مشروعات ومبادرات وهمية لتسجيل الروايات والكتب دون الرجوع لمؤلفيها! القراء: فكرة تقضى على الخيال وتتسبب فى التوهان وسط زحام التفاصيل الكتب ليست أكواما من الورق الميت.. إنها عقول تعيش على الأرفف.. بهذا الشعار تنامت فى الآونة الأخيرة ظاهرة تسجيل الروايات الشبابية والكتب التاريخية والعلمية ومؤلفات التنمية البشرية على "سي ديهات" وإتاحتها على المواقع الإلكترونية بشكل "مسموع" حتى تتيح للجمهور العادى والقراء الاستماع إليها أثناء وجودهم فى وسائل المواصلات أو انتظارهم فى أحد الأماكن العامة أو حتى فى المنزل.. ورغم حداثة التجربة إلا أن عددا قليلا من الكُتَّاب بدءوا يلجئون إليها، مثل الكاتب أحمد مراد الذى أتاح مؤخرا نسخة صوتية من روايته الأخيرة 1919، لكن الظاهرة بدأت تلقى معارضة ورفضاً من عدد كبير من الكتَّاب والقراء على السواء، حيث نشأت مبادرات عديدة لتسجيل الكتب وتوفيرها فى تطبيقات خاصة على الموبايل أو الإنترنت، وبعضها يتم دون الرجوع للمؤلف .. فماذا وراء هذه الظاهرة؟ وهل يمكن أن تحل مع الوقت محل الكتاب المطبوع؟ فى البداية نجد أن الروايات والكتب المسجلة عبارة عن تسجيلات وتلاوات لنصوص الكتب من خلال شخص واحد، يقوم بدور الراوى الذى يقرأ الرواية، أو من خلال عدة أشخاص يقوم كل واحد منهم بتأدية دور معين وفقا لأحداث الرواية أو العمل الأدبى نفسه، وفى مصر تقتصر الظاهرة تقريبا على النوع الأول فقط، لكن فى بعض دول الخليج يتولى فريق كامل من المختصين فى القراءة العربية المعبرة والواضحة بتسجيل الكتب والروايات، وهو ما قامت به مؤسسة "مسموع" وهى مؤسسة عربية تتولى إنتاج وتسجيل الكتب الصوتية، حيث تقوم بإدخال مؤثرات صوتية وموسيقية على العمل الأدبى، وكأنه عمل إذاعى يتم بثه عبر الراديو. كما تقوم بعمل ورش عمل متخصصة في القراءة التعبيرية، والأداء التقمصي والروائي. ولكن فى مصر قامت بعض المبادرات والمشاريع المشابهة، مثل: "اقرأ لى" التابع لإحدى الشركات، والذى قام حتى الآن بتسجيل ما يقرب من 120 كتابا، وتشمل الكتب المسجلة الكتب والروايات والمجموعات القصصية، وكتب التنمية البشرية، ومؤلفات التراث العربى ككتب الدكتور مصطفى محمود والعقاد وطه حسين ونجيب محفوظ، وتمت هذه التسجيلات بالاتفاق مع بعض دور النشر مثل دار الشروق خوفا من انتهاك حقوق الملكية الفكرية. حول آراء بعض القراء، يقول أحمد الجارحى- كاتب وشاعر- : إن مشكلة هذا النوع من الروايات المسجلة أنه ينتهك حقوق الملكية الفكرية، حيث يتم تسجيل الكثير من الأعمال دون الرجوع للمؤلف، والكثير من المؤلفين الشباب يرفضون هذه الفكرة، ويرون أنها تقضى على قدسية الكتاب المطبوع، ولا تعطى القارئ الفرصة للمشاركة الوجدانية أو المعايشة الحقيقية لأحداث الرواية من خلال قراءتها. فى حين يرى حسام أحمد كامل- ليسانس آداب وعضو فى ساقية الصاوى- أن هذا النوع من الكتب قد يلائم بعض الشخصيات التى تتسم بقدرة عالية على الاستماع وحب الانصات، أكثر من الشخصيات التى توصف بالحس البصرى أى التى تتميز بقدرة كبيرة على الرؤية والتركيز أثناء القراءة ولا تفضل الدوشة او الاستماع المستمر، وأنا شخصيا جربت كثيرا هذه الفكرة وفشلت فى الاستمرار ومتابعة الاستماع لإحدى الروايات المسجلة، فهناك ازدحام فى التفاصيل ومن الصعب التركيز بشكل جيد أثناء الاستماع، وأحيانا كثيرة أشعر "بالتوهان" أو "السرحان" فيضيع منى الكثير من التفاصيل وأضطر للعودة مرة أخرى للخلف .. –باختصار- أراها مسألة مرهقة للغاية وغير مفيدة. أما أحمد السيد- معيد بكلية الإعلام بإحدى الجامعات الخاصة- فيرى أن الكتب المسجلة تقتل الخيال، وتجعل المتابع أو القارئ رهن إشارة الراوى الذى يتحكم فى تلاوة الأحداث بنبرة صوت قد لا تكون معبرة أو قوية، كما أن هذه الكتب لا يمكن أن تكون شبيهة بالأعمال الإذاعية التى يتم إنتاجها بجودة عالية ومؤثرات صوتية جميلة. وفى المقابل فإن القراءة شيء ممتع وجميل والاحتفاظ بأصل الرواية المطبوعة شيء له قيمة أيضا بدلا من الاحتفاظ بتسجيلات قد تتعرض للتلف أو الفقد فى أى لحظة. فى حين يرى عادل محمود- بكالوريوس تجارة- ومتخصص فى التسويق الإلكترونى: أن الكتب الصوتية تمثل تطورا جديدا فى عالم النشر بشكل عام، لكن هذا الأمر يتم بشكل غير احترافى فى مصر حتى الآن، حيث لا توجد شركات متخصصة فى إنتاج الكتب المسجلة؛ هذا إلى جانب وجود مشكلات كبيرة فى البيع والتسويق، وثبت أن الجمهور العادى الذى كان مستهدفا من هذه الفكرة لا يقبل على شراء الكتب المسجلة؛ لأنه يكتفى مثلا بالاستماع للأغانى عبر الهيد فون، ولا يهوى القراءة أو الاستماع للكتب المسجلة فى الأساس، لكن فى المقابل نجد أن الكتب الإلكترونية حققت متابعة هائلة عبر الإنترنت وتطبيقات الموبايل؛ وذلك لأنها تعتمد على هواية القراءة، ورغم ذلك هناك من يلجأ للكتب المسجلة أو الصوتية وحققت نجاحا ملحوظا ولكنه ليس بالقدر المأمول. يذكر أن الكثير من المواقع العربية أصبحت توفر نسخا مسموعة ومجانية من الكتب، مثل: "صوت الكتاب" وموقع "صَبا الصوت"، وبود كاست "ورّاق" الذي يقدّم ملخصات الكتب في مادة صوتية، ومؤسسة "مسموع" ومشروع "اقرأ لى"، وتنتشر فى الفضاء الإلكترونى نسخ مسموعة من العديد من الروايات والمسرحيات والكتب الكلاسيكية، مثل: "زيارة للجنة والنار" للدكتور مصطفى محمود، ومسرحية "الأشباح" لهنريك أبسن، و"الخطيئة الأولى" لجورج برنارد شو، و"الأيدى الناعمة" لتوفيق الحكيم، و"حوار مع صديقى الملحد" للدكتور مصطفى محمود.