بعد أن قضت المحكمة الإدارية العليا لدى مجلس الدولة بتأييد الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بإلغاء الحرس الجامعي من حرم الجامعات المصرية، وإنشاء وحدة أمنية تشرف عليها إدارة الجامعة بدلا من الحرس الجامعي التابع لوزارة الداخلية، وهو الحكم الذي يكرس حرية الرأي والنشاط السياسي داخل الجامعات، ظهرت مجموعة من الشواهد التي تعبر عن انفلات غير مسبوق بين طلاب الجامعات، والتي كان على رأسها انتشار تعاطي المخدرات بأنواعها المختلفة، ومن خلال السطور التالية نرصد الشواهد التي لاحظها الطلاب.. يقول أحمد بدر الدين-طالب بكلية التجارة بجامعة القاهر-: لم أكن من الطلاب الذين يعانون من تواجد الحرس الجامعي داخل الجامعة، لأني باختصار ليس لدي انتماء أو نشاط سياسي، وبالتالي لم تكن الجامعة بالنسبة لي سوى مكان أحصل من خلاله دراستي، ولكن مع اختفاء الأمن في الجامعة زادت نسبة ملاحظة تعاطي الطلاب للمخدرات في كل أرجاء الجامعة دون خوف أو حتى حرص من عدم الجهر بذلك مثلما كان يحدث من قبل، بل أصبحت هناك بعض الأماكن داخل الجامعة تعد أوكارا لتعاطي المخدرات ومنها الشارع الشهير ب "love street" أو " شارع الحب" الواقع خلف كلية دار العلوم، وأيضا الشارع الواقع بين قبة الجامعة وكلية العلوم، فحينما أمر هناك بالمصادفة لابد أن أعثر على بقايا لف سجائر المخدرات وفلاترها. ويضيف محمد عبد الغني-طالب بكلية الحقوق بجامعة القاهرة-: هناك أيضا المنطقة المعروفة باسم "back area" أو "المنطقة الخلفية" والتي كانت منذ أيام وجود الحرس الجامعي مشهورة كأحد أوكار تعاطي المخدرات بأنواعها المختلفة، ولكن بعد انتهاء تواجد الحرس الجامعي أصبحت مجرد مكان للف السجائر وإعدادها للتعاطي، حيث إن الطلاب أصبحوا يتعاطون سجائر الحشيش في أي مكان وسط الجامعة بشكل طبيعي، لدرجة أني أحيانا كنت في أحد المدرجات ووصلتني رائحة مخدر الحشيش من شرفة المدرج. أما بالنسبة لجامعة حلوان فتقول أمنية كمال- ليسانس آداب-: المشكلة في جامعتنا أنها تقع على مساحة كبيرة جدا ،وهناك أماكن كثيرة بعيدة عن المدرجات بخلاف أن الجامعة لا يعتبر لديها سور يفصلها عن الخارج، فيوجد في نهاية الجامعة شريط قطار البضائع الذي يخترق الجامعة، ولذلك لم يكن وجود الأمن مسيطرا بشكل كبير على جميع أرجائها ،فكثيرا ما كنا نجد شبابا يجلسون ويلفون سجائر بالقرب من الصالة المغطاة التي لا يوجد أي طلبة يدخلونها ،وكذلك عند المدينة الجامعية في نهاية الجامعة والتي تقع تقريبا في وسط الصحراء والأمن بها غير كاف لدرجة أن فتايات المدينة الجامعية كن يخرجن في مظاهرات بسبب عدم وجود أمن لحراسة المدينة، ومن قبل حدثت مشاجرة مات فيها أحد طلاب الجامعة بسبب عدم وجود أمن يتدخل ليفض الشجار. ويضيف أيمن محمود-طالب بكلية التجارة بجامعة حلوان-: في البداية كان هناك أمن وهناك العديد من الضباط يأتون الساعة السادسة يفتشون الجامعة ركن ركن ليخرجوا الطلاب، ولكن بعد قرار منع الأمن جاء حرس مدني ليقفوا عند الأبواب فقط ولا يتدخلون في حراسة الجامعة من الداخل، وهو ما جعل فكرة تعاطي المخدرات داخل الجمعة أمرا في غية السهولة بخلاف ظهور العديد من التصرفات الخارجة بين الشباب والفتايات. مؤمن محمد إسماعيل-طالب بكلية التجارة جامعة عين شمس-يقول : تعاطي المخدرات داخل جامعة عين شمس لم يكن الظاهرة الوحيدة التي ظهرت بوضوح داخل الجامعة ولكن ظهر التجارة فيها أيضا حيث أصبح هناك العديد من "الديلارات" التي تبيع المخدرات بأنواعها المختلفة سواء كانت الحشيش أو العقاقير المخدرة التي انتشرت بشكل كبير بين الشباب والفتايات والتي من بينها الترامادول الأبيض والأحمر والترمادول الصيني الذي يعد أرخص سعرا، كما أن هناك بعض الفتايات اللاتي