عندما سئل إمبراطور اليابان عن أهم أسباب تقدم دولته في هذا الوقت القصير قال "بدأنا من حيث ما انتهى منه الآخرون وتعلمنا من أخطائهم وأعطينا المعلم حصانة الدبلوماسي وراتب الوزير" في الوقت الذي وصلت فيه هيبة المعلم إلى أدنى مستوياتها فى مصر وصلت إلى حد شتمه وضربه وهو ما تطالعنا به الكثير من وسائل الإعلام بشكل شبه دائم، يبقى المعلم في اليابان شيئا آخر اذ يحظى المعلم الياباني بإجلال وتقدير كبيرين في جميع طبقات المجتمع حتى أنه قديماً كان يصل إلى حد التقديس «خلال حكم ميجي وفترة ما قبل الحرب أما في الوقت الحالي فعندما يدخل المدرس إلى الفصل يقف جميع الطلاب وينحنون احتراماً كبيراً ثم يقول الطلاب عبارة «يا معلمنا نرجو أن تتفضل علينا وتعلمنا» وهو رجاء يفوق الاحترام العادي ولذلك تنال مهنة التعليم في اليابان اقبالاً كبيراً ويشتد التنافس على الالتحاق بالبرامج المتميزة لإعداد المعلمين ويقدر عدد الذين يحصلون على مؤهلات عليا للتدريس ب 30% من مجموع خريجي الجامعات اليابانية وللمعلم مكانة اجتماعية خاصة في الأسرة اليابانية فيقوم الوالدان بزراعة هذا الاحترام في نفوس أبنائهم منذ السنوات الأولى للدراسة مما أعطى للمعلم سلطة كبيرة في تعامله مع الطلاب في كافة المراحل حتى الفصل يتسع ل 40 طالباً يسيطر عليهم المعلم بكل يسر وسهولة بفضل مكانة المعلم وقوته وتتحدد رواتب المعلمين في المدارس العامة في اليابان على أساس عاملين هما مستوى التعليم ومدة الخدمة وهناك سلمان للرواتب احدهما لمعلمي المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثاني لمعلمي الثانوية، حيث يبلغ الدخل السنوي لمعلمي المرحلتين الابتدائية والمتوسطة 7120 دولارا بالسنة أما المرحلة الثانوية فيبلغ 75000 دولار بالسنة، إلا أن الرواتب الأولى للمدرسين المبتدئين الذين يحملون نفس المؤهل متساوية للجميع أول راتب للمدرس بالمرحلة الثانوية تقريباً 1667 دولاراً أي ما يعادل 6250 دولاراً شهرياً، وهذا يسمى الراتب الأساسي، ويحصل المدرس باليابان على علاوة مالية ثلاث مرات بالعام الواحد وهي تعادل خمسة أضعاف الراتب الأساسي «كل فصل دراسي علاوة» فمثلاً إذا كان أول راتب 6250 دولاراً فمجموع العلاوات بالسنة هو 31250 دولارا بواقع 2604 دولارات على كل راتب أساسي شهرياً وتزيد هذه العلاوة بزيادة الخدمة والمدة ويتقاضى المعلم الياباني مرتبا عاليا نسبياً مما يثير الاهتمام كما يحصل على بدلات الأسرة وبدلات أخرى علاوة على ذلك يمنح المعلم الياباني ما يسمى «بمنافع الرفاهية» عن طريق مؤسسة المساعدة التبادلية للمدارس العامة والذي يشترك فيه جميع مدرسي المدارس وتصنف هذه المنافع إلى فئتين الأولى منافع قصيرة المدى : مثل المصاريف الطبية، مصاريف ولادة طفل، منحة مواجهة الكوارث ومنافع طويلة المدى : وتشمل مرتبا تقاعديا، مرتب عجز، أو إعاقة، معاش لأهل المتوفي. وهذا كله بخلاف التأمين المدعوم حكوميا . وأما فى مصر المحروسة فنقول حسبنا الله ونعم الوكيل فى كل من أهانوا المعلم فانتقصوا من حقه و قللوا من شأنه وأضاعوا هيبته .