الإرهاب ... أقوى أسلحة حروب الجيل الرابع؛ لتدمير الدول واستنزاف مواردها، ودفعها إلى حروب داخلية، ترهق جيشها وأمنها ... وحتى شعوبها، مع مرور الوقت ... فحروب الجيل الرابع تعتمد على الإرهاب والاستخدام المنهجي للإرهاب، ولو بحثنا فى الموسوعات عن تعريف الإرهاب فسنجد أنه وسيلة من وسائل الإكراه، وإجبار الآخرين على اعتناق أفكار بالقوة، لا تتفق مع قناعاتهم، سواء فى المجتمع المحلى أو في المجتمع الدولي، وعلى الرغم من ذلك، فالإرهاب ليست لديه أهداف متفق عليها عالمياً ولا ملزمة قانوناً، وتعريف القانون الجنائي له بالإضافة إلى تعريفات مشتركة للإرهاب تشير إلى تلك الأفعال العنيفة التي تهدف إلى خلق أجواء من الخوف، ويكون موجهاً ضد أتباع دينية أو أخرى سياسية معينة، أو هدف أيديولوجي، وفيه استهداف متعمد أو تجاهل متناه لسلامة المدنيين، وهذا ما يمكنك أن تراه فى وضوح، فى القنابل التى يتم زرعها، فى منشآت مدنية، أو تعج بالمدنيين … بعض تعريفات الإرهاب تشمل الآن أعمال العنف غير المشروعة وحرب العصابات، واستهداف أفراد الجيش والشرطة، والسعى لاحتلال الأراضى بالقوة ... والعجيب أن الأساليب، التى يتبعها الإرهابيون، تتشابه تماماً مع ما يتم عادة استخدامه كتكتيكات مماثلة من قبل المنظمات الإجرامية الكبيرة؛ لفرض قوانينها، وبسط نفوذها، على المناطق التى ترغب فى سيادتها، من طرف واحد ... وبسبب التعقيدات السياسية والدينية فقد أصبح مفهوم هذه التعريفات غامضاً أحياناً، ومختلف عليه في أحيان أخرى ... الجدير بالذكر أنهم قد عانوا من خلل تلك المفاهيم، فى زمن ما؛ بسبب استهداف الجماعات المتطرفة لهم، وأيضاً في الوقت الراهن؛ لأسباب سياسية تحكمها صراعات ومطامع دولية وإقليمية، كلها تعمل، سواء أدركت أو لا، لحساب حروب الجيل الرابع، التى أدركت أهمية الإرهاب؛ كسلاح جبار من أسلحة حروبها ... ولقد أكد الكاتب والمحلل السياسي اللبنانى قاسم محمد عثمان أن تاريخ العمل الإرهابي يعود إلى ثقافة الإنسان بحب السيطرة وزجر الناس وتخويفهم؛ بغية الحصول على مبتغاة، بشكل يتعارض مع المفاهيم الاجتماعية الثابتة … وقد وضع الكاتب نفسه تفسيراً لمعنى كلمة الإرهاب، ووصفه بأنه العنف المتعمد الذي تقوم به جماعات غير حكومية أو عملاء سريون بدافع سياسي ضد أهداف غير مقاتلة، ويهدف عادة للتأثير على الجمهور، وضرب روحه المعنوية فى مقتل، ودفع للثورة على أنظمته أو معاداتها على الأقل .... والعمل الإرهابي عمل قديم يعود بنا تاريخياً إلى مئات السنين، ولم يستحدث قريباً في تاريخنا المعاصر. ففي القرن الأول- وكما ورد في العهد القديم- همت جماعة من المتعصبين على ترويع الذين تعاونوا مع المحتل الروماني للمناطق الواقعة فى شرق البحر الأبيض المتوسط … وفي القرن الحادي عشر، لم يتورّع الحشاشون من بث الرعب بين الآمنين عن طريق القتل، والحشاشون، أو الدعوة الجديدة- كما أسموا أنفسهم- هم طائفة إسماعيلية نزارية، انفصلت عن الفاطميين في أواخر القرن الخامس الهجري، الحادي عشر ميلاديا، لتدعو إلى إمامة نزار المصطفى للدين، ومن جاء مِن نسله، واشتهرت ما بين القرنين الخامس والسابع الهجري، الموافقين للقرنين الحادى عشر والثالث عشر ميلادياً، وكانت معاقلهم الأساسية في بلاد فارس والشام، بعد أن هاجر إليها بعضهم من إيران ... أسّس الطائفة الحسن بن الصباح الذي اتخذ من قلعة "آل موت" في فارس مركزاً لنشر دعوته؛ وترسيخ أركان دولته ... اتخذت دولة الحشاشين من القلاع الحصينة في قمم الجبال معقلاً لنشر الدعوة الإسماعيلية النزارية في إيران والشام، ممَّا أكسبها عداء شديدًا مع الخلافة العباسية والفاطمية، والدول والسلطنات الكبرى التابعة لهما، مثل السلاجقة والخوارزميين والزنكيين والأيوبيين، وحتى الصليبيين، إلا أن جميع