منذ شاهدته قبل سنوات طويلة في مسلسل "مازال النيل يجري" وهو يقدم ببساطة وتلقائية مذهلة دور الفلاح المغلوب علي أمره وأنا أظن - وليس كل الظن أثم - أن محمد سعد ممثل حقيقي وموهوب، لكنه بلا بوصلة سليمة تحدد له اتجاهاته الفنية الصحيحة ...بلا أجندة تتضمن أفكارًا فنيه وأهدافًا ورؤى لطبيعة عمله وهدفه منه. محمد سعد في أول بطولاته المطلقة "اللمبي" قدم شخصية شعبية حقيقية من لحم ودم صاحبة قضية ملتصقة بالواقع الشعبي المصري ...ورغم حالة العداء النقدي ل"اللمبي" انتصر الجمهور له ليحقق به إيرادات تُعد الأعلى في تاريخ السينما المصرية في حينها وبعد اللمبي كان بوحه ثم تتح كشخصيات استخدم فيها سعد الكثير من أدواته الفنية الجيدة . وبينها تم استنزاف نجاحاته في هذه الشخصيات الأبرز في مسيرته بأعمال تحتوي علي الكثير من الاستنساخ منها و الاستسهال والاستخفاف وأحيانا الابتذال والسوقية ...لكن ظل الأمل في استعادته لنفسه وموهبته قائمًا إلى أن عرضت له حلقة برنامج تليفزيوني- تعتبر تجربته الأولي في تقديم البرامج - وهي الحلقة التي حسم أمره فيها وقرر التخلي تماما عن موهبته التي كثيرا ما ظهرت أيضا في مسرحيات عالمية قدمها في بداية مسيرته . قرر سعد التحول لأضحوكة على مسرح إحدى القنوات الفضائية التي منحته الملايين مقابل حمل الست هيفاء التي حضرت للحلقة ونسيت ارتداء بقية ملابسها !!!! أكثر من ساعة من الانفلات الأخلاقي – وهذا لفظ مهذب لما حدث - والانحراف عن أي قيم إنسانية أو مجتمعية في التعامل مع مشاهدين قدروه وقرروا متابعته ليشاهدوا وصلات من الغزل القبيح للسيدة التي تبدو فوق أي قوانين يمكن أن تقنن طلاتها وملابسها وأدائها كممثلة أو كضيفة وهو أداء لا يجب أن يخرج من غرف النوم !!!! تحول محمد سعد لمونولوجست يقدم وصلات كوميدية ثقيلة الظل استطاع بها أن يؤكد أن الأعمال التجارية الكثيرة التي شارك فيها محت الكثير من موهبته وشوهت حضوره ووصمته كممثل بالإسفاف. ما حدث من سعد في برنامج "وش السعد" وقبله مع شيرين في برنامج "ذا فويس" يؤكد أننا نملك الكثير من المواهب التي تفتقد للإدارة الصحيحة وللعقل المخطط لذا يأتي أداء بعضهم محسوبا علي الفن المصري الذي ينسبوا له!!! كيف ومتى أخرج للناس ولماذا ؟؟؟ وماذا سأقول وكيف سأقول ما أريد قوله كلها أمور تحتاج عقول تدير المواهب لكنها للأسف مفتقدة في مصر ومن هنا يمكن تفهم سر تعامل الجمهور مع نجوم التمثيل والغناء منذ فترة باعتبارهم موضة تبطل بعد فترة أو نكتة يضحكوا عليها مرة واثنين ثم يلقونها من ذاكرتهم بعد أن أصبحت مملة. تحمس الكثيرون وقالوا إن محمد سعد أهان الفن المصري والسؤال وما علاقة الفن بما يقدم في مصر منذ سنوات طويلة –اللهم إلا في أعمال قليلة- ثم إن جملة "الإساءة لمصر" لا يليق أن نرددها لأن مصر أكبر من أن يسيء لها مليون فنان أو إعلامي أو سياسي أو فضائية . محمد سعد في البرنامج _إذا جاز تصنيفه كبرنامج- يقوم بدور جزار وهذا أوقع ما في الأمر حيث كان بالفعل جزارًا لموهبته وحضوره واحترامه لنفسه وجمهوره لذا يمكن القول بأن كل ما حدث في "وش السعد" هو أن محمد أعلن أن فترة استمراره في الفن لن تطول إذا كانت هذه طريقة تفكيره واختياراته داخل بلاتوهات التمثيل أو تقديم البرامج . فالفنان الذي يفقد القدرة علي إبهار وجذب جمهوره باختياراته و أدواره المحترمة الراقية –وللعلم الاحترام والرقي لا يتناقض مع الشعبوية ولنا في أعمال إسماعيل يس خير مثال في الكوميديا وكذلك أعمال ملك الترسو فريد شوقي في التراجيديا- لابد أن يبتعد إما ليعيد ترتيب أوراقه أو ليختفي نهائيا وما أكثر من اختفوا علي ساحة الغناء والتمثيل في العشرين عاما الأخيرة.