بعد رفضه دعم المثلية.. الدوري الفرنسي يعاقب محمد كامارا لاعب موناكو    زيزو ليس بينهم.. كاف يعلن عن هدافي الكونفدرالية 2024    من يحقق الكرة الذهبية؟.. أنشيلوتي بفاجئ جمهور ريال مدريد بتصريحات مثيرة قبل نهائي الأبطال    كشف ملابسات تضرر طالبة من قائد سيارة لقيامه بارتكاب أفعال خادشة للحياء بالقاهرة    وصول جثمان والدة المطرب محمود الليثي إلى مسجد الحصري بأكتوبر "صور"    16 شهيدا و35 مصابا فى قصف أمريكى بريطانى على اليمن    انتظروا.. أقوى مراجعة فى الجغرافيا لطلاب الثانوية على تليفزيون اليوم السابع    طقس غد.. ارتفاع بالحرارة على كل الأنحاء والعظمى بالقاهرة 37 درجة    «زراعة دمياط» تعلن توريد 33 ألف طن قمح حتى الآن    عمرو الفقي يعلق على برومو "أم الدنيا": مصر مهد الحضارة والأديان    في بلادي.. لا حياة لمن تنادي!    وزيرة التعاون: تحقيق استقرار مستدام في أفريقيا يتطلب دعم المؤسسات الدولية    معلومات الوزراء يناقش سبل تعظيم العائد من الإنتاجية الزراعية    ضمن مبادرة كلنا واحد.. الداخلية توجه قوافل طبية وإنسانية إلى قرى سوهاج    حزب الله يستهدف موقعًا إسرائيليًا في الجولان المحتل    ماس كهربائى وراء اشتعال حريق بمحل صيانة أجهزة كهربائية فى العمرانية    الشباب السعودي يسعى لضم ألكسندر لاكازيت فى الصيف    الحوار الوطني يجتمع غدا لمناقشة ملفات الأمن القومي والأوضاع في غزة    مهرجان جمعية الفيلم، تحت شعار تحيا المقاومة.. لتحيا فلسطين    أحمد آدم: "تانى تانى" فيلم لايت مناسب للأسر والعائلات وقدمني بشكل مختلف    جيش الاحتلال: اختراق مسيرتين مفخختين حدود لبنان استهدفتا موقع الزاعورة    المفتي: عدم توثيق الأرملة زواجها الجديد لأخذ معاش زوجها المتوفي حرام شرعا    مرة واحدة في العمر.. ما حكم من استطاع الحج ولم يفعل؟ إمام وخطيب المسجد الحرام يُجيب    هل الجوافة ترفع السكر؟    تعشق المشمش؟- احذر أضرار الإفراط في تناوله    وزير الإسكان يُصدر قراراً بإزالة مخالفات بناء بالساحل الشمالي    بعثة المواي تاي تغادر إلى اليونان للمشاركة فى بطولة العالم للكبار    فرنسا تشهد أسبوع حافلا بالمظاهرات احتجاجا على القصف الإسرائيلى    أزهري يوضح الشروط الواجب توافرها في الأضحية (فيديو)    "العاصمة الإدارية" الجديدة تستقبل وفدا من جامعة قرطاج التونسية    مشروعات التنمية الزراعية: الكسافا مساعد للقمح و65% من مكوناته تستخدم بالنشا    في اليوم العالمي للإقلاع عن التدخين.. احذر التبغ يقتل 8 ملايين شخص سنويا    بعد تحذير المحافظات منها، ماهي سمكة الأرنب ومخاطرها على الصحة    اعتماد 34 مدرسة بالإسكندرية في 9 إدارات تعليمية    لا تسقط بحال من الأحوال.. مدير عام وعظ القاهرة يوضح حالات الجمع بين الصلوات    رئيس جامعة قناة السويس يُتابع أعمال تطوير المسجد وملاعب كرة القدم    محمد نوار: الإذاعة أسرع وأرخص وسيلة إعلام في العالم.. والطلب عليها يتزايد    برلماني أردني: التشكيك في دور مصر تجاه القضية الفلسطينية غير مجدي (فيديو)    الاعتماد