الصناعية والتجارية وهوامش المدن والأماكن المهجورة أو المنسية،علاوة على المواقع ذات العمق التاريخي أو الحضاري.
ويؤكد المؤلف على أنه إذا كانت الرغبة في تفجير الفضاء المسرحي التقليدي هي نقطة تقاطع مختلف هذه التجارب فالاستعمالات السياسية والثقافية والسوسيولوجية والجمالية لهذا التفجير قد اختلفت من تجربة إلى أخرى،وذلك بالنظر إلى طبيعة السياق الذي نشأت فيه هذه التجارب،وقد شكل التعامل مع المواقع التاريخية أو الأثرية أو العجيبة أو الاستثنائية جزءاً لا يتجزأ من هذا النزوع الجديد في الفرجة المسرحية التي ترتبط إبداعيتها-شكلياً وموضوعياً ورؤيوياً-بالموقع باعتباره فضاء له ذاكرته الخاصة وحمولاته الثقافية والتاريخية المتميزة.
ويرى الدكتور حسن يوسفي أنه ينبغي التمييز بين بعدين في علاقة الموقع بالفرجة:
«الأول: بعد الموقع باعتباره فرجة في حد ذاته،أي باعتباره موضوعاً للمشاهدة،والموقع لا يحوز هذه الصفة إلا إذا استطاع أن يشكل بؤرة تشع منها دلالات(الفرجوي)وأبعاده،ونقصد بالفرجوي في هذا السياق،كل ما يخلق الإثارة والمفاجأة للعين بشكل يصدم حساسية المتلقي،وضمنه يندرج كل ما هو عظيم ضخم ومثير.
فلو تأملنا مثلاً موقعاً أثرياً مغربياً كموقع(وليلي)،لاكتشفنا أن ما يجعله مثيراً للدهشة وبالتالي حرياً بالزيارة هو هذا الطابع الفرجوي الذي يلازم معماره وأرضياته وطرائق بنائه،وهو طابع يتقاطع فيه:العظيم بالعجائبي والأسطوري.
الثاني:بعد الموقع باعتباره فضاءً للفرجة،يتم اختياره وفق حساسية فنية أو توجه جمالي،أو خلفية سوسيوثقافية من أجل اتخاذه أرضية للعب المسرحي،أو لبلورة تجربة متفردة أو استثنائية في مسار مسرحي قائم على التجريب،ويتخذ من الفضاء غير المسرحي منطلقاً لترجمة أبعاد هذا التجريب.
وإذا كانت هذه النزعة التجريبية المفتوحة قد جعلت أنطون فيتر يؤكد أن بإمكاننا مسرحة كل شيء،فإنها من زاوية أخرى دفعت بعض المخرجين المسرحيين المعاصرين إلى الاعتقاد بأن كل نشاط إنساني قابل لأن يصبح موضوعاً للفرجة،وبالتالي فكل فضاء هو موقع محتمل للفرجة.من ثم يصبح اختراق الفضاء العمومي مفتوحاً كان أم مغلقاً،شعبياً كان أو عالماً/تابعاً لسلطة الدولة أم مدبراً من قبل المجتمع المدني جزءاً من صناعة الفرجة خاصة بهذا الفضاء.
وإذا كان النزوع في الغرب يترجم في العمق اختياراً حداثياً يتلاءم مع طبيعة(مجتمع الفرجة) الذي أسسته الثقافة الغربية الحديثة،فإنه يبقى بالنسبة لثقافتنا العربية الإسلامية موصولاً بذاكرة فرجوية تتم استعادتها من أجل تأصيل طقوس وأنماط تعبيرية ارتبطت في الأصل بطبيعة الحياة في المدن العربية الإسلامية»(ص:42-43).
خلص الدكتور حسن يوسفي في ختام هذا البحث إلى استنتاج مفاده أن الحمولة التاريخية للموقع وما يحيل عليه من أمجاد متصلة بالحقبة الإسماعيلية لم تشكل عنصراً دالاً بالنسبة لهذه التجارب المسرحية،وسينوغرافيا الموقع هي الأهم بالنسبة لعروض مفتوحة تجريبية ينفتح فيها المسرح على فنون أخرى(الصورة،رقص الخيول،الحكاية...)،وذهب الدكتور حسن يوسفي إلى التأكيد على أن الموقع ساهم في إضفاء أبعاد جمالية جديدة على العروض،كما خلق وضعيات غير مسبوقة في التلقي المسرحي مرتبطة بطبيعة الفرجات المقدمة وما تفرضه من حركية(الصور والشاشات في أجاكس،حركية الخيول في مسرح السنطور).
