شفت الغزية؟ طيب ركبت مراجيح المولد؟ سؤال تكرر من أصدقائي فور عودتي من طنطا حيث كنت أحضر الليلة الختامية من مولد السيد البدوي، كنت أحسب أن المولد حدوده مدينة طنطا، لكن ما اكتشفته أن حدوده مصر كلها. تصوير: محمود شعبان فقد بحثت عن تذكره في اي قطار فلم اجد، في شركات الاتوبيسات لم أجد ولا تذكرة، حتى الميكروباصات فركوب واحد منها يحتاج لمعجزة بسبب الزحام الشديد حولها، الكل يسأل عن طنطا لأن الكل يريد أن يحضر الليلة الكبيرة في مولد السيد البدوي. أما الطريق فحدث ولا حرج، طنطا التي تبعد أقل من 100 كيلو استغرقت 4 ساعات ونصف حتى وصلت لها! لحظة دخولك لطنطا تعرف أنك اقتربت من المولد، شوارع المدينة كلها مزدحمة والناس يفترشون الطرقات رغم بعد مدخل المدينة عن مسجد السيد البدوي، أوقفت سيارتي وسرت مع الناس بدون سؤال، وسط موجة من المريدين حتى وصلت إلى ساحة المسجد. يقول محبو البدوي إنه من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر لي أحد مريديه نسبه متصلا إلى علي بن ابي طالب رضي الله عنه، ولكن بالبحث وجدت أن هذا النسب مشكوك فيه، فهو مولود سنة 596 ه في مدينة فاس المغربية ثم هاجر مع أبيه إلى مكة وفيها عاش حتى توفى والده ومنها سافر إلى العراق ثم جاء إلى مصر ليقيم في مدينة "طنتدا" التي تعرف حاليا باسم طنطا. وغلاة الصوفية يعتقدون أنه من الأقطاب الأربعة، حيث يعتقدون أن الله قد قسم حكم الأرض على أربعة أقطاب وهم " البدوي، الدسوقي، الجيلاني، الرفاعي"، وقد حكي لي أحد المريدين وهو جمال الرفاعي من أسيوط أن البدوي له كرامات كثيرة، فقد كان يمتنع عن الطعام 40 يوما ثم يأكل، وكان سببا في النصر على الصليبيين، وبينما يحكي لي دخلت إلى المسجد متجها إلى الضريح، الضريح اختلط فيه الرجال بالنساء، منهم من جلس على الأرض، ومنهم من شرع بالدعاء، ومنهم من أخذ في الطواف حوله، فجأة وجدت شابا يدور حول المقام يصرخ ويبكي دون مقدمات قائلا "الحقني يا بدوي!!" كما وجدت شيخا بجلباب أبيض يوزع بركاته على الناس، وكان هناك من يصر أن تشرب من المياه التي يحملها حتى تتبارك بها، وهناك من التصقوا بالضريح وشرعوا في مناجاة خافته انفصلوا بها عن الضجيج المحيط بهم. خارج المسجد قابلت أحمد الرفاعي، وقد وضع قماشة مكتوب عليها أنه في خدمة الرفاعية، قال لي أحمد إنه جاء من البدرشين، ولم يكن يحضر للمجيئ، ولكن سبحان الله أعطاه صاحب العمل إجازة ووجد من يتصل به ليقول له أنه سيذهب بسيارته لمولد السيد البدوي فذهب معه، الرفاعي قال إنه لا يعلم من أين يأتي بما ينفقه في المولد فالله يرزقه دون أن يعرف وأضاف " سافرت فجأة ولما جيت هنا عيالي اتصلوا بيه وقالوا لي أنهم وجدوا البيت مليئا بالطعام، وسألوني منين جبت الكلام ده كله فقلت لهم "أنا ماجبتش حاجة لكن ربنا اللي بيرزق"! أحمد قال انه يزور الموالد حبا في رسول الله، فالأولياء أحباب الرسول وهو يحبهم لحبه لهم أمام المسجد كان المنشد محمود التهامي قد وقف مكان والده الشيخ ياسين التهامي أشهر منشدي مصر وقد وقف أمامه ما يقرب من عشرة آلاف من البشر يستمعون إليه. المولد نفسه تحرك مكانه من أمام المسجد، فقد خصصت له المحافظة سبعة فدادين حتى تصل إلى مكانه تسير في طريق يربط بين ساحة المولد والمسجد، الطريق مزدحم بالبشر و العربات الكارو التي تنقل الناس من الجانبين وبسبب جنون قائديها يصبح السير في الشارع مغامرة في حد ذاتها، مغامرة خرجت منها بعد أن صدمنى أحد سائقى الكارو في ظهرى ولم يلتفت حتى ليرى ما حدث لى. أما الساحة فالوضع مختلف، شوادر كبيرة، كل واحد مكتوب عليه اسم طريقة من الطرق الصوفية، وكلا منها فيه منشد يقوم بالغناء بينما يتمايل الناس حوله في حالة غريبة، منهم من شرع في الرقص، ومنهم من رأيته يمسك صاجات ليرقص، الكل منسجم مع أقرانه بينما امتلأت الأرض ببواقي "القصب" الذي يأكله الجميع وكأنه أحد واجبات المولد وطقوسه. هناك قابلت عبد الرحيم حازم من الجيزة، قال لي إنه أتى من الجيزة سيرا على الأقدام حتى يحقق نذره بالذهاب إلى المولد سيرا على قدميه وانه استغرق يومين حتى وصل! بحثت عن الغزية فلم أجدها، وبحثت عن مراجيح المولد فلم أجدها، كما لم أجد تدينا أو تقربا من الله وإنما مظاهر ليست من الاسلام في شيء، كان هذا مولد السيد البدوي!