حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيخ الأزهر ونظرية التطور
نشر في شباب مصر يوم 16 - 09 - 2014

في حديث للدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في القناة الفضائية المصرية عن نظرية التطور لدارين، كانت أهم النقاط التي جاءت في حديثه هي:
نظرية التطور لداروين، لا تزال في مرحلة الافتراض، لم تثبت باليقين العلمي.
كان يؤمن داروين بثبات الأنواع، لكنه غير فكره إلى التطور لاحقا.
تأثر بالفريد رسل والاس، ومالتوس عالم الاقتصاد.
انقسم العلماء بشأنها.
ليسمح لي فضيلة الأستاذ الدكتور شيخ الأزهر في توضيح بعض هذه النقاط التي وردت في حديثه، مع احترامي الشديد له، وتقديري لعلمه وأدبه. لكنها الأمانة العلمية تحتم شرح أماكن اللبس في فهم هذه النظرية العلمية العظيمة. والخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
مقولة إن نظرية التطور لداروين لم يثبت صحتها، تبين عدم فهم عميق لطبيعة العلوم. حقيقة، نظرية التطور لداروين، لم يثبت برهانها بما لا يقبل الشك، الآن أو في المستقبل، لكن هذا هو الحال بالنسبة للنظرية الذرية، ولنظرية النسبية الخاصة والعامة، ونظرية الكم، وأي نظرية علمية أخرى. السبب هو أن العلوم التجريبية لا تتعامل مع البراهين المطلقة، بل تتعامل فقط مع الشواهد والدلائل.
عندما يواجه العلماء بظاهرة جديدة، ويبحثون عن سببها، يبدأون بالفروض، وهي مجرد تخمينات. هذه الفروض نعتبرها صحيحة وتسمى نظرية، طالما لا تتعارض مع النتائج، وطالما تعطينا تنبؤات صحيحة. إذا أعطتنا النظرية نتائج أو تنبؤات خاطئة، تصبح الفروض والنظرية خاطئة وتحتاج إلى تعديل أو إلغاء.
لكن كيف نتأكد من صحة الفروض أو النظرية؟ وماذا لوكانت الفروض خاطئة، لكن تعطينا نتائج سليمة بالصدفة؟ كيف نصبح متأكدين بدون شك؟ الإجابة، لا يمكن التأكد من أي شئ. هذا هو السبب في أنه لا توجد نظريات علمية مؤكدة، بما في ذلك نظرية التطور لداروين.
لكن كلما توالت الشواهد والدلائل التي تؤيد النظرية، كلما زادت ثقتنا فيها. إذا كانت الشواهد والدلائل كثيرة ومهولة ولا يمكن حصرها، يكون من السخف رفضها وتكذيبها. هذا هو شأن نظرية التطور، وشأن النظرية الذرية، وباقي النظريات.
ليس لدينا برهان مطلق لأي شئ، بما في ذلك النظريات الرياضية. الفيلسوف بيرتلاند راسل والفيلسوف وايتهيد، بعد جهد رهيب استمر لمدة 20 سنة، توصلا إلى النتيجة المرة التي لامفر منها، وهي إن النظريات الرياضية بها تعارض ولا يمكن أن تكون أساسا صلبا لحقائق لا تقبل الشك.
لا يعني هذا أن نظرية التطور لداروين شئ مؤقت وغير مؤكد. على العكس، هي نظرية قوية جدا، مدعمة بأبحاث وتجارب العلماء في مختلف الجامعات، لأكثر من 150 سنة. خلال هذه المدة، لا يوجد دليل واحد أو شاهد واحد، يثبت فشلها أو عدم صحتها. كوجود عظمة فيل مثلا، مدفونة في أعماق الأرض مع الحفريات البدائية، بدلا من وجودها قريبة من السطح.
في المحافل العلمية، لم تعد نظرية التطور لداروين موضوع جدال أو شك، وأصبحت حقيقة من حقائق الحياة، مثل نظرية الجاذبية وكروية الأرض ودورانها حول الشمس.
حقيقة لم يمكن برهان صحتها بدون شك، لكنها أقرب ما يكون لذلك. مهاجمتها بحجة أنها لا تزال فروض لم يثبت صحتها، هو عدم فهم لنظرية التطور لداروين كلية. لقد اصطلح العلماء على أن يكون البرهان للنظريات الرياضية، والفروض والمشاهدة للعلوم التجريبية.