تعملن في التجارة ،فلم يعد الأمر مقصورا على الشباب فقط، بخلاف باعة كروت الشحن الجائلين الذين يقفون عند سور الجامعة فهؤلاء أيضا يعملون في تجارة المخدرات لصالح الطلاب المتعاطين، ومن أشهر الأماكن المعروفة بتعاطي المخدرات في الجامعة ممر جيمي وخلف قصر الزعفران وهو المكان المفضل لبعده عن المدرجات، كما أن بعض الشباب أصبحوا يفرغون المشروبات الكحولية داخل عبوات البيبسي ليس خوفا من الردع ولكن للحفاظ على مظهرهم بين زملائهم، والحقيقة أن التعاطي كان محكوما إلى حد ما داخل الجامعة ولكنه كان موجودا في ظل وجود الأمن. ومن جانب آخر يقول الدكتور محمود عبد المقصود-الأمين العام لنقابة الصيادلة-: العقاقير المخدرة التي يتداولها طلاب الجامعة ليست موجودة بالصيدليات المصرية فهي مهربة وهي أزمة نحن نعانيها فالترامادول ومشتقاته الموجود لدينا يستخدمونه كمسكن قوي لمرضى السرطان وهي الدرجة التي قبل احتياجهم للمورفين مباشرة هذا بخلاف من لديهم أمراض في العمود الفقري وهو ما يجعلنا لا نستطيع منع هذا الدواء من الصيدليات ولكن بدأت استخداماته تزيد فأصبح يتعاطاه من يعمل أثناء فترة الليل أو من يسافر ليلا ويريد أن يظل مستيقظا هذا بخلاف أننا لدينا في مصر مشكلة جنسية وهذا العقار يعطيهم إحساسا بطول العلاقة الجنسية فيأخذ كبسولة وبعد ذلك أصبحت الجرعة تزيد معهم لكي يصلوا لنفس الحالة التي وصلوا لها أول مرة فيدخلون في دائرة الإدمان، هذا بخلاف أن مدمني الهيروين لا يستطيعون الحصول على الجرعة التي تكفيهم بسبب غلاء سعره فيتناول هذه الأقراص كعامل مساعد للوصول إلى حالة مشابهة للتي يفعلها الهيروين، حتى انتشر بين شباب الجامعات لرخص سعره، ولذلك طالبنا مؤخرا بإضافة الترامادول إلى جدول واحد بدلا من جدول اثنين حتى يصرف بروشتة من طبيب يحتفظ بها الصيدلي ويتم متابعة ذلك من خلال الوزارة، ولكن المصيبة هي العقاقير المهربة التي تأتي لنا من الصين والهند والنسبة الأكبر من الصين لأننا لا نعلم شيئا عنها والتي تؤدي بالمتعاطي الدخول في نوبات عصبية وزيادة في كهرباء المخ والدخول في إغماءات والتي قد تسبب الدخول في غيبوبة أو الوفاة مباشرة لأنها مليئة بالسموم ولذلك لا بد من عمل لجنة حقيقية لمكافحة الإدمان لأن بهذه الطريقة الشباب يقعون منا وكلما نكافح شيئا يظهر الذي هو أخطر منه. أما د. سهير لطفي-رئيسة المركز المصري لمكافحة الإدمان وأستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية- فتقول: عموما سوء استخدام العقاقير أو الحشيش هو ما يؤدي إلى الإدمان وبذلك أصبح لدينا ثغرة تجعل من يتاجر فيها يستغل ثقافة خصبة وثرية جدا لدى المجتمع كما أن الضغوط التي أصبحت لدينا جعلت فرصة الإدمان تتزايد دون وعي إننا أصبحنا مدمنين، أما عن سبب استمرار المتعاطي لمثل هذه المخدرات برغم معرفته ويقينه بخطورته فهذا لأن المدمن حدوده الاجتماعية والنفسية والحسية "تسيح" وحتى حدود الحياة والموت ولذلك تجدهم مهما يحدث لهم بعد تناول جرعات عالية أو موت أصدقائهم أمام أعينهم يعود مرة أخرى ويتعاطى فأهم شىء بالنسبة له هو تلبية الرغبة الصارخة التي لديه في تناول الجرعة ولذلك نعتمد في العلاج على تهدئة هذه الثورة التي بداخل المدمن وتفريغ المادة المخدرة من دمه وإعطائه أدوية تدفن شهيته لهذا المخدر، وأنا لست مع من يأخذون قضية المخدرات بفكرة المؤامرة حيث إني أرى أن المخدرات نشاط اقتصادي أسود وأي نشاط اقتصادي خاضع لمسألة العرض والطلب ولذلك فالمصدر يدرس السوق ومن خلال دراسته يجد أن الشباب بكل قطاعاته من أبسط البسطاء إلى أغنى الأغنياء هم زبائنه الأول لأن لديهم خاصية التجربة والمشكلة أننا نختصر مكافحة الإدمان في جهاز الشرطة التي دورها الوحيد هو مكافحة عرض المخدرات في الشارع وهذا ليس حلا لمشكلة الإدمان لأن ما زال هناك طلب على المخدرات فالمكافحة هو كيفية أن نجعل الشباب يقول لا للمخدرات، والأرقام الموجودة لدينا عن نسبة متعاطي المخدرات هي الأرقام المسجلة من قبل وزارة الداخلية والحالات التي تعالج في المستشفيات فقط ولذلك لا يوجد لدينا رقم دقيق عن عدد المدمنين في مصر. ومن جانبه يقول د.