حروب الجيل الرابع تعتمد - اكثر ما تعتمد - على نزعات النفس البشرية، وسعيها للتفوَّق أو التفرَّد، من خلال اللهاث خلف متع الحياة، من مال أو جنس أو سلطة ونفوذ، أو من تطرَّف وتزمَّت، يسعى أيضاً للهدف نفسه، ولكن من اتجاه مختلف ... وكل من الطرفين يمكن استقطابه وجذبه، عبر التلويح له بما يسعى إليه، أو عبر منحه لمحة مما يسعى إليه، وهذا ما أدركته الجماعات المتطرَّفة منذ نشأتها، أو ما تم تنبيهها إليه، ممن أنشأها، فسعت فى كل حى إلى المهمشين، ومن ليست لديهم أية أهمية فى محيطهم، ومنحتهم ألقاباً أشعرتهم بأهميتهم، مثل مسئول الحى، أو أمير التنظيم أو غيرها، بحيث منحه اللقب شعوراً بالأهمية، بعد أن عاش أعواماً من الضياع واللاقيمة، مما جعله يقاتل بكل قوته، حتى يحتفظ بذلك اللقب، وينتمى بالطبع للجهة التى منحته إياه، وهكذا يصير من شديدى الإخلاص للجماعة، التى منحته ما عاش يحلم به ويتوق إليه، منذ وعت عيناه الدنيا ... ولو أن المناصب لا تعنى إليه شيئاً، فهم يسعون لحل مشكلاته المادية أو الإجتماعية، فلو أنه مدين سددوا ديونه، وعاطل يوفرون له عملاً، حتى ولو كان وضيعاً، فيجلس على النواصى أو فى الطرقات، وأمامه كومة من العطور، التى يطلقون عليها اسم العطور الإسلامية، دون أن يكون للإسلام، لا فى نصوصه أو معانيه أية صلة بها، أو يبيع المصاحف او الكتب الدينية، أو حتى السبح والطواقى المهم أنه عمل أما الزواج، فهم يزوَّجونه من واحدة منهم، يقنعونها بأنها ستنال ثواباً كبيراً لو فعلت، وأيضاً دون سند من دين على نحو صريح، وسيقنعونه وهى بالعيش فى كوخ، وتناول أية وجبات، المهم أن يشبع كل منهما احتياجاته الجنسية، تحت ستار من الدين ... كل هذا يجعل الشاب المهمَّش يرتمى فى أحضان الجماعة التى رعته، ويفعل كل ما تأمره به، حتى ولو كان السرقة والسلب والتعذيب، وحتى القتل ... وهذا ما التقطته خطط حروب الجيل الرابع، وما دفع مخابرات بعض الدول الكبرى إلى إنشاء برنامج شيطانى، حمل اسم ( الجائزة الكبرى ) البرنامج يعتمد على الاحتفاء بكل من يقوم بعمل، يساهم فى حروب الجيل الرابع، فى الدولة المستهدفة، سواء على نحو مباشر، أو غير مباشر، وسواء أدرك أنه يفعل هذا أو لم يدرك ..المهم أن يثاب على ما يفعله، على نحو علنى ومتألق، يقنع الآخرين بالسير فى الطريق نفسه، طمعاً فى نيل الجائزة ذاتها، أو ما يفوقها ... والجائزة الكبرى دوماً جائزة مادية، ولكنها أبداً لا تمنح على نحو مباشر صريح، وإنما تنهال العروض على كل شخص يساعد أداؤه على تحقيق النتائج المنشودة من حروب الجيل الرابع (4GW)، لكى يلقى المحاضرات، أو يكتب المقالات فى دول أخرى، وأحياناً فى صحف كبرى شهيرة، فى أوروبا وأمريكا، بمقابل مادى كبير ومغر، أو الحصول على جائزة من الجوائز المسيَّسة، مثل جائزة حقوق الإنسان أو النضال أو غيرها، والتى تتضمَّن دوماً مبلغاً مالياً كبيراً ... هذا الفعل بمثابة فتنة مالية، فى صورة اهتمام إعلامى وعالمى، يشعر أى شخص أنه قد صار متفرداً ومتمَّيزاً، وأنه ينال الكثير لقاء ما يفعله، ويأخذه الغرور فيتصوَّر أنه يربح هذا بجهده وعبقريته، فيتمادى فيما يفعل، وربما يبالغ فيه أيضاً، ويسعى فى استماتة إلى ضم المزيد من الناس إليه، بعد أن قنع بأنه قائد، ولابد لكل قائد من أتباع، وهم يتكَّونون على نحو تلقائى؛ انبهاراً بما وصل إليه هو، من اهتمام عالمى، ينعكس بطبيعة الحال على الاهتمام المحلى ... وبرنامج الجائزة الكبرى هذا لا يبالى بكبار السن، ولا بمن أفنوا حياتهم فى سبيل الحق والعدل والحرية؛ لأن هؤلاء لا يفيدونه فى إحداث الابهار المطلوب، ولا الجذب المنشود؛ لأن الناس تعتبر أن حصول سياسى كبير، أو ناشط شيخ على جائزة، هو أمر طبيعى وتتويج لكفاح عمره، أما عندما يحصل شاب على تلك الجائزة، فهذا يبهر باقى الشباب، ويصنع من ذلك الشاب مثلاً يحتذى به، يسعى الكل