هذه نظرية التطورة في عجالة لمن يهمه الأمر:
عندما قرأ توماس هكسلى كتاب أصل الأنواع لتشارلز داروين لأول مرة، قال لنفسه: "يالك من غبى. كيف لم تفكر في هذه النظرية من قبل."
الغريب أن نظرية التطور لداروين، رغم خطورتها وتأثيرها الثوري في عالم البيولوجيا، هي نظرية في غاية البساطة والوضوح. كتبت بلغة إنجليزية عادية سهلة. يفهمها من يستطيع أن يتابع حججها المنطقية، أو من لديه القدرة على الشك، وقدر معقول من استقلال الفكر. وهما هبتان لا تتوافران في الكثيرين منا.
في القرن السابع عشر، أعلن عالم الأحياء الطبيعية جون راي أن الكثير من الحيوانات الصدفية قد انقرضت، ولم يعد لها وجود كمخلوقات حية. هذه الحقيقة، ينكرها العلماء ورجال الدين. فهم يعتقدون أن الرب قد خلق الكون في أكمل صورة. وتعهد بحفظ مخلوقاته وحمايتها من الانقراض.
بدلا من الاعتراف بانقراض بعض الأحياء، التي لم تستطع التكيف مع تغير المناخ والظروف التي كانت تعيش فيها، زعم المؤمنون بأن الرب قام بتدمير مخلوقاته بالجملة عن طريق الفيضان، لكي يعيد خلق هذه الكائنات من جديد. ولكي يعطي الإنسان درسا في مبادئ الأخلاق وأصول الطاعة.
هذه الفكرة جاءت لكي تبرر نتائج الاكتشافات الجيولوجية الجديدة في القشرة الأرضية. التي بينت وجود، لا طبقة واحدة، ولكن العديد من الطبقات. كل منها بها بقايا أحياء متحجرة لكائنات منقرضة، لم يعد لها وجود على سطح الأرض.
في نهاية القرن الثامن عشر، أصبح من المعروف أن الصخور تحتوي على تسجيل كامل لكل الأحياء المنقرضة، والتي سبق أن عاشت على سطح الأرض.
حتى يتجنب العلماء الصراع مع الفكر الدوجماتي ورجال الدين، كان عليهم أن يرفضوا فكرة الخلق المستمر والتغيير المتوالي الذى يحدث للكائنات.
رجال الدين تقول إن هذه الأحياء قد خلقها الرب على هذه الصورة، ولم يحدث لها أي تغيير منذ بدء الخلق. ولكي يفسروا وجود العديد من طبقات القشرة الأرضية، والتي يختلف كل منها عن الأخرى في نوع الأحياء المتحجرة المدفونة بها، جاءوا بفكرة الكوارث الوسيطة.
بمعنى أنه لم تحدث كارثة فيضان واحد، لكن العديد من الفيضانات. فيضان نوح هو آخرها. بعد كل فيضان، كان الرب يعيد تعمير الأرض بقطيع جديد من الأحياء، وأنواع جديدة من المخلوقات.
في الطبقات السفلى للقشرة الأرضية، توجد بقايا أحياء متحجرة لكائنات بدائية بسيطة. مثل كائنات وحيدة الخلية والأميبا والديدان. في الطبقات التي تليها، نجد مخلوقات متحجرة أكثر تعقيدا. بعد عدة طبقات، نصل إلى بقايا الفقاريات، أي التي لها هيكل عظمي.
بعد طبقات أخرى نرى بقايا أسماك. وبعد ذلك نرى آثار الزواحف والطيور. وفي الطبقات الأخيرة والقريبة من سطح الأرض، نجد بقايا الثدييات والإنسان. شريط سينمائي يبين تسلسل الكائنات مع الزمن.
هذا التدرج في طبقات القشرة الأرضية ليس له علاقة بفكرة التطور. كل طبقة كان ينظر لمخلوقاتها على أنها حالة خلق فريدة بذاتها ومستقلة عن الطبقات الأخرى. أيضا، كل مخلوق مستقل بذاته، ليس له علاقة بباقي المخلوقات.
