تأتي ذكري تأسيس الاتحاد السوفيتي يوم 30 ديسمبر من كل عام، حيث تأسس في ذلك اليوم من عام 1922. الاتحاد السوفيتي، تلك اليوتوبيا التي ذهبت مع الريح. ورغم مرور كل هذه السنوات، فإنَّ سقوط الاتحاد السوفيتي لا يزال سؤالًا محيرًا، لم يجد إجابة شافية حتي الآن. وربما هنا يكمن سر إعجابي برواية دينيس جوتسكو »دون طريق، بلا أثر»، منذ أن قرأتها للمرة الأولي منذ عدة أعوام؛ فهي تتأمل التجربة من منظور إنساني مختلف، وتلقي الضوء علي مأساة الإنسان العادي في عالم يتشكل وينهار دون أن يلقي له بالًا. ميتيا (ديمتري) استيقظ ذات يوم ليجد أن وطنه لم يعد له وجود، اختفي من الخريطة في لحظات. صار مواطنًا أجنبيًّا في بلد ولد وتربي فيه، يتحدث لغته، ولا يعرف له وطنًا غيره. إنه يقف عالقًا بين عالمين، عالم تشكل فيه ومنه وجدانه، كبر فيه وكبرت روحه، وعالم يراه بعينيه لكنه بعيد. رواية دينيس هي محاولتي الثانية أن أجيب عن هذا السؤال المحير- الاتحاد السوفيتي- بعد عمل الحائزة علي جائزة نوبل سفيتلانا ألكيسييفيتش »صلاة تشرنوبل». الإنسان العادي يقف مجددًا أمام عالم لا يرحم، عاجزًا قبالة واقع فرض عليه، واقع لا يكترث به، وربما لا يراه من الأساس. أومن تمامًا بما قالته لي يومًا د. رضوي عاشور، إن الأدب لا يكذب، ولو كذب فكذبه صدق. كما أشعر بالامتنان لصديقي العزيز دينيس جوتسكو، كاتب العمل، لأنه منحني هذه الهدية القيمة، وأعطاني الفرصة لمواصلة البحث عن إجابات للأسئلة المحيرة التي تمس الإنسان في هذا العالم الذي يبدو عبثيًّا غامضًا لا يكترث بمصائر البشر. لم تكن ترجمة الرواية بالأمر السهل؛ فقد بدت لي مثل بوميرانچ فني، يحلق في دوائر بلا نهاية، داخل وخارج الشخصيات، راصدًا أدق التفاصيل، بلغة غنية، تتنوع بين البساطة، التعقيد، الرمزية، والإحالات اللانهائية.