لتقليده والسير على خطاه؛ لعلهم يفوزون يوماً بما فاز به ... وليس لدى من شك، فى أن الكثيرين سيعترضون على هذا الجزء من الدراسة، وعلى وصف تلك الجوائز بأنها مسيَّسة، وكل ما أطلبه منهم هو أن يسألوا أنفسهم: لماذا لم يحصل معاد واحد للسامية، على أية جائزة من تلك الجوائز، فى حين حصل بعض من أعدّ دراسة هاجم فيها الإسلام أو سخر منه، على تلك الجوائز ؟!... أهى مصادفة تتم عبر السنين، أم أنها شئ بخلاف هذا ؟!.. برنامج الجائزة الكبرى، الذى تم اعتماده، كجزء من برنامج حروب الجيل الرابع، وضع فى الاعتبار تلك الفئات، التى لا تبالى بالمكافآت والجوائز العلنية، أو أنها تخشاها؛ لأنها تجذب العيون إليها، ولهذا فقد اعتمدت أجهزة الاستخبارات العالمية نظاماً يدعى (المكافأة الخفية)، والذى يعتمد فقط على جانبى الجنس والمال، كمكافأة كبرى لمن يعمل لحسابهم، سواء مباشرة، أو حتى دون أن يدرك هذا، فعندما يقوم بعمل يتفق ومنهج حروب الجيل الرابع، يمكن مكافأته بحسناء شقراء فاتنة القوام، تناسب ذوقه، الذى تتم دراسته مسبقاً، بحيث ترضى عنه الجائزة وتمتعه، إذا ما قام بعمل يرضيها، أو تمنع نفسها عنه، لو لم يرضها ما يفعله، وما يرضيها دوماً بالتأكيد، هو ما يناسب الهدف الأسمى لحروب الجيل الرابع ... أما المال، كمكافأة خفية، فهو يقدَّم على نحو مباشر، بنظام الجزرة والعصا، ويتم التعامل به مع الشخصيات ذات التأثير الاجتماعى والسياسى الكبير، وعلى نحو أشبه بتجارة الممنوعات، بحيث يوعد الشخص، سواء أكان سياسياً أم إعلامياً، او أحد رواد الصحافة والفكر، بالجائزة المالية الكبرى، والتى قد تصل إلى ما يفوق عشرة ملايين دولار أمريكى، ولكنه لا يحصل عليها، إلا لو تحقَّق الهدف الأساسى، وهو انهيار الدولة ودمار النظام، ولكنه يحصل على دفعات مغرية منها، كلما خطا خطوة فى هذا الطريق، وتمنع عنه تلك الدفعات، إن تقاعس أو تكاسل أو تباطأ لسبب ما، بحيث يسيل لعابه طوال الوقت على الجائزة الكبرى، ويقاتل طوال الوقت فى استماتة، لبلوع الهدف الأكبر، وهو الانهيار، الذى يجلب إليه الجائزة الكبرى، والتى تتضمّن غالباً منحه جنسية دولة أخرى؛ لحمايته من انهيار دولته، الذى طان أحد أسبابه ... وأولئك الذين يطمعون فى الجائزة المالية الكبرى، يختلفون تماماً عمن يحصلون على الجوائز والعقود الإعلامية؛ لأن الفئة الأخيرة لا تدرك أنها ضمن خطة مدروسة، وإنما تتصرَّف بدافع من نزعاتها الإنسانية، متصوَّرة أن ما يصيبها هو من نتاج عملها وجهدها وكفاءتها، أما الفئة الأولى فهى تدرك جيداً ما تفعله، وأنها تعمل ضد وطنها، مثل أى جاسوس، ولكنها لا تستطيع مقاومة إغراء المادة، وفكرة الفوز بالجائزة الكبرى ... النتيجة فى الحالتين هى (من معنا يربح، ومن ليس معنا يخسر)، وهى الرسالة التى تسعى حروب الجيل الرابع لتوصيلها إلى كل شباب الدولة المستهدفة، على الرغم من انها، فى الوقت ذاته، ولتغطية هدفها الأساسى، تدفع أولئك الشباب إلى أغرب فعل يمكنك تصوَّره ... مهاجمتها ... لهذا ترى الشباب، الذين يحلمون بالجائزة الكبرى، التى نالها أفراد قلائل منهم، هم أنفسهم الذين يخرجون فى مظاهرات مناهضة للغرب، ولاعنة أمريكا، دون أن يدرك العديدون منهم، وهم يطالبون بمقاطعة البضائع الامريكية، أنهم إنما ينفذون المطلوب منهم، من أجل صالح أمريكا، دون أن يدروا … فهكذا الحروب، تماماً كرقعة شطرنج، تضحّى عليها بقطعة هامة من قطعك؛ لتظفر بالملك فى المقابل ... اللعبة أكثر صعوبة وتعقيداً مما قد يتصوَّر البعض، فهى رقعة شطرنج، تتقاتل عليها أقوى أجهزة المخابرات العالمية، التى تبتكر فى كل يوم حركات جديدة، وأمامها كلها المخابرات المحلية، التى عليها كشف كل الحركات الجديدة، وابتكار حركات ناجحة مضادة لها... الأسوأ أن يكون شباب الدولة المستهدفة، من المشجعين للمخابرات العالمية وليس العكس اللعبة حقاً صعبة للغاية.