والرقابة الصحية: برنامج تدريب المراجعين يحصل على الاعتماد الدولي    محمد شحاتة: "كنت أكل مع العساكر في طلائع الجيش.. وأبي بكى عند توقيعي للزمالك"    محافظ أسوان يتابع تسليم 30 منزلا بقرية الفؤادية بكوم أمبو بعد إعادة تأهيلهم    وزارة الصحة تستقبل سفير كوبا لدى مصر لتعزيز التعاون في المجال الصحي    «حق الله في المال».. موضوع خطبة الجمعة اليوم في مساجد مصر    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    ألقى بنفسه أمامها.. دفن شخص صدمته سيارة نقل بالهرم    تفاقم أزمة القوى العاملة في جيش الاحتلال الإسرائيلي    واشنطن: ليس لدينا خطط لنشر أسلحة نووية في كوريا الجنوبية    تشكيل بروسيا دورتموند المتوقع لمواجهة ريال مدريد في نهائي دوري أبطال أوروبا 2024    من بكين.. رسائل السيسي لكبرى الشركات الصينية    تعرف على موعد إجازة عيد الأضحى المُبارك    وزير التعليم لبعض طلاب الثانوية: لا تراهن على التأخير.. هنفتشك يعني هنفتشك    الأعمال المكروهة والمستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة    شاهد.. الفيديو الأول ل تحضيرات ياسمين رئيس قبل زفافها    البابا تواضروس يستقبل وفدًا رهبانيًّا روسيًّا    محمد شحاتة: نستطيع تحقيق ميدالية أولمبية وعبد الله السعيد قدوتى    تامر عبد المنعم ينعى والدة وزيرة الثقافة: «كل نفس ذائقة الموت»    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الجمعة 31 مايو 2024    مران منتخب مصر - مشاركة 24 لاعبا وفتوح يواصل التأهيل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعيداً عن التأييد أو الرفض.. التاريخ يؤكد: اللي بنى مصر كان في الأصل "متبرع"
نشر في بوابة الشباب يوم 28 - 02 - 2016

" صبح علي مصر بجنيه " .. دعوة رئاسية لم تمر مرور الكرام ضمن خطاب الرئيس السيسي الأخير ، فقد انقسم كثيرون بعدها بين مؤيد ومعارض ، فمن أيدوا دعوة الرئيس بالمشاركة في بناء وطنهم بالتبرع ، وهناك خبراء أقتصاد أكدوا أن أوروبا نفسها حققت نهضتها عقب الحرب العالمية الثانية عن طريق مشروع مارشال الأمريكي والذي يعتمد في جانب منه علي المساعدات والتبرعات والإدخار ، كما توجد أمثله عالمية لدول ساهمت ثقافة التبرع ومشاركة المواطن في تطورها مثل الصين ، كما استشهدوا بتجربة ماليزيا في أثناء أزمة دول النمور الآسيوية عام 1998، عندما أقدم الكثير من المواطنين على التبرع من تلقاء أنفسهم للدولة حتى لا تتدهور الأحوال، فتبرعت السيدات بالذهب من أجل رفع قيمة الاحتياطى النقدى ، كما بلغت نسبة مشاركة الكوريين الجنوبيين في التبرعات لصالح الدولة 34.5% في عام 2013 ، وأيضاً القيمة ليست في جنيه أو 5 جنيهات .. ولكنها تؤكد علي قيم أخري تؤكد الانتماء والمشاركة ولو بالقليل .. كما ترد الإعتبار لمبدأ التطوع ، كما دخل رجال الدين علي الخط بتأييدهم للمبدأ وجواز إخراج التبرع والصدقة لمبادرة «صبح على مصر بجنيه» ، أما الرفضون فمعظمهم وقفوا وراء شعار محدد وهو " التبرعات لا تبني مستقبلاً ولا دولة " .. فالإقتصاد ليس جمعية