يبقى والثورة فى مفترق الطرق أن نسأل: هل يمكن قبول شعارات من نوع " دعونا نفتح صفحة جديدة ولا لأسلوب التخوين " " والعفو والسماح وعفا الله عما سلف " وبالتالى يقف أبناء الثورة فى نفس المكان والمكانة مع أعداء الثورة ويتساوى من سقط شهيدا برصاص قناصة النظام مع من سقط من رجال هذا النظام قتيلا برصاص طائش أو على يد مجرم يريد أن ينتقم من رجل شرطة سبق أن بطش به؟ بالعدل والمنطق لا يجوز أخلاقيا أن يتساوى الجميع وأن نغلق الملفات بدعوى أنه لا حساب اليوم.. وأن علينا أن ننسى ما فات حتى نلتفت لما هو آت وأن تصفية الحسابات سوف تعطلنا عن البناء.. وهنا أظن أننا أمام أربع فئات أو شرائح من الشعب المصرى أولها بالطبع هم هؤلاء الشباب الذين تصدروا مشهد الثورة واستطاعوا أن يذهلوا العالم بعد أن سددوا ثمن الحرية بالدم وبأرواح الشهداء وهم شباب استطاعوا بصمود مذهل أن يصيبوا أقوى نظام بوليسى وقمعى فى المنطقة بالعجز والشلل بعد أن أظهر كل " عنفوانه " وهو التعبير الذى كان يتباهى به الوزير العادلى مؤكدا أنه يدخر هذا العنفوان لوقت الضرورة وعندما جاءت هذه الضرورة فشلت كل أدوات العنفوان بدءا من مدافع خراطيم المياه مرورا بالغاز المسيل للدموع والسيارات التى تدهس البشر والرصاص المطاطى وصولا إلى سفالة الرصاص الحى بالقناصة فى رؤوس الشباب ليسقط مئات الشهداء دون أن يتراجع الشباب خطوة واحدة للوراء فكان لهم النصر فى المعركة وإن كانت الحرب مازالت تنتظر الحسم..وهذا الشباب هم الشريحة الأولى من الشعب وهم أنقى وأطهر وأشجع من أنجبتهم مصر.. وهم أصحاب الحق الوحيد فى أن يحددوا صورة المستقبل فهم قد قدموا أرواحهم وأجسادهم جسرا تعبر عليه الأمة كلها من ظلام الاستبداد والقهر والظلم والفساد إلى أول خيوط أنوار العدل والمساواة والحق والمستقبل.. وبعدهم – بل ومعهم – فى صدارة المشهد تقف الشريحة الثانية من الشعب المصرى وهم هؤلاء الذين آمنوا بالثورة قبل أن تبدأ وبشروا بها وكان موقفهم واضحا ومعلنا طول الوقت دون لف أو دوران.. هؤلاء الذين كان موقفهم على مدى السنوات الماضية وطول الوقت يؤكد أننا نعيش فى ظل نظام فاسد ورئيس ظالم وأن الوطن فى قبضة عصابة تنهبه وتمتص أرزاق المواطنين وأن الرئيس يعد ابنه لوراثة حكم مصر وهو ما ينزل بمكانة مصر من دولة إلى عزبة!! وهؤلاء أيضا معروفون بالاسم وقد تحملوا بكل شجاعة كل أسلحة النظام الراحل من الترويع والتهديد.. وهؤلاء من حقهم بل وواجبهم أن يكونوا مع ثوار 25يناير فى صدارة المشهد.. أما الشريحة الثالثة من الشعب فالغالبية منهم ما تبقى من الطبقة المتوسطة من الكتاب والمثقفين والشخصيات العامة والنقابية على امتداد الوطن وهم هؤلاء الذين قدموا قدر استطاعتهم وفى حدود ظروفهم قبل 25يناير حتى لحقوا بالثورة بعد بدايتها.. صحيح أنهم لم يشاركوا فيما ارتكبه النظام الراحل ولكنهم في نفس الوقت لم يرفضوه أو يقاوموه واكتفوا بالصمت وهؤلاء عليهم الاعتراف بتحملهم جزء من المسئولية بالمشاركة بالصمت على ما جرى قبل 25 يناير حتي لو كانت قلوبهم ترفض وعلينا أن نعترف بمسئولية هذا الصمت - ولا أستثنى منه أحدا أو أبرئ نفسي - فقد كنا نشاهد الفساد ينتشر حتي أصبح سمة من سمات الحكم ونحن صامتون وكنا نشاهد الدستور يهدر من أجل مشروع التوريث ونحن صامتون لا نؤيد ولكننا أيضا لا نرفض وكان لكل أسبابه أو مبرراته..وأكتفى البعض بأن انتقد وزيرا أو حتي رئيس الوزراء .. وهؤلاء - للأمانة - خاف منهم من خاف وسكت منهم من سكت حرصا علي فتات النظام من منصب أو سلطة أو مال أو حتي بذريعة الحرص علي تربية الأبناء وهم الأبناء الذين خرجوا ليحققوا ما عجز عنه الآباء ومازال في هذا الجيل من لم يستوعب ثورة الشباب ومن تسيطر عليه مصالحه الشخصية المحدودة ومنافعه وخسارته المادية من فتات النظام الراحل ولا يرى فيما جرى أن هناك نصرا حقيقيا تعيشه مصر هو أنها تحررت من نظام بوليسي وقمعي وفاسد وظالم , فالكثيرون مازالوا أسري الخوف ويتملكهم العجز في غياب توجيهات السلطة !.. و على تلك الأجيال التي عاشت رافضة بقلبها و صامتة بلسانها وبمواقفها خلال ما قبل 25 يناير 2011 أن تتراجع إلي الوراء قليلا لتفسح المجال أمام أصحاب الحق المشروع في مستقبل مصر وهم أبطال هذه الثورة الذين أعاد وا للوطن ضياء شمس الحرية وجعلها تشرق من جديد وأعاد الأمل للملايين التي تملكها اليأس سنوات طويلة .. ورغم أن شباب هذه الثورة في نبل نادر يري أن نجاح الثورة تحقق حين انضمت له الملايين من الشعب فإن ذلك لا ينفي أن هذا الشباب هو وحده من دفع الثمن كاملا .. دفعه بالدم والشهداء من أجل مصر كلها ولم يعد من الجائز أخلاقيا أن يتمسك غيرهم بدعوات الحكمة والمعرفة يطالبون الثوار بالعودة إلى منازلهم لكى يواصل الحكماء مسيرة التغيير فى حين أن مصر الجديدة تنتظر منهم إبداء الرأي وتقديم المشورة بقدر ما يطلب منهم من رأي أو مشورة يدعمون ويساندون .. المقال القادم ( من الذى بدأ بالتخوين؟ ) لبيب السباعى