وصل القطار فى موعده فى الثالثة من بعد ظهر الخميس فغادره الضابط الوسيم وسعى بين الزحام حتى غادر المحطة .. وقف ينتظر سيارة أجرة فطال الوقت دون أن يلوح له أمل ، فاتجه إلى محطه الميكروباص وركب إحدى سياراته . وفى الرابعة كان يدق جرس شقة الأسرة دقته المتقطعة المعروفة عنه ، فانفتح الباب عن وجه أمه المبتهج وتلقته بالأحضان والقبلات , ومن خلفها جاء أبوه فاتحاً ذراعيه ..15 يوماً كاملة يغيبها عن أبويه فى عمله البعيد عن القاهرة , فيخلو عليهما المسكن بعد زواج شقيقته وهجرتها مع زوجها , ويخلصان للوحدة فلا يؤنسهما فى وحدتهما سوى أخبار وحيدتهما المسافرة وابنهما الغائب واجترار ذكريات رحلة العمر .. الأب موظف على المعاش والأم مدرسة أعتزلت المهنة بعد تقاعد الاب لتخفف وحدته ,يمضيان معا معظم الاوقات ..تتغير رتابة الحياة عندهما حين يسمعوا صوتها بالتليفون أو عودة الابنة مع زوجها من كندا مرة كل عامين ... اما هشام الابن الغائب لسبب ظروف عمله بعيدا عن القاهرة فلا يحمل التليفون صوته إلا نادراً لظروفه " العسكرية " .. ويعتذر عن ذلك كل مرة بأنه يدخر الشوق والكلام كله الى حين مجيئه إليهما كل 15 يوماً , قلوب الابناء تختلف فى ضعفها عن قلوب الاباء .. وقد عرفا ذلك فيئسا من حثه على الاتصال كل حين .. مائدة الغداء يوم الخميس حين يعود هشام هى بهجة الاسرة حقا .. تستعد لها أمه من اليوم السابق ويشترى لها الاب أحسن الطعام والفاكهة ، أما التورته فيحملها هشام ويصر على ان يأكل الابوان منها حتى التخمه .. لكن هشام يتعجل إنهاء الجلسه كل مرة وينهض متسرعا برغم احتجاج الام ، فيغتسل ويغير ملابسه .. ويواجه حرج الاستئذان فى الخروج قبل أن يرتوى شوق الأم إليه ، قالت الام عاتبة : ألاتصبر على لقاء " الهانم " حتى تشبع من طعام الغداء وتستريح من السفر ؟ فنظر إليهما باسماً ومحرجاً ، وانقذه أبوه من حرجه قائلا له : اذهب يا هشام وبلغ تحياتى لأستاذ حسنى ولا تتوقف أمام كلام أمك ، فلو استطاعت لابقتك إلى جوارها ولما سمحت لك بزياره خطيبتك ولا بالعودة لعملك مساء غد .. فقبل الشاب أمه وودع أباه وخرج ..... وفى بيت فتاته .. وجد خطيبته فى انتظاره فى كامل زينتها ، فجلس مع أهلها بضع دقائق ثم أستأذن فى الخروج معها ... راحه القلب تبدأ حقا حين يخرجان من باب العمارة ، فتتشابك أذرعهما ويمضى الوقت جميلا سعيداً بلا حساب .. عرفها وهو طالب بالسنة النهائيه فى الكلية الحربية ، وهى طالبة بكلية التربية وتم تعارفهما فى محل للحلوى .. جمعت الصدفه بينهما وتعاهدا على الارتباط ، وعندما تخرجا توجا الحب بالخطبة ، وقالت أمه حين أراد خطبتها معترضه : ليست جميلة بالمره وأنت وسيم وألف فتاة جميلة ترحب بك .. فلماذا تحكم على نفسك بعشرة فتاه غير جميله قد تملها بعد أن يهدأ الحب .... وتتلفت حولك باحثا عما ينقصك؟ فغضب لإهانة الحب ودافع عن فتاته بكل قواه ... أما أبوه فقد قال : الجمال مسألة شخصية تخصه ولا شأن لنا به ، المهم أن تسعده وأن تكون من أسرة طيبة .. وتمت الخطبة وتنازلت الأم عن معارضتها إكراما لابنها ورحبت بها .. بل واستراحت بعد قليل إلى طيبتها وروحها الودود .. ومع ذلك كثيرا ما تتعجب للهفته الشديدة عليها برغم ماتراه من افتقارها للجمال . ( البقية غدأً بإذن الله ) وأقرأ أيضاً : الحكاية الثالثة والعشرين .. ذات الرداء الأحمر !