شكل المخلوقات وطبيعتها ليس له علاقة بالمناخ والبيئة التي تعيش فيها. قد خلقها الرب كما أراد لغرض معين. فالأرض خلقت لكي يوضع فوقها الإنسان. والشمس لكي تعطيه الدفئ والضياء، والقمر والنجوم لكي تنير له طريقه في الظلام. والحيوانات والنباتات تسخّر لخدمته، ولكي تمده بالغذاء والكساء.
واضح أن الخلق وراءه فكر ذكي. مبني على التخطيط والتصميم الممتاز. ولا يعقل أن يكون كل هذا قد أتى بمحض الصدفة. الزعانف للأسماك والريش للطيور والقلب والرئة والعيون، كلها أعضاء في قمة التخصص والدقة.
لا يمكن أن تكون قد أتت بغير صانع وخالق قادر. قام بتصميم هذه الأعضاء قبل خلقها. فهل يعقل أن تصنع الساعة بدون صانع؟ الطبيعة أصبحت كتابا مفتوحا يدل على وجود الخالق، كما كان يقول إسحق نيوتن.
كان داروين يعلم مدى قوة منطق نظرية التصميم الذكي. وكان أيضا هيكسلي يعترف بأن نظرية التصميم الذكي، هي أهم نظرية يمكن أن نفسر بها ما يحدث بالنسبة للكائنات. انشار نظرية التصميم الذكي كانت أهم العوامل التي أخرت ظهور نظرية التطور في إنجلترا.
مع نهاية القرن الثامن عشر، بدأت الأرض تميد تحت أقدام التفسير الدجماتي للكون ونظرية التصميم الذكي. في عام 1859م، عندما نشر داروين كتابه أصل الأنواع يشرح فيه نظريتة، كان المجتمع العلمي مستعدا لقبول فكرة التطور. السبب هو روح العصر، والتغيرات الخطيرة التي ظهرت في باقي فروع العلوم. في الفيزياء والفلك والجيولوجيا.
في عام 1788م، نشر جيمس هيوتن عالم الجيولوجيا الإسكتلندي نظرية جديدة يقول فيها أن القشرة الأرضية تتعرض إلى قوى طبيعية تمثل عوامل تغيير مستمرة، مثل الأمطار والسيول والأعاصير والزلازل والبراكين وما شابه. هذه النظرية تستبدل نظرية كوارث الفيضانات التي كانت سائدة، وتحدث على فترات زمنية متقطعة.
لم يتنبه علماء الجيولوجيا إلى نظرية هيوتن في التغيير المستمر للقشرة الأرضية. إلى أن جاء شارلز ليل عالم الجيولوجيا العظيم في القرن التاسع عشر، لكي يحي أفكار جيمس هيوتن. بالرغم من أنه لم يتطرق مباشرة إلى موضوع تطور الكائنات، إلا أن أبحاثه الجيولوجية مهدت الطريق إلى نظرية التطور فيما بعد، وكان لها تأثير كبير على داروين.
مع نهاية القرن الثامن عشر، كان علماء الجيولوجيا يعرفون أن الكائنات الحية، لها أعضاء خاملة أو ليس لها فائدة. فمثلا الحشرات التي لا تطير، لها بقايا أجنحة صغيرة. الدواجن المنزلية والبط المنزلي له أجنحة عديمة الفائدة. أرجل البط المنزلي بها غشاء لا تحتاجه على الأرض، يعوق حركتها.
حيوانات الكهوف لها عيون أثرية لا ترى بها. أنواع من الذباب لا تطير بالرغم من وجود أجنحة لها. بعض الثعابين، لها بقايا أرجل غير مستخدمة. الإنسان له عظمة العصعص أسفل العمود الفقري، وعظم ما بين الفكين، والزائدة الدودية عديمة الفائدة، بل تلتهب وتنفجر وتعرض حياته للخطر، وعدم وجودها أفضل.
هناك ضروس العقل وأصابع الرجلين وثديى الرجل وبظر المرأة. الأسنان الأثرية للعجول والأسنان الأثرية للطيور. وكلها شواهد تتعارض مع التصميم الذكي للخلق.
لكن داروين رأى أنه يستطيع أن يقدم تفسيرا أفضل لهذه الشواهد، إذا افترضنا أن هذه المخلوقات قد جاءت من سلالات كانت مجهزة بهذه الأعضاء، لكن لم تكن ضامرة في الماضى. هذه الأعضاء فقدت صلاحيتها تدريجيا بعدم الاستخدام، عندما تأقلم الكائن على الحياة الجديدة.
