التكلفة العالية والتسويق وراء تراجع الإنتاج خبراء: نحتاج إلى البحث عن الوقائع التاريخية.. ولابد من وجود آلية تحكم ذلك على الرغم من نجاح بعض الأعمال الدرامية الدينية والتاريخية المصرية لدرجة تركت علامات مميزة لدى المشاهد المصرى, وساعدت في التعريف بسير بعض الشخصيات الدينية والمواقف والأحداث التاريخية المتصلة بالدعوة للإسلام أو انتشاره أوغزواته إلا أن المسلسل الديني بدأ يختفى ويتلاشى وبات أقرب إلى الانقراض, ولأول مرة تغيب الدراما الدينية عن الشاشة المصرية في رمضان 2015 وبشكل لافت دون معرفة الأسباب، أهي صدفة أم أمر مقصود أن تختزل الدراما الدينية خلال هذا الشهر الروحاني في عمل كارتوني للفنان يحيى الفخراني. نرصد من خلال هذا التحقيق أراء النقاد والمتخصصين حول أسباب تراجع الدراما الدينية وعما إذا كان سيستمر ذلك في السنوات المقبلة. الدولة من أسباب التراجع تقول الناقدة حنان شومان، إن التليفزيون المصرى إعتاد في الماضي تقديم مسلسلات دينية خاصة خلال شهر رمضان الكريم بشكل جذب المشاهدين, لكن مع دخول منافسين جدد مثل الدراما السورية بدأت الدراما الدينية المصرية تفقد عرشها، والمأساة أنه لم يعد يهتم أحد من المنتجين بهذا النوع من الدراما رغم اتساع سوقها على إمتداد العالم الإسلامي، وانسحبت مصر من الساحة العربية والإسلامية ليصول ويجول فيها الأتراك والإيرانيون. وتضيف "شومان"، أن الدراما الدينية لا تجد من يتصدى لها إنتاجيا, ففى الماضي كانت يتم إنتاجها من خلال الدولة, أما الأن الدولة لا تنتج أى عمل, وعندما تنتج عمل فنى يكون بالإشتراك مع القطاع الخاص الذى يبحث فى المقام الأول عن الربح و يرى أن العمل الدينى لن يحقق له العائد أو الربح. وتتابع، "نظرة الناس بأنه لا أحد يشاهد الأعمال الدينية أوعدم وجود مادة إعلانية على هذه الأعمال يجعلان المنتج يخشى المجازفة بعمل دينى، رغم أننا بالفعل نحتاج إلى هذه الأعمال الدينية، ونجد أن مسلسلَى الإمام الغزالى و عمر كانا عليهما إقبال كبير فى المشاهدة، وبعيدًا عن أى تيار سياسى فنحن ننتج هذه الأعمال لكل مواطن يحب معرفة دينه. وعن كيفية الخروج من الأزمة تقول " شومان"، يجب إعادة هيكلة قطاعات الدولة، وتكون هناك إدارة فاهمة وواعية وتختار موضوعات تصلح أن تقدّم إلى المشاهد، لأن للأسف شركة صوت القاهرة أنتجت أعمالًا ليست لها قيمة. وتقول الناقدة ماجدة موريس، إن السبب الرئيسي في تراجع الدراما الدينية خلال الفترة الأخيرة لأن المسلسل التاريخي أو الدينى صناعة لابد من القائمين عليها أن يوفروا ميزانية إنتاج ضخمة حتى يستطيع المسلسل المصري المنافسة بالإضافة إلى ضرورة البحث عن أبطال جدد، وتطوير الماكياج وتغيير أماكن التصوير والذي يحتاج بالضرورة إلى ميزانية ضخمة. وتوضح موريس، "يرجع إهمال المسلسل الدينى بالأساس إلى الاستسهال فى التسويق بالتعامل مع أسواق ثابتة بعينها وفي الاعتماد علي عائد الإعلانات فى الداخل، فالتسويق لم يكن يعنى سوى البيع للمحطات التقليدية التى تتقدم للشراء ولم يخطر على بال أحد فكرة توسيع الأسواق واستغلال منتج المسلسل الدينى الذى كان نادرا فى العالم ومتميزا نسبيا فى مصر". ويقول الناقد "عصام زكريا"، إن السبب الرئيسى في تراجع الدراما الدينية يرجع إلى أن المنتجين ينتجون الأعمال التي تقوم القنوات بعرضها, والقنوات تقوم بعرض المسلسلات التى تأتى منها إعلانات, والإعلانات تأتي من جهة المعلنين وبالتالي فإن المتحكم الأساسي في السوق هو المعلن. ويضيف زكريا، أن هناك أسباب أخرى للتراجع منها أن القائمين على تلك الدراما يجب أن يوفروا ميزانية إنتاج ضخمة حتى يستطيع المسلسل الدينى المنافسة مع المسلسل المتنوع أو الإجتماعي, وبالتالي فإن المنتج يفضل عدم إنتاج دراما دينية بسبب التكلفة الباهظة. ويتابع زكريا، "كما أن تراجع الدراما الدينية يرجع إلى عدم وجود نص جيد لأن النص يجب أن يكون مكتوب بطريقة جيدة وباللغة العربية, كذلك يحتاج النص إلى البحث عن الوقائع التاريخية والأستعانة بمراجع تاريخية, ويحتاج المؤلفين إلى جهد كبير لإتمام ذلك, وللأسف ليس هناك مؤلفين في الوقت الحالي تفعل ذلك".