ضاعت حقوقنا نحن المعلمين ما بين حكومة نهبت خيرات البلاد ومقدرات الشعب ومجتمع ظالم لا يولى المعلم قدره من الاحترام والتقدير اللذين جعلهما المجتمع من نصيب أشباه المتعلمين وأشباح الرجال من الذين نصبهم الظالمون رؤساء ومدراء على معلميهم وأصحاب الفضل عليهم . ألم يكن هذا هو حال مجتمع المصريين إبان حكومة الظالمين البائدة ولا يزال ؟ ألم يعش المعلم عهدا من المهانة والمذلة على يد وزير أجلس المعلم مكان تلاميذه ليهينه من أجل جنيهات الكادر المزعومة والتى ارتفعت على إثرها الأسعار فقفزت قفزات و قفزات ولم يوقفها أحد حتى الآن ؟ ومن الأمور العجيبة أن تكون مصر من أوائل الدول امتهانا وإذلالا للمعلم ، نعم المجتمع المصرى يقوم تحية و إجلالا للبيه وللباشا حتى وإن كان لا يحمل أية مؤهلات تجعله ربع أو شبه بيه أو باشا ومؤهله الأوحد المال ، والمال فقط . فلم لا يكون المعلم هو الأعلى دخلا لأنه الأعلى انتاجا ، نعم الأعلى والأفضل لأنه ينتج عقولا تبنى مصر ورجالا قادرين على تغيير خريطتها الاقتصادية و مكانتها العلمية ، ومع ذلك فعلى مدى السنوات السابقة فى العهد المباركى (المنزوع البركة)كان المعلم فيها مهانا مضروبا بالنعال واللص فيها مكرما ومهاب الجانب . وبنظرة واعية وواقعية للمجتمع المصرى نجد أن أولياء الأمور لا يطمحون لأبنائهم الطلاب أن يكونوا معلمين ، بل يريدونهم إما أطباء أو مهندسين أو ضباط شرطة أو حربية . مع أن المعلم هو الذى يتعلم على يديه الضابط والمهندس والطبيب والسفير و الوزير والرئيس .ولكن المجتمع لا يزال يوقر الفئات الأخرى ويزدرى المعلم ، أليس هذا هو الحق المر ؟ أضف إلى الحكومة الظالمة والمجتمع القاصر فى نظرته ، فئة أخرى ساهمت فى ضياع هيبة المعلم ، إنهم فئة من أبناء جلدتنا نحن المعلمين ، هؤلاء الذين أهانوا أنفسهم من أجل الدروس الخصوصية فأضاعوا ما بينهم وبين تلاميذهم من خطوط حمراء وذلك من أجل جنيهات لا تسمن ولا تغنى من جوع .ألا ما أبخسه من ثمن ! من باع كرامته وأهدر كيانه من أجل المال . والفئة الأخرى والتى لعبت ومازالت تلعب دورا رئيسا فى ضياع هيبة المعلم وهم قلة من أولياء الأمور الذين ربوا أبناءهم على احتقار المعلم وعدم احترامه وتبجيله . وما أكثر الأمثلة التى نواجهها يوميا فى مدارسنا حيث نفاجأ ببعض أولياء الأمور يتعاملون مع المعلمين بشىء من الغلظة وسوء الأدب لا لشىء إلا أن ابنهم المهذب الوقور قد أبلغ والده أن الأستاذ / فلان قد قال له أمام زملائه " يا ولد" فيأتى الهمام" ولى الأمر " مندفعا مشحونا بشحنة كهربية عالية جاء خصيصا ليفرغها فى المعلم (ومحتويات الشحنة معلومة للجميع ). ومازالت الذاكرة تعى ما حدث فى العهد البائد من تهجم بعض البلطجية على إحدى المدارس وضربوا المدرس على رأسه بالحذاء . وساعتها لم يتفوه وزير التعليم ولو بكلمة تعيد شيئا ولو مثقال ذرة من الكرامة للمعلم ولم يغضب لأن واحدا من رجاله ضرب بالحذاء . مع أن ضرب المعلم بالحذاء هو ضرب للوزير نفسه ولهيبة الوزارة والدولة والمجتمع بأسره.و كيف نضرب بالحذاء رؤوسا قيل عن أصحابها " إن الله وملائكته يصلون على معلمى الناس الخير. هشام الجوهرى