داروين كان مندهشا من حقيقة أن يد الإنسان وهي منقبضة، تشبه يد الخلد (ضرب من الجرذان) المستخدمة في الحفر. وكذلك رجل الحصان، وزعنفة الدلفين، وجناح الخفاش. الشبه شديد من الناحية التشريحية. كل منها لها نفس عدد العظام والتركيب.
هذا يدل على وحدة الخالق في نظرية التصميم الذكي، لكن داروين لم يقبل بنظرية التصميم الذكي. سبب التشابه بالنسبة لداروين، يرجع إلى أن هذه المخلوقات لها أصل واحد ، ثم تغير كل كائن عن الأصل أو الجد، عن طريق التغيير المستمر، حتى يوائم طريقة العيش في البيئة الجديدة التي يعيش فيها.
في القرن الثامن عشر، لاحظ علماء التشريح أن الجنين عند تكوينه يمر بمراحل نمو تشبه مراحل تطور الكائنات الحية. فمثلا عند الإنسان، الجنين يتكون له خياشيم تشبه خياشيم السمك. في بعض مراحل التكوين الأولى، لا يمكن التمييز بين جنين الزواحف وجنين الطيور وجنين الثدييات. أليس هذا دليلا على أن جميع الكائنات لها أصل واحد؟
الفلاحون والمشتغلون بتربية الحيوانات والطيور، مثل تربية الخيول والكلاب والحمام، يلاحظون التنوع الكبير لفصائل وأنواع هذه الحيوانات. وأن التهجين بين الفصائل المختلفة ينتج عنه فصائل جديدة. تنتقل صفاتها المكتسبة بالتهجين إلى أجيال جديدة. بعد عدة أجيال تصبح هذه الفصائل الجديدة بصفاتها المكتسبة مستقرة. وكما يقول داروين، هذا ما يحدث في الطبيعة طوال الوقت.
كان من المعروف قبل داروين أن الحيوانات تتكاثر أسرع من معدل زيادة الغذاء المتوافر لها. هذا يؤدي بالطبع إلى المنافسة الرهيبة التي نشاهدها بين الحيوانات للبقاء على قيد الحياة. تنبه كومتيه دى بوفن وإيراموس جد داروين إلى هذا الأمر.
لكن شارلز داروين كان الأول بين العلماء الذى رأى الفرق بين ما يقوم به مربي الحيوانات من اختيارهم للسلالات الجيدة، وما تقوم به الطبيعة من نفسها باختيارها للسلالات القوية التي تستطيع البقاء.
أفكار داروين عن حياة الكائنات، مرت بعدة تطورات منذ عودته بعد رحلة الخمس سنوات. الكمية المهولة من الملاحظات والمدونات، لم تنبئ عن شواهد لفكرة التطور في ثوبها النهائي. صفحة بعد صفحة من التردد والحذر والملاحظات الجانبية، أثبتت أن داروين كان يتحسس طريقه ببطء لفهم جديد لنظرية خلق الكائنات. كانت هناك بدايات خاطئة، وكثير من التعارض وعدم التوافق.
بعد مراجعته لكراسة ملاحظاته الأولى عام 1837م، تأكد داروين من صحة نظرية عالم الجيولوجيا ليل في التغير الجيولوجي المنتظم. ولاحظ داروين أن التغير الجيولوجي، يلازمه تغير في صفات الكائنات الحية. لكي تبقى هذه الكائنات حية، كان عليها أن تتأقلم لكي توائم ظروف البيئة الجديدة.
في نهاية عام 1837م، توصل داروين إلى بيت القصيد. الحياة على سطح الأرض، عبارة عن عملية خلق مستمرة. بدأت مع نشوء أول خلية حية، ومستمرة حتى اليوم. عملية الخلق عبارة عن كتاب مفتوح لم يقفل بعد.
إذا كانت القشرة الأرضية قد تعرضت إلى هذه التغيرات الكبيرة تدريجيا، كما يقول ليل، فليس مستغربا أن تكون الكائنات قد طرأ عليها تغيرات كبيرة هي الأخرى. تغيرات موازية لما حدث للقشرة الأرضية. هذه الكائنات إن لم تتغير، فسوف تفنى. وتصبح الأرض بلقعا تصفر فيها الرياح. الكائنات الغير قادرة على التكيف والمواءمة، تنقرض لتحل محلها كائنات جديدة قادرة.
