خطيبي والده مريض بالاكتئاب منذ سنوات, فهل أتم الزواج أم أن هذا مرض وراثي يمكن أن يصيب أولادنا في المستقبل أو تظهر أعراضه علي خطيبي في مرحلة تالية؟ سؤال كاشف وجهته خريجة واحدة من الجامعات المفترض أنها مرموقة للغاية لأستاذ علم نفس استضافه أحد البرامج التليفزيونية قبل أيام. فهذا السؤال يوضح حقيقة جزء كبير من مجتمعنا المريض بالتجبر علي المرضي والمستضعفين, فالفتاة لم تطلب معرفة أفضل طريقة لمؤازرة خطيبها في هذا الموقف وأسرته أو كيفية تقديم الدعم لهم ولوالده بل تعاملت مع المرض النفسي كوصمة عار ومرض عقلي تخشي منه باعتباره معديا مثل البرد! وهذا أمر مثير للشفقة أن يظل الكثيرون منا مستمتعين بالإقامة الاختيارية في مستنقع عدم المعرفة بحقيقة الأمراض النفسية التي يعج بها مجتمعنا في العقود الأخيرة والتي تتفاقم نتيجة الجهل بطرق التعامل معها وتدفع بالكثير من المرضي للانتحار هربا من واقع مؤلم ومعظم أفراده شديدي القسوة عليهم. يتساءل الكثيرون مؤخرا عن تزايد حالات الانتحار في مصر بشكل لافت والطرق التي يختارها المنتحرون لإنهاء حياتهم وبها الكثير من الصخب مثل إلقاء أنفسهم تحت عجلات المترو أو القطارات أو القفز من أماكن مرتفعة أو تناول مواد سامة لاسيما المبيدات الزراعية. أيضا كثير من حالات الانتحار يترك فيها المنتحر رسائل يعتذر فيها لأهله ويطلب المسامحة لشعوره بالذنب تجاههم لتيقنه من الألم النفسي الذي سيتركه فراقه عليهم ووصمة العار التي ستلحقهم من وراء فعلته, وسط مجتمع يهتم كثيرا بالمظاهر ولا ينشغل بالاستماع لصراخ المنتحرين الذين يطلبون النجدة كثيرا بشكل هادئ ثم يتجهون لإطلاق صرختهم الأقوى وهي محاولة الانتحار, وكلهم أمل أن يجدوا من ينقذهم منها أو يستجيب لصراخهم النفسي والاقتصادي والاجتماعي قبل الإقدام عليها. ففي الكثير من الأحيان يحاول الناس الانتحار ليس لأنهم يريدون حقا الموت ولكن لأنهم عاجزون عن الحصول علي المساعدة في الاستمرار في الحياة في ظل الآلام التي يواجهونها سواء للظروف الاقتصادية القاسية وعدم التعاون الأسري أو المجتمعي لمساندتهم في تجاوزها. أو نتيجة أسباب مرضية سواء للشعور باليأس تجاه آلام جسدية مزمنة نتيجة أمراض مستعصية بلا علاج تشعره بالتحول لعبء ثقيل علي المحيطين به والذين يفقدون تدريجيا حماسهم لدعمه نفسيا وجسديا, أو جراء أمراض نفسية مثل الاكتئاب أو الفصام أو الذهان أو الوساوس القهرية, وجميعها أمراض تصيب النفس بالإحباط من الحياة. وفي مصر يقع المريض النفسي ضحية أسرة لا تهتم بشفاء أبنائها بقدر اهتمامها بإخفاء أمراضهم باعتبارها أمرا قد يجلب عليهم الإذلال الاجتماعي, وأطباء نفسيون حولوا المرضي لحقل تجارب للأدوية التي يصفونها مما يزيد من سوء حالاتهم بدلا من علاجها ويزيد الميول الانتحارية لديهم في غفلة من الجميع. المدمنون الذين لم يعد هناك بيت مصري يخلو منهم – إلا من رحم ربي- وصارت المواد المخدرة تباع علنا في بعض الأماكن كأنها خضار أو فاكهة دون أن ينزعج أحد من انتشارها في مجتمعنا سواء من المسئولين أو المواطنين العاديين الذين صاروا يتعاملون معها كجزء معتاد في حياتهم, هؤلاء المدمنون ممن تفتك المواد المغيبة والمدمرة للعقل بوعيهم كثيرا ما يذهبون لطريق الانتحار بعد أن يفقدوا الأمل في إيجاد من يساندهم في رحلة الإفاقة. ضحايا كثيرون للأفكار الانتحارية التي صار من المستحيل أن نطالبهم وهي تهاجمهم بالذهاب لمن يدعون أنهم رجال الدين بعد أن كشفت الأيام والسنوات الماضية أن معظمهم مجرد تجار للدين الذي يسخرونه لمصالحهم الذاتية فقط ولخدمة أولياء نعمهم أيا من كانوا. وهنا علينا كأهل أو أصدقاء أو أزواج و زوجات لبعض من يملكون مثل هذه الأفكار الانتحارية لأي سبب أن ندرك أننا وحدنا العلاج والمطب البشري الذي سيهدئ من سرعة هذه الميول والأفكار داخلهم, وأن نبحث لهم ومعهم عن طرق أخري يمكن أن يجتازوا بها مشاكلهم. وأهم هذه الطرق علي الإطلاق – كما يجمع علماء النفس- هي الاستماع لهم فالفضفضة تخرج تلك الأفكار من داخلهم لطاولة النقاش العاقل, إلا أن رحلة إخراج هذه الأفكار ليست سهلة أو قصيرة بل شديدة الصعوبة لأنهم عندما يقررون أن يتحدثوا عما يفكرون فيه لابد أن نكون قطعنا معهم شوطا طويلا من المحبة والثقة والاطمئنان. الذي أشعرناهم خلاله بأنهم ليسوا عبئا علينا وان العالم لن يكون أفضل بدونهم, وأن أي أموال يمكن أن تحل أزماتهم هي ارخص ثمنا يمكن أن يقدمه جميع المحيطين بهم لضمان بقائهم علي قيد الحياة والأمل في أيام أفضل سيعيشونها بإذن الله.