خيرية ، ومثلاً دولة مثل أمريكا بها عدد كبير من المليارديرات الذين يتبرعون للأعمال الخيرية بمبالغ ضخمة .. ولكنهم لا يوجهون أموالهم للدولة نفسها ، كما طالبوا بخطط واضحة لتنمية الموارد والاستفادة من ثروات البلد بدلاً من الحلول السهلة ، إلي جانب ترشيد الاستهلاك علي المؤسسات الحكومية أولاً وفرض ضرائب تصاعدية .. لأنه ليس منطقياً مطالبة الفقير بالتبرع وترك رجال الأعمال لتتراكم ثرواتهم بدون أى دور إجتماعي لهم ، كما أن هناك فئات في المجتمع تستطيع التبرع والمساهمة بجزء بسيط من دخلها الشهري ، كما طالب بعضهم بالشفافية في معرفة مصير التبرعات وطريقة ما لكي تضع الدولة في اعتبارها رأي المتبرعين قبل استثمار أموالهم في مشروعات يرونها – حسب رأيهم – غير مجدية ، ثم أن حالات التبرع المتعارف عليها تكون في أثناء الحروب والأزمات الكبيرة .. بينما الحديث عن التبرع في الفترة الحالية يلقى صعوبة لأن المواطن يرى عدم عودة الأموال التي اختلسها الفاسدون من رجال مبارك .. كما أن شعبية الرئيس ليست بالضرورة عند المواطن تساوي ثقته في الحكومة أو وسائل الإعلام التى تطالبه بالتبرع .
عموماً .. ربما يعتقد البعض أن فكرة التبرع جديدة علي المصريين ، لكن الحقيقة أننا شعب يدرك تماماً أهمية الاستجابة لنداء وطنه منذ أيام الفراعنة ومروراً بنفقات جيوش صلاح الدين الأيوبي وسيف الدين قطز وحتى العصر الحديث ، ولكن لكل مقام مقال .. ولكل ظرف أفعاله وردود أفعاله التى ربما لا تتكرر بالضرورة ، وبعيداً عن التأييد المطلق بدون مناقشة .. أو الرفض لمجرد المعارضة و " التنظير " ، فإن حكاية " التبرعات " مع المصريين تفاصيلها تطول .. لكنها تستحق التوقف أمامها .
تبرعات الرؤساء !
الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما تبرع بنصف راتبه وثروته لم تكن مبادرته هي الأولي علي مستوي الحكام المصريين .. ونبدأ بالملك فؤاد فكان له مشروع عرف باسم "الخطة الممدوحة" بعدما قرر تحويل سرايا فخمة إلي ملجأ للعجزة المشردين، إلي جانب إلغاء الزينات التي تستخدم في الاحتفال بعيد ميلاد الملك و تكاليفها التي كانت تبلغ وقتها 10 آلاف جنيه مصري والتبرع بهذا المبلغ لصالح مطاعم تقدم وجبات للفقراء! هذا إلي جانب ياناصيب جمعية المواساة الشهيرة من خلال سباقات الخيول التي كانت تصل قيمة جوائزها ل21 ألف جنيه، أما الملك فاروق ورغم ما قيل عنه .. لكن الثابت تاريخياً إنه كان يتبرع من أمواله الخاصة بسخاء لصالح الفقراء والعمال ، فقد قام بإنشاء مطعم فاروق الخيرى لصرف وجبات مجانية للفقراء وتبرع لنادى العمال وجامعتى فؤاد الاول وفاروق الاول وقام بسداد مصروفات مئات الطلبه غير القادرين ، كما تبرع الملك بتفتيش إدفينا ( مساحته 13 ألف فدان ) والذى ورثه عن أبيه كوقف خيرى ما زالت تديره وزارة الأوقاف حتى الان .. وربما كثيرون لا يعرفون إنه تبرع من أمواله الخاصة لانشاء مسجد لندن الكبير " بريجنت بارك " و مساندة الجاليه الاسلامية هناك ، ويعد الرئيس الراحل محمد نجيب الذي تبرع بنصف راتبه لدعم الاقتصاد المصري، أول