سجل التاريخ مواقف كثيرة لكتاب وروائيين ومبدعين دخلوا السجن وتعرضوا للمحاكمة بسبب أعمالهم الأدبية التى قد تكون خارجة عن المألوف أو تضرب بقيم وعادات المجتمع عرض الحائط وعادة ما تبدأ وقائع المحاكمة من تحرك مجتمعى .. لكن ما حدث مع رواية "استخدام الحياة" للمؤلف الشاب أحمد ناجى يدعو حقا للتأمل، حيث ادعى أحد قراء الرواية أنه أصيب بحالة عصبية وزيادة فى ضربات القلب بعدما فرغ من قرائتها ومن ثم حرر محضرا ضد المؤلف بوصفها رواية "ضارة بالصحة النفسية والأخلاقية"! وانتهى الأمر بإحالة ناجى للمحاكمة بتهمة خدش الحياء فى واقعة غريبة بعض الشيء.. فماذا جاء فى الرواية؟ وكيف بدأت فصول القضية المرفوعة ضد الكاتب؟ إحالة المؤلف للمحاكمة بسبب بلاغ من قارئ يدعى تعرضه لارتفاع فى الضغط وضربات القلب! أحمد ناجى: النيابة اعتبرت أفكار بطل الرواية وقائع واعترافات في هيئة مقال باسم المؤلف! "القاهرة التي نعرفها، انتهت لم يعد لها مستقبل، خسارة فادحة، فاضحة للحضارة والتاريخ الإنساني، والأكثر ألما ملايين البشر الذين فقدوا حياتهم، والملايين الأخرى الذين عاشوا في ألم الفقدان بقية حياتهم".. بهذه الكلمات بدأ أحمد ناجى فصول روايته ليكشف عن الموضوع الرئيسي للرواية وهو مظاهر القبح فى القاهرة، وذلك عبر ثلاثة أزمنة ممتدة، يبدأ الزمن الأول حيث نجد "بسام بهجت" بطل الرواية يتخبَّط داخل شبكة عنكبوتية من الإحباط والفشل العاطفي، ويحاول خلق عالم صغير أشبه بالفقاعة الافتراضية داخل القاهرة، لكنه يستيقظ على دعوة للغداء تنقلنا للماضي، ليبدأ الزمن الثانى الذى تتحول فيه المدينة لكوم تراب حيث يضربها "تسونامى الصحراء" وفقا لأحداث الرواية وتنهار المدينة بفعل الزلازل والهزات المدمرة، ثم يبدأ الزمن الثالث مع جمعية المعماريين وهى جمعية سرية تحاول إعادة الجمال للمدينة. ويمزج المؤلف بين الواقع والخيال مغرقا فى وصف حياة بسام مع المخدرات والجنس والخمور والفانتازيا، ويركز المؤلف دائما على "كراهية القاهرة" التى وصفها بالمادة الخام للكراهية والتعاسة ومدينة التناقضات الفادحة. وتتلخص الانتقادات التى تعرضت لها الرواية فى التركيز على الشتائم وبعض الألفاظ والإيحاءات الجنسية وهى الألفاظ التى دفعت قارئا على موقع جود ريدز ليقول "إيه الفايدة من إنه يحشي فيها كل السفالة والألفاظ القذرة دي.. الناس اللي شايفة إنها رواية حلوة، إيه الحلو فيها ؟! لما كتاب أنا بتكسف أديه لحد من كتر السفالة اللي فيه يبقى إزاي كتاب حلو"! ومن جانب آخر يصوغ أحمد ناجي راويته بلغة تقوم على مزج مستويات مختلفة من العامية والفصحى، وفي أجزاء من الرواية تختفي اللغة المكتوبة لتكتمل الرواية برسومات الفنان والرسام أيمن الزرقانى، ويرتبط النص بالرسوم ليشكل وحدة عضوية في مغامرة يمزج فيها ناجي والزرقاني بين الرواية المكتوبة والرواية المصورة فى تجربة متميزة من الناحية الفنية بصرف النظر عن الانتقادات الأخلاقية الموجهة للرواية نفسها. الطريف أن هذه الرواية صدرت العام الماضى، وقام صاحبها بنشر الفصل الخامس منها بصحيفة أخبار الأدب، ومن جانبها قررت نيابة وسط القاهرة الكلية الأسبوع الماضى إحالة الكاتب للمحاكمة هو ورئيس تحرير أخبار الأدب في القضية التى حملت رقم 1954 لسنة 2015 إدارى بولاق أبو العلا. وأحيلت القضية للجنح وتحددت أول جلسة يوم السبت المقبل 14 نوفمبر، أما مقدم البلاغ فيدعى هانى صالح توفيق وقد ادعي أنه عندما قرأ المنشور من الرواية حصل له اضطراب في ضربات القلب، وإعياء شديد وانخفاض حاد في الضغط واتهم الكاتب بخدش حيائه وحياء المجتمع. من جانبه اكتفى أحمد ناجى بنشر تطورات القضية على موقعه الشخصى على الإنترنت، حيث أكد فى توضيحه أن العالم أصبح مليئا بالمفاجآت غير المتوقعة وأصبح تمييز الوقائع من الخيالات مسألة مرهقة وصعبة، حيث إن النيابة والمدعى مصران على أن المنشور "مقال" وليس "رواية". وبالتالي يعتبران أن أفعال وأفكار "بسام بهجت" بطل الرواية والمنشورة في الفصل هى "وقائع" اعترافات في هيئة مقال باسم المؤلف. وأضاف الكاتب: "أحب أكد أن أحداث الفصل المنشور والرواية من وحى الخيال، وليست مقالا صحفيا، وأن جمعية معماري المدينة المذكورة في الرواية من وحى الخيال وليس لها أى علاقة بما ذكر مؤخراً في بعض وسائل الإعلام عن مجلس قيادة العالم وعلاقته بتغير المناخ"!. الجدير بالذكر أن "استخدام الحياة" تعد الرواية الثانية للكاتب الشاب أحمد ناجي بعد روايته "روجرز" التي نشرها في 2007 عن دار "ملامح" للنشر والتوزيع، ويعمل في مجال الصحافة وصناعة الأفلام الوثائقية.