كان ليل، يقول بالتغيير التدريجي للقشرة الأرضية. لكنه لا يعترف بالتغيير التدريجي للكائنات. هذا الرأي لم يقنع داروين. وكان مقتنعا تماما بأن الكائنات تتغير وتتبدل هي الأخرى. أنواع تنقرض، وأنواع تنشأ من سلالات أخرى عن طريق التغير المستمر.
عندما قرأ داروين كتاب مالثيوس، تيقن أن الانتخاب الطبيعى هو القوة الموجهة التي يبحث عنها. وبحلول شتاء عام 1838م، كانت لديه كل المواد الخام اللازمة لنظريته في التطور. والتي يمكن أن نلخصها في الآتى:
- القشرة الأرضية تمر بتغيرات مستمرة بطيئة. والكائنات عليها أن توائم هذه التغيرات لكي تبقى على قيد الحياة، وإلا تنقرض.
- الطبيعة تمد الكائنات بهبات وصفات وراثية غير محدودة عن طريق التنوع والتزاوج.
- إنتاج الغذاء المحدود بالنسبة لتزايد الكائنات، ينتج عنه صراع غير محدود بين الكائنات.
- الأنواع الجديدة تنشأ بسبب العزلة. والأنواع المختلفة لا يحدث التزاوج بينها.
نتيجة الصراع بين الأحياء، الكائنات التي تملك صفات وراثية مفيدة سوف تبقى على قيد الحياة. بينما المخلوقات التي لا تملك هذه الصفات، سوف تنقرض. وبالرغم من أن الصفات المفيدة قد تكون صغيرة جد، لكن تراكمها من جيل إلى جيل قد يجعلها مفيدة ولها تأثير كبير على حياة الكائن.
كان داروين غير واثق من تقبل العلماء الآخرين لنظريته في التطور. فقد كان يعلم أنه ما لم تكن نظريته مدعمة بالملاحظات والدلائل المادية القوية، فنظريته لا شئ سوى مجرد مجموعة فروض نظرية. بالتالى، لن يكون لها احترام من قبل المحافل العلمية.
كان يعلم أيضا أن التطور لا يمكن مشاهدته مباشرة بالعين المجردة، لكن يمكن استنتاجه من شواهد أخرى بطرق غير مباشرة. لذلك لجأ إلى جمع أكبر عدد من الشواهد والدلائل المادية التي يمكن عن طريقها استنتاج حدوث التطور.
هذا عمل جبار، استغرق منه مايزيد على العشرين عاما، وعشرين عاما أخرى للمراجعة. تيقن داروين أيضا أن نظريته سوف تواجه بالعديد من النقد والتجريح، ما لم يكن في مقدوره الدفاع عنها وتفنيد الانتقادات الموجهة إليها.
في 18 يونية عام 1858م، تلقى داروين رسالة بريدية مفزعة من شاب يدرس التاريخ الطبيعى اسمه "ألفريد رسل والاس"، الذى كان يعمل لسنين عديدة في جزر الأرخبيل بملأي الأندونيسية.
كان والاس يطلب رأي داروين في بحثه الذى قام بتلخيصه في رسالته لداروين. قال فيه أنه يرى أن الاختيار الطبيعي يلعب دورا أساسيا في تغيير شكل المخلوقات الحية.
صعق داروين عندما قرأ الخطاب، وكتب في الحال رسالة إلى العالم الجيولوجي المشهور "ليل" يخبره فيها بأنه محبط. قائلا: "لقد توصل والاس إلى ما قد توصلت إلية طوال عمري، ويستخدم نفس التعبيرات التي أستخدمها كعناوين لدراستي."
في أول يوليو عام 1858م، قام داروين ووالاس بنشر مقال علمي مشترك في جريدة علمية عن تنوع الكائنات ومواءمتها للبيئة عن طريق الاختيار الطبيعي.
يخبرنا التاريخ أن رواد الحضارة والعلوم، كانوا أبطالا منبوذين ومكروهين في وقتهم. لكن كان يأتي معهم ثلاثة حقائق:
- قوة الإقناع التي يأتوا بها، كانت تستقطب بعض الأصدقاء المهمين.