الرؤساء المصريين الذى قرر التبرع براتبه للدولة، وتلاه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حيث قدم عدة تبرعات لدعم العديد من المشروعات القومية والدينية، أبرزها تبرعه بأموال ساعدت فى بناء الكاتدرائية الأرثوذوكسية بالعباسية، والتي افتتحت في ستينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى مجهوداته الذاتية لدعم الجيش المصري في مواجهة العدوان في أعوام 1956، وحرب 1967، وحث عبد الناصر جموع شخصيات الدولة والفنانين لإعداد لقاءات ثقافية وحفلات فنية وتخصيص إيراداتها لدعم المجهود الحربي ، بينما قرر الرئيس الراحل محمد أنور السادات التبرع لصالح قرية ميت أبو الكوم، مسقط رأسه، حيث ساهمت تبرعاته فى إعادة تأهيل القرية، وتحديثها لتظهر على ما هو عليه الآن، وتبرع السادات لصالح ميت أبو الكوم بقيمة جائزة نوبل التي حصل عليها بعد توقيعه اتفاقية السلام، والتي ذهبت لصالح إنشاء جمعية أهلية تحمل اسمه حتى الآن، لخدمة أبناء القرية، وما زال رأس مالها من الجائزة يدعم مشروعاتها حتى الآن ، أما خلال عهد حسني مبارك فلم نسمع أنه بدأ بنفسه وتبرع بشيء .. لكن ظهرت حملات تدعو المواطنين للتبرع .. مثلاً في عام 1985 دعا مبارك المصريين إلى التبرع لصالح مصر حتى يتم سداد الديون وتخليص مصر من هذه الأزمة ، وجمعت الدولة ملايين الجنيهات من البنوك والموظفين وحتى تلاميذ المدارس، ولكن هذه الأموال لم تحدد منافذ صرفها ، ما دفع أحد المحامين لرفع قضية بعد “ثورة 25 يناير” وتقديم بلاغ للنائب العام ضد مبارك لعدم إعلانه عن مصير هذه الأموال ، أما الرئيس السابق المستشار عدلي منصور، فقد قرر في أعقاب توليه الرئاسة المؤقتة لمصر، الاحتفاظ براتبه كرئيس للمحكمة الدستورية العليا، وعدم تقاضي أي راتب من مؤسسة الرئاسة طيلة فترة حكمه ، وبخلاف الحكام .. أيضاً لا ننسي مواقف الزعماء الوطنيين المشرفة لتشييد اقتصاد مصري مثل طلعت حرب، والذي أسس بنك مصر، ودعمه بجزء من ممتلكاته الشخصية، بالإضافة إلى الزعيم محمد فريد الذي رافق الزعيم مصطفى كامل نضاله ضد الاحتلال الإنجليزي، عبر تكريس ثروته الشخصية لدعم الاقتصاد المصري خلال فترة الكساد العظيم فى الثلاثينات من القرن الماضي ، وكذلك يذكر التاريخ التبرعات الضخمة لزعماء الوفد المصري .
الأوليمبياد بتبرعات مصرية !
يذكر التاريخ أن مدينة الإسكندرية شاركت في الاوليمبياد منذ الدورة الأوليمبية الأولى عام 1896 لكن بالمال وليس بالرياضة ، حيث تبرع تاجر القطن السكندري اليوناني الأصل جورج آفيروف والذي كان يعيش بالإسكندرية بمبلغ مليون درخمة (حوالي 5000 جنيه إسترليني) بهدف تجديد ملعب أثينا، ولولا هذا التبرع بتلك الأموال المصرية لما نظِمت الدورة الأولى ولما عرفت الدنيا الألعاب الأوليمبية الحديثة، لأن الأحوال المالية للحكومة اليونانية كانت شديدة التواضع في تلك الفترة بالمقارنة بمصر. فكان الاعتماد على أبناء الجاليات اليونانية في الخارج، وعلى رأسها الجالية اليونانية في الإسكندرية التي كانت تضم أهم التجار في العالم.
مشروع القرش !
