صفحات كثيرة على الفيس بوك ومدونات وجروبات أدبية تحاول أن تنقل سور الأزبكية من مستنقعه الحالى إلى الواقع الافتراضى بحيث يكون الوصول إليه سهلا .. هذه هى الحقيقة المؤسفة التى يعانى منها أقدم وأشهر أسواق بيع الكتب فى مصر والوطن العربى والذى يتعرض لهجمة شرسة من الباعة الجائلين والبلطجية وتحول من ساحة لنشر العلم والثقافة إلى ميدان للفوضى تصوير: محمود شعبان فى الماضى كان المثقف يجد متعة خاصة وهو يتجول بين المكتبات القديمة بحثا عن عنوان أو غلاف أو كاتب يعشق قلمه، كان نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وعظماء الأدب من رواد ذلك المكان الذى أصبح الآن فى خبر كان.. فقد احتل الباعة الجائلون المكان المخصص للمكتبات بالكامل وتاهت الكتب وسط ضجيج باعة الشرابات والملابس والأحذية الإسكاى الرخيصة، علاوة على بائعى الهريسة والبسبوسة وجميع أشكال الحلويات هذا إلى جانب غرز بيع الشاى والقهوة .. كل ذلك فى سور الأزبكية والذى يشهد كثافة مرورية يومية نتيجة وقوعه عند مدخل محطة مترو العتبة .. أصحاب المكتبات اعتادوا المشهد ولكنهم أيقنوا أن السور انتهى ولم يعد يحظى بمكانته القديمة نظرا لتحوله لمكان عشوائى وسوق شعبى وبعضهم آثر الانكماش والانغلاق على الذات داخل مكتبته التى لا تبيع ولا تستفتح صباحا أو مساءً إلا نادراً. ولم يعد السور مكانا آمنا لقدوم مثقفى الطبقة الوسطى كما كان بعد أن اشتهر بوقوع حوادث بلطجة وتحرش وسرقة.. سور الأزبكية له مثيل فى جميع مدن وعواصم العالم الكبرى ففى باريس ولندن وروما مثلا هناك باعة للكتب القديمة ومثل هذه الأسواق تعد مظهراً حضارياً ومعلماً ثقافياً للمدن، وفى العالم المتقدم لا يمكن أن تنزوى هذه المعالم الثقافية بسهولة أو ينتهى دورها فهى دائما جزء من حركة التاريخ الذى يجب الحفاظ عليه، لكن فى مصر الوضع يبدو مختلفا تماما حيث تحول السور الثقافى إلى سوق عشوائي.. بهذه التعبيرات بدأ بعض الباعة حديثهم معنا .. حيث يقول محمد قاسم ناشر بالسور وصاحب صفحة سور الأزبكية على الفيس بوك: أن الزبائن يجدون صفحة سور الأزبكية على الفيس بوك ولا يجدون المكان فى الواقع، حيث أصبح الذهاب إلى سور الأزبكية أشبه بمغامرة لأن المكان لم يعد آمنا ويحتاج إلى التطهير .. باختصار يحتاج إلى ثورة على البلطجة واحتلال الباعة الجائلين والخارجين على القانون، بل ويصل الأمر إلى وجود عصابات وجماعات مسحلة، دون أن أبالغ فى الوصف، والشرطة لا تتدخل فى حل الأزمة، والآن المكتبات أصبحت محاصرة بالملابس المتسوردة والأحذية الإسكاى رخيصة الثمن، ناهيك عن وجود السور عند مدخل محطة مترو العتبة مما يجعل المنطقة معرضة دائما للازدحام والمشاحنات. ويتساءل قاسم: فى هذا المناخ الملوث كيف يأتى أحد المثقفين ليشترى كتابا يريده, وهو لا يأمن على نفسه، أيضا المشكلة أن المحافظة فى عهد (الإخوان) قامت بنقل الباعة الجائلين إلى محيط جنينة الأزبكية وأغلقت لهم أحد الشوارع بحيث يستقر الباعة به لكنهم احتلوا هذه المنطقة وعادوا لاحتلال المنطقة الأخرى المخصصة للسور، إذن لا فائدة. ويضيف قاسم، أن ناشرى السور تقدموا باقتراحات عديدة لحماية مكتباتهم وتطوير المنطقة لكن المحافظة ماطلت ولم تتخذ إجراءً حقيقي فى هذا الشأن، علما بأننا سمعنا كلاما معسولا من وزير الثقافة بتحويل محيط سور الأزبكية إلى منطقة ثقافية خضراء بعيدا عن البلطجة والباعة على أن تضم هذه المنطقة المسرح القومى ومسرح العرائس وحديقة الأزبكية بما تضمه من نباتات وأشجار نادرة إلى جانب أكشاك الكتب، ومراسم أو ورش فنية وهايد بارك ثقافى ولكن هذه الاقتراح لم يتم تنفيذه أو اتخاذ خطوات عملية بشأنه. ومن جانبه يقول الأستاذ على الشاعر صاحب المكتبة رقم 132 بالسور: لا نرى أحدا من المثقفين الشباب وأغلب زبائن السور الآن إما باحثون أصحاب رسائل الماجستير والدكتوراه، وإما طلبة جاءوا للبحث عن الكتب الخارجية أو "المخلصات" حيث تباع بأسعار أقل من أسعارها الحقيقية بنسبة كبيرة، وإما قلة من بقايا المثقفين الذين يأتوا بحثا عن الكتب الرخصية، لكن بشكل عام لاتزال مؤلفات كبار الكتاب هى المسيطرة على حركة البيع فى السور، خاصة كتب أنيس منصور وهيكل ومصطفى محمود وتوفيق الحكيم ومن الأدب العالمى جابريل جارسيا ماركيز ودان براون وتولستوى وديستوفيكسى وانطون تشيكوف وشارلز ديكنز وماكسيم جوركى. لكن الجديد الذى يشهده السور فى السنوات الأخيرة هو أن مؤلفين معمورين أو مجهولى الهوية أصبحت مؤلفاتهم دخيلة على السور. ويذكر على الشاعر أن منابع الكتب فى سور الأزبكية تتمثل فى بعض المكتبات الخاصة بالجاليات اليونانية وبعض القائمين بالأعمال الدبلوماسية وتجار الروبابيكيا والورق القديم. ويضيف الشاعر أن السور أصبح مجرد طريق يعبره الشراذم والحرافيش وهناك أكذوبة مسيطرة وهى أنك عندنا تنشر الكتاب فى طريق الناس فإنه يكون أكثر عرضة للبيع هذا كلام غير صحيح لأن الغاوى ينقط بطاقيته والكتب سلعة لها زبون خاص يقصدها ويأتى إليها، لدرجة أن بعض المارة أحيانا يسألوننى: هم جابوا الفجالة هنا .. طبعا هناك مشكلة أخرى وهى أن الباعة الجائلين أساءوا لسمعة المكان حيث تحدث تحرشات ومعاكسات وللأسف بدلاً من أن يكون سور الأزبكية ساحة لنشر العلم والمعرفة والوعى أصبح مكان عشوائى .أيضاً المكان ضيق جداً ولا يتيح أى فرصة للعرض الجيد على الإطلاق خاصة وأن الشرابات والملابس الحريمى أصبحت مسيطرة على المكان وهذه أسوأ حالة وصل إليها السور فى تاريخه لأنه زمان كان مكان مستقل إلى حد ما وكان هناك ترابط بين الناشرين كما كانت هناك مساحات فراغ شاسعة بين المكتابات وكانت ميداناً لإلتقاء المثقفين وهواة الكتب يعنى زمان كان بعض الناس يلتقون هنا فى السور أما الآن فلا مكان للقاء. لكن الملاحظة الجديرة بالذكر أن الكثير من الناشرين بسور الأزبكية رفضوا الحديث معنا أو التصريح باسمهم خوفا من بطش الباعة الجائلين.. أحد هؤلاء الناشرين قال لنا أنه ابن مؤسس السور وكان فى الأصل مجرد تاجر كتب عادى على عربة روبابيكيا فكان يجلس هو ومجموع قليلة من البائعين على ناصية شارع حمدى سيف النصر أيام الأوبرا القديمة وفى سنة 1953 حصلوا على حوالى 48 رخصة للمكتبات وهذا يعنى أن أصل أصحاب المكتبات هنا 48 مكتبة فقط لكن الآن يوجد 153 مكتبة، وهذا يعنى أن هناك دخلاء على المهنة وللأسف هؤلاء لا يعرفون قيمة الكتاب ويتعاملون معه مثلما يتعاملون مع البضاعة التقليدية والكارث أن عددا من أبناء مؤسسى السور لا يمتلكون مكتبات وللأسف أنا واحد منهم الآن وبعضهم يعملون أجراء لدى الدخلاء على المهنة ومنهم ناس كانت بتاع جبنة وبائعو الفول والطعمية كما أن عددا من أصحاب المكتبات المرخصة تركوها واشتغلوا فى الخردوات وهذا يعنى أن مستقبل السور سينهار وسيتحول إلى مكان تجارى إذا لم يتم إنقاذه ووضعه فى مكان آمن كما ان السور تفكك والناس المحيطون به غير آمنين وساعات كثير تحدث خناقات بالأسلحة البيضاء والحى ساكت لا يتكلم حتى احتل هؤلاء الباعة هذه الأماكن بوضع اليد ولك أن تتخيل أن أقوم ببيع روايات نجيب محفوظ وروائع الأدب العالمى وجارى يبيع الملابس الداخلية وينادى بلعو صوته على الزبائن يعنى هذا مشهد غير متحضر ولا يتفق مع قدسية الكتاب والثقافة . أيضا تركيبة البائعين والناشرين فى السوق تغيرت جدا كما ذكرت يعنى والدى زمان كانت له علاقة بالأستاذ الغيطانى والأبنودى وعبد الرحمن أبوزهرة وأمانى ناشد والفنانة رغدة وخلافهم يعنى كانت هناك علاقات إنسانية بين المثقفين والناشرين وهذا غير موجود الآن، الناشرين والبائعون كانوا زمان ناس محترمين ولهم كيانات وصداقات .