على عكس ما هو معروف أن الأعياد والمناسبات السعيدة المفروض أنها تدخل البهجة على القلوب وتقرب المسافات بين الزوجين، إلا أن هناك دراسة ظهرت مؤخرا تؤكد أن نسب الطلاق فى مصر تحديدا والتى أصبحت من أكثر دول العالم التى تعانى من ارتفاع نسبة الطلاق تزداد فى الأعياد والمناسبات السعيدة خاصة بين الشباب ومن لم يتجاوز عمر زواجهم ثلاث سنوات، فما تفسير هذه الظاهرة وما هى أسبابها ، هذا ما سوف نعرفه من دكتور عادل مدني أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر واستشاري العلاقات الزوجية. قبل أن نتكلم عن تلك الدراسة الغريبة دعنا نتطرق للأسباب التي يمكن أن تصل بزواج لم يمر عليه ثلاث سنوات إلى الطلاق؟ أولا لابد أن نفهم أن هناك نوعين من الزواج فى مصر، الأول وهو الزواج المبنى على حب والثانى وهو الزواج المرتب أو التقليدي أو زواج الصالونات ولكل نوع أسبابه فى الطلاق ، فمثلا فى زواج الحب توجد توقعات كبيرة من الطرفين حيث يتصور كل منهما أن الآخر بعد الزواج سيفعل أقصى ما فى وسعه لإرضائه وأنه سيكون أكثر لطفا ورقة من أيام الخطبة والارتباط العاطفي ولكن لأن الزواج أكثر تعقيدا من مشاعر الحب والكلمات الحلوة، ولأن شعلة العواطف غالبا ما تنطفئ بسرعة بعد الزواج ويبدأ فى شكل جديد للحياة فيصطدم الطرفان بصخرة الواقع وإذا لم يحاولا التكيف على الشكل الجديد للعلاقة بينهما ويجتهدا فى تحمل المسئولية غالبا ما يحدث الطلاق، وهذا عادة ما يكون فى السنوات الثلاث الأولى، أما فى الزواج المرتب أو التقليدي فهو كان أكثر استقرارا حتى زمن ليس ببعيد، ولكن هناك مشكلة أخرى ظهرت به وهى سيطرت حالة غريبة على مجتمعنا سببها الإعلام وهى ارتفاع نسبة العنوسة ومن هنا بدأ الشباب فى السعي لمجرد الزواج دون أن يكون هذا الزواج مبنيا على أسس سليمة واختيارات صائبة وأصبحت البنات تحديدا يتزوجن من أول طارق على الباب بغض النظر إن كان مناسبا أم لا، فالمهم أن تتزوج لمجرد أنه جاءت فرصة وهذا النوع من الطبيعي أن ينتهي بالطلاق لأن كلا منهما بعد الزواج يكتشف أنه يعيش مع شخص مختلف عنه فى كل شيء مما يجعل الاستمرار مستحيلا. وماذا عن تفسير دراسة ارتفاع نسبة الطلاق قبل الأعياد والمناسبات السعيدة؟ هذا الكلام مضبوط جدا ومصر تحديدا من أكثر الدول التى تنطبق عليها تلك الدراسة، والحقيقة أن الموضوع ليس مرتبطا بالأعياد والمناسبات بقدر ما هو مرتبط بالضغوط التى تسبقها يعنى مثلا موسم مثل ما نحن فيه تلك الأيام من دخول عيد الأضحى مع المدارس طبيعي جدا أن يسبب ضغوطا للطرفين مما يشعل فرص الخلاف الذى غالبا تكون له عوامل مسببة وأخرى محيطة، والعوامل المسببة هى أننا نكون من الأساس لسنا متفقين مع بعض وبيننا فجوات ومسافات كبيرة إلا أننا نحاول أن نتجاهلها ولكن مع أول فرصة نتعرض فيها لضغوط مادية أو اجتماعية تفرض تلك الاختلافات نفسها بقوة على سطح العلاقة الزوجية مما يجعلنا نكتشف مدى هشاشتها وضعفها ومن ثم المشاكل التى يمكن أن تؤدى إلى الطلاق، أما العوامل المحيطة فهى تلك المرتبطة بالأهل والأصدقاء وشخصية الطرفين، يعنى مثلا فى رمضان والأعياد وتحديدا عيد الأضحى غالبا ما تحدث مشاكل قوية جدا بسبب هنفطر فين أول يوم رمضان عند أهل الزوجة أم الزوج أو غداء أول يوم العيد وأمام إصرار كل طرف على أن يكون أول يوم هذا سواء كان في رمضان أو العيد عند أسرته تحدث خلافات كبيرة غالبا ما يتدخل فيها الأهل وخاصة الحموات مما قد ينتهي بالطلاق أيضا والحقيقة أن المشكلة الأساسية ليست فى الغداء أو الإفطار إنما فى مدى ضعف العلاقة الزوجية وتلكيك كل منهما للآخر، هذا طبعا بالإضافة إلى الضغوط المادية التي تصاحب تلك المناسبات خاصة على الزوج والتضحيات التى يبذلها كل طرف من وجهة نظره دون أن يجد ترحيبا من الآخر مما يزيد من إحباطه تجاه شريك حياته ويشعره بأنه أصبح حملا ثقيلا على نفسه. أليس من المفروض أن يحدث العكس فى تلك المناسبات السعيدة؟ المفروض ولكن متى يحدث هذا المفروض، يحدث عندما تكون العلاقة الزوجية من الأساس قائمة على أسس سليمة وغير مسموح فيها بتدخل الأهل خاصة الأمهات، فضلا عن توافر قدر من المرونة فلا توجد مشكلة لو قضينا أول يوم العيد عند أهل الزوج أو الزوجة لأن هناك يوما ثانيا وثالثا، لكن الحقيقة أنه فى هذا الزواج الهش يحاول كل طرف أن يبحث عن فرصة للفرار من تلك العلاقة القاتمة. هل هناك أشياء معينة يمكننا أن نستدل بها من البداية على أن استمرار علاقة معينة يكون مستحيلا؟ بالتأكيد وهذا ما أسأل به الحالات التى تأتى إلى فى العيادة لتستشيرني في إمكانية إتمام علاقة معينة، يعنى ممكن يأتي إلى شاب انطوائي مرتبط بفتاة اجتماعية ليسألني إن كان ممكنا أن تتغير بعد الزواج وتصبح مثله، فأحاول أنصحه بأن يتغير هو لأن هناك صفات هى الأسهل فى التغيير وإذا كان عنده أى استعداد نظل فترة حتى نرى النتيجة وعلى حسب تلك النتيجة نقرر إن كانت هذه العلاقة يمكن أن تنجح وتستمر أم لا، ولكن هناك شخصيات أخرى مستحيل أن تنجح مع بعضها مثل الشخصية التى لديها حب الذات أو جنون العظمة مع شخصية أخرى مثلها، وكذلك الشخصيات المعتمدة لا يمكن أن تنجح مع بعضها لأن كلا منهما يبحث عن من يستند عليه وتلك فى حد ذاتها مشكلة لأن نسبة كبيرة جدا من الشباب الآن أصبحت شخصية معتمدة، لذلك فأكثر ما يركزون عليه فى اختيارهم للطرف الآخر هوالمستوى المادي مما يجعل أن هناك شخصا مسيطرا على الحياة وهنا أيضا يصعب الاستمرار. معنى هذا أن تكافؤ الطباع والشخصيات لا يقل أهمية عن التكافؤ الاجتماعي؟ هذا شيء لابد منه، فالزواج شركة تقوم على أسس متكافئة في كل شيء حتى لو كان هناك حب بين الطرفين فهذا لا يعنى التغاضي عن تكافؤ الطباع لأنهما غالبا ما يكتشفان بعد الزواج أن الحب وحده لا يكفى لاستمرار الحياة الزوجية وإنما هناك أشياء أكثر أهمية بعد التكافؤ الاجتماعي والمادي والثقافي وهو توافق الطباع والميول حتى لا يحدث أي تصادم بين الاثنين قد يؤدى مع تراكم المواقف إلى الرغبة فى الانفصال لأن الاستمرار أصبح أمرا لا يحتمل. هل التوافق الذى تتحدث عنه يعنى التطابق بين الطرفين؟ إطلاقا ولكن أتكلم عن المزاج و عن حب نوع معين من الموسيقى أو ممارسة الرياضة أو أي شيء، فهذا فى حد ذاته سيخلق ارتباطا من نوع خاص لأن هناك أشياء تجمعهما بخلاف الحياة الزوجية نفسها. وماذا عن حالة الندية بين الطرفين خاصة فى بداية الزواج؟ حالة الندية تلك غالبا ما تكون من المرأة خاصة أنها لم تعد هذا المخلوق الضعيف الذي لا حول له ولا قوة ويعتمد اعتمادا كاملا على الرجل ولكنها الآن أصبحت شريكا أساسيا وفعالا فى كل مجالات الحياة كما أنها تطورت بسرعة كبيرة فى الوقت الذي لم يتطور فيه الرجل بنفس السرعة وتلك حقيقة لابد من الاعتراف بها مما خلق فجوة بين الاثنين ساهمت فى وجود تلك الندية والتى تساعد للأسف على التعجيل بالطلاق خاصة لو شعر الرجل بأنه الأضعف وهذا بالمناسبة يعد عدم ذكاء من المرأة. واضح أن معظم حالات الطلاق فى مصر سببها سوء الاختيار من البداية؟ هذا صحيح لدرجة كبيرة، فالشباب فى مصر لا يعرف كيف يختار شريك حياته لذلك عندما يأتي إلى شاب أو فتاة للسؤال عن إمكان استمرار أي منهما مع الآخر أسأله عدة أسئلة أهمها ما هى عيوب الطرف الآخر وليس مزاياه لأننا نتعايش أكثر مع العيوب وليس المزايا فإذا قال لى مالوش عيوب أنصحه بأن هذه الزيجة لن تستمر لأنها بدأت بعدم الوضوح فلا يوجد إنسان فى الدنيا بلا عيوب، وأحيانا ما يذكرون عيوبا سينمائية مثل أنه شخص هادئ "اللى فى قلبه على لسانه" وهذه أيضا صعب أن تستمر لأن الشخص الذي يسأل هنا هو نفسه غير مقتنع بالآخر ويحاول أن يقنع نفسه بالعافية، أما إذا قالوا عيوبا جادة مثل البخل أو العصبية الحادة أو الشك فهنا يأتي السؤال الثاني وهو هل يرون أن هذه العيوب ستتغير أو أن هناك أملا فى تغييرها، فإذا كانت الإجابة بالإيجاب فهذه الزيجة أيضا لن تستمر لأن الذى يسأل هنا يضحك على نفسه فمثل هذه العيوب تكون جزءا من الشخصية ولن تتغير أو تهدأ بعد الزواج ولكن غالبا ستزيد ، أما إذا كانت الإجابة بلا فيأتي السؤال الأخير وهو كيف يمكن التعامل مع هذا العيب، وهذا السؤال له إجابتان الأولى قابلة للتطبيق والثانية لا يمكن تطبيقها، فمثلا إذا جاءت لى فتاة وقالت إن خطيبها بخيل وسيظل كذلك ولكنها تحبه وستضحي من أجله وتعيش مع بخله هذا ، فهذا أمر غير قابل للتطبيق لأنها لو تحملت هذا البخل لأسبوع لن تتحمل الثاني ومن ثم يظهر الحل الأسرع وهو الطلاق خاصة أن كل عيب وليس البخل فقط له توسعاته يعنى البخيل لن يكون بخيلا فى الفلوس فقط ولكن سيتطرق هذا البخل إلى المشاعر والمجهود والمسئولية وكل شيء . ولكن معظم الشباب الآن يتزوج إما بدافع زن الأهل او ضغط المجتمع فكيف يمكن تجاهل الاثنين؟ بألا يفكر فى الزواج ولا يأخذ تلك الخطوة على الإطلاق إلا إذا كان مقتنعا بالطرف الآخر بنسبة مائة فى المائة بعيوبه قبل مميزاته لأنه هو الذي سيعيش معه ويتحمل تلك العيوب وليس الأهل أو المجتمع وحتى إذا لم يتزوج من الأساس فهذا الأمر لن ينقص منه أي شيء وإنما العكس فإنه إذا تزوج لمجرد الزواج من شخص هو غير مقتنع به فسيعيش حياة تعيسة مؤلمة ، كما يجب أن يكون مستعدا نفسيا لفكرة الزواج وقادرا عليها، وتلك الحالة غالبا ما تنطبق على البنت أكثر لأن أهلها يخافون عليها من فكرة عدم الزواج ومن ثم يضغطون عليها لتقبل أي عريس والنتيجة أنها غالبا ما ترجع لهم مطلقة بعد أقل من سنة ومثل تلك الحالات أصبحت أراها كل يوم في العيادة ، والمفروض أن الأسرة لابد أن تتقبل فكرة تأخر سن الزواج وهذا أصبح شكلا طبيعيا من أشكال الحياة ولا يوجد أي خطر منه إنما الخطر الحقيقي في الطلاق والمرارة التي يتركها. وأخيرا كيف يمكن إحياء الحب إذا أوشك على الاحتضار بعد الزواج؟ بألا يعتمد الزوجان على الحب فقط وإنما يسعيان طوال الوقت إلى بناء أشياء مشتركة بينهما مثل التعاون والتفاهم والود، وهناك أشياء كثيرة وبسيطة نستطيع بها أن نحافظ على الحب مثل علاقة الصداقة بين الزوجين وأن يحاول كل طرف أن يشعر الآخر بأنه رقم واحد فى حياته حتى مع مسئوليات الحياة والأطفال والبيت والشغل، ومهم جدا أن يحاول الطرفان أن يقضيا معا وقتا خارج المنزل فهذا من شأنه أن يجدد العلاقة بينهما.