في ثلاثينيات القرن الماضي ظهرت ولأول مرة في التاريخ الحديث ظهرت فكرة التبرع لصالح الاقتصاد القومي، فكانت الفكرة التي أطلقها أحمد حسين وصديقه الكاتب فتحي رضوان، بالتبرع بقرش صاغ لصالح الاقتصاد المصري، وتزامن مع هذه المشكلة انخفاض أسعار القطن المصري، وإغلاق مصنع الطرابيش الذي أنشأه محمد علي باشا، وعودة مصر للاستيراد من الخارج، لذلك لاقت فكرة أحمد حسين رواجاً، خاصة بعد أن تبناها طلبة الجامعات، وعدد من الفرق الموسيقية والمسرحية، التي كانت تجوب أرجاء الوطن لجمع القروش من المواطنين، وبالفعل حصد المشروع في عامه الأول حوالي 17 ألف جنيه، وفي العام التالي 13 ألف جنيه، وكان شعار المشروع " تعاون وتضامن في سبيل الاستقلال الاقتصادي " ، ونجح المشروع وأسفر عن إنشاء مصنع للطرابيش في العباسية تم افتتاحه عام 1933 .
مكافحة الحفاء !
في إبريل 1941 أعلنت مجلة المصور عن فتح باب التبرع لصالح مشروع " مكافحة الحفاء " الذى يستهدف الفقراء ، وهو ما سبق وحدث مع مستشفى المواساة والجامعة المصرية ، والحكاية بدأت بإقتراح من وزير الشئون الإجتماعية – وقتها - عبد الجليل باشا أبو سمرة ألا يقتصر مشروع مكافحة الحفاء على إختيار نموذج للحذاء رخيص الثمن للعمال والصناع ، بل يجب أن يتناول المشروع زياً شعبياً كاملاً يشمل الملبس وغطاء للرأس والحذاء ، بحيث يكون هذا الزى فى متناول كل فقير ، وإتفق عبد الجليل باشا مع شركة مصر للنسيج على عمل هذا الزى المكون من جاكت طويل وبنطلون من التيل الأبيض ، ويستبدل البنطلون الطويل بآخر قصير للفلاحين .. الطقم بالكامل سعره 20 قرشا تدفع لجنة مكافحة الحفاء 5 قروش ويدفع الفقير الباقى .. على أن يكون إرتداء هذا الزى إجبارى بين العمال والصناع والفلاحين حتى يمكن الوصول إلى الزى الموحد ، وأصدر حسين سري باشا رئيس الوزراء قراراً بتشكيل لجنة مركزية لدراسة " مشروع الحفاء" بعدما كان السائد لدي المصريين الفقراء والفلاحين أن يسيروا حفاة بدون ارتداء أحذية أو نعال أو ما يقي أقدامهم ، وقد أدي ذلك إلي إصابة أعداد كبيرة منهم بالأمراض المستوطنة وأمراض الدم وذلك بسبب التصاق الطفيليات بأقدامهم وتسربها إلي داخل أجسادهم ، ولقي هذا المشروع اهتماما كبيراً من الملك فاروق الذي وضعه تحت رعايته .. وبمجرد أن نشرت الصحف دعوة الحكومة للمواطنين للتبرع وفي خلال شهر واحد تسابق الأفراد إلي التبرع ، وقد تبرع كما ذكرت الصحف 22 فرداً من وجهاء الأمة وأثريائها بمبالغ وصلت أكثر من 38 ألف جنيه .. وكان أقل تبرع هو مائة جنيه والأكبر مبلغ خمسة آلاف جنيه. في الوقت نفسه تبرعت 14 هيئة وشركة ومديرية بمبالغ وصلت إلي عشرة آلاف و114 جنيها .. وتميزت مديرية أسيوط بأكبر تبرع فقد وصل قيمة ما قدمته 6500 جنيه وذلك بخلاف التبرعات الصغيرة التي ساهم بها بعض المواطنين من ذوي الدخول المتوسطة ، ، ثم ظهر مشروع معونة الشتاء الذي قام علي توزيع ملابس وأغطية علي الفقراء .. لوقايتهم من برد الشتاء.
