"ده خاين وعميل وطابور خامس".... منذ سنوات وتحديدا بعد أحداث 25 يناير 2011 بدأ البعض علي استحياء إلصاق هذه الصفات بخصومهم ومن يختلفون معهم في الرأي وظهر ما سمي –إعلاميا- بالقضية 250 تلك القضية التي رسخ كثرة الحديث عنها يقين البعض بوجود خونة بيننا باعوا الوطن بالدولارات والتمويلات الأجنبية كما أشيع وتدريجيا زاد حجم كرات النار مع تزايد الحديث عن تلك القضية تحديدا والتي لا نعرف عنها شيئا يمكن الاعتداد والوثوق به بعيدا عن الشطحات الإعلامية المأمورة والموتورة إلا بيان مقتضب من مكتب النائب العام الراحل هشام بركات قبل وفاته بساعات أكد خلاله أن هناك فعليا ما يسمي بالقضية 250 ومن قبل التأكيد علي وجود القضية ومن بعده استعذب الكثير من المصريين سواء كانوا سياسيين أو إعلاميين وصحفيين أو شبابا غاضبا أو حتى مواطنين عاديين فكرة اتهام المخالفين لهم بالخيانة حتى صارت كلمة "طابور خامس" كالتطعيم لابد أن يتعاطاه المصريون إجباريا في فترة ما في حياتهم فأبناء مبارك بعد 25 يناير خونة....ثم انضم إليهم شباب يناير الذين وصفهم الكثيرون بالخيانة ومحاولات هدم الدولة وتخريب الوطن...وبعد أحداث 30 يونيو2013 صار الإخوان ومن يواليهم هم الخونة الأشر لأن خيانتهم موصومة بالإرهاب وسفك الدماء وليس قبض الدولارات ونشر الفوضى فقط...أما الآن فالحمد لله علي كل شيء أصبح الجميع خونة من وجهة نظر الجميع فالمصريون يقدمون الآن للعالم ملحمة تدمير منظم وممنهج لدولتهم...يقدمون نموذجا فريدا لشعب قرر أن يفني ذاته وحضارته من أجل أن يثبت كل طرف من أطرافه السياسية المتناحرة أنه علي حق...والجميع يرفع شعار فريقي وبطانتي وبعدنا الطوفان ولتذهب مصر للجحيم والحقيقة انه لا يوجد جحيم أكثر من الذي تعيشه دولتنا المكلومة في أبنائها حيث لا يوجد دولة في العالم ينظر أبناؤها لبعضهم هذه النظرة الوضيعة لأن فكرة الخيانة هي أحقر وأذم اتهام يمكن أن يوجه لفرد... فما بالنا بمجتمع يتفنن في تأكيد أن معظمه عملاء وعند البحث والتحري لا نجد أدلة أو إثباتات علي أي من هذه الاتهامات التي بدأت كلعبة سياسية وضيعة لحرق نماذج وأسماء غير مرضي عنها ثم تحولت لنار طالت الجميع وتكاد تحرق المجتمع لاسيما انه لا حساب أو عقاب لمن يصف غيره بالخيانة حتى ولو تم ذلك في وسائل إعلامية أو اليكترونية ذائعة الصيت تحول الاغتيال المعنوي من المصريين لبعضهم البعض لوجبة يومية يلتهمون فيها بنهم لحم إخوتهم بلا ضمير وإذا ما اقترب أحد من هذا المستنقع الاجتماعي السياسي العطن الذي انزلقنا فيه فإن لحمه سينهش فلم يعد أحد فوق الاتهام ولا أحد يملك حصانة للحمه من أن يدنسه هذا العطن المثير للشفقة أننا وسط هذا المستنقع نملك وقاحة القول بأننا نتعرض لمؤامرات وأن العالم يناصبنا العداء.. والسؤال: لماذا يناصب العالم بلدا تحول ال90 مليون مواطن داخلها لمتهمين بأنهم خونة ومتآمرون لأسباب أكثر تفاهة من أن نسردها...لماذا سيضع الكون خططا جهنمية لإسقاطنا ونحن نعترف كل ثانية بأننا نملك أكبر مخزون استراتيجي في العالم من بائعي الأوطان والسبابين والأفاقين وعبيد الحكام ومهاويس المعارضة الاعتراف بالحق فضيلة ومكرمة لابد من أن يلجأ إليها الجميع الآن...لقد أخطأنا جميعا عندما قررنا في لحظة تاريخية عصيبة وعصبية أن نقسم أنفسنا شيعا وفرقا متناحرة فكريا متباعدة سياسيا... تبادلنا الاتهامات في البداية وكان بعضنا يظن – وإن بعض الظن إثم– أن هذا نوع من الوطنية وحماية الوطن من الانهيار والضياع لكن واقع الأمر أننا دفعنا به لقاع الجحيم بعد أن مزقنا نسيجه وقزمنا وجوده وقطعنا أوصاله ما نعيشه حاليا ليس له حل إلا التوافق والتفاهم...لم نعد نملك رفاهية الاستئساد علي بعضنا البعض لأنه لا مجال لفوز أحد وهزيمة الآخر والعلاج الشافي أن نعود لنكون معا منتخب مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني....منتخب يندمج فيه المختلفون حيث لابد أن نؤمن أن للآخر المختلف معنا – أيا ما كان نوع الاختلاف – الحق في الوجود بجوارنا لنكمل المباراة معا وإلا فالبديل هو الانسحاب من الوجود كدولة قوية متماسكة ووقتها سنتحول من دولة لجزر موز تنعزل كل مجموعة من قاطنيها بأفكارها وتوجهاتها بعيدا عن الأخرى...وفي هذه الجزر لا معني للوطن، فالكل عبيد أفكاره ومصالحه ومناطق نفوذه ووقتها قد يتحول التناحر الفكري واللفظي- لا قدر الله- لحالة من الاقتتال المادي بين الشعب وحينها ستكون النهاية