- تنوع الأفكار العلمية يجعل عدد المؤيدين للفكر الجديد لا يستهان به.
- الثورات العلمية يسبقها دائما فترة طويلة من التعارض والشك بالنسبة للنظريات القديمة. وعندما تظهر النظرية الجديدة على السطح، فإنها تقابل بالترحاب.
لذلك، عندما ظهر كتاب أصل الأنواع الذى يشرح فيه داروين نظريته في النشوء والارتقاء، قوبل بالحماس والرضا من علماء مهمين في بريطانيا العظمى.
توماس هكسلي، لام نفسه لأنه لم يكتشف النظرية بنفسه. والاس، كما رأينا، سبق هكسلي وفكر فيها. هوكر الذى كان يؤمن بعمق في نظرية الخلق الذكي وثبوت الخلق، تحول فورا إلى نظرية التطور بعد قراءته لكتاب أصل الأنواع.
بعد سنوات قليلة، كانت نسبة المؤيدين لنظرية التطور لداروين في تزايد مستمر. بالرغم من أن أسباب التطور كما عرضها داروين كان يشوبها قليل من الشك في ذلك الوقت.
لكن ما هي الشواهد الأخرى التي نراها والدالة على صحة أفكار داروين؟ هذه الشواهد يمكن تلخيصها في الآتى:
يتكون مخ الإنسان من ثلاثة أمخاخ مختلفة بدلا من مخ واحد، بطريقة تشبه إضافة غرف جديدة إلى منزل قديم صغير؟ المخ الأول يشبه مخ الزواحف تكون منذ 250 مليون سنة.
يتحكم في الوظائف اللاإرادية مثل نبضات القلب والتنفس والبلع والدفاع عن النفس عند الخطر. المخ الثاني يشبه مخ الثدييات. يتحكم في العواطف والغرائز البهيمية وحاسة الشم واللمس.
أما المخ الثالث فهو خاص بالإنسان "نوتوركس". تكون منذ 50 ألف سنة. وهو المخ الذى يضعنا في القمة بالنسبة لباقي الكائنات، ويجعلنا نتساءل عن سبب وجودنا، ويمكننا من اكتشاف نظريات هامة مثل نظرية التطور.
لم يعد مبيد الحشرات "دى دى تى" فعالا كما كان في الماضي في قتل الحشرات والذبابة المنزلية، كذلك الفيلت والبيرسول. ولم تعد المضادات الحيوية قادرة على قتل بعض الباكتيريا الموجودة في المستشفيات. لذلك تبحث شركات الأدوية عن مضاد حيوي جديد كل عدة سنوات، أو تعمل على تطويره بهندسة الجينات. وجود مضاد حيوي واحد لا يكفي.
ما هو سر خلق الزهور والفواكه؟ بالطبع لم تخلق لكي يشمها الإنسان وحده. ولم توجد لكي نقطفها ونضعها في فازات في الصالون. الفاكة لم تخلق لكي نشتريها بالقفص. لأن الزهور والفاكهة خلقت من أجل الحشرات والحيوانات.
هذه الكائنات سوف تستمر بنا أو بدوننا، فقد كانت مستمرة قبلنا ملايين السنيين. لكن باختفاء الفراشات والحشرات، سوف تختفي الفاكهة والخضروات. وباختفاء الطيور والحيوانات، التي تأكل الفاكهة وتقوم بنقل بذورها إلى آفاق بعيدة، سوف تختفي الأشجار والثمار.
لولا وجود حيوان الخرتيت في جزيرة سوماطرة لانقرضت أشجار المانجو. لأن الحيوان يبتلع الثمرة بكاملها، فتنجو البذرة بغلافها السميك من عصارات الهضم في الأمعاء، ليلقيها الخرتيت مع إخراجه في مكان بعيد عن الشجرة.
لولا وجود الخرتيت، لسقطت الثمار، لكي تتلفها الحشرات التي تنتظر عادة بلهفة تحت الشجرة. البذور التي تنجوا من فتك الحشرات، تنمو تحت الشجرة الأم، فتشاركها الغذاء والماء والضياء، مما قد يتسب في قتل الأم والأبناء.