وأشار إلى قابلية الموقع لكي يتحول إلى فضاء مسرحي، ثم التعامل معه وفق منطق الملاءمة،أي بالكيفية التي تستغل الإمكانات التي يتيحها معماره لسيرورة الفرجة،دونما مس لا بذاكرته التاريخية ولا برصيده المعماري،وبالصيغة التي تخدم إبداعية العروض وتقحم المتفرج في إنتاجيتها.
الفرجة الوسائطية وخلخلة المفاهيم المؤسسة للمسرح:
في المبحث الرابع من الكتاب قدم المؤلف مجموعة من الأفكار التي تتصل بتلوث المسرح،وأشار في البدء إلى أنه شيء مثير أن يكون عنوان الفصل الأول من كتاب يعالج علاقة المسرح بالعالم الرقمي هو(تلوث المسرح)،فهذا العنوان وبغض النظر عن كونه يستند إلى مفترض غير محسوم فهو يؤمن ببداهة(صفاء المسرح) قبل أن يلوث بتأثيرات العالم الرقمي،و يثير العديد من التساؤلات التي تتصل بواقع المسرح،قبل وبعد أن أصبح البعد الرقمي جزءاً لا يتجزأ من الفرجة،من بينها:
-هل كان المسرح يوماً ما فناً خالصاً؟
-ما الذي قدمته الوسائط الجديدة للمسرح،وماذا أفاد هذا الفن من العدوى التكنولوجية؟
-كيف أصبحت المفاهيم المؤسسة للمسرح في ظل ما بات يعرف بالفرجة الوسائطية؟
-ما هي الوضعية الجديدة للممثل واللغة والفضاء والجمهور المسرحي في سياق مسرح تحول إلى فرجة وسائطية؟
-ما هي آفاق هذه الفرجة الوسائطية في عالم اليوم؟
وفق رؤية الدكتور حسن يوسفي فعلاقة المسرح بوسائط الاتصال أصبحت قدراً حتمياً أملته التحولات السوسيو-ثقافية المواكبة للثورة التكنولوجية الحديثة والتي لم تسلم من تأثيرها مختلف الفنون،وفي طليعتها المسرح والفنون التشكيلية،«فالمسرح وجد نفسه من جهة مرغماً في ظل إكراهات العالم الجديد على الاستناد على مختلف الوسائط من أجل تطوير سيروراته الإنتاجية وأشكال تلقيه،حيث لم يعد ممكناً أن يبقى المسرح في سياق تحول المجتمعات الحديثة إلى مجتمعات للفرجة بامتياز فناً محدود الأثر،ولكي يتجاوز هذه المحدودية،فلا مناص له أن يصبح وسائطياً.ذلك أن المسرح يتجه نحو التبسيط،التقليص والتحديد الأساسي لعلاقة مباشرة بين الممثل والمتفرج.بينما الوسيط يتجه على العكس إلى التعقيد والتدقيق بفضل التقدم التكنولوجي »(ص:57).
الفرجة والهزل:
في المبحثين الأخيرين من الكتاب ركز الدكتور حسن يوسفي على موضوع«الفرجة والهزل في زمن الربيع العربي»،وسلط الضوء على الفرجات ومقارباتها في المشروع النقدي للدكتور خالد أمين.
تراءى للدكتور حسن يوسفي في دراسته للفرجة والهزل أن الفرجة الهازلة تبوأت مكانة راسخة في سياق المنعطف الفرجوي الذي خلفه الربيع العربي،والمثير في هذه الفرجة أنها تستثمر الإمكانات التقنية السمعي-البصري من أجل تقديم أنماط وأشكال مختلفة من الهزل،وهي الفكاهة والتهكم والمحاكاة الساخرة والسخرية.
وتوصل في دراسته التي قارب فيها المشروع النقدي للدكتور خالد أمين إلى أن قوته تكمن في كونه استطاع أن يجعلنا إزاء خطابات نقدية ومنظورات معرفية مغايرة حول الفرجة تستند على ثقافة مسرحية رصينة،جعلت من صاحبها مرجعاً في مجال دراسات الفرجة في العالم العربي،واسماً مؤثراً في محفل من محافل البحث المسرحي على الصعيد الدولي،فقد أصبح عضواً في المكتب التنفيذي للفيدرالية الدولية للبحث المسرحي،إضافة إلى الصيت العلمي القوي للمركز الدولي لدراسات الفرجة الذي يترأسه خالد أمين على الصعيد الوطني والعربي والدولي.
الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة
العنوان:
الأستاذ/محمد سيف الإسلام بوفلاقة
Mouhamed saif alislam boufalaka
ص ب:76 A ( وادي القبة) -عنابةالجزائر
المحمول: 775858028 (213)00
الناسوخ (الفاكس) : 35155438 (213)00
البريد الإلكتروني : [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.