المسلسل الدينى لم يواكب العصر ويرى المخرج نبيل الجوهري، أن المأساة فى المسلسل الديني في مصر أنه منذ نشأته لم يواكب حتى فكرة التليفزيون ذاتها، فمعظم الأعمال تعتمد على الحوار إعتمادا يكاد يكون كليا وتتوارى قيمة وأهمية الصورة إلى أدنى الحدود، مشيرا إلى أن الدراما عندنا كثيرا ما تتناول عصور الجاهلية وتقسيمها إلى كفار أشرار أغبياء شديدي القبح والدمامة، ومؤمنون أخيار أقرب للملائكة وتأتي المشاهد التى يضطر فيها المخرج إلي إظهار شخصية ممنوعة مثل الأنبياء أو آل بيت النبى أو الخلفاء الراشدين أوالعشرة المبشرين بالجنة أوالصحابة لأن يستعيض عن وجودهم بوسائل بصرية أو سمعية شديدة البدائية. ويضيف الجوهرى، "أصبح اليوم من المستحيل علي المشاهد أيا كان مستوي ثقافته أو درجة وعيه أن يقبل علي مشاهدة أعمال مثل هذه, وهو يرى الشخصيات الدينية في مسلسلات اخرى متجسدة أمامه بما فيها الأنبياء , وهي تتفاعل مع الشخصيات الأخرى كما يجب أن تكون الدراما وكما ينبغي أن تعبر الصورة". ويتابع "بعض الدول سحبت البساط من الدراما المصرية بفضل جمال الصورة وإبهار الديكورات ودقة الإكسسوارات والثراء بوجه عام في مختلف مفردات الكادر السينمائى، بينما وصل حال الصورة في المسلسل المصرى الدينى إلى مستوى غير مسبوق من التردى بعد أن بلغ في الثمانينات الذروة فى مستوى الإنتاج والصورة وكل العناصر والمؤثرات خاصة في مسلسل محمد رسول الله". ويقول الفنان سامي مغاورى، إن الدراما الدينية مكلفة جدا ويجب على الدولة أن تتحمل مثل هذه الأعمال كما أنها تحتاج أيضا إلي تسويق, فالكثير من المنتجين يخافون من المغامرة فى مثل هذه الأعمال وذلك لتكلفتها المرتفعة والخوف أيضا من عدم تحقيقها إيرادات عالية. ويضيف، "يصرف المنتجون لهذه النوعية من الدراما أقل ميزانية ممكنة لتحقيق أكبر ربح ممكن وتجنبا أيضا للإنفاق على مشروع غير مأمون قد ترفضه الرقابة بعد التصوير أو توقف عرضه أو تصديره وقد تحجم بعض المحطات عن شرائه لأسباب تتعلق برؤية فقهاء بلدانها أوتوجهات المذاهب المسيطرة بها". ويشير مغاوري، إلى أن مسلسل إمام الدعاة كان من أكثر الأعمال التي تسببت في أن يتحول المسلسل الديني من شريحة الأعمال المكلفة إنتاجيا لما يتطلبه من ملابس وديكورات إلى شريحة المسلسل الفقير جدا, لافتا إلى أن هذا المسلسل تميز بالفقر الإنتاجي الشديد وعلى الرغم من هذا حقق نجاحا كبيرا، ولذلك جرى تعميم نموذج المسلسل على باقي الأعمال وإزدادت الصورة فى هذه النوعية فقرا على فقر. ويختتم مغاورى، "يجب وجود آلية لتقديم هذه الأعمال بإنتظام وتفعيلها لكى لاتختفي من خريطة الدراما المصرية".