لماذا خُلقت الزهور التي تعتمد على الفراشات لنقل حبوب اللقاح وبدونها تنقرض؟ ولماذا تتفتح أثناء النهار وتغمض أثناء الليل؟ ولماذا لها ألوان جذابة تختلف عن لون الأوراق، ولها أريج عاطر؟ لماذا الزهور التي تعتمد على الخفافيش تتفتح أثناء الليل وتغمض أثاء النهار؟ والزهور التي تحتاج إلى الذباب لنقل حبوب لقاحها رائحتها كريهة تشبه الجيفة النتنة؟
لمذا لون الفاكهة الناضجة يختلف عن لون أوراق الشجرة وطعمها حلو المذاق، بينما الفاكهة النية لونها مثل لون ورق الشجر وطعمها مر المذاق؟ لماذا الذكور في الطيور شكلها أجمل وألوانها زاهية، بينما الإناث أقل جمالا وألوانها باهتة، أليس المفروض هو العكس؟
لماذا توجد بعض زهور الأوركيد ولها رحيق على عمق 16 بوصة داخل الزهرة، ويوجد معها فراشات لها لسان طوله 16 بوصة، وأيهما وجد أولا؟ إذا انقرض أحدهما تبعه الآخر.
لماذا تنتج بعض النباتات السم الزعاف في أوراقها وسيقانها، في نفس الوقت الذى توجد فيه حيوانات لديها مناعة ضد هذا السم؟ وإذا كانت الحياة قد ظهرت منذ 3.8 بليون سنة على سطح الأرض، فلماذا تأخر خلق آدم وحواء بلايين السنيين؟
لماذا ديك الدجاج له عرف أحمر قاني وما فائدته، وما فائدة ذيل الطاووس؟ أليس ذيل الطاووس يعتبر عائقا للحركة ويستهلك جزءا كبيرا من غذائه اليومي؟
لماذا تتناطح الكباش، وتتقاتل الذكور، ويقتل الأسد أشبال غيره، ويقتل الدب أولاده، وتقتل أنثى العنكبوت الذكر بعد الوصال؟ وما قصة التهجين وخلق سلالات جديدة من الحمام والكلاب والخيول والمحاصيل؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تجيب عليها نظرية التطور بإجابات رصينة ومقنعة.
عندما وضعت أسماك الجوبي الصغيرة مع أسماك كبيرة مفترسة في بحيرة محدودة المساحة بحيث لم تتمكن الأسماك الصغير من الهروب، كان دفاعها من أجل البقاء هو زيادة النسل والبلوغ المبكر.
عند عزل الأسماك الصغيرة عن الأسماك المفترسة الكبيرة وشعورها بالأمان لعدة سنوات قليلة، وجد أن نسلها قد قل، ومدة سن البلوغ لها قد طالت بنسب محسوسة.
هذا بالضبط ما تقوله نظرية التطور. عمليات خلق وانقراض مستمرة بسبب تغير البيئة والمناخ. خلق أنواع جديدة قادرة على الحياة، وانقراض أنواع تالدة غير قادرة على المواءمة للظروف الجديدة. هذا ما حدث في الماضى ويحدث كل يوم وفي كل مكان على سطح الكرة الأرضية.
يمكن أن نقول أن التطور لا يحدث، وأنها نظرية قد ألفها الشيطان نفسه، كما يقول رجال الكنيسة ومشايخنا الكرام. ويمكن أن نناصب العداء وننصب المشانق لمن يخالفنا الرأي، نستبيح دمه وعرضه وماله وعياله. فنحن أحرار نفعل ما نريد. لكن ما هو الثمن؟
لم تعد الأدوية عبارة عن سفوف، وشربة زيت خروع، ولبخة ردة، وحقن شرجية. لكنها أصبحت مضاضات حيوية وعقاقير في غاية التعقيد والتركيب. تعتمد على هندسة جينات متقدمة جدا.
إذا لم نفهم نظرية التطور بعمق، وكذلك الأبحاث الجديدة الخاصة بها وبالجينات وتركيبة الحامض النووى، فكيف نصنع الأدوية ونعالج مرضانا ونحمي شعوبنا من الأوبئة والحروب الكيميائية لا قدر الله.
كيف نقاوم الحشرات، وكيف نزيد من انتاجية الأرض، حتى نوفر الغذاء لأطفالنا. كيف نحمي أنفسنا من هجوم الميكروبات والذباب والبعوض. انفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير وجنون البقر والإيدز وأمراض فيروسات الكبد الوبائى، وما يستجد في المستقبل؟
إذا لم نفهم كيف تعمل الفيروسات، وكيف تتغير وتتبدل لكي تظل على قيد الحياة، فهي أيضا كائنات حية، تقوم باستمرار بتعديل جيناتها حتى تستمر في البقاء، فكيف نستطيع مقاومتها وحماية أنفسنا؟
المسألة جد ولا تحتاج إلى تهريج. الجهل مصيبة. فقد كان الناس في القرون الوسطى وعصور الظلام، عندما يجتاح الأرض وباء مثلا، يذهبون جميعا إلى الكنائس والجوامع ودور العبادة للصلاة والدعاء. فينتشر الوباء أكثر وأكثر مع الزحام وعدم الوعى.
لا يجب أن نخلط العلم بالدين. إذا قال العلم أن نظرية داروين صحيحة، فليكن. وإذا أثبت العلم أنها خاطئة، فلتذهب إلى الجحيم غير مأسوف عليها. علينا في هذه الحالة أن نبحث عن غيرها وأفضل منها.
إذا تعارض العلم مع الدين، فلنرجع إلى كتبنا المقدسة لكي نعيد تفسيرها. الإيمان يأتى عندما ينتهي العلم. ولا يجب أن يكون بديلا له. ولا يجب مزج الخل بالزيت. وصدقوني، ليس أمامنا خيار آخر.
هذه باختصار شديد، قصة التطور كما ترويها لنا الكتب العلمية. كتب الكفار والشياطين. أردت مناقشتها بأسلوب مبسط، لعلي أنجح في فتح شهية القارئ العزير لهذا الموضوع الهام.
فقد لاحظت خلو مناهجنا الدراسية وكتبنا وصحافتنا ووسائل اعلامنا من هذه النظرية الخطيرة. وهي في نظري أهم نظرية ظهرت في أي عصر من العصور.
أهميتها ترجع لعلاقتها المباشرة بحياتنا وحياة أولادنا وغذائنا وأمراضنا. حتى لغتنا الجميلة تتطور. وكذلك عاداتنا وتقاليدنا وأدياننا ونظمنا السياسية.
النظم الاقتصادية تتطور، وكذلك العلوم والفلسفة. وأيضا التاريخ، فهو يسير في حركة تطور مستمرة. وأيضا النظم الدكتاتورية تتطور. حتى أصبحت الأسوأ والأشرس والأقذر.
قد يكون التطور إلى الأمام أو إلى الخلف. ومن يقول أن التطور يحدث فقط إلى الأمام. الحالة المصرية خير دليل على ذلك. فهل يمكن أن نقارن أنفسنا اليوم بحالتنا أيام قدماء المصريين. أيام الدولة القديمة مثلا، عندما بنيت الأهرامات، أو أيام تحتمس الثالث. أنظر إلى حالة المرأة كما تصورها لنا أوراق البردي وجدران المعابد.
كيف تلبس وكيف تتعطر وكيف تتحلى بالحلي والزهور والورود. أنظر كيف تعزف الموسيقى بأناملها الرقيقة، وتأمل أنواع الآلات التي تستخدمها. شاهدها وهي تميل مع النسيم مثل غصن البان. سعيدة تمرح وتغني وترقص وتتريض بين الحقول والنخيل وعلى شاطئي النيل.
وانظر إلى حالها البائس اليوم. كتل صماء سوداء من العرق والقلق والتربص والخوف والكره والكبت وعدم الثقة. في عداء كامل للحياة ولكل ما هو جميل.
أنظر إلى مستنقع حالتنا الإجتماعية والدينية والنفسية اليوم. قارنها بحالة مصر في الخمسينات. هل نحن نتطور إلى الأمام أم إلى الخلف؟
الحيوانات أيضا قد تتطور إلى الخلف في بعض الأحيان. لكن الثمن باهظ. الثمن هو الانقراض والفناء. عدد الأنواع التي انقرضت ولم يكتب لها النجاح تبلغ 95% من كل الكائنات. ولا نحتاج لدراسة الحمض النووى والجينات، لكي نصل إلى هذه النتيجة المحزنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.