قطار الرحمة !
في عام 1954 انطلق قطار الرحمة ، هو قطار كان يحمل كل فناني مصر تقريبا في ذلك الوقت ، ومهمة القطار كانت هي القيام من محطة مصر والمرور بمدن الوجه البحري الكبيرة وتقديم حفلات بها يظهر بها كل الفنانين وذلك من أجل جمع تبرعات لأهل غزة التي كان يديرها حاكم عسكري مصري ، لم يكتف الفنانون بالظهور في الحفلات، بل اختلطوا بجماهيرهم في الشوارع، وقدم الفنان الراحل محمود شكوكو عملا وطنيا بارزا فى أثناء العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، حيث استغل شهرته وحب الشعب له، وجمع تبرعات مالية لصالح المجهود الحربى، وبعد نكسة يونيو 1967، أقيم أسبوع أطلق عليه اسم " أسبوع التسليح " وفيه كانت تقوم مجموعة من الفنانين بالمرور على العديد من الشوارع المصرية لجمع تبرعات من أجل تسليح الجيش ، وذلك من خلال صندوق كبير كانت تحمله سيارة نقل، وبصحبته واحد من الفنانين المتطوعين، ومن خلال هذا الصندوق جمعوا مبالغ كبير من العديد من الأحياء الشعبية والنوادى التى يذهب إليها صفوة المجتمع، إلى جانب تبرّعات الفنانين أنفسهم.
أسطورة كوكب الشرق !
مع احترامنا لمبادرات الفنان عادل إمام وغيره الخاصة بالتبرع بجزء من إيراداتهم لصالح صندوق تحيا مصر .. لكن إم كلثوم كانت المثل والقدوة لمن يريد التبرع والمشاركة الاجتماعية من الفنانيين ، فبعد نكسة 1967 دخلت السيدة أم كلثوم في حالة اكتئاب شديدة وانزوت في بدروم فيلتها بحي الزمالك متشحة بالسواد، عازمة على الاعتزال، وتلقت أم كلثوم اتصالاً هاتفيًا من ديوان الرئاسة يدعوها للقاء الزعيم جمال عبد الناصر الذي تمكن- خلال اللقاء- من أن يقنع أم كلثوم بالعدول عن الاعتزال، وأن تستمر في الغناء، ووافقت على أن تذهب كل أموال حفلاتها إلى المجهود الحربي لمساعدة الجيش المصري على إعادة ترتيب صفوفه ، وتسابق أدباء وفنانو مصر ليحذوا حذو أم كلثوم، مع قادة مصر وزعمائها في التبرع، ضمن حملة خاصة لدعم المجهود الحربي، التي هدفت إلى دعم قدرات الجيش المصري وتعزيز إمكاناته، في مواجهة القوة الإسرائيلية، وبين كل المبادرات كانت المبادرة البارزة لكوكب الشرق، وبدأت تتلقى التبرعات من جميع المصريين، وبذلت أم كلثوم جهودا جبارة فى توفير السلاح، وبث روح الحماس في المصريين بأغانيها الوطنية، ووصل الأمر إلى أنها أحيت حفلات على جبهات القتال للمرة الأولى،وقبلها تبرعت بمجوهراتها للمجهود الحربى، وغنت "إنا فدائيون" ،