أحمد عبد الله-أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق-: رأيت شبابا يأتون مع أهاليهم للعيادة ولا تكون الشكوى الأساسية للأهالي أن أبناءهم يتعاطون المخدرات بينما يشتكون من مشاكل في السلوك وما إلى ذلك ولكن في النهاية يصرح أبناءهم لى بأنهم متعاطون لمخدر الحشيش وأن 90% من زملائهم في الدراسة يتعاطونه ومن لا يتعاطى إما أن يكون ملتزما دينيا أو متدروش، أو "مش راجل" ولذلك فالموضوع منتشر جدا بين الشباب، والسؤال هنا هو لماذا شباب في عنفوان طاقتهم يتعاطون المخدرات بهذا الشكل؟ والإجابة أنهم محبطون وليس لديهم شىء يستثمرون فيه هذه الطاقة، حتى حينما ظهرت طاقة إيجابية كبيرة جدا بعد الثورة أصيب الشباب بالإحباط لشعورهم بأن الثورة تمت سرقتها وأنها لم تجني ثمارها، ولكن على أي حال سوف تجد شباب الجامعات المتواجدين في المحافظات عدد المتعاطين منهم للمخدرات أقل من القاهريين، والموضوع هنا لا يرجع لفكرة التمدن بينما ستجد أن شباب جامعة دمياط مرتبطون بالورشة أو التجارة، فيستثمرون أوقاتهم في العمل، وهكذا، ولذلك فكرة استثمار الطاقة ووقت الفراغ يعالج المشكلة بشكل كبير، ولذلك تجد أن المشكلة أكبر بالنسبة للفتايات اللاتي أستغرب البعض أن هناك عددا كبيرا منهن اتجه للمخدرات، ولكني أرى ذلك طبيعيا لأن البنت بطبيعتها لديها وقت فراغ أكبر بكثير قد يقضيه الشاب في الشارع مع أصدقائه، بخلاف أن المخدرات بالنسبة للفتايات يتم تعاطيها كنوع من المغامرة لكونها ممنوعة، ولذلك فيتجه الكثير من الشباب والفتايات لها لمجرد إيجاد موضوع جديد يفرغون فيه طاقتهم ويفنون وقتهم وفي النهاية يدمرون أنفسهم. يختتم الحديث د.رشاد عبد اللطيف-نائب رئيس جامعة حلوان لشئون الطلاب وأستاذ علم الاجتماع- قائلا: لقد قلت من قبل إن إلغاء الحرس الجامعي سيكون بمثابة مصيبة ستحل على استمرار العملية التعليمية بشكل سليم داخل الجامعات المصرية، وأن الضرر من إلغائه سيكون أكثر من الفائدة، لأن في النهاية هذا الجهاز كان لديه القدرة على ضبط الجريمة ودراسة الحدث والتدخل السريع من حيث التسجيل الأمني، بخلاف أن مرتباته كانت محملة على وزارة الداخلية وليس إدارة الجامعة، وبالتالي كان هناك منه استفادة سلطوية ومادية، وهو الأمر الذي لا يتوافر في عناصر الأمن المدنية الجديدة التي تحصل على مرتبات من الجامعة وفي نفس الوقت لا يتوافر لديها مهارات الحرس الشرطي، ومن الناحية الاجتماعية كان لغياب الأمن تأثيرا بظهور مشاكل جسيمة مثل انتشار تعاطي المخدرات والتجارة فيها وشرب المشروبات الكحولية داخل الحرم الجامعي والمشاجرات بين الطلاب التي أدت إلى وفاة أحد طلاب الجامعة داخل الحرم الجامعي، وممارسة الجنس بين الطلاب والطالبات ودخول الغرباء للجامعة، بخلاف التأثير النفسي على الطلاب الذين لا يشعرون بالأمان داخل أسوار الجامعة خوفا من تعرضهم للسرقة بالإكراه أو أن يتعرضوا للاعتداء الخلقي، ومن جانب آخر أصبح الآباء والأمهات لا يشعرون بالأمان على أبنائهم وهم في الجامعة بسبب كل هذه الشواهد، وبالطبع كل هذا أثر على العملية التعليمية لأنه لأبسط الأمور لم يعد هناك سيطرة على هرج الطلاب داخل وخارج المحاضرات وبالتالي يضطر الأساتذة لإلغاء المحاضرات، ولذلك فالحل هو عودة الحرس الجامعي بشرطين الأول هو ألا يرتدي الزي العسكري والثاني ألا يتدخل في الشئون الأمنية السياسية بين الطلاب.