أكدت دار الإفتاء المصرية على أنه يجوز بناء الكنائس للمسيحيين فى الديار المصرية فى ظل الدولة الإسلامية، إذا احتاجوا إلى ذلك فى عباداتهم وشعائرهم وذلك وفق اللوائح والقوانين التى تنظمها الدولة المصرية لذلك. و أوضحت عدم وجود نص شرعى صحيح صريح يمنع بناء الكنائس و دور العبادة فى بلاد المسلمين.. وأنه طبقا لذلك جرى العمل عبر مر العصور المختلفة ، والمسلمون مكلفون شرعا بتوفير الأمان لأهل الكتاب فى أداء عبادتهم و إبقاء دور عبادتهم على حالها من غير التعرض لها، إعادتها إذا اتهدمت . وأشارت دار الإفتاء فى بيان إلى أنها أكدت سلفا فى معرض ردها على سؤال حول مشروعيه بناء الكنائس للمسيحيين فى مصر أنه لا يخفى أن سماح الدولة الإسلامية لرعاياها ومواطنيها من أهل الكتاب ببناء الكنائس و دور العبادة عند حاجتهم لذلك يعد هو المصلحة الراجحة و الرأى الصائب الذى دلت علية عمومات النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وأكده عمل المسلمين عبر العصور، وأيدته المقاصد الكلية ومرامى الشريعة هذا بالإضافة إلى المتغيرات العالمية والدولية والإقليمية والمحلية، وقيام الدولة المدنية الحديثة على مفهوم المواطنة الذى أقرة النبى صلى الله عليه وسلم فى معاهده المدينةالمنورة، ومبدأ المعاملة بالمثل بين الدول. وأضافت أن الناظر فى التاريخ الإسلامى يرى كيف رحب نصارى مصر بالمسلمين الفاتحين وفتحوا لهم صدورهم على الرغم من أن حكامهم من الرومان كانوا نصارى مثلهم، ولكنهم فضلوا العيش تحت مظلة الإسلام وعاشوا مع المسلمين فى أمان وسلام وصار نصارى مصر عدة و أعونآ فى سبيل الله كما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم؛ لتصنع مصر بذلك أعمق تجربة تاريخية ناجحة من التعايش والمشاركة فى الوطن الواحد بين أصحاب الأديان المختلفة. وذكرت أنه قد سبق لدار الإفتاء المصرية فى عهد فضيلة الدكتور نصر فريد واصل المفتى الأسبق إصدار فتوى عام 1999م بجواز بناء الكنائس فى بلاد الإسلام؛ حيث جاء: " أن الإسلام يعطى أهل الكتب السماوية نصرانية أو يهودية أو غيرها الحرية الكاملة فى ممارسة طقوسهم الدينية و إقامة معابدهم وتركهم وما يدينون، طالما أنهم لا يعادون الإسلام ولا يعينون عليه أحدآ". وأوضحت أن هذه الفتوى مؤسسه على الدلائل الشرعية المستقرة التى تثبت أن الإسلام هو دين التعايش؛ و أن مبادئه تدعو إلى السلام ولا تقر العنف، ولذلك لم يجبر أصحاب الديانات الأخرى على الدخول فيه، بل جعل ذلك باختيار الإنسان فى آيات كثيرة نص فيها الشرع على حرية الديانة، بل أمر الشرع بإظهار البر والرحمة والقسط فى التعامل مع المخالفين فى العقيدة. كما شددت أن الإسلام ترك الناس على أديانهم ولم يجبرهم على الدخول فى الإسلام قهرآ، فقد سمح لهم بممارسة طقوس أديانهم فى دور عبادتهم، وضمن لهم من أجل ذلك سلامه الدور، وأولاها عناية خاصة؛فحرم الاعتداء بكافه أشكاله عليها بل إن القرآن الكريم جعل تغلب المسلمين وجهادهم لرفع الطغيان ودفع العدوان وتمكين الله تعالى لهم فى الأرض سببآ فى حفظ العبادة_سواء أكانت للمسلمين أم لغيرهم_ من الهدم وضمانآ لأمنها وسلامه أصحابها، بل إن الشرع أذن لأهل الديانات السماوية ببناء ما تهدم من كنائسهم وترميم ما تصدع منها؛ معللا لمشروعية إعادة بناء الكنائس المنهدمة أنه جرى التوارث من ادن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا بترك الكنائس فى أمصار المسلمين. كما أشارت إلى أن عاملى الديار المصرية: الإمام والمحدث والفقيه أبا الحارث الليث بن سعد، والإمام قاضى مصر أبا عبد الرحمن عبد الله بن لهيعه أكدا على أن كنائس مصر لم تبن إلا فى الإسلام؛ وأشار على والي مصر فى زمن هارون الرشيد موسى بن عيسى بإعادة بناء الكنائس التى هدمها من كان قبله، وجعلا ذلك من عماره البلاد. كما أكد المؤرخين على أنه بنيت فى مصر عده كنائس فى القرن الأول الهجرى، مثل كنيسة "مارى مرقص" بالإسكندرية مابين عامى39و56 هجرية، وفى ولاية مسلمة بن مخلد على مصر بين عامى47و 68 هجرية بنيت أول كنيسة بالفسطاط فى حارة الروم، كما سمح عبد العزيز بن مروان حين أنشأ مدينه "حلوان" ببناء كنيسة فيها، وسمح كذلك لبعض الأساقفة ببناء ديرين كما يذكر المؤرخ المقريزى أمثله عديدة لكنائس أهل الكتاب مؤكدا أن جميع كنائس القاهرة الذكورة تم إنشاؤها فى الإسلام بلا خلاف. وشددت أمانه الفتوى بدار الإفتاء على أن ما قاله جماعه من الفقهاء بمنع إنشاء الكنائس فى بلاد المسلمين: هى أقوال لها سياقاتها التاريخية وظروفها الاجتماعية المتعلقة بها؛ حيث مرت الدولة الإسلامية منذ نشأتها بأحوال السلم والحرب، وتعرضت للهجمات الضارية والحملات الصليبية التى اتخذت طابعا دينيآ يغذية جماعه من المنتسبين للكنيسة آنذاك، مما دعا فقهاء المسلمين إلى تبني الأقوال التى تساعد على استقرار الدولة الإسلامية والنظام العام من جهة، ورد العدوان على عقائد المسلمين ومساجدهم من جهة أخرى، ولا يخفى أن تغير الواقع يقتضى تغير الفتوى المبنية عليه.