وكانت أم كلثوم قد سبق وتعاقدت قبل النكسة علي أقامة حفلات في باريس في أكتوبر 1967، ولما كان يفصل بين موعد سفرها لباريس ورجوع أم كلثوم عن قرار الاعتزال عدة أشهر، فكان قرارها إقامة حفلات دورية في كل محافظات مصر لدعم المجهود الحربي، وذلك بمعدل حفلين كل شهر، وكان من المفروض أن تستغرق هذه الحفلات مدة عام كامل لتغطية كل محافظات الجمهورية الأربعة والعشرين في ذلك الوقت، لكن لظروف أم كلثوم الصحية وسفرها المتكرر لإقامة حفلات خارج مصر للمجهود الحربي لم يتم الإيفاء بهذه الوعود كلها واقتصرت حفلات أم كلثوم على دمنهور والإسكندرية والمنصورة وطنطا .. وكان حفل دمنهور بمحافظة البحيرة أول هذه الحفلات، وكانت تحت رعاية محافظ البحيرة وجيه أباظة الذي طلب من أم كلثوم أمام الجمهور أن تكتفي بوصلتين فقط في الحفل حفاظا على صحتها وهذا ما تم فعلا في هذا الحفل،وكل ما تلاه من حفلات عدا حفلي باريس، الذي شهد ثانيهما وقوعها على خشبة المسرح.. أقيم الحفل في سرادق ضخم وحضره حوالي 3500 مستمع، دفعوا 39 ألف جنيه هي حصيلة هذا الحفل من بيع التذاكر ، في حين كان أعلى إيراد لحفلات أم كلثوم في ذلك الوقت لا يتعدى 18 ألف جنيه، وتوالت الشيكات من أهل البحيرة في اليوم التالي للحفل لتبلغ الحصيلة حوالي 80 ألف جنيه ، كما أقيم حفل الإسكندرية يوم 31 أغسطس 1967 ،وبلغ إيراد هذا الحفل من تبرعات وخلافه 100 ألف جنيه، وأربعين كيلو جراما من الحلي قيمتها أكثر من 82 ألف دولار، وحققت في حفلها بمدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية 125 ألف جنيه، وفى حفلها بمدينة طنطا بمحافظة الغربية حققت 283 ألف جنيه ، وحققت من حفلتي فرنسا 212 ألف جنيه استرليني لصالح المجهود الحربي ، ولم ينته عام 1970، إلا وقد أودعت أم كلثوم في الخزينة المصرية 520 ألف دولار، ثم أحيت حفلات في البحرين والعراق وباكستان كانت حصيلتها عملات صعبة ومجوهرات، وبلغت حصيلة ما جمعته أم كلثوم للمجهود الحربي- وفق مصادر-ما يربو على ثلاثة ملايين دولار .. وبمناسبة أم كلثوم .. فقد غنت من أجل نادي الاتحاد السكندري عام 1960، عندما أعلن النادي إفلاسه تمامًا واضطر طلعت خيري وزير الشئون الاجتماعية وقتذاك إلى دعم النادي بمبلغ خمسة آلاف جنيه لإيقاف قرار المحكمة بالحجز على ممتلكات النادي، ونتيجة لتفاقم الديون قامت السيدة أم كلثوم بمبادرة نادرة حينما أعلنت إقامة حفل في الإسكندرية يخصص إيراده لصالح نادي الاتحاد السكندري صاحب الشعبية الطاغية بين جمهوره ، ومع نجاح الحفلة التي أحيتها السيدة أم كلثوم، أقام النادي مدرجًا كبيرًا في ملعب الكرة أطلق عليه "مدرج أم كلثوم"، واحتفلت أم كلثوم بافتتاح المدرّج في الحفل الوحيد الذي غنت فيه في ملعب الكرة .
دولة التبرعات !
5 مليارات جنيه هو المبلغ الذى يدفعه المصريون سنويا فى صورة تبرعات، والمدهش فى الأمر ليس فقط الرقم المرتفع لشعب يعيش نسبة 40% منه تحت خط الفقر، ولكن احتلال مصر المرتبة العربية الأولى فى تقديم التبرعات، بالرغم من أن ظروفنا الاقتصادية الصعبة ، وهناك عشرات المشروعات المهمة التى يستفيد منها ملايين المصريين قائمة بالفعل علي تبرعاتهم ، منها مؤسسات صحية مثل مستشفي 57357 لعلاج سرطان الأطفال ومستشفيات ابوالريش وقصر العيني ومركز مجدي يعقوب لعلاج أمراض القلب ، كما توجد عشرات الجمعيات الخيرية التى تقدم خدمات كبيرة في كل أنحاء مصر مثل رسالة وبنك الخير وبنك الطعام وصناع الحياة وجمعية الاورمان ومبادرة "إنقاذ مصر من العشوائيات" التى بادر بها الفنان محمد صبحى ، بل توجد مشروعات قومية ضخمة قائمة بالكامل علي التبرعات مثل المتحف المصري الكبير ، كما إن صندوق " تحيا مصر " هو الثانى بعد مرور أقل من عام واحد على إنشاء صندوق " دعم مصر " الذى أطلقه بعض رجال الأعمال فى يوليو 2013 تحت حساب 306306 واستقبل تبرعات قاربت علي 700 مليون جنيه ، ومن قبله كانت هناك تبرعات كبيرة فيما سمي ب صندوق " العزة والكرامة " الذى أطلقه الداعية محمد حسان فى فبراير 2012 تحت شعار " المعونة المصرية لرفض المعونة الأمريكية " ، وحسان أعلن وقتها عن جمع 60 مليون جنيه فى يومين فقط .. وهو ما يفوق ما تم التبرع به لحساب وزارة المالية خلال أكثر من عام ، وإذا كان البعض يعتقد أن التبرعات لن تقدم الكثير لمدينة زويل العلمية .. نذكرهم فقط بأن جامعة القاهرة نفسها نشأت عام 1908 باعتبارها جامعة أهلية أسهمت في تشييدها الأميرة فاطمة وتبرعات المصريين .
التبرعات ليست عيباً !
وحول تاريخ التبرع لدى المصريين يقول المؤرخ د.عاصم الدسوقى: ثقافة التبرع هى ظاهرة قديمة تاريخيا كان يقوم بها المصريون كصورة من صورة الرحمة والتكافل بين بعضهم البعض، والتبرع بدأ بشكل منظم منذ بداية القرن التاسع عشر، حيث الظهور الحقيقى للجمعيات الأهلية بشكل دينى سواء إسلامى أو مسيحى ، كما أن كثيرا من الأغنياء كانوا يتبرعون بأموالهم لمساعدة الفقراء وإقامة بعض المشروعات الخيرية مثل المستشفيات والمساجد الصغيرة ، ثم توقف الأمر تماما مع بداية ثورة يوليو حيث أصبحت الدولة هى المسئولة عن هذا بعد ما قدمته من تعليم مجانى وصحة وغيرها، وتطور الأمر تماما فى عصر السادات، حيث حلت ثقافة الانفتاح ووقعت الدولة تحت سيطرة رجال الأعمال الذين يبحثون عن الربح بعيد عن الجانب الااجتماعى ، ولكن اختلف الأمر الآن مع ما حدث من ازدهار للجمعيات الأهلية والتى عادت تقوم بدورها فى المجتمع، مع اقتصار التبرعات على الفقراء دون إقامة مشروعات تكافلية كبرى.
ويري د. محمود عبدالحي استاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومي أن تلقي الحكومة للتبرعات ليس عيبا لأنها تواجه ازمة مالية فلماذا لا تستغل كل الفرص المتاحة لعبورها، وأن تستخدم كل ادوات التمويل المتاحة، وليس هناك مانع من قبولها التبرعات لكن المهم هو كيفية ادارة هذه الاموال، لذلك طالب بعمل مجلس اوصياء يضم ممثلين عن اصحاب المبادرات التي اعلنت عن جمع هذه التبرعات لمتابعة طريقة انفاقها، كما يجب علي الحكومة طرح مشروعات انتاجية للاكتتاب العام بشرط أن تدار من جانب ادارة واعية تضم ممثلين عن المساهمين لمراقبة التصرف في الأموال حتي يتمكن الشعب من المشاركة في بناء المجتمع ، لكنه أوضح أيضاً أن الاعتماد علي التبرعات لانقاذ الاقتصاد صعب، مؤكدا أن الاثرياء في كل دول العالم يتبرعون لاغراض معينة مثل الانفاق علي البحث العلمي في الجامعات وتعليم المتفوقين من الطلبة وليس مساندة الحكومة في علاج عجز الموازنة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.