على الرغم من أن المسلمين في نيجيريا يشكلون الأغلبية، حيث يشكل المسلمون نحو 55 % من إجمالي عدد سكان نيجيريا البالغ نحو 150 مليون نسمة، بينما يمثل النصارى 40 %، بحسب إحصاءات غير رسمية، إلا أن المسلمين هم أكثر فئات المجتمع تعرضا للإهمال من قبل الحكومات النيجيرية المتعاقبة، وبالأخص في عهد الرئيس المسيحي الحالي جوناثان. منذ دخول الإسلام إلى نيجيريا ( كانت تعرف ببلاد الهوسا ) في القرن الخامس الهجري وهو يزدهر وينتشر بين سكانها عن طريق التجار المسلمين وعن طريق علماء المسلمين ( كان من أهم من زاروا هذه البلاد الإمام السيوطي رحمه الله ). حتى استطاع العالم والمجاهد النيجيري الشهير ( عثمان بن فودي ) إقامة دولة إسلامية سنية تحكم بشريعة الإسلام بكل جوانبها.. وكانت تجربة ثرية رائدة.. حيث روعيت الحكمة ولم تغب الرحمة. وكانت التجربة أقرب إلى فهم الشريعة ومقاصدها وارتباطها بواقع الناس ومصالحهم .. فساد العدل وكثرت الأرزاق وحلت البركة واطمأن الناس - على اختلاف عقائدهم - على ممتلكاتهم وشعروا بالأمن. التحدي الحقيقي الذي واجهته تلك التجربة العريقة كان مع قدوم الغزو الإنجليزي وسيطرة بريطانيا على الحكم مع بداية القرن العشرين عام 1903م. فقد عمل المحتل الإنجليزي على إقامة الحواجز تدريجيا بين النيجيريين وبين شريعتهم .. ونجحت إنجلترا بامتياز في أمرين هامين .. وهما: أولا: نجحوا في الخروج من البلاد وقد نحوا الشريعة الإسلامية عن الحكم.. وقد كان إلغاء أحكام الشريعة الجنائية شرطاً لحصول نيجيريا على الاستقلال عام 1960م. ثانيا : نجحوا في خلق واقع شاذ أتاح للأقلية النصرانية التفوق إدارياً وتقنياً وعلمياً مما سهل عليهم السيطرة على مقاليد البلاد سياسياً وأمنياً وثقافياً . ساعد في ذلك المناخ الغريب الذي سيطر على أوساط الغالبية المسلمة .. فقد زهد المسلمون في تلقي العلوم المدنية ونظم الإدارة ومبادئ العلم والتكنولوجيا. سيطرت الأقلية النصرانية تساعدها الأقلية الوثنية.. وغذت القوى الغربية هذا الاتجاه بكل قوتها ونفوذها .. ونشطت المنظمات التنصيرية في أرجاء البلاد.. وكان المخطط له أن تصبح نيجيريا بالكامل دولة نصرانية بحلول عام 2000م. فلما لم يتحقق شيء من هذا.. فلم تتنصر نيجيريا عام 2000م .. ونجحت كثير من ولايات الشمال النيجيري في تطبيق الشريعة الإسلامية - مستفيدة من الحكم الفيدرالي في البلاد - وسعت ولايات نيجيرية أخرى في تطبيقها . بدأت الأقلية النصرانية الحاكمة المسيطرة سياسياً وأمنياً في افتعال وإثارة الفتن لتدبير المذابح للمسلمين . فالقضية إذا ليست قضية فتنة طائفية ولا نزاع على ملكية قطعة أرض زراعية – كما ادعى البعض وكما روجت بعض المواقع الإلكترونية والصحف – لكنها حرب إبادة جماعية منظمة مخطط لها منذ عقود بسبب عودة الغالبية النيجيرية المسلمة إلى شريعتهم . مآسي لا تنسى الذين يدعون أن ما يدور في نيجيريا حرب طائفية بين مسلمين ونصارى، عليهم قراءة ما حدث من مذابح جماعية ضد المسلمين من قبل الوثنيين والنصارى المتطرفين عام 1990م وعام 1994م وعام 1995م في ( تفاوبليو ) و(كافنشان) وفي ( تينجو وادوجو ). ما رأيهم في مذبحة ( كادونا ) عام 2000م بمشاركة عناصر من قوات الجيش النيجيري.. والتي قتل فيها آلاف المسلمين .. وفر الآلاف منهم إلى مدن مجاورة وأحرقت ممتلكات الأغنياء من المسلمين؟
وفي مايو 2004م مذبحة أخرى قامت بها ميليشيا نصرانية مسلحة ضد مسلمين عزل في قرية ( بلوشندام ) بوسط نيجيريا راح ضحيتها سبعون مسلما. وفي ( بلوا ) مذابح واعتداءات امتدت لأشهر متواصلة .. راح ضحيتها أكثر من ستمائة مسلم . وفي مدينة ( جوس ) بوسط نيجيريا مذابح مروعة يتعرض لها المسلمون الذين يشكلون أغلبية على يد عصابات نصرانية مسلحة . وفي يوليو 2009م مذابح وتمثيل بالجثث وإلقاؤها في الآبار وتعليق جماجم القتلى وعظامهم على مداخل قرية ( كورو كراما ) . وفى يناير 2010م أذاعت ( هيومان رايتس ووتش ) هذا البيان : " هاجم مسلحون قرية ( كورو كراما ) النيجيرية وأكثر سكانها من المسلمين .. وبعد أن حاصروا القرية بدأوا بملاحقة وقتل السكان المسلمين الذين التجأ بعضهم إلى المنازل وإلى مسجد القرية .. لكن المسلحين طاردوهم وقتلوا الكثيرين .. حتى إنهم أحرقوا البعض أحياء " . وقال شهود عيان : "الأطفال كانوا يجرون والرجال يحاولون حماية النساء .. والذين فروا إلى الأدغال قتلوا والبعض أحرقوا في المساجد والبعض ذهبوا إلى البيوت وأحرقوا هناك ". موقف عربي هش على الرغم من المساعدات التي تقدمها دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية لمساعدة المسلمين النيجيريين وانتشالهم من الإهمال الذي ينتابهم إلا أن الحرب على الإرهاب كان لها دور في قطع هذه المعونات ، مما أوجد الساحة خالية للمنظمات المسيحية التبشرية والجمعيات الإيرانية لتستغل الفقر والتأثير على عقائد المسلمين الذي يدينون بالمذهب السني. وقد وجهت رسالة من" لجنة مساعدة مسلمي جوس" مفادها أن المسلمين في ولاية بلاتو يتعرضون لحملات تبشيرية ، مستغلين فقر اللاجئين المسلمين الذين يقدر عدد بحوالي 18 ألف في مدينة "جوس" حيث تقوم الكنائس والجمعيات التنصيرية بتقديم الغذاء والملبس لهم بهدف تنصيرهم وإخراجهم عن دينهم. وطالبت " لجنة مساعدة مسلمي جوس" من المسلمين والعرب ، نشر مأساتهم مع الفقر ، ومعاناتهم مع دعوات التبشير وتقديم العون لهم ، مؤكدين أنهم إلى اللحظة لم يصلهم أي عمل خيري من الدول العربية والإسلامية سواء من حكومات أو مؤسسات أو أفراد، في الوقت الذي تتدفق قوافل المساعدات المختلفة من الدول الغربية وجمعياتها التنصيرية وتقديمها إلى ضحايا العنف والتطرف الصليبي ، حسب ما جاء في رسالتهم. من جهة أخرى، أطلقت مجموعة على "الفيس بوك" يدعون إلى التحرك وفضح ما يتم ارتكابه من جرائم بحق مسلمي نيجيريا، وذلك بعد أن أفادت وكالات الأنباء العالمية يوم 26 من يناير الماضي، بأنه تم العثور عن عشرات من الجثث لمسلمين تم قتلهم في مدينة جوس النيجيرية، على يد ميليشيات مسيحية احتجت في 17 ديسمبر الماضي على بناء مسجد في مدينتهم، وهو الأمر الذي قوبل بالرفض من السلطات النيجيرية، وما كان أمام هذه المليشيات سوى استهداف المسلمين في هذه المدينة. المجموعة التي حملت اسم "مسلمو نيجيريا بأي ذنب قتلوا"، أعربت عن استيائها من الموقف السلبي لكل من منظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد الأفريقي، ووسائل إعلام الدول الإسلامية، ولم يجدوا سوى الدعاء لإنقاذ المسلمين في نيجيريا. وفي الختام هناك سؤال ، والسؤال هو: أين أوكامبو ؟ أين الرجل الذي يلاحق العسكريين المتهمين بجرائم قتل وإبادة ضد الإنسانية ؟