شريف لطفي: هناك شعوب لا تعرف شيئا عن مصر سوى الإرهاب ويعتقدون أن دولة الأهرامات هي المكسيك تركت مهنتي بمنصبها الرفيع وراتبها المغري لأثبت أن في هذه السن قدرتنا أكبر من الجلوس في البيت حينما نتحدث عن فكرة المغامرة يكون دائما لدينا ارتباط ذهني بديهي بين مفهوم المصطلح بمرحلة معينة من العمر وهي مرحلة الشباب، وعلى العكس تكون فترة منتصف العمر هي الفترة التي يبحث خلالها الجميع عن الأمان والاستقرار سواء على المستوى العملي أو في كيفية إدارة شئون الحياة بشكل عام.. لذلك حينما نسمع عن مغامر مصري في منتصف الخمسينات من عمره فمن الوهلة الأولى سوف نكون متأكدين أننا أمام حالة استثنائية جدا، خصوصا عندما تشير المعلومات إلى أن طبيعة مغامرته أن يقطع مسافة 25 ألف كيلومتر من جنوبالأرجنتين إلى ألاسكا بالموتوسيكل.. وأنه قرر أن يترك منصبه الرفيع وراتبه المغري ليثبت فكرة ما تدور في رأسه، تعرفوا معنا عليها من خلال هذا الحوار.. في البداية نريد أن نتعرف عليك عن قرب؟ اسمي شريف لطفي، مواطن مصري سويسري، حيث إن والدي مصري وأمي سويسرية، كنت أعمل في القطاع المصرفي بأحد أكبر بنوك سويسرا، وكنت مقيما هناك حتى وقت قريب، ثم انتقلت لإدارة فرع نفس البنك في مصر، ولكني فجأة قررت ألا أصل إلى سن المعاش وأنا أعمل في هذا المجال خصوصا وأني مطلق وليس لدي أطفال، كما أني حققت نفسي سواء على المستوى المهني أو المادي، فقررت وأنا في منتصف الخمسينات من عمري أن أترك العمل لأبدأ عملا من نوع آخر أشعر من خلاله بمتعة شخصية وأحقق من خلاله هدفا أؤمن به. ولماذا قررت أن يكون التغيير من خلال رحلة بهذا الشكل؟ منذ صغري وأنا عاشقا للمغامرات وركوب الدراجات البخارية، وكنت أرى أنني يمكنني أن أقطع رحلة ال 25 ألف كيلو متر من جنوبالأرجنتين إلى ألاسكا على دراجتي رافعا العلم المصري لأعرف العالم بمصر، وأعطي صورة مغايرة عن تلك التي تصدر من خلال صحافة العالم ووسائل الإعلام، لكني اكتشفت أن هناك شعوبا لا تعلم أن هناك دولة بهذا الاسم وأن بلد الأهرامات هي المكسيك، وهو ما جعلني أشعر أن أهم الأهداف التي بدأت بسببها الرحلة يستحق المجهود. وهل هناك أهداف أخرى غير ذلك؟ بالتأكيد، حيث إنني أردت أيضا أن أوجه رسالة لمن وصل إلى هذا العمر وقد أعتقد أنه ينهي حياته، وأن الجلوس على الأريكة هو أقصى مجهود قد يبذل في هذه المرحلة العمرية، أنه مازال لديه المزيد لكي يقدمه ولذلك كان أكثر ما أسعدني بعد انتهاء هذه الرحلة أنني مازلت على قيد الحياة، فكنت في البداية أريد أن أقدم رسالة لمن يعتقدون أنهم وصلوا إلى سن العجز أنه مازال هناك في الحياة شيء يستطيعون تقديمه، فلدي أشقاء أصغر مني بسنوات وشكلهم أكبر مني سنا بسبب شعورهم بالعجز واستسلموا لهذا الأمر، كما أني رأيت أن الشباب المصريين أصبحوا يشعرون بالعجز في عز شبابهم.. ومن ناحية أخرى أردت توصيل رسالة للعالم بأن مصر ليست كما يعتقدون وأنها ليست بلد إرهاب كما يصدر عنها من خلال وسائل الإعلام العالمية، وأن بها أناسا يعيشون حياتهم بشكل طبيعي، بل وأن هناك من يترك أعماله في دول غنية ليعيش فيها مستمتعا بحياته. قد يكون الانطباع الأول عنك أنك تعيش حياتك مرفها، فما صحة ذلك؟ قد يكون ذلك باختياري في الوقت الحالي، ولكني لم أعش حياتي السابقة مرفها، حيث عملت أكثر من 30 سنة في بنوك سويسرا بعد أن تخرجت في كلية التجارة جامعة عين شمس، منهم 25 عاما كنت مقيما في سويسرا أتدرج في المناصب الوظيفية حتى أصبحت سينيور بانكر ثم انتقلت إلى مصر لتولي أمور مكتب البنك في مصر ثم توليت إدارة فرعه في مصر، وهي أمور كانت تحتاج إلى ساعات طويلة من العمل المتواصل يوميا غارقا في تفاصيل عملية معقدة، فنجاحي في عملي لم يأت في يوم وليلة. إذن كيف كان تركك لكل ذلك يأتي بهذه السهولة؟ لم يكن سهلا، فحينما أتيت إلى مصر- وكان ذلك قبل ثورة يناير- كنت قد قرر ألا أعود إلى سويسرا مرة أخري، لأنني كنت قد وضعت لنفسي هدفا محددا من تحقيق نفسي مهنيا وكنت قد وصلت لأكثر مما خططت، كما أنني لم أكن أريد الوصول إلى سن المعاش وأنا غارق في التفاصيل المادية التي كانت تفرضها علي طبيعة مهنتي، وكنت قد تعبت من العمل لمدة 15 ساعة يوميا، فكنت أريد أن أتخلى عن البدلة والكرافتة، وأن أقوم بعمل أحبه بدون مقابل مادي، وكلها أشياء كانت لا تتناسب مع طبيعة مهنتي، ولذلك اتخذت قرار المعاش المبكر. كان الموتوسيكل المستخدم في الرحلة مميزا جدا، فماذا عنه؟ اخترت أن أقطع هذه المسافة بموتوسيكل هوندا جولد وينج، وقمت بعمل بعض التعديلات عليه لكي أتمكن من حمل العلمين المصري والسويسري عليه بهذا الشكل، وقد رأى البعض قبل الرحلة أن هذا الاختيار غير موفق، حيث إن الموتوسيكل غير مخصص للطرق الوعرة، ولكني رأيت أنه الأنسب لكبر سعة محركه ووزنه الثقيل، وبعد انتهاء الرحلة أثبت للجميع أنني كنت على حق. ومن أين أتت فكرة الأعلام؟ استلهمت الفكرة من طبيعة عمل والدي جمال الدين لطفي والذي كان الطيار الخاص للثلاثة رؤساء جمال عبد الناصر والسادات ومبارك، وكان يحمل العمل المصري على ذيل طائرته، فقررت أن أطوف العالم بدراجتي حاملا العلم نفسه. هل كانت هناك تحضيرات معينة قبل البدء في هذه الرحلة الطويلة؟ بالطبع فقبل بداية الرحلة كنت أعمل حساب لكل كيلوجرام أحمله فكنت من الطعام أكتفي بالبلح الناشف وكانت معي صيدلية صغيرة بها أدوية لأعراض مختلفة، بخلاف مجموعة من الأوراق والتصاريح، وكانت حصتي في اليوم من البلح ثلاث بلحات فقط، وكنت أعتمد على وجبتي إفطار وعشاء من البلدان التي أمر عليها. كيف كانت إقامتك وتعاملاتك في البلدان التي مررت عليها؟ بالطبع أقمت في أيام كثيرة في جراجات ومحطات بنزين وسط الفئران، وفي مدن أخرى تمكنت من الإقامة في فنادق من فئة الخمسة نجوم، فكنت أتخذ قسطا من الراحة تعادل التعب الذي أواجهه، وكان من الأشياء التي تعلمتها خلال هذه الرحلة أن الإنسان لا يحتاج إلى لغات في التعامل مع الأجناس المختلفة، فأنا أتحدث العربية والإنجليزية والألمانية والفرنسية، ولكن في بعض القرى والمدن التي مررت بها لا يتحدثون أيا من هذه اللغات، فكانت لغة الإشارة هي الحل، واكتشفت أن الإنسان بإشارة يده يستطيع الحصول على أساسيات الحياة. ألم يكن هناك صعوبات تستحق الحديث عنها؟ بالتأكيد، فلقد رأيت الموت خلال هذه الرحلة سواء بسبب الأحوال الجوية أو صعوبة الطرق والحوادث أو ضيق التنفس بسبب ارتفاع الطريق ل4200 متر عن سطح البحر، بخلاف الوضع الأمني، فمثلا في كولومبيا تم تكليف 4 بودي جارد لحراستي من قبل السفارة هناك بسبب الوضع الأمني، وفي الإكوادور أغلق الأمن على الطريق لأنهم كانوا مشتبهين في، خصوصا وأن بعضهم كان لا يعلم شكل العلم المصري ويشك البعض أنه العلم السوري أو العراقي.
منذ متى وأنت تحضر لكل هذه التفاصيل؟ لقد بدأت التحضير لهذه الرحلة في أكتوبر 2015 وبدأتها في 4 أبريل 2016 وانتهيت منها في 17 أغسطس، وأخذت أشهر التحضير في نقل الموتوسيكل إلى نقطة البداية من أوشوايا في جنوبالأرجنتين والعمل مع فريق يحدد لي خطوط السير والتوقيت المناسب للقيادة على الطريق ومتابعة حالتي الصحية، وانتهت الرحلة في إنكوريدج في ألاسكا.