فى المدرسة .. يتبارى الصغار فى الفوز برضا المدرسين وتجنب غضبهم وعقابهم .. وبالرغم من الجد والإجتهاد فلا أحد من تلاميذ فصلى ينال بعض المكانة التى يحظى بها "ألفة" الفصل أو أوله فى الترتيب الدراسى .. ابن عامل السكة الحديد "تميم" .. فهو "حبة عين" مدرسى الفصل جميعا، ومهما بذلنا من جهد وعطاء فهو المفضل لديهم بلا مراء، وهو الوحيد الذى يخصه "فهيم أفندى" مدرسنا بالرعاية والإيثار، ونبذل غاية الجهد للتفوق ونيل الرضا السامى فلا تكون غاية جهدنا إلا النجاة من اللوم أو العقاب، ويظل التفضيل والتمييز دائما ل "تميم" ومن بعده لذلك التلميذ ذى الاسم الغريب "وكيل" حتى ضاق بعضنا بهذه التفرقة فأطلق دعابة تقول : إن "تميم" و "وكيله" هما سادة الفصل بلا منازع ! وتمضى الأيام فى دورتها المحتومة .. ثم أجدنى ذات يوم فى قطار الديزل المنطلق من القاهرة إلى الإسكندرية، ويقترب منى كمسارى القطار فألاحظ على البعد تجهمه وتعامله الجاف مع الركاب ، فأتهيأ نفسيا للتعامل مع تحفظه ، فما أن يقترب منى حتى تدوى فى الذاكرة أصداء الذكريات البعيدة .. وأتذكر "ألفة" الفصل و "دلوعة" الأساتذة المفضل .. "تميم" ! وأتعجب لهذا المصير الذى انتهى إليه نجم الدراسة القديم، ويقترب منى فأسأله عن اسمه، فينظر إلى متجهما ومتشككا، ثم يجيبنى فى تحفظ عن السؤال .. فتتأكد الظنون .. وأعرفه بنفسى وأذكره بأننى كنت زميلا له بالسنة الثالثة بمدرسة النجاح الابتدائية فى الزمن البعيد .. فترق ملامحه بعض الشىء .. ويتذكر أسماء المدرسين القدامى .. واسم "وصيفه" السابق فى الفصل الذى عرفت منه للعجب أنه قد انتهى أيضا كمساريا بالسكة الحديد! لكنه لا يتذكرنى ولا يتذكر اسمى بالرغم من المحاولة، ولا أعجب لذلك حين يودعنى منصرفا عنى إلى غيرى، إذ كيف "للنجوم" أن يتذكروا غمار التلاميذ وآحاد البشر فى عصورهم الذهبية السابقة؟!