تلك الدول فشلت في استئصالهم طوال عشرات السنين من الحروب ... كانت الاستراتيجية العسكرية للحشاشين تعتمد على الاغتيالات التي يقوم بها انتحاريون، لا يأبهون الموت؛ في سبيل تحقيق هدفهم، حيث كان هؤلاء الانتحاريون يُلقون الرعب في قلوب الحكّام والأمراء المعادين لهم، بل وتمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات الهامة جداً في ذلك الوقت؛ مثل الوزير السلجوقي نظام الملك والخليفة العباسي المسترشد والراشد، وكونارد ملك بيت المقدس آنذاك … وعلى مدى قرنين، قاوم الحشاشون الجهود المبذولة من الدولة لقمعهم وتحييد إرهابهم وبرعوا في تحقيق أهدافهم السياسية عن طريق الإرهاب ... ولقد قضى المغول بقيادة هولاكو على هذه الطائفة في فارس سنة 1256م بعد مذبحة كبيرة، تم خلالها ذبح كل من ينتمى للحشاشين، حتى النساء والأطفال، وإحراق القلاع والمكاتب الإسماعيلية، وسرعان ما تهاوت الحركة في الشام أيضاً على يد الظاهر بيبرس سنة 1273م، لتنتهى بذلك أسوأ فترة إرهابية، فى تلك الفترة ... وعلى جانب آخر، لا ننسي حقبة الثورة الفرنسية (1798-1799م) والتي يصفها المؤرخون بزمن الرعب؛ فقد كان الهرج والمرج يسودان تلك الفترة، إلى درجة وصف معها إرهاب تلك الفترة، بالإرهاب الممول من قبل الدولة، فلم يطل الهلع والرعب جموع الشعب الفرنسي العادى فحسب، بل طال الرعب كل الشريحة الارستقراطية الأوروبية عموماً؛ خشية انتقاله إليها، على نحو أو آخر … والهدف الأسمى للإرهاب، هو خلق اضطراب ملحوظ، في التوازنات الداخلية والخارجية للدول المستهدفة، وهذا هو أهم أهداف الإرهاب؛ نظرا لأهمية هذه التوازنات، بالنسبة لأى دولة تسعى للاستقرار ... وهذا الفعل الإجرامي ربما تقوم به بعض المنظمات والتنظيمات العالمية السرية، وأحياناً المعلنة، فى غياب توازن القوى والنفوذ، والتي تكون تابعة إما لأشخاص أو لبعض الدول، من أجل السيطرة على دول بعينها معروفة بخيراتها وثرواتها، لإضعافها وتفكيكها؛ تمهيدا لغزوها المباشر أو غير المباشر، والسيطرة على هذه الخيرات والثروات ونهبها، والاستفادة منها، على حساب أصحابها الأصليين ... ولو أننا حاولنا تحليل نفسية الإرهابى، أو الشخص الذى يمارس الإرهاب، فسنجد أنه فى المعتاد يجمع بين صفتين أساسيتين … نزعة دموية عنيفة؛ ناشئة عن غضب مكبوت، أو إحساس بالنقص، أو بعدم القدرة على مجاراة المجتمع، مادياً أو اجتماعياً، وتوق شديد إلى السلطة، بكل ما تمنحه من سطوة وقدرة على السيطرة على الآخرين … فالبلطجى، الذى يشعر بالغضب؛ من قلة موارده وضآلة مكانته، وسط المجتمع الذى يعيش فيه، فيعمد إلى حمل مطواة، يهدّد بها كل من يقف فى سبيل حصوله- عما لا حق له فيه- هو أقرب شخص يمكن تحويله إلى إرهابى- فقط بمنحه سلاحاً أقوى- مع لقب يشعره بالأهمية، كأمير منطقة، أو مسئول عن مجموعة ما، أو خطة ما … فى هذه الحالة، ومع شعوره بالقوة والأهمية، يصبح مستعداً لقتل مجتمعه كله، على ألا يفقد ما حصل عليه … والغضب الذى نما داخله، عبر سنوات طوال، يصبح الوقود النارى، الذى يدفعه لارتكاب المذابح البشعة، متصوّراً أنه ينتقم بهذا، من مرحلة ضعفه وقلة حيلته ... ويرى البعض أن من أحد الأسباب، التي تجعل شخصاً ما إرهابياً، أو مجموعة ما إرهابية هو عدم استطاعة هذا الشخص أو هذه المجموعة من إحداث تغيير بوسائل مشروعة، سواء أكانت اقتصادية أو عن طريق الاحتجاج أو الاعتراض، أو المطالبة والمناشدة بإحداث تغيير، إيجابياً كان أم سلبياً، وأنه بتوفير الأذن الصاغية لما يطلبه الناس- سواء أغلبية أو أقلية- من شأنه أن ينزع فتيل حدوث أو تفاقم الأعمال الإرهابية … وفى كل الأحوال، فقد درس زبانية حروب الجيل الرابع الإرهاب بالتفصيل، وقرّروا تبنيه، بدلاً من محاربته؛ لتحقيق أهداف أكبر